«محمووود.. إنت جيت ياحبيبى»؟!

محمد أبو الدهب
«محمووود.. أنت جيت يا حبيبى؟».. عبارة تحوّلت إلى لزمة شهيرة للفنانة الراحلة خيريّة أحمد، التى جسّدت شخصية الزوجة اللحوحة أمام فؤاد المهندس فى بعض حلقات برنامج «ساعة لقلبك»، وقدّمته الإذاعة المصرية بين عامَى «1953: 1964»، ضمن شخصيات عديدة قدّمها البرنامج، فى عشرات «الاسكتشات. وكان هذا البرنامج الفُكاهى خطًّا فاصلًا فى تاريخ الكوميديا المصريّة.
فى تمام الساعة التاسعة والنصف من مساء الثلاثاء، وعصر الجمعة من كل أسبوع، وفى أيام شهر رمضان، كان عُشّاق «الراديو» يلتفون حوله بشغف فى المنازل، والمحلات، والمقاهى، لمتابعة حلقات برنامج «ساعة لقلبك»، الذى قدّمه الإذاعى فهمى عُمر. وكانت الحلقات تُسجّل بمسرح صغير بمقر الإذاعة القديم فى شارع علوى بوسط القاهرة فى حضور الجمهور، قبل أن يُنقل إلى مسرح الريحانى بشارع عماد الدّين، ثم مسرح «الهوسابير»، الذى كان يتسع لـ ألف فرد، بعد زيادة الإقبال، إلى حد الاستعانة بالشرطة لتنظيم دخول الجمهور. بداية الفكرة كانت من الإذاعى أحمد طاهر مدير المنوعات بالإذاعة، وكان بعض الكُتّاب الساخرين، أبرزهم يوسف عوف، ولطفى عبدالحميد، وعبدالمنعم مدبولى، يؤلفون مجموعة من القصص الفُكاهيّة القصيرة «اسكتشات»، ويبتكرون نماذج من الشخصيات يستوحونها من قلب المجتمع، فيما يقوم بعض هواة التمثيل بمسارح المدارس والجامعات بتمثيلها، مثل أحمد الحداد، وحسين الفار، وسلطان الجزار. وبعد فترة من إذاعة الحلقات، انضمَّ مجموعة من المواهب الشابة، وهواة التمثيل إلى فريق البرنامج، الذين أصبحوا فيما بعد نجومًا لامعة فى سماء الفن، أبرزهم فؤاد المهندس، خيرية أحمد، محمد عوض، عبدالمنعم إبراهيم، أمين الهنيدى، محمد يوسف، محمد أحمد المصرى «أبو لمعة»، فؤاد راتب «الخواجة بيجو»، فرحات عمر «الدكتور شديد»، فضلًا عن نبيلة السيد، جمالات زايد، زوزو الشافعى، رفيعة الشال، وسعيد حشمت، وممدوح فتح الله، وثلاثى أضواء المسرح. وشهد البرنامج ميلاد الموسيقار بليغ حمدى، الذى قدّم بصوته المقدمة الغنائيّة "تتر" للبرنامج من ألحان على إسماعيل. غزو الاسكتش وضع برنامج «ساعة لقلبك» فن «الاسكتش» فى المقدمة، وكان سببًا مباشرًا فى اختفاء «المونولوج»، بعد أن كانت له السيادة قبلها. ويعتمد «الاسكتش» على تقديم فقرات فُكاهيّة قصيرة، يُؤدّيها مُمثلٌ أو أكثر. ويمكن القول إن البرنامج نجح فى ابتكار شخصيات جديدة، حُفرت فى ذاكرة الفن المصرى، من أبرزها، شخصية الزوجة اللحوحة، التى اشتهرت بها خيريّة أحمد، وزوجها «محمود»، الذى جسّده فؤاد المهندس. ويرجع لعبدالمنعم مدبولى الفضل فى ابتكار شخصية الزوجة، وكان لها قصة، حيث إن «مدبولى» شاهد ذات مرة زوجة على أحد الشواطئ تعامل زوجها باهتمام مُبالغ فيه، فكتب الشخصية، وطلب من خيريّة أن تؤديها، ولكن بشكل فُكاهى أكثر، وكأنها زوجة بلهاء، كثيرة الطلبات، والاستفسارات، مرددة عبارة «محمووود يا حبيبى» بطريقتها الشهيرة. وكتب «مدبولى» عدة «اسكتشات»، يحكى كل واحد منها قصة جديدة ليوميات «محمود» و«زوجته»، مثل «ذكريات فى المصيف»، «فى الملاهى»، «زوجة الأحلام»، «مراتى بسبع أرواح»، «محمود عيان»، «اللهم إنى صائم»، «فى السينما»، «الحرامى»، وغيرها. ولا ينسى أحد شخصية «الدكتور شديد»، التى برع فى أدائها الفنان عُمر فرحات، ولزمته الشهيرة «وماله يا أخويا»، و«يارب يا أخويا يارب». وقدّم "شديد" عدة «اسكتشات» فى البرنامج، أبرزها «نسب عالى»، «عودة ينسون»، و«حاجة تخربط». وجسّد الفنان محمد يوسف، شخصية «المعلم شَكَل»، فتوة «ساعة لقلبك»، وهى شخصية المعلم ابن البلد، الذى يهابه الجميع، ولكنه ضيق الأفق، أجش الصوت. وقدّمت تلك الشخصية فى مجموعة من «الاسكتشات» مثل «شكل المسحراتى»، «شكل الشّحات»، «شكل السمسار»، «شكل يبيع جرايد»، «شكل الراديونيست»، و«شكل يبيع بطيخ»، وجميعها من تأليف يوسف عوف. وابتكر البرنامج شخصيات أخرى، مثل «أبو لمعة» للفنان محمد أحمد المصرى، وهو يشبه فى أيامنا شخصية «أبو العربى»، الذى ينسج قصصًا وهمية من وحى خياله، و«الخواجة بيجو»، التى جسّدها الفنان فؤاد راتب، بينما قدّم لطفى عبدالحميد شخصية «فتلة»، وهو شخص بدين، ولعب عبدالمنعم إبراهيم دور «الرغاى»، وأحمد الحداد «الرغاية». وجسّد أمين الهنيدى شخصية «فهلاو»، وهو القروى الساذج، وجمالات زايد «اللتاتة»، وأدى يوسف عوف بعض «الاسكتشات» بشخصية «سمعان الأطرش»، وجسّد عبدالفتاح القصرى فى بعض الحلقات دور «الشخص المدهول»، وقدّم منير الفنجرى شخصية «الأستاذ مخالف»، وزوزو الشافعى «أم شطارة العطّارة». وابتكر الكاتب مصطفى الشيمى «دويتو رشاد ومنصور»، وقدمهما فى عدة حلقات تحمل عناوين «رشاد القهوجى»، «رشاد العبيط»، وغيرهما. وقدمت فرقة ثلاثى أضواء المسرح "سمير غانم، جورج سيدهم، والضيف أحمد" عدة «اسكتشات» فى البرنامج مثل «فى محل الأنتيكة»، «تاكسى طنطا»، «شالوا ألدو». وتميّزت عن غيرها بتقديم «اسكتش» مُغنّى، فيسرد أجزاء من الحوار مُلحّن على إيقاع الطبلة. التابعى وعبدالوهاب رُغم الإمكانيات المتواضعة؛ فإن العروض حظيت بنجاح كبير، وكان البعض يضطرُّ للوقوف لعدم توافر مقاعد. وفى إحدى الليالى، فوجئ أعضاء الفرقة بحضور الموسيقار محمد عبدالوهاب، بصحبة الصحفى اللامع محمد التابعى. وبسبب عدم توافر مقاعد، اضطرّت الفرقة لوضع مقعدين لهما أمام الصف الأول، حيث أبديا إعجابهما بأفراد الفرقة، وكانت هذه المرة الأولى التى يلتقى فيها عبدالوهاب ببليغ حمدى، وأبدى عبدالوهاب إعجابه الشديد بموهبة بليغ. ويمكن القول، إن بداية بليغ كملحن ظهرت أيضًا بفرقة «ساعة لقلبك»، فاتجه من تقديم الفقرات الغنائية، إلى تلحين بعض الأغانى للمطربة فايدة كامل، فاستعانت الفرقة بالراقصة زينات علوى، والمطربة فايدة كامل، فى عروضها الجديدة، التى قُدمت على خشبة المسرح القومى بالإسكندريّة، والأزبكية بالقاهرة. فى الوقت نفسه، لم يكن فؤاد المهندس من ضمن المتحمسين للفرقة المسرحية بشكلها الاستعراضى، لكنه وافق على تقديم اسكتش «محمود وخيرية»، وكان ذلك فى إحياء حفل زواج. وكان للفنانة تحية كاريوكا مواقف طريفة مع «ساعة لقلبك». ففى الموسم الثانى، استعانت الفرقة بـ«كاريوكا» لتقديم الفقرات الاستعراضية بالعروض الجديدة على خشبة مسرح «الألدرادو» برأس البر. وكانت «كاريوكا» تحظى بشعبية كبيرة كراقصة، وممثلة سينمائية. وتغيّبت «كاريوكا» بشكل مفاجئ عن العرض الأول، رُغم نفاد جميع التذاكر، ما أدى إلى إلغاء الحفل. وعندما اتجه مدير الفرقة للقاهرة لاستطلاع سبب تغيُّبها، وجدها فى حالة غضب، وهى تردد " أنتوا عايزين تشغلونى فى الملاهى؟!"، فرد عليها "نحن نعمل فى مسرح سينما رويال"، فقالت: "المعلم صديق قال كده"، والمعلم صديق كان أكبر مُتعهّد حفلات فى هذه الفترة، وكان يعشق العمل مع «كاريوكا»، ولا يرغب فى أن تعمل مع أحد غيره، وهو ما دفعه إلى تدبير هذا الموقف، لكنها تفهّمت الموقف، واتجهت للفرقة برأس البر. تراجع الإيرادات كان أبطال الفرقة لا يرحبون بالعمل المسرحى التقليدى، ويرون أن «الاسكتش» هو الفن الذى يُناسبهم، ويُساير إيقاع الحياة. ولعل هذا كان السبب الأبرز فى تراجع إيرادات الفرقة، حيث كان كل فرد فى الفرقة يُقدّم أكثر من حفلة فى محافظات مختلفة. وجرى إعادة ترتيب أوضاع الفرقة، تمهيدًا لظهورها فى ثوبها الجديد، بعد إقناع أفرادها بالحصول على مقابل 5 فى المئة من الأرباح. ورحب فؤاد المهندس بالفرقة فى وضعها الجديد. واستعانت الفرقة بالكاتب أحمد حلمى، وكان يؤلّف ويخرج لفرقة كلية التجارة، ويعمل رقيبًا فى المُصنّفات الفنيّة. استهلّت الفرقة موسمها الجديد فى بورسعيد، بثلاث مسرحيات، قام المهندس ببطولة مسرحيتين، وانضم للفرقة فى هذا الموسم الممثلات: زهرة العلا، وزوز شكيب، وسميحة توفيق، وآمال زايد. ثم شرعت الفرقة فى عرض مسرحية بعنوان «دوّر على غيرها»، اقتبسها سمير خفاجى، مدير الفرقة، عن نص أجنبى، وجرى الاتفاق مع عبدالمنعم مدبولى على إخراجها، ورفض فؤاد المهندس المشاركة فيها؛ لأنه لم يتقبل فكرة البطولة الجماعية، فقدّمها محمد يوسف، فؤاد راتب، أحمد الحداد، أمين الهنيدى، وزينات صدقى، وخيرية أحمد، آمال زايد، نبيلة السيد، وسهير البارونى. وحققت المسرحية نجاحًا منقطع النظير، وقُدّر إيرادها اليومى بنحو 258 جنيهًا، و200 مليم، وكان سعر أغلى تذكرة حينها 51.5 قرشًا. وبسبب هذا النجاح، شعر أعضاء الفرقة بثقة كبيرة، وأيقنوا أن لديهم قدرة على تقديم مسرحيات ناجحة من دون فؤاد المهندس، وكان هذا الشعور بداية حالة تمرُّد، لم تنتهِ إلا مع نهاية مشوار الفرقة. اختبار صعب من أبرز المواقف الصعبة التى مرّت بالفرقة، ما تعرّض له الفنان محمد عوض فى أول بطولة له. وكان «عوض» ضمن طاقم فرقة «الريحاني»، مقابل أجر 12 جنيهًا شهريًّا. وكان حينها يمتلك موهبة فنية مميزة، دفعت الفرق المسرحية إلى محاولات استقطابه، فتلقى عرضًا من أبو السعود الإبيارى، مدير فرقة إسماعيل يس، مقابل رفع أجره إلى 20 جنيهًا شهريًّا، ولكن سمير خفاجى نجح فى ضمه لفرقته «ساعة لقلبك» براتب 25 جنيهًا. وفى هذا الموسم قدّمت الفرقة مسرحية «أنا مين فيهم» بطولة فؤاد المهندس، وخيرية أحمد، وقوبلت بنجاح باهر. واتفقت الفرقة مع متعهد على عرض المسرحية فى أول أيام العيد، ولكن فؤاد وخيرية اعتذرا لارتباطهما بالاشتراك فى حفل أضواء المدينة المقام بدمشق. وأمام إصرار المتعهد على عرض المسرحية فى موعدها، اقترحت زينات صدقى على سمير خفاجى أن يقوم محمد عوض بالبطولة بديلًا لـ «المهندس».. وتؤدّى سهير البارونى دور خيرية أحمد. وفى ليلة العرض، اكتظ المسرح عن آخره بالمتفرجين، وما إن ظهر «عوض» على المسرح حتى قوبل من الجمهور باستنكار شديد، وكلما حاول أن ينطق انطلقت الصيحات، وفشلت كل محاولات تهدئة الجمهور، الذى بدأ فى تحطيم المقاعد.. فأسدل الستار. بدا محمد عوض مُنهارًا، فى أصعب اختبار يمرُّ به فى مشواره الفنى، لكنه نجح فى تجاوز الموقف، وقام فى اليوم التالى ببطولة مسرحية «الستات ملايكة»، مع زينات صدقى، وأحمد الحداد، ومحمد يوسف، والدكتور شديد، وخيرية أحمد. أدت الخلافات التى دبّت داخل الفرقة إلى إسدال الستار عليها نهائيًّا، وبدأت أولى الخلافات نهاية الخمسينيات، حينما طالب مجموعة من الممثلين بتقسيم الإيراد بالتساوى بينهم، بمن فيهم مديرها سمير خفاجى. تم تجاوز الأزمة فى الموسم التالى ، ووضعت لائحة أجور جديدة، طالب فيها أبو لمعة، والخواجة بيجو مرتب 60 جنيهًا شهريًّا لكل منهما، وهو أجر مرتفع حينها، بينما حدد للدكتور شديد 40 جنيهًا فى الشهر. وكان حصيلة ذلك الموسم ثلاث مسرحيات هي: «أنا مين فيهم؟»، «الستات ملايكة»، و«طلع لى فى البخت». وتفجرت الخلافات مع بداية الموسم الصيفى بالإسكندريّة بسبب غياب أربع أعضاء من الفرقة عن عرض «طلع لى فى البخت»، وهم: «أبو لمعة، الخواجة بيجو، محمد يوسف، وأمين الهنيدى». ما تسبب فى إلغاء الحفلة، فثار الجمهور، واسترد أمواله. قدّم الأربعة عريضة مطالب كشرط للاستمرار فى العمل، وكانت أبرزها رفع الأجر إلى 150 جنيهًا شهريًّا، إضافة إلى جانب صرف بدل سفر، أما الأكثر دهشة، فقد طالبوا بالاستغناء عن فؤاد المهندس، وخيرية أحمد، وتوزيع أدوارهم على أفراد الفرقة. واقترح الممثل صلاح يسرى على سمير خفاجى التظاهر بالموافقة، ثم الاتجاه إلى القاهرة لعرض الأمر على المهندس، الذى كان يستعد للسفر لهم لعرض مسرحية «ما كان من الأول» . قابل «المهندس» الموقف بالطلب من «خفاجى» الموافقة على مطالبهم حتى ينتهى الموسم، وبعد ذلك يتفق على وضع جديد فى العمل. وانسحب «المهندس» وخيرية أحمد من المشاركة فى عروض هذا الموسم، الذى بانتهائه، أسدل الستار نهائيًّا على فرقة «ساعة لقلبك» المسرحيّة. وأسس سمير خفاجى فرقة جديدة سمّاها «الكوميدية الجامعية»، وكان المهندس بطل الفرقة، ومعه خيرية أحمد، يشاركهما فرحات عمر، وأحمد الحداد، ومحمد عوض، من الفرقة القديمة، وجرى التعاقد مع إستيفان روستى مقابل 100 جنيه فى الشهر، ومحمد رضا براتب 80 جنيهًا، فضلًا عن وداد حمدى، والضيف أحمد، الذى قُدم لأول مرة على مسرح الاحتراف، فيما أُسند الإخراج إلى عبدالمنعم مدبولى. وبعد سنوات قليلة، تحديدًا فى عام 1964، توقف البرنامج فى الإذاعة، ويمكن أن نرجع ذلك إلى اتجاه نجوم البرنامج للتليفزيون، الذى أنشئ فى يوليو 1960، وانشغالهم بتصوير الأفلام السينمائية، والأعمال التليفزيونية.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة