الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فلمَّا استوزروا.. فشلوا!

فى 14مايو 2014 أطلق الدكتورعمرو حلمى، وزير الصحة الأسبق وأحد أعضاء حملة المرشح الرئاسى حينها حمدين صباحى، تصريحًا يقول فيه "ممكن القضاء تمامًا على فيروس "سى" فى مصر خلال 10سنوات"، أى خلال عام 2024. لم يكن عمرو حلمى جرّاح الكبد الشهير ووزير الصحة فى وزارة عصام شرف منذ 17يوليو 2011، يعلم أن مصر ستهزم فيروس "سى" وستصبح نموذجًا يُحتذَى به ويُدرَّس فى العالم كله بالنسبة لتلك التجربة فى وقت أقل بكثير يكاد يكون نصف الوقت الذى حدده حلمى.



عمرو حلمى، أحد مؤسّسى حركة كفاية ومجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات (المعروفة إعلاميّا بحركة 9مارس) وكان من المرشحين لمنصب نقيب الأطباء قبل تعيينه وزيرًا للصحة، هو نموذج مثالى للشخص الذى يجيد رفع الشعارات الرائعة لكنه يفشل فى تطبيقها عندما يتولى المسئولية كالعادة.. وكالآخرين من عينة «رموز يناير»!! فى عهد حلمى، حدثت إضرابات شهيرة للأطباء وخرج حينها كوزير للصحة ليؤكد أن إضرابات الأطباء مشروعة؛ خصوصًا أنه سبق أن شارك فيها أكثر من مرّة لكنه رفض مطالبهم بزيادة الأجور. كان رأيه أن كرامة الأطباء ليست فى تلك الزيادة، بل فى تغيير نظرة الشعب لهم بعد سنوات من تحقير مهنة الطب فى عهد النظام السابق- على حد زعمه!. وضع حلمى على مكتبه لافتة "ميدان التحرير" فى أول أيام توليه الوزارة.. فى إشارة واضحة إلى أنه جاء من الميدان.. الأمرُ الذى جعله فى مَرمَى تهمة تسييس وزارة خدمية بالأساس. المناضل العمالى لم يكن عمرو حلمى النموذج الوحيدَ على سقوط رموز يناير عندما وصلوا إلى المناصب.. بل إن كثيرين غيره كانوا يروقون للمزاج العام للمصريين بسبب الهتافات الثورية البرّاقة، ولكن بعد توليهم المسئولية تبخرت تلك الهالة الزائفة.. ومن أبرز هؤلاء كمال أبو عيطة، الذى كان ثورجيّا ناجحًا ومناضلًا بارعًا فى الكلام عن حقوق العمال، ولكن عندما تولى مسئوليتهم فشل واعترف بفشله؛ لأن هتافات الأرصفة والميادين أسهل بكثير من أن تصبح مسئولًا عن تنفيذ ما تقوله. كان أبو عيطة يلقب بـ"المناضل العمالى".. ولِمَ لا وهو الذى قاد مجموعة نضالات وإضرابات عمالية ونقابية أشهرها اعتصام موظفى الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء فى آخر عام 2007 ومطلع عام 2008 مطالبين بمساواتهم بباقى موظفى الضرائب. وهو أيضا مؤسّس النقابة المستقلة للضرائب العقارية، ورئيس الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، وعضو مجلس الشعب عن حزب الكرامة؟!. جاء "أبوعيطة" وزيرًا للقوى العاملة فى وزارة الدكتور حازم الببلاوى، التى تشكلت فى عهد الرئيس عدلى منصور بعد ثورة 30يونيو 2013، وبعد توليه مسئولية الوزارة والملف الذى عمل به لسنوات طويلة لم يحقق أيّا من الشعارات والهتافات التى كان ينادى بها، بل اعترف عقب خروجه بأنه كان "وزير فاشل". كان "أبو عيطة" قد تعهد بفتح المصانع المغلقة إذا أصبح وزيرًا، وفى عهده لم يحدث ذلك، بل تفرَّغ لتصفية حسابات شخصية مع رئيس اتحاد العمال الذى كان على خلاف معه قبل أن يصبح وزيرًا؛ حيث قام بتعيين مجلس إدارة جديد لاتحاد العمال!. وعقب خروجه من الوزارة قال "أبو عيطة" نصّا: "أنا لم أفلح أن أكون وزيرًا، بل كنت مناضلًا داخل مجلس الوزراء لطرح مطالب الثوار، عيش وحرية وعدالة اجتماعية، ولم أتخلَّ عن حقوق المواطنين أبدًا"!. محامى العدالة كان اللقب المفضل له فى الأوساط الثقافية هو "محامى العدالة الاجتماعية".. هو الدكتور حسام عيسى، وزير التعليم العالى الأسبق ونائب رئيس الوزراء لشئون العدالة الاجتماعية فى حكومة حازم الببلاوى. برز اسم ''عيسى'' خلال ثورة 25يناير أيضا؛ حيث اعتبره شباب الثورة الشخص غير الراغب فى سُلطة أو منصب، ليستقيل خلال هذه الفترة من الحزب الناصرى لرغبته فى العمل بعيدًا عن الالتزام الأيديولوجى والحزبى، ويستكمل طريقه الثورى فى ميدان العمل القانونى، كرئيس لجنة استرداد أموال مصر المنهوبة بالخارج. حظى ''عيسى'' بترشيحه لرئاسة الحكومة فى عهد المجلس العسكرى، فى نوفمبر 2011، ورفضه البعض بحجة كبر سِنّه؛ حيث إنه من مواليد 1936، وسرعان ما غير وجهته السياسية من التابع للفكر الناصرى إلى أحد المؤسّسين لحزب الدستور برئاسة محمد البرادعى، وسرعان ما تقدّم كذلك باستقالته بعد وقت قصير رافضًا الإفصاح فى حينها عن أسباب الاستقالة، إلّا أنه عاد ليكتب فى أعقابها: ''تعودتُ على مواجهة الأقوياء وأصحاب المبادئ، ولا أعرف سبيلًا للتعامل مع الجبن والخسّة والكذب، ولا للعمل مع الصغار''. أثناء توليه حقيبة التعليم العالى تعرّض الدكتور حسام عيسى لهجوم شديد من أنصاره السابقين النشطاء الثوريين، وبعد أن خسر "عيسى" ظهيره الثورى ولم يستطع إرضاء النشطاء فشل كذلك فى حل العديد من الملفات الخاصة بالتعليم العالى كأزمة المدن الجامعية واللائحة الطلابية التى طالبت القوى الطلابية بتعديلها، إضافة إلى فشله فى تعديل قانون تنظيم الجامعات، الذى رفضه عددٌ من أعضاء هيئة التدريس، وكذلك فشل إقرار مشروع قانون المجلس الوطنى للتعليم. المفاجأة أن اضطر "عيسى" للخروج من الباب الخلفى لجامعة القاهرة أثناء زيارته لها؛ خوفًا من ردة فعل طلاب الدبلومات الفنية من نظام الخمس سنوات بجامعة القاهرة، الذين افترشوا الأرض أمام موكب الوزير؛ اعتراضًا على نهج الوزارة «المتعسف» ورفضها تخفيض نسبة القبول بالكليات. اتهامات بالفشل الدكتور جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق، عُرف بانحيازه للطبقة العاملة باعتباره أحد قيادات اليسار المصرى، إلّا أن الاتهامات لاحقته بسبب عدم تحقيق نجاحات بوزارة التموين. ومع هذا، رد على هذه  الاتهامات فى أكثر من حوار صحفى  قائلًا إن ضغط جماعات المصالح وراء إفشال منظومة دعم الرغيف. واتهم وزارة البترول بأنها لم تتعاون معه فى منظومة البوتاجاز وكذلك المحافظين!! أما محمد عبدالمنعم الصاوى، الذى كان زير الثقافة فى وزارة أحمد شفيق سنة 2011 خلفًا لجابر عصفور، وهو الذى قال إنه اعتزل السياسة  فى ديسمبر 2012! رغم أنه لم يكن له تاريخ فى السياسة قبلها سوى قربه من جماعة الإخوان الإرهابية. وعلى درب أصحاب الشعارات والأحاديث البرّاقة، هناك الدكتور أحمد حسن البرعى، الذى تولى منصب زير القوى العاملة والهجرة فى حكومة عصام شرف ثم فى حكومة حازم الببلاوى، وهو أستاذ القانون ورئيس قسم التشريعات الاجتماعية بكلية حقوق القاهرة، وهو رئيس لجنة الصياغة التى شاركت فى إعداد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وصاحب دعاوى إطلاق الحريات النقابية مصر. كان مستشارًا "متطوعًا" لدار الخدمات النقابية والعمالية فى حملتها من أجل إطار تشريعى جديد للنقابات فى مصر، وهو الاسم الذى رشحته الدار وممثلو الاتحاد المستقل والقيادات العمالية لتولى هذه الوزارة. ومع هذا، غادر "البرعى"، وزارة  القوى العاملة والهجرة، تلاحقه اتهامات عمال مصر بتفتيت الحركة النقابية، وله واقعة شهيرة حين شهدت قاعة الاحتفالات الدولية بمركز المؤتمرات بمدينة نصر، قبيل بدء احتفال مصر بعيد العمال، رفض العمال حضوره، منددين بهتافات داخل القاعة فور وصوله تطالب برحيله قائلين "ارحل يا برعى، هو يمشى، برّة برّة". من المعارضة للسُّلطة وعلى ذِكْر النضال بالكلمات.. وفى العام 2005 حمل مانشيت أول عدد من جريدة «الكرامة» العنوان التالى: «نقسم بالله العظيم، لن يرثنا جمال مبارك». لذلك، لم يكن غريبًا على رئيس التحرير "عزازى على عزازى" رحمه الله حينها أن يطير من الفرح بعدما تحققت هذه النبوءة.. وتنحّى الرئيس مبارك عن السُّلطة نهائيّا، وسقط مشروع التوريث المزعوم. مرحلة ما بعد يناير كانت بالنسبة للدكتور عزازى على عزازى بمثابة مرحلة مهمة تحوَّل فيها من موقع المعارضة إلى قلب السُّلطة، بعد اختياره محافظا للشرقية، فى حكومة عصام شرف، واستمر فى حكومة الجنزورى ليكون المحافظ الوحيد الذى وصل إلى منصبه من ميدان التحرير. و"عزازى" ـ رحمه الله ـ عضو مؤسّس فى حزب الكرامة والتيار الشعبى المصرى وحركة كفاية، وتوفى فى شهر مارس 2014.. ولكنه لم يحقق المأمول منه عندما تولى منصب المحافظ، بل اصطدم بعدد من القيادات التنفيذية؛ حيث أصدر "عزازى"، قرارًا بسَحب جميع صلاحيات السكرتير العام اللواء أسامة ضيف وإسنادها للواء أحمد فيصل السكرتير العام المساعد خوفا من نجومية الأول. فى ظل ضعف أداء "عزازى" فى مواجهة المشكلات. وكان أن سمح "عزازى" للفوضى أن تنتشر ويهرب منها بالجلوس داخل استراحته الخاصة. قطعًا لا نتناول سيرة هولاء  من قبيل نَكْءِ جراح شخصيات انزوت عن المشهد، ولكن لكشف حقيقة الذين يفشلون فى مهامهم إذا ما تصدوا لموقع المسئولية بعد أن صدّعونا بشعاراتهم البراقة. محاولات العودة  جميع مَن يُطلق عليهم رموز يناير الذين فشلوا فى مناصب رسمية، حاولوا العودة من جديد فى 13ديسمبر من العام 2017 عندما وقّع 150 شخصية عامّة وسياسية على وثيقة لحركة جديدة تسمى "الحركة المدنية الديمقراطية"، التى دشنت بمقر حزب الكرامة. وعلى هامش مؤتمر إعلان مبادئ الحركة التى أتت فى ذكرى تأسيس "حركة كفاية" الثالثة عشرة، تحدّث حمدين صباحى فقال نصّا: "نحن بالطبع لدينا حلول لشتى الملفات والتحديات، فلدينا تصوُّر لنظام اقتصادى عادل ولحريات حقيقية تحفظ الاستقرار المجتمعى، ولدينا رؤية متكاملة لمحاربة الإرهاب على كل الأصعدة؛ بل القضاء عليه واجتثاثه من جذوره بما فى ذلك خطاب الكراهية والعنف والأفكار المتطرفة". النظرة المبدئية لكل هذه الشعارات البرّاقة والكلام المنمق الذى تعوّدنا عليه ممن يسمون أنفسهم نخبة ونشطاء سياسيين على مدار السنوات الماضية، تشير إلى أن "حمدين" يسعى دائمًا هو ورجاله إلى طرح مسار طالما نادى به تنظيم الإخوان الإرهابى فى أوقات سابقة لإبقاء البلاد فى فترات انتقالية لأطول فترة ممكنة، ثم يستغلون خلالها الأوضاع لاختراق هياكل المؤسّسات والتغلغل داخلها مع توجيه القواعد الشعبية البسيطة وتوظيفها كوقود للصراع وصولًا إلى سرقة السُّلطة فى غفلة الجميع. لكن بمتابعة تصرفات الرجل الذى قال إنه سيسعى هو ورفاقه إلى طرح حلول عملية لمشاكل البلد؛ سنجد أن سيناريو معركة هؤلاء قائمٌ دائمًا على تنصيب أنفسهم دولة فوق الدولة، ومنح أنفسهم صلاحيات، الشعب والحكومة، والبرلمان؛ لتنفيذ أوهام، لا تتطابق نهائيّا مع الواقع، فيظهرون على الناس وكأنهم العالمون بكل شىء تحت شعارات كاذبة لكنهم فى الواقع لم يقدموا فكرة واحدة منطقية للبناء تدفع مصر خطوة للأمام، بل كثيرًا ما تظهر التباينات والخلافات بينهم؛ حيث يتحالفون، ثم تنقسم تحالفاتهم على نفسها.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق