رشدى الدقن
الخيانة.. داء عائلة تأكل نفسها
نسبيّا ممكن أن نطلق على قطر لفظ دولة، وممكن نطلق على حاكمها أمير، لكن المؤكد أنها، ومنذ ظهورها فى 1971، سجلت اسمها كأعرق كيان «صغير» فى بحر الغدر والخيانة... دخلت موسوعة جينيس فى الانقلابات الأسرية. من 71 حتى الآن، 48 سنة، لم يحدث أن مرّت على قطر سنوات طويلة دون حدوث انقلابات أو صراعات سياسية على السُّلطة، بين أفراد أسرة "آل ثانى الحاكمة".
منذ انشقاقها عن السيادة البحرينية ووقوعها تحت الحكم العثمانى، تحولت قطر إلى أكثر مكان فى العالم فيه خيانات داخل الأسرة الحاكمة.. الجد انقلب على ابن عمه، والأب انقلب على الجد، والابن انقلب على الأب. الانقلابات فى قطر باتت "مزاجًا" سياسيّا ... رُغم أن مساحتها 11 ألف كيلو متر تقريبًا ولا يتجاوز عدد سكانها مليونَى نسمة، بينهم مئات الآلاف من المجنسين من أصول هندية وبنغالية وباكستانية؛ فإنها تبحث لنفسها عن دور حتى لو بدعم الإرهاب والإرهابيين. البعض قد يفاجئك بصورة للأب حمد صغيرًا حافيًا ومصر ترسل مساعدات للدولة الصغيرة وترسل طائرة لتكون نواة لسلاح الجو هناك... هذا على افتراض أن 11 ألف كيلو تحتاج سلاح طيران!. خلع والده فور سفر الأب ليقضى إجازته السنوية فى أوروبا عام 95، وقف حمد فى المطار ليُقبّل يد الأب ويودّعه أمام كاميرات التليفزيون حتى باب الطائرة.. ثم يعود سريعًا إلى القصر وقبل عودة الأب بساعات يطلب لقاء وجهاء الإمارة وكبارها لتناول الغداء معه.. ويأتى التليفزيون ويصور الوجهاء والكبار يسلمون على حمد.. صورة فقط دون صوت، وبعدها يعلن التليفزيون أن اللقاء كان لمبايعة حمد أميرًا للبلاد وخلع والده!!!. ماذا حدث فى الساعات الأخيرة قبل المؤامرة وخلع الأب؟.. وماعلاقة مصر بماحدث؟ هذه الساعات يكشف عنها اللواء محمود خلف، كبير ياوران الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك، قائلا: رئيس مخابرات مصر اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة والرئيس مبارك حميا قطر من حرب حقيقية.. لكن حمد لم يفهم ذلك. ويضيف فى رحلة عودة الأمير القطرى الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى إلى بلاده مَرَّ على القاهرة بدعوة على الغداء من الرئيس مبارك.. واستقبلته فى المطار وكان الأمير بشوشًا وسلم علينا جميعًا وتوجهنا إلى القصر، وبعد الغداء خرج الركاب إلى مطار القاهرة ليعود الأمير إلى قطر. ويكمل اللواء خلف: وفى الطريق اتصل بى اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات، وطلب تأخير إقلاع الطائرة حتى يصل هو إلى المطار.. وبالفعل توجهت بالركاب إلى صالة كبار الزوار وجلس فيها الرئيس والأمير، حتى وصل اللواء عمر سليمان وأبلغ الأمير خليفة والرئيس مبارك بإلانقلاب الذى حدث فى الدوحة. ساعات ثقيلة مرّت اتصل فيها الرئيس مبارك بكل قادة دول الخليج، التى أجمعت على توجيه ضربة جوية إلى قطر وإجبار حمد على التراجع وإعادة الأمير خليفة إلى القصر بالقوة. لكن الرئيس مبارك احتوى الموقف وقال إن هذا خلاف عائلى لو توسعنا فيه سيصبح كارثة على العالم العربى كله والخليج خاصة.. وبالفعل اقتنع قادة الخليج وعرض الرئيس على الأمير خليفة البقاء فى القاهرة ولكنه فضّل العودة للعيش فى أوروبا. إلى المنفى لم تكن الحياة فى المنفى سهلة على الأب المخلوع، الذى صودرت أمواله وهدد ابنه حمد أقاربه ومناصريه وأجبرهم على عدم التواصل معه. واستصدر حمد مذكرة اعتقال بحق والده لدى الإنتربول، بالتزامن مع مصادرة أمواله بالخارج، لدرجة أنه لم يتمكن من دفع تكاليف فندق كان يقيم به!!. وبعد سنوات طويلة فى المنفى عاد الأمير خليفة مضطرّا إلى قطر لدفن زوجته، فقام حمد بوضع أبيه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته، ومضى فى مشروعه لنظام حكم جديد متكرر قائم على الخيانة. ظلت مصر ترفض الانقلاب القطرى، وبعدها بسنة واحدة، أى عام 96، ظهرت الجزيرة لمهاجمة مصر.. واستمر تصاعد العداء. لا توجد دولة فى العالم غرقت فى بحر الغدر والخيانة من أجل الوصول لمقعد السُّلطة والحُكم كما حدث فى دويلة قطر الخليجية المحدودة، التى لا يتخطى عمرها السياسى ككيان مستقل 48 عامًا. ولم يغِب اسم "موزة المسند"، إحدى زوجات أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثانى، ووالدة الأمير الحالى، تميم بن حمد عن ساحة الصراع السياسى فى قطر، منذ وصول زوجها إلى سدة الحُكم، بعد انقلاب على والده فى العام 1995، وصولا إلى دعمها وصول نجلها الأمير الحالى "تميم" وإبعاد الأمير "جاسم بن حمد" الذى عيّنه حمد وليّا للعهد كونه ابنه البكر، فى أكتوبر من عام 1996، لكن لأسباب غير معلومة تنازل عن الحُكم لأخيه "تميم"، الذى وضع يده على مفاتيح السُّلطة، مع تعيين مقربين منه نائبين لرئاسة الوزراء، والدفاع والتسليح، الأمر الذى دفع عددًا من متابعى الشأن القطرى إلى اعتبارها “الحاكم الفعلى” للإمارة الخليجية. فى حكايات الغدر والخيانة أيضًا حكاية الإطاحة بالشيخ مشعل بن حمد، ولى العهد والأخ غير الشقيق الأكبر لتميم. شقيق أمير قطر(الأكبر) ظهر بعد 20 عامًا من اعتقاله ففى عام 2018 وتداول نشطاء على صفحات شبكات التواصل الاجتماعى “فيس بوك” و”تويتر” صورة للشيخ مشعل بن حمد، الأخ الأكبر وغير الشقيق لأمير قطر الحالى الشيخ تميم. ووفقًا للمنشور، كانت هذه هى أول صورة لمشعل بن حمد، بعد خروجه من السجن، الذى قضى به مدة بتهمة مساندة الإرهابيين، وذلك كله كان بترتيب من "موزة" لإبعادة من ولاية العهد ونقلها لابنائها. واتهمت "موزة" الشيخ مشعل بالتآمر مع جده على أبيه حمد، فعزلته من جميع مناصبه العسكرية ووضعته قيد الإقامة الجبرية بإشراف ولدها جاسم الذى كان يتولى جميع الشئون الأمنية فى المشيخة، بما فى ذلك رئاسة المخابرات القطرية. وكان مصير الأخ الثانى لمشعل، الشيخ فهد مشابهًا لمصير أخيه، فقد جُرد من مناصبه العسكرية بعد اتهامه بالجنون وبدعم الأفغان العرب بسبب علاقته الوطيدة بأسامة بن لادن. رغبة موزة فى التحكم فى كل شىء ترجع إلى وقوع خلافات حادة بين عائلة “المسند”، و“آل ثانى” فى العام 1964، خرج على إثرها “آل المسند” إلى الكويت ليستقروا فيها ما يقترب من 10 سنوات، ثم عادوا بعدها إلى قطر، وكان عمر موزة عندما خرجت مع أبيها إلى الكويت 5 أعوام، ثم استقر بها المقام فى مصر؛ لعدة أعوام. لم تخفِ موزة طوال سنوات مضت، عداءها لمصر منذ تزويجها لحمد بن خليفة، فى إطار صفقة سياسية بين والدها، ناصر بن المسند مع أمير قطر الأسبق، خليفة آل ثانى، لوضع حد لطموحات عائلتها “آل المسند” فى السعى لحُكم الإمارة، ودخلت “موزة” إلى الأسرة القطرية الحاكمة كزوجة ثانية للشيخ حمد بن خليفة. لم تتغير سياسات الدوحة بتغيُّر حكامها، سواء الوالد حمد أو الابن تميم، ما يعنى أن موزة لها اليد الطولى فى رسم خارطة السياسات القطرية داخل قصر الإمارة، نظرًا لكونها الرأس المدبر لعمليتَى الانقلاب على الجد، والوالد. نعود إلى "حكايات الانقلابات " فى قطر، التى هى من عمر الإمارة نفسها، ففى خمسينيات القرن الماضى، كانت قطر إمارة صغيرة، ورُغم ذلك فقد عانت هذه الإمارة من سلسلة من الانقلابات الفاشلة والناجحة التى جرت على أيدى أفراد من الأسرة الحاكمة ضد الحاكم من أخ أو ابن أو ابن العم، الأمر الذى أدى إلى إحداث حالة دائمة من عدم الأمان داخل أروقة القصر الأميرى، بفعل الخوف الدائم من قيام انقلابات على الحاكم من قِبَل أقاربه. تآمر عائلى فى طفولة الأمير السابق لقطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى كانت قطر قد رزحت تحت الوصاية البريطانية لأكثر من خمسين سنة، وخلال تلك الفترة كانت الأسرة الحاكمة قد عانت من التآمر على أفراد العائلة من قِبَل بعضهم البعض لسنوات طويلة. عام 1940 وبعد 27 عامًا من حُكم آل ثانى لإمارة قطر، أجبرت الأسرة الحاكمة أمير البلاد عبدالله بن جاسم على التخلى عن السُّلطة... وقد كان هذا التنازل شكليّا لابنه حمد بن عبدالله، جد الشيخ حمد بن خليفة، الذى كان - أى حمد بن عبدالله- قد تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة بسبب علاقة نسائية بحسب ما يوضح على آل دهنيم، المعارض القطرى وضابط المخابرات السابق، الذى أوضح أن مثل هذه القصة لا يمكن أن تذكر فى كتب التاريخ القطرية، وإنما كانت محفوظة داخل ملفات المخابرات فقط. وبعد فشل محاولة الاغتيال، وتسلم على بن عبدالله السُّلطة فى الإمارة، تعرّض هو الآخر لمحاولة اغتيال عام 1960 فى بيروت، حين أطلق ابن أخيه النار عليه... ورُغم أن الحادثة هى الأخرى لم تحظَ بتغطية وسائل الإعلام القطرية؛ فإن صحيفة ناطقة بالإنجليزية أوردت تفاصيل الحادثة. الإثارة والانقلابات بين أفراد الأسرة الحاكمة فى الدوحة، بدأت جذورها فعليّا منذ عام 1948، حينما كان الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثانى أميرًا لقطر، الذى كان لديه ابنان أكبرهما "على" الذى رغب أبوه فى أن يجعله الأمير القادم، والأصغر "حمد" الذى كان ينوى والده تعيينه وليّا للعهد، لكن الوقت لم يمهل "حمد" فمات قبل أن يصدر والده هذا القرار لينفرد أخيه "على" بحُكم إمارة قطر. "حمد" الذى مات قبل أن يتحقق حلمه فى الحصول على ولاية العهد، رحل عن الدنيا لكنه ترك ابنًا، وهو "خليفة بن حمد" الذى كان سببًا فى دخول الصراعات للأسرة الحاكمة فى قطر، ومبتكر سيناريو الانقلابات بين حكام الدوحة. لم يرض "حمد" بعد مرور سنوات من وفاة والده من بقاء الحُكم فى يد عمومته، كونه كان يرى أن أسرته كانت أحق بالحُكم لولا الموت الذى خطف والده. طالب "خليفة" كثيرًا بالحُكم، حتى سبّب صداعًا للأسرة الحاكمة، وقتها تخلى الأمير "على بن عبدالله" عن الحكم لابنه "أحمد" الذى كان يشغل منصب ولى العهد، والذى رأى تعيين "خليفة بن حمد" وليّا للعهد عام 1960 لتهدئة روعه. لكنه لم يرض بهذا القدر واستمر لمدة 12 عامًا يجهز للانقضاض على الحُكم، حتى استطاع اغتصاب السُّلطة من ابن عمه عام 1972 فى انقلاب عسكرى بعد نيل قطر لاستقلالها بعام واحد. بعد الانقلاب والسيطرة لحمد وعلى مدار سنوات طويلة، شكلت الدوحة الملاذ الرئيسى الآمن لجماعة "الإخوان المسلمين"، تلك الجماعة التى عادة ما ينظر إليها على أنها المسئولة عن توجيه السياسة الإعلامية لقطر. تقرّبُ أمير قطر من الإخوان يبدو مناقضًا للبرنامج السياسى المتطرف الذى تتبناه الجماعة بمعارضة الأنظمة الملكية، لكنه كان فى حقيقة الأمر تبادلًا مصلحيّا بين الطرفين... فالعلاقة بين الطرفين كانت قائمة على أساس أن تجد قطر موطئ قَدَم لها فى المنطقة، بشكل أوسع من دورها وحجمها التاريخى، بما يسمح لها فى وقت ما أن تقود المنطقة. وعندما انطلقت أحداث ما أطلقوا عليه "الربيع العربى"، دعمت قطر الجماعات الإرهابية والمتطرفين فى عدد من دول المنطقة، ضمن رؤية تقوم على افتراض أن فرصتها قد حانت لتنفذ مخططاتها ، وقرر الأمير استخدام جماعة الإخوان اعتقادًا منه أنهم الأمل فى مساعدته لتنفيذ مخططاته، بالتزامن مع توظيف قناة الجزيرة لزعزعة الأمن فى مصر ودول عربية أخرى. تنسجم سياسات قطر مع سياسة الإخوان فى تقويض جيرانها، لذلك قدّم لها الشيخ حمد دعمًا منقطع النظير، بالدرجة الأولى من خلال قناة الجزيرة. ومن خلال تسليم إدارتها للإخوان زادت قطر بشكل كبير من قوة الإخوان ونفوذهم. بعد اشتداد الأزمة السورية، دعمت قطر الجماعات الأكثر تطرفًا بالأسلحة والأموال؛ خصوصًا المنتمين للقاعدة وجبهة النصرة، كما دعمت قطر المعارضة البحرينية وحاولت زعزعة أمنها، بهدف الحصول على نفوذ داخل الدول المحيطة. ورُغم أن قطر كانت تحاول الظهور بمظهر المحايد؛ فإن حمد كان خلف الكواليس يتعاون مع المعارضة لتحريضها، فى الوقت الذى يحاول تهدئة حكومات الخليج الغاضبة على المستوى الرسمى.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة