الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
انتحار تركى فى المتوسط

انتحار تركى فى المتوسط

تستعر النار على حدود مصر الغربية.. ويتداعى الإرهاب.. فى واحدة من معارك الإرهاب الأخيرة. انتصرت مصر أكثر من مرة.. فى السابق فى معارك مماثلة. انتصرت على الهدم.. والحرائق وعلى محاولات تفريغ الأوطان من مؤسساتها.. وعلى مخططات استحلال الدول وسيادتها. النصر محقق هذه المرة أيضًا.. ففى مصر دولة اليقظة.. دولة البناء.. والتنمية.. ودولة العين الحمراء أيضًا.



لا تنفصل التنمية عن معادلات الاستقرار وتأمين الحدود.. لا تنفصل مقومات الاستقرار ومعادلاته عن مفاهيم حفظ الأمن القومى.. وموجباتها. فى توترات المتوسط.. لم تسع مصر لحرب.. لكنها فى الوقت نفسه لم تقعد عن فرض حقوقها المشروعة.. ولا عن إقرار ثوابتها فى الاستمرار فى التنمية. فى سبيل حقوقها واجهت مصر مخططات من عيارات ثقيلة.. تتعالى وتيرة المخططات ومحاولاتها كلما ربحت مصر.. كلما كسبت مساحات واسعة فى سيادة الدولة.. وفرض مقدراتها المشروعة. ضربت المؤامرات بالإرهاب بؤرًا محيطة.. سبق وحاولت نقل بؤر الإرهاب للداخل.. مرة فى الشرق.. ومرة فى الجنوب.. حاك بعضهم مؤامرات فى الشمال.. قبل نقل بؤر الإرهاب للغرب. فازت مصر فى كل المعارك.. وفى أزمنة قياسية. سادت الإرهاب بالأرض فى الشرق.. ونظفت حدودها فى الجنوب.. أحرزت مصر أهدافًا فى "الزاوية البعيدة" فى شرق المتوسط.. فبقى ما تبقى من مؤامرات الغرب سبيل وحيد. لا تتوقف معادلات الإرهاب.. لكن لن تستمر المعركة فى ليبيا طويلا.. فمصر ليست كآخرين.. لا قدراتها كالآخرين.. ولا تتغير ثوابتها كما تتغير لدى آخرين. تنطلق الإدارة المصرية فى التعامل مع الجغرافيا.. والتاريخ من أسس وطنية.. أسس نابعة من ممارسة الحقوق الشرعية والمشروعة فى الحفاظ على استقلال الدول ووحدة أراضيها. سياسات القاهرة أكثر وضوحًا.. وأكثر رسوخًا.. ووفق منطلقات ثابتة من قواعد قانونية وإنسانية لا تتغير ترفض التدخل فى شئون الدول.. وضد شعوبها. على الجانب الآخر من الخريطة.. هناك من يسعى فى الفضاء بلا توازن.. ولا أكسجين.. ولا جاذبية. فى الأزمة الليبية تطير أنقرة فى الهواء.. فى حالة انعدام جاذبية سياسية.. معروفة. فالأحلام أحيانا تقتل الواقع بالسم.. والتمنيات تذوب أحيانا فى مرايا مكسورة.. تنحرف فيها الزوايا.. فتبدو الرؤية على خلاف الحقيقة. تعمل أنقرة مع ثعابين الهدم.. والحرق.. لتهديد الدول.. وإضعاف سيادتها.. تعمل ضد القانون الأممى.. وضد منطق العقل.. وضد موازين القوى أيضًا. لا أحد يعرف كيف طاوعته نفسه النظام التركى للانتحار فى المتوسط؟ هل هو فصام السياسة؟ هل هى وساوس قهرية لأنظمة متأسلمة لم تضع نفسها للآن فى مواجهة مع حقيقتها.. ومع التاريخ.. ومع معايير القدرة.. والمعرفة الحقة للآخرين؟ تدفن أنقرة نفسها رويدًا رويدًا فى بحور الرمال.. ووضعت زاوية انحرافها على زاوية انحراف الولايات المتحدة فى "معجنة" فيتنام. لا أحد يعلم للآن كيف واتتها ـ أنقرة ـ الجرأة للعبور من شرق المتوسط.. لغربه مصطنعة حربًا تدعم الإرهاب.. بدعوى حماية "الاستحقاقات"؟ فى زمن سابق استحكمت فيه الأزمات حاولت واشنطن إشاعة سبب قدومها من أقصى الغرب.. دعمًا لحقوق شعب فيتنام فى أقصى الشرق، لكن أحدًا لم يقتنع بقتل الأبرياء حماية للحريات.. ولا اقتنع أحد بأن التنكيل بالشرعية هو أحد مبادئ الحفاظ على الشرعية! قتلت الولايات المتحدة فى فيتنام باسم حقوق المقتولين.. وباسم الشعوب المقهورة استوردت مرتزقة ونظاميين لذبح الشعوب المقهورة! فى فيتنام حفر الجيش الأمريكى لنفسه جرف هار.. دفن فيه جنوده.. واستشكلت عليه طرق الخروج من الحفرة.. زمنًا أكبر من زمن الدخول. دخلت واشنطن فيتنام.. ولم تعرف كيف تخرج.. وفى ليبيا يحفر أردوغان لنفسه "خية" محكمة العقد.. والشراشيب. يلف أردوغان حبل البحر المتوسط حول عنقه. فى هفوة الاتفاقية الليبية أخذت تركيا ممن لا يملك.. وهى لا تستحق. منتظر قريبًا إعلان موت أردوغان فى غرب المتوسط باسفكسيا دعم الإرهاب.. وسقوطه ضحية خيال أبكار وأزلام. فتحت أنقرة لميليشيات الإرهاب فى سوريا مراكز شحن لمقاتلين مرتزقة إلى ليبيا، بينما جيش حفتر الوطنى الليبى على مشارف شوارع وسط طرابلس الرئيسية. تولت أنقرة للآن نقل ما يزيد على ألفى إرهابى مرتزق لمساندة حكومة السراج فى طرابلس. هى ليست المرة الأولى.. سبق ونقلت أنقرة مرتزقة ومالا وسلاحًا إلى الغرب الليبى.. لكن توالت الهزائم.. وتوالى مزيد من الفشل ومزيد من السقوط. فى جوار مصر الاستراتيجى تدور معارك بين مطهرات قوية.. وبين جراثيم الإرهاب وفيروسات الرصاص الحرام.. قدرات مصر فى المعادلة أقوى من "حقن المضادات الحيوية" فى غرف العمليات. ليست مقارنة.. لأنه لا مجال للمقارنة.. لكن مصر لم تحمل جيوش مرتزقة ملثمين آلاف الأميال بعيدًا عن أراضيها.. لدعم حكومات لا تتعرف بها شعوبها. لم تنطلق سياسات مصر الدولة أبدًا من حماية كيانات عميلة، سرقت شعوبها.. وخطفت الشرعية.. ووقعت على تسليم أراضى بلادها.. ومواطنى بلادها.. ومقدرات بلادها.. وثروات بلادها لآخرين. فى معادلات الأزمة الليبية تنتحر أنقرة على أعمدة قدرات القاهرة. تنتحر تركيا بتعليق رقبتها على أغصان أشجار إرهاب سبق وصنعتها.. واستخلصت بذورها محاولة نثرها فى أراضى الاقليم. تحمى مصر الإقليم.. بالسيادة والمكانة.. والقدرة.. والقانون. كما فى الحياة، فإن فى الساسة أنواعًا من الغباء أيضًا. فى أزمة ليبيا مارست أنقرة مع حكومة فايز السراج غباء سياسيا. غباء السياسة هو عدم القدرة على ربط النتائج بالمقدمات، والفشل فى إعداد حسابات دقيقة عن الواقع وعن توازنات القوى.. وعن مقومات الحقوق.. وعن قدرات الآخرين. ربما هى اللعبة الأخيرة لأنقرة.. والمحاولة الأخيرة لنظام أردوغان. فالذكاء السياسى يكمن فى معرفة القدر والقدرة.. وفى إقامة المعادلات على أساس الواقع لا على أساس الخيال. فى المعادلة تلعب مصر الشطرنج بذكاء.. وقدرة.. وثقة فى ذات الدولة. ألف باء ذكاء السياسة إدارة المعادلة وفق مقدمات واقعية.. استخلاصا لنتائج منطقية. ذكاء السياسة فى التعامل مع القوانين والتشريعات الدولية أولا، انطلاقا من ثوابت الحقوق المشروعة.. وإيمانا بالقدرات الحقيقية.. والمواقف الثابتة. كان يكفى من قوة مصر.. مجرد التلويح بالقوة. فى تدريبات المتوسط الأخيرة أثبت جيش مصر القدرة.. والعين الحمراء. للآن تتخفى أنقرة وراء "مرتزقة" بذقون وسلاح.. لدى أنقرة يقين بصعوبة المواجهة المباشرة مع القاهرة.. لذلك يدفع أردوغان وكلاء للإرهاب إلى أرض العمليات بالنيابة. لا تقوى أنقرة على المواجهة المباشرة.. معايير القوة ليست فى صفها.. ومعايير القانون الدولى ليست فى جانبها.. قدرة أنقرة على مواجهة مباشرة مع مصر صعبة.. وأسباب أردوغان لرمى نفسه فى نار ليبيا مختلفة. سبق وأحرزت مصر أكثر من "جون" فى شباك أردوغان.. آخرهم "جون" ترسيم الحدود البحرية باتفاقية قبرص واليونان الثلاثية. شدد "جون" المتوسط الخناق على إدارة أردوغان ورفاق متأسلمين فى تركيا.. انتقل أردوغان من "جون" المتوسط.. لصداع أزمات داخل بلاده مزمنة وضعته على المحك. هل كان خيارًا صحيحًا محاولة نقل أزمات الداخل والخارج.. لفردها على خريطة ليبيا؟ الإجابة: كان أسوأ الخيارات. لن يقوى أردوغان على المواجهة. لا مواجهة مصر ولا مواجهة العالم.. ولا مواجهة الاتحاد الأوروبى ولا مواجهة الولايات المتحدة.. ولا مواجهة روسيا. فى أزمة ليبيا تدير مصر الشطرنج من على أرضية صلبة.. تدير مصر أفيالا وأحصنة.. وكثيرًا من وزراء الحقوق.. والقوة.. فى المقابل تتوهم أنقرة قدراتها على مناورات الشطرنج.. بينما هى تلعب بتكتيكات "الكوتشينة" فى موالد الأولياء. معارك الشرعية ضد السراج على الأراضى الليبية تقترب من نهاياتها.. لن يبقى سراج.. كى تبقى اتفاقية السراج. هو صعد للهاوية مع أردوغان على سلم اتفاقية "لقيطة".. لا أب لها ولا أم. الإنسان على ثلاثة.. هو كما يرى نفسه.. وهو كما يراه الناس.. وهو كما يحب أن يكون. غباء السياسة ألا ترى نفسك.. والجنون أن تعتقد فى نفسك ما يخالف الواقع.. والحقائق.. وأبسط الاستدلالات. يمارس نظام أنقرة نوعًا فريدًا من غباء سياسى فى معركة حسمتها مصر قبل سنوات.

 

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق