السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نجح «تبون».. فهل تنجو الجزائر؟!

منذ بداية الاحتجاجات ومع ظهور صوت الإسلاميين الراديكاليين، ورفع بعض الشعارات التى تُذكّرنا بأيام (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) الدموية، تضعنا هذه الحال أمام أسئلة متعددة حول الوضع الجزائرى. خصوصًا فى ظل تداخُل التيارات والفصائل فى المعادلة السياسية الجزائرية الأكثر تعقيدًا فى الوطن العربى لمرور هذا البلد بعشرية سوداء راح ضحيتها الآلاف من الشعب الجزائرى وخلفت الكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية التى لاتزال الأسَرُ الجزائرية تعانى منها حتى الآن.



إسلاميو الجزائر، ممثلين فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التى خرجت منها جميع التنظيمات الإسلامية فى الجزائر، نجدهم ومنذ التسعينيات يتميزون بالخطاب الملىء بالغضب ومعاداة الجميع، فى الداخل والخارج. ورُغْمَ مرور أزيد من ربع قرن، لم يستطع الإسلاميون الجزائريون التّحَرُّرَ من خطاب الشكوَى والأنين والبكاء على أطلال انتخابات التسعينيات، ولم يتطهروا من ثقافة "النوستالجيا" السياسية، ولم يتحرّروا من إحساس "الضحية" وهو ما يفتح باب الأسئلة التى أولها: هل يستقر الجزائر بعد فوز تبون، أم أن تحركات الإسلامين ستستمر فى المناورات التى تقطع على الجزائر الاستقرار؟! يتواجد الإسلاميون الجزائريون فى الحراك اليوم مدججين  بالغضب وحس الانتقام من الجميع، واستعجال الأمور والتلهف على السُّلطة ومعاداة شركائهم فى الشارع ورفع الشعارات الحادة التى تفرّق أكثر مما تجمع، إضافة إلى عدم فهمهم للأولى والثانوى وخلط الأوراق السياسية، وهم بذلك يشكلون خطرًا على الجزائر. حتى فى عز الحراك الشعبى، لم يتخلص الإسلاميون الجزائريون من مواصلة زرع ثقافة "التكفير" ومعاداة المثقفين التنويريين وتخوين قيادات بعض الأحزاب الوطنية أو العلمانية. وتعج شبكات التواصل الاجتماعى بخطابات بعض أتباعهم التى تروّج لذلك بشكل واضح، ما يجعلهم قوة تفتيت وتشكيك. إن تركيبة الإسلاميين الداخلية وتصوراتهم الإقصائية، مَهما كان البلد الذى قد يصلون فيه إلى السُّلطة، تتصف بغياب رؤية مستقبلية فى مفهومهم للمجتمع الذى يتوجهون إليه، وتتسم رؤيتهم باستدعاء "الحنين" إلى الماضى واتكاء خطابهم على زمن سياسى ولّى، هو "زمن الخلفاء الراشدين" الذين يقيسون أنفسهم عليه. حسب الخبراء تقتضى الحكمة والتعقل أن يقبل الحراك الشعبى بنتائج الانتخابات الرئاسية؛ لأنه من الطبيعى فى نهاية كل حراك شعبى أو حالة ثورية لا بُدَّ من الحل السياسى والحفاظ على مؤسّسات الدولة الوطنية؛ لأنها الركيزة الأساسية أو النواة التى سوف ينطلق منها التغيير المنشود، لا سيما أنَّ البلد أمام مفترق طرُق خطير.  فإذا كان الحراك الشعبى الجزائرى يشكل جزءًا أساسيّا من الانتفاضات الشعبية التى حصلت فى المنطقة العربية دخولًا فى موجة ما يسمى بالربيع العربى، فإنّ على الحراك الشعبى الجزائرى أن يقبل بالإصلاح الديمقراطى حتى من داخل النظام فى سبيل تحقيق الانتقال الديمقراطى الحقيقى عبر عملية تراكمية. حوار جاد "أمِدُّ يدى للحراك من أجل حوار جاد يحقق مصلحة الجزائر وحدها. وأجدّد التزامى بالمطالب المُحقة للفئات الاجتماعية".. هذه هى الكلمات الأولى للرئيس عبدالمجيد تبون بعد إعلان فوزه بانتخابات الرئاسة الجزائرية، منتصف الشهر الماضى. وربما عَبّرت كلمات "تبون" عن وعيه بالحالة الجزائرية، التى استمرت الاحتجاجات الشعبية فيها ما يقارب العام، وهى الاحتجاجات التى  أنهكت الشارع الجزائرى واقتصاديات البلاد. أصبح "تبون" (74 عامًا) الرئيسَ الجديد للجزائر خلفًا لعبدالعزيز بوتفليقة الذى استقال تحت ضغط الشارع، إثر فوزه من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، بنسبة 58,15 بالمئة من الأصوات. بدأت الاحتجاجات الشعبية فى الجزائر بإعلان "بوتفليقة" يوم 10فبراير 2019، نيّته الترشح لدورة رئاسية جديدة، بحجة استكمال الإصلاحات الكبرى، مُعرضًا عن كل دعوات الرفض السياسية والشعبية. ولم يمهل الشارع السُّلطة سوى أيام لينفجر فى وجهها الجمعة 22فبراير، مُعلنًا بذلك احتجاجات سلمية ضدّ النظام، غير أنّ محيط بوتفليقة لم يفهم الرسالة وأصرّ على إيداع ملفّ ترشّح الرئيس رسميّا لدى المجلس الدستورى يوم 3مارس. شكّل ذلك التعنتُ استفزازًا صارخًا لمشاعر الشعب، فتدفقت الحشود على كل شوارع البلاد ومُدنها، ليتحوّل الثامن من مارس 2019، من يوم المرأة العالمى إلى يوم اعتبره المتظاهرون عنوان الحرية والكرامة فى الجزائر، وكان أن دخلت الجزائر إحدى موجات «ربيع العرب» وهو ما اضطرّ "بوتفليقة" لاتخاذ قرارهم يوم 11مارس بتأجيل الاستحقاق الرئاسى الأول الذى كان مُزمعًا تنظيمه فى 18أبريل 2018، وحَلّ الحكومة مع هيئة مراقبة الانتخابات، والتعهد بتسليم السُّلطة لرئيس منتخب، زيادة على تكليف نور الدين بدوى بتشكيل فريق وزارى جديد خلفًا لأحمد أويحيى. وبينما كانت الحكومة تظنّ أن خطوتها ستستوعب موجة الغضب، فإذا بها تزيد الشارع ثقة ويقينًا بالنصر، فجاءت جمعة 15مارس أكثر إصرارًا على رحيل آل بوتفليقة، حتّى نطق الفريق قايد صالح فى الوقت المناسب يوم 26مارس، مؤكدًا أن تصوُّر المؤسّسة العسكريّة للحل يكمُن فى تطبيق المادة 102 من الدستور، أى الشغور بمقتضى الاستقالة أو العجز الطبى ولا خيار غير ذلك. ملاحقة الفساد تسارعت الأحداثُ لاحقًا بشكل دراماتيكى بتدشين فصل ملاحقة رموز الفساد السياسى والأمنى والمالى؛ حيث تمّ ليلة 31مارس توقيفُ رجل الأعمال على حداد، وهو يحاول العبور إلى الأراضى التونسية عبر المَعبر البرّى فى ولاية الطارف، قبل إيداعه سجن الحراش، وما هى سوى أيام، حتى لحق به رجال الأعمال البارزون يسعد ربراب والإخوة كونيناف ومحيى طحكوت وآخرون. وفى مساء اليوم نفسه؛ يكشف عبدالعزيز بوتفليقة نيته الاستقالة من منصبه قبل نهاية ولايته فى 28أبريل، غير أنّ قيادة الجيش اجتمعت مُجدّدًا؛ لتُشدّد على "ضرورة التطبيق الفورى للحل الدستورى"، للخروج من الأزمة و"للمباشرة فى المسار الذى يضمن تسيير الدولة"، قبل أن يظهر الرئيس فى وقت متأخر من الليلة نفسها على شاشة التليفزيون الوطنى، وهو يقدم رسالة الاستقالة إلى رجُل ثقته الطيب بلعيز. بموجب ذلك تولى رئيس مجلس الأمَّة عبدالقادر بن صالح يوم الثلاثاء 9أبريل مهامه كرئيس مؤقت للدولة، طبقًا لأحكام المادة 102 من الدستور، لمدة أقصاها 90 يومًا، كان يفترض خلالها تنظيم انتخابات رئاسية فى حدود 4يوليو. تطورت الأحداث واتخذت  مَنحى آخر يوم 4مايو بتوقيف الأجهزة الأمنية لكل من المستشار السابق للرئيس، وهو شقيقه "سعيد بوتفليقة"، بمصاحبة الجنرال محمد مدين الشهير بتوفيق الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات، بالإضافة إلى اللواء بشير طرطاق خلفه فى المنصب، قبل أن تكمل السياسية البارزة لويزة حنون تعداد الفريق الرباعى. فى مطلع شهر مايو، دعا عبدالقادر بن صالح إلى الحوار الشامل لوضع الترتيبات اللازمة لتنظيم الانتخابات بهدف "تجنيب البلاد الفراغ الدستورى وإفشال مخططات معادية". غير أنّ المجلس الدستورى أفتى قانونًا، يوم الأحد 2يونيو، باستدعاء رئيس الدولة الهيئة الانتخابية من جديد لاستكمال المسار الانتخابى حتى انتخاب رئيس للجمهورية وأدائه اليمين الدستورية، وذلك بعد استحالة إجرائها يوم 4يوليو. وفى 12يونيو، أمَرَ قاضى التحقيق لدى المحكمة العُليا بإيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت بسجن الحراش، وهى المرّة الأولى فى تاريخ الجزائر التى يُودَع فيها مسئولٌ سابقٌ الحبسَ، ثم تبعه رئيس حكومة آخر هو عبدالمالك سلال وسياسيون، بينهم عمارة بن يونس وعمار غول جمال ولد عباس وسعيد بركات وآخرون. وفى نهاية يوليو، أعلنت رئاسة الدولة تشكيل لجنة سُداسية لقيادة حوار وطنى، وفى 17أغسطس كشفت "هيئة الوساطة والحوار" عن تشكيل لجنتها الاستشارية، التى تضم 41 من الشخصيات الوطنية، بينهم وزراء سابقون وأساتذة جامعيون وخبراء ونشطاء بالحراك الشعبى. مؤكدة أنها ستعمل على إيجاد نهج توافقى للخروج من المأزق السياسى الذى شهدته البلاد. الجيش يختار الحسم بدا أن الإجراءات تسير بسرعة لطى الأزمة بأخف الأضرار، فى ظل استمرار الحراك الشعبى ومحاولات أطراف عديدة عرقلة كل المساعى نحو الحلول الآمنة، ولذلك صرّح الفريق الراحل أحمد قايد صالح، مطلع سبتمبر الماضى، أنه من الأجدر استدعاء الهيئة الناخبة يوم 15 من الشهر نفسه، داعيًا إلى تنصيب الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات فورًا. وهو ما حرصت هيئة الحوار الوطنى على تسهيله بتسيلمها يوم 8 سبتمبر تقريرَها النهائى إلى الرئيس عبدالقادر بن صالح، حيث تضمّن مخرجات الحوار ومشروع قانون إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، وتعديلًا جزئيّا لقانون الانتخابات بعدما أجرت مشاورات مع 23 حزبًا سياسيّا، وما يقارب الستة آلاف جهة، بين جمعية وحزب وشخصيات مستقلة، وفى منتصف الشهر استدعى رئيس الدولة الهيئة الانتخابات الرئاسية التى حدد تاريخ تنظيمها يوم الخميس 12ديسمبر، وتم الإعلان عن تشكيل أول سُلطة عُليا للانتخابات برئاسة الوزير السابق للعدل، محمد شرفى. فى 25 سبتمبر، تنطق المحكمة العسكرية بالبليدة بالسجن النافذ 15 سنة ضد أربعة متهمين بالتآمر ضد سُلطة الدولة والجيش، وهم: السعيد بوتفليقة ولويزة حنون والفريق المتقاعد محمد مدين، واللواء المتقاعد بشير طرطاق، كما قضت بالسجن النافذ، 20 سنة غيابيّا، ضد وزير الدفاع الأسبق اللواء المتقاعد خالد نزار. بمنتصف ليلة السبت 26أكتوبر تم غلق باب الترشّح، وبلغ عدد الراغبين فى دخول سباق الانتخابات الرئاسية 23 شخصية، قبل أن يعلن المجلس الدستورى يوم 9نوفمبر، وبَعد الفصل فى الطعون، عن القائمة النهائية للمتسابقين، التى ضمت خمسة أسماء فقط. وفاز المرشح عبدالمجيد تبون بالانتخابات الرئاسية بنسبة 58.15 بالمائة، لتدخل الجزائر مرحلة جديدة من الشرعية الانتخابية.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق