الخميس 10 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إمارة الرشاوى

إمارة الرشاوى

 لا تتوقف إمارة قطر عن ارتكاب كل الموبقات السياسية والأخلاقية، ومنذ عهد الانقلابات العائلية فى العائلة المالكة تورطت الإمارة الصغيرة فى فضائح رشاوى مخزية، ما كُشف منها أقل مما أُرتكب بالفعل. وكان أشهر قضيتين فى ملف الرشاوَى القطرية مؤخرًا "تنظيم كأس عالم 2022 وفضيحة بنك باركليز البريطانى". وهما القضيتان اللتان شغلتا الرأى العام العربى والعالمى، وأثبتتا تورط النظام القطرى فى قضايا واتهامات بالفساد والرشوة بحثًا عن مكاسب للإمارة التى تريد أن تلعب دورًا أكبر من حجمها.



ففى 2ديسمبر عام 2010، أعلن "سيب بلاتر" رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) وقتها، بأن بطولة كأس العالم لعام 2022 سوف تقام لأول مرّة فى تاريخها فى منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا فى إمارة قطر. ومنذ هذه اللحظة، وعالم كرة القدم بأكمله يشعر بالامتعاض والاستياء، وأصبح السؤال الوحيد المسيطر على أذهان الجميع.. لماذا قطر؟! حسب مراقبين؛ فإن اختيار قطر لأهم حدث رياضى فى العالم، قرارٌ يخلو تمامًا من الأسباب المنطقية، فمن المعروف أن طبيعة البلد الصحراوية، ودرجة حرارته المرتفعة فى فترة الصيف، ستشكل خطورة على اللاعبين خلال 90 دقيقة هى مدة المباراة، كما ستشكل خطورة أيضًا على الجماهير فى المدرجات، بالإضافة إلى أن المكان لا يملك تاريخًا أو تراثًا كرويًا لكرة القدم، بل إنه قد تم التخطيط لكأس العالم 2022 فى منطقة لا تملك الملاعب ولم يتم بناؤها من الأساس حتى وقت قريب! مرّة أخرى، يصبح هذا الاختيار غريبًا إذا علمنا أن الفيفا نصبت نفسها قوة دولية تساهم فى التنمية، ولذا كان من المنطقى أن تعقد مبارياتها فى بلدان مثل جنوب إفريقيا والبرازيل وروسيا، بدعوَى أن وجودها سيصنع بداية لمشاريع جديدة من أجل تقوية البنية التحتية فى البلد المضيف، حتى تعود بالنفع الدائم على الشعب. كسر القواعد كسرت الفيفا إذن العديد من القواعد، من أجل دفاعها فقط عن قرارها، بل من أجل حماية الدولة المضيفة، فكيف للفيفا أن تصر سابقًا على أهمية أن تكون للدولة المضيفة أكثر من ثلاثة ملاعب ثم تعطيها لدولة لا يوجد لديها ملعب واحد قيد الإنشاء؟! الأكثر غرابة، هو أن تنظيم كأس العالم يكون دائمًا فى شهر يونيو، وهو من أشرس شهور الصيف، وبالتأكيد قطر من الدول التى تعانى من طقس شديد الحرارة والرطوبة فى هذا الشهر من شهور السنة، حيث تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ولذلك قررت الفيفا أن يتم تعديل ميعاد المباريات لتكون فى فصل الشتاء! بالإضافة إلى عديد من التقارير التى تدور حول سوء معاملة الشركات القطرية للعمال المهاجرين إليها، والذين يعملون على بناء البنية التحتية لحدث 2022، حيث مات عشرات العمال المهاجرين بالفعل نتيجة لظروف العمل غير الآمنة. بعد كل تلك الأسباب التى تعوق قطر من أن تصبح الدولة المضيفة، وبعد علامات الاستفهام المتعددة على إصرار متخذى القرار فى الفيفا على إسناد إقامة بطولة كأس العالم فى قطر، أصبحت كل أصابع الاتهام تتجه نحو تلقى عدد من أعضاء مجلس إدارة الفيفا لرشاوَى من اللجنة القطرية لكرة القدم. ومن أجل كل هذا الجدل الذى أحاط بقرار الفيفا، أسندت الهيئة العالمية لكرة القدم التحقيق فى هذا الملف إلى المحقق الأمريكى والمحامى مايكل جارسيا فى يوليو 2012، الذى ظهر بعد عامين من التحقيق فى سبتمبر 2014، بتقرير مكون من 430 صفحة، قدّمها إلى القاضي "هانز يواكيم إيكرت" مسئول لجنة القيم فى الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا). أصدر القاضى الألمانى ملخصًا من 42 صفحة بعد شهرين، واعترف بوجود مخالفات. وقال إيكرت: "حقيقة أن قطر قد دفعت 1.8مليون دولار لرعاية مؤتمر الاتحاد الإفريقى لكرة القدم فى أنجولا، من أجل الحصول على امتيازات بين أعضاء اللجنة، قد يخلق انطباعًا سيئًا، لكنه لا ينتهك أى قاعدة لعملية الترشيح". التصريحات الصادرة من "إيكرت" أدت إلى استياء "جارسيا"، الذى بدوره تبرّأ من الملخص ووصفه بأنه "مضلل وغير مكتمل".. وعليه قدّم استقالته من منصبة كرئيس لهيئة التحقيق فى الفيفا احتجاجًا على الحُكم الصادر. ففى تقرير "جارسيا" كشف عن ثلاثة أعضاء تنفيذيين يتمتعون بحقوق التصويت سافروا على متن طائرة خاصة تابعة للاتحاد القطرى لكرة القدم إلى حفلة فى "ريو دى جانيرو" شاملة جميع النفقات، وذلك قبل اختيار قطر مقرًا لكأس العالم 2022. وكشف تحقيق "جارسيا" عن شكر وامتنان عضو سابق فى اللجنة التنفيذية للفيفا، لقطر لنقلها مئات الآلاف من اليورو بعد حصولها على التصويت بحق استضافة البطولة عام 2022. القاعدة وحماس إلى جانب هذا، تم الكشف عن علاقة بعض المسئولين القطريين بعمليات تمويل الإرهاب، فهناك "عبدالرحمن عمير النعيمى" الذى يتمتع بعلاقة مباشرة مع تنظيم القاعدة وحماس، وصنفته وزارة الخزانة الأمريكية كممول بارز للقاعدة والشركات التابعة لها فى العراق واليمن وسوريا، فى حين أن " النعيمى" هو أحد المنظمين الرئيسيين لبطولة 2022 فى قطر والرئيس السابق للاتحاد القطرى لكرة القدم. نفت قطر كل الاتهامات التى وُجّهت إليها، وأصرت الفيفا على موقفها وقرارها باستضافة قطر لكأس العالم 2022، رُغم كل العوامل التى تزيد من فرص سَحب إقامة البطولة من الدولة المضيفة، من سوء أحوال جوية وظروف عمل شديدة القسوة بالنسبة للعمال المهاجرين، ومساهمات قطر فى قضايا فساد، وعلاقة بعض المسئولين عن تنظيم أهم حدث كروى عالمى بالجماعات الإرهابية. لم ينته ملف الفساد والرشاوَى القطرية عند الحد الكروى فحسب.. بل إن فضيحة سبقت هذا الحدث، وهى القضية المعروفة، باسم "فضيحة بنك باركليز". وتعود الوقائع إلى 2008، هو العام الذى عانى فيه المجتمع المالى والعالمى من انهيار الأسواق ومئات البنوك فى جميع أنحاء العالم. وقتها تمكن بنك باركليز، أحد أكبر بنوك المملكة المتحدة البريطانية، من تجنب الانهيار أثناء الأزمة دون تلقى مساعدة من الحكومة. وأفاد مكتب مكافحة جرائم الغش والاحتيال (SFO) فى المملكة المتحدة أن أربعة من المديرين التنفيذيين السابقين للشركة بمن فيهم "جون فارلى" الرئيس التنفيذى السابق، و"روجر جنكينز" الذى كان رئيسًا للاستثمارات المصرفية فى باركليز الشرق الوسط، اتُهموا بالاحتيال بسبب أعمالهم خلال الأزمة، وكشف المكتب عن أن كل الاتهامات تتصدرها المعاملات التى قام بها البنك مع قطر لجمع الأموال وتجنب الانهيار. بدأ مكتب التحقيقات المالى أعماله فى عام 2012، وقدّم اتهاماته ضد المديرين التنفيذيين، وارتبطت الاتهامات بضخ نقود تلقاها باركليز من دولة قطر عام 2008، ففى تلك السنة اتصل باركليز مرّتين بالمستثمرين القطريين بحثًا عن رأس المال، بما فى ذلك أفراد العائلة المالكة، وتبين أن قطر قد استثمرت 7.725 مليون دولار أمريكى فى باركليز فى الفترة ما بين يونيو وأكتوبر 2008.  وفى نوفمبر، استطاع البنك البريطانى توفير قرض بقيمة 3 مليارات دولار أمريكى لشركة قطرية من خلال وزارة الاقتصاد والمالية كجزء من اتفاقيات موازية لجمع الأموال بقيمة 12 مليار دولار من المستثمرين القطريين ودول أخرى، ما يسمح لها بتجنب تأميم البنك من قِبل الحكومة البريطانية خلال الأزمة المالية لعام 2008. وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن المدعين بمكتب مكافحة الاحتيال قدّموا رسائل إلكترونية ومكالمات هاتفية داخلية إلى هيئة المحلفين فى محكمة "ساوث آرك"، وعرضوا تفاصيل المناقشات حول حصة "الشيخ حمد بن جاسم"، رئيس الوزراء القطرى السابق، فى البنك عن طريق استثماره من خلال شركة "تشالنجر" التى مقرّها جزر فيرجن البريطانية، وبأنه قد طالب بعمولة شخصية للاستثمار فى البنك البريطانى، بل كشفت تلك التسجيلات كم الضغوط التى مارسها المسئولون القطريون على البنك من أجل إخفاء حصة "بن جاسم" فى بنك باركليز.. وأكد الوسيط القطرى "أحمد السيد"، رئيس الشئون القانونية، فى إحدى الرسائل الإلكترونية على أن: "سعادة الشيخ يفضل البقاء مستترًا، بعيدًا عن الأنظار"، وأن بنك باركليز لديه القدرة على إخفاء هوية حمد بن جاسم.. ثم فى رسالة أخرى عبّر "أحمد السيد" عن سعادته من كيفية الاستثمار دون أن يكون هناك إشارة واحدة أو دليل عن من هو مالك الكيان المستثمر. ويسجل "بن جاسم" رقمًا قياسيًا فى ارتكاب أى فعل فاسد، تحقيقًا لغاياته غير المشروعة التى لا تقترب من سقف، فلا توجد أى قضية غير أخلاقية أو غسيل أموال أو ملف من ملفات الإرهاب إلا  ولا بُد أن تكون مقترنة باسم "حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى"، مع المحاولة المستميتة للتضليل والتكتم على تلك الممارسات المشينة لإبعاد الشبهات عن رمز من رموز الدولة  وأحد أهم أفراد العائلة المالكة.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق