محمود قاسم
نجوم على حافة النجومية!
إنه غريب, عالم النجومية فى السينما, من الصعب تفسيره, أو فهمه, أو التعرُّف على آفاقه, هى حالة من ألق النجوم الجماعى تؤكد أن للناس ذوقًا متقاربًا جدّا. فالناس تتزاحم على أبواب القاعات؛ خصوصًا السينما، من أجل مشاهدة النجوم الذين يملأون أحداث الفيلم؛ خصوصًا المضحكين منهم, أو صُناع البهجة.
للنجومية قواعد غير متزمتة, بعضهم مثلا يكون البطل المُطلَق من الفيلم الأول، مثل حسين فهمى وفريد الأطرش, وعمر الشريف, وعبدالحليم حافظ, ومريم فخر الدين, وسعاد حسنى, ونادية لطفى, أمّا الكثيرون من النجوم فقد قطعوا المشوار الطويل حتى حصلوا على اللقب. كان عليهم الإبحار فى الأدوار الصغيرة حتى تأتيهم البطولة المطلقة, فتمسّكوا بكل مكاسبهم كى يظلوا فى حالة تألق حتى النهاية, أنور وجدى, مثلا كان عليه أن ينتطر خمسة عشر عامًا حتى صار البطل المطلق, الأمر نفسه تكرر مع رشدى أباظة, وهند رستم وعادل إمام, وعادل أدهم, وشكرى سرحان, وإسماعيل يس, وأحمد زكى وآخرين. أمّا الحالات التى سنتكلم عنها هنا فهم مَن يمكن أن نسميهم بنجوم على الحافة, والمقصود بهم النجوم والممثلون الذين أدوا الأدوار المساندة بدرجاتها, وفى فترة ما أتيحت لهم فرصة البطولة, كأنهم حصلوا على هذه البطولة فى غفلة من الزمن فصعدوا إلى القمة بعيدًا عن الخاتمة الحادة, لكن أغلبهم عاد مجددًا إلى سيرته الأولى. الأسماء غير قليلة, وما سوف نحكيه هنا عنهم ينطبق على الباقين فى أغلب الأحيان, ومن هذه الأسماء من دون ترتيب:عبدالمنعم إبراهيم - عبدالسلام النابلسى- بشارة واكيم- إستيفان روستى- محمود شكوكو- توفيق الدقن- نجاح الموجى- وحيد سيف. كما نرى، فإن جميعهم من نجوم الكوميديا الرجال, والأمر لم يحدث إلا نادرًا بالنسبة للسيدات, ومنهن زينات صدقى, وداد حمدى, وهناك حالة استثنائية واحدة فى هذا الشأن هى مارى منيب. أكثر هذه الحالات شيوعًا على الإطلاق, وأكثرهم أهمية هو بشارة واكيم, الذى يُعد حالة من الألق الشديد فى السنوات الخمس الأخيرة من حياته, أى النصف الثانى من الأربعينيات, إنه الممثل الأكثر بريقًا فى تاريخ السينما, بما يعنى أنه قادر على التنوع والإقناع بشكل ملحوظ, وقد بدأ العمل فى سن متقدمة نسبيّا حتى إذا تجاوز الستين جاءته أدوار البطولة. وقد رأيناه فى الكثير من الأدوار الثانية بعد حصوله على بطولات, جاءت إليه البطولة المطلقة فى العام 1942 من خلال "لو كنت غنى"، أول أفلام بركات, للكاتب الكوميدى أبو السعود الإبيارى, ومن الواضح أن السيناريو مكتوب خصيصًا للممثل, فالموضوع حول الحلاق الفقير الذى أصابه الثراء عن طريق الميراث, وراح يتصرف بنزق ملحوظ, وتغير سلوكه, وقد جسَّد هذا الدور مرارًا فى الأفلام التى قام ببطولتها, ومنها "حنان" , و"غنى حرب"، وهذه الشخصية التى تطيش مع الوقت ولا بُدَّ أن تعود إلى أصولها الأولى. فى النصف الثانى من الأربعينيات كان "بشارة" يعمل فى ستة عشر فيلمًا على الأقل سنويّا حتى وفاته. أمّا حسن فايق، فكان الممثل الذى عاصر السينما من بدايتها, وكان بارزًا بشكل واضح بصلعته, وضحكته, وبساطته, وقد تنوّعت أدواره الثانية كثيرًا, وشهد حالات من القفزات السريعة بين الصعود فوق الحافة, والنزول أسفلها, فهو الأب والزوج الذى تخونه زوجته النجمة, ومن بين أدوار البطولة تلاحظ أنها بطولة مشاركة مع نجوم آخرين, وليست بطولة مطلقة مثلما رأيناه فى "ليلة الدخلة" مع إسماعيل يس, وأيضا "حسن ومرقص وكوهين" و"حب وإنسانية", وانتهت هذه القفزات بدوره كبائع الطرشى فى فيلم "أم رتيبة" عام 1960, ثم عاد بكل طواعية إلى قواعده المألوفة. عبد المنعم إبراهيم كان عبدالمنعم إبراهيم موهبة خاصة جدّا, وقد عرف الأدوار الصغيرة مرارًا, ولم يكن منشودًا بالمرة فى أدوار البطولة، رُغم أنه أكثر موهبة من الكثير من نجوم قفزوا إلى البطولات المتعددة. وقد كان الممثل فى حاجة أن يتحمس له المخرج فطين عبدالوهاب الحماس نفسه الذى أبداه لفؤاد المهندس؛ حيث إن البطولة الأولى "أيامى السعيدة" 1958 كانت من إخراج أحمد ضياء الدين، الذى لم يكن أبدًا متفوقًا فى عمل الخلطة الكوميدية, أمّا الفيلم الثانى "سر طاقية الإخفاء" لنيازى مصطفى 1959 فالدور الذى أسند له كان أقرب إلى البطل المضاد. ففى تلك الآونة، كان نجوم السينما البارزون هم من أصحاب العافية فى أفلام الحركة والكوميديا، ومنهم فريد شوقى, ورشدى أباظة, وأحمد رمزى, لكن لم يستسغ الناس أن يروا توفيق الدقن يقوم بضرب وإهانة بطلهم, حتى لو كان فى فيلم كوميدى, لذا سرعان ماعاد عبدالمنعم إبراهيم إلى أدوار ما تحت الحافة, ولم نره بطلا إلّا فى فيلم "لعبة كل يوم" إخراج خليل شوقى 1971. وتجلت موهبة الفنان, وبطولاته المطلقة فى المسرح والدراما الإذاعية والتليفزيونية, وكان صوته مقبولًا للغاية قى الأغنيات الدرامية, وأعتقد لو المخرج فطين عبدالوهاب منحه الفرص نفسها التى قدّمها لكل من إسماعيل يس, وفؤاد المهندس لصار لدينا نجم لا يضاهى فى هذا المجال، لكنه الحظ, ومشيئة القدر. أيضًا هناك حالة مهمة أخرى، فليس هناك مثيل لحالة وأسلوب عبدالفتاح القصرى فى السينما المصرية, وربما فى السينما العالمية, هذا التركيب الغريب من رجل أحول العينين, قصير القامة ما يمنحه تميزًا استفاد منه كثيرًا, وقد ساعدته التلقائية كثيرًا فى أن يكتسب نجوميته. وفى السينما المصرية، اختلطت الكوميديا بالرومانسية, بمعنى أن الحسناوات لا يرين فى مثل هذا الرجل فتى الأحلام الذى يتمنينه, فهو غالبًا تجاوز الأربعين, بالإضافة إلى قِصَر القامة, والبدائية، وطريقته فى المشى كأنما يمتلك جناحين مقصوصين, بالإضافة إلى الصوت الأجش, العالى, الذى قد يسبب النفور للمشاهد, لكن مثل هذا الرجل موجود فى البيئات الشعبية التى نعيش فيها, ولا يعنى هذا أن أولاد الذوات لا يميلون إليه, بل العكس، لأنه مفتقد بالنسبة لهم, لذا فهو حين يؤدى دور ابن البلد الذى صعد اجتماعيّا فإنه يكشف عن نفسه من خلال ملابسه وأسلوبه فى الكلام, ومفرق الشعر عند منتصف الرأس مثلما رأيناه فى "بين إيديك" ليوسف شاهين. ورُغم أن المخرجين فضّلوه فى أدوار ابن البلد بكل صياغاته، فإنه كان متنوعًا بشكل ملحوظ,, وقد كانت أدواره مساعدة فى أغلب الأفلام, ليس خفيف الظل بالشكل المأمول, لكن المتفرج ضحك من تصرفاته بشكل تلقائى, وقد صعد فى بعض الأفلام إلى أدوار البطولة المساعدة، حينما شارك بشارة واكيم فى فيلم "لو كنت غنى", وسوف نلاحظ أن النساء فى حياته إما بدينات أو متقدمات فى العمر, ومنها "حماتى قنبلة ذرية" و"ابن حميدو", والبنات الجميلات لا يرغبن فى الاقتران به, مثلما رفضته طالبة الطب فى "القلب له أحكام". عبدالسلام النابلسى هناك أيضًا عبدالسلام النابلسى، وبعد سنوات طويلة من الأدوار المساعدة بعضها كوميدى, بعد أن رأى أغلب أقرانه يصعدون إلى البطولة طوال ثلاثين ما عداه, وعلى رأسهم إسماعيل يس, وكان أبرز صديق للبطل، ومنهم المطربين أمثال فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ, ورأى فى مرحلة متأخرة أنه لن يصعد فوق الحافة إلا لو أنتج لنفسه, وهكذا جاءت أفلامه فى السنوات الأخيرة من الخمسينيات ورأيناه فى بطولات كوميدية. وما أن صار "النابلسى" بطلا حتى حدثت مشكلته مع الضرائب, وسافر إلى لبنان, ولم يعرف هناك البطولة مطلقًا, يبدو أن الكثير من المخرجين فى مصر لم يروه مناسبًا للبطولات, فأسندوا إليه فى تلك الفترة الأدوار المساعدة نفسها، مثلما فعل عاطف سالم فى فيلم "السبع بنات" عام 1962. وهناك رياض القصبجى، وله العمر الفنى نفسه لعبدالسلام النابلسى, وكلا الرجلين لم تكن البداية بالنسبة له فى عالم الضحك, فقد كان "القصبجى" يتقن أدوار الشر فى أفلام كثيرة لما يتسم به من ملامح وجه شديدة القسوة, فلعب هذه الأدوار؛ خصوصًا فى النصف الأول من الخمسينيات, ومن أشهر أدواره: "ريا وسكينة" , و"قطار الليل". وسوف نرى أن أدواره المضحكة, وبالأخص فى أفلام إسماعيل يس لم يتخلَّ أبدًا عن ملامحه القاسية, ولعل هذا كان سببًا لقيام الشخصية التى يجسدها؛ خصوصًا الشاويش عطية بالسخرية منه, واتخاذة مادة للإضحاك, وقد بدا ذلك فى كل أفلامه التى جسَّد فيها هذه الشخصية، وفى أفلام أخرى رأيناه يقوم بشخصية مقاربة كما فى "لوكاندة المفاجآت", و"إسماعيل يس فى مستشقى المجانين", و"بحبوح أفندى". محمود شكوكو لاأعرف لماذا اقترب محمود شكوكو بقوة من الحافة المقصودة ثم ابتعد عنها, فقد اقترب منها أكثر من مرة وجلس عندها فى فيلم "ليلة العيد" مع شادية وإسماعيل يس، ثم فى فيلمه البالغ الأهمية "عنتر ولبلب", إخراج سيف الدين شوكت, ثم ابتعد عن البطولة رُغم تواجده بكل قوة, فهو المطرب المنولوجست, والممثل خفيف الظل الحاضر, وفى إمكانه أن يملأ أحداث الفيلم بالبهجة والغناء, مثلما فعل فى "أوعى المحفظة", ويقف بنفس قامة إسماعيل يس مثلما رأيناهما فى دور قصير باسميهما فى "قلبى دليلى", وبالاسم نفسه ظهر فى فيلم "زقاق المدق" باعتباره "شكوكو" الذى يغنى فى الأفراح الشعبية. ورُغم أنه لم يكف عن الغناء فى هذه الأفراج حتى آخر حياته، فإن أفلامه التى ظهر فيها خلال السبعينيات بدا كأنه خلع رداء الإضحاك, مثلما رأيناه فى "شلة الأنس" ليحى العلمى, و"أميرة حبى أنا" لحسن الإمام. توفيق الدقن توفيق الدقن واحد من القلائل الذين صبغوا أدوار الشر بالكوميديا, وقد لا يعود هذا إلى مخرج بعينه, وكأن هو الذى فعل ذلك فى أكثر أفلامه, لاصقًا الشرير فى أغلب الأحوال بخفة ظل محببة, مثلما حدث فى "ابن حميدو", و"مراتى مدير عام" لفطين عبدالوهاب, و"سر طاقية الإخفاء" لنيازى مصطفى, و"أحبك ياحسن" لحسين فوزى, وليس هناك استثناء واحد فى حياة الممثل أن تسند إليه دور بطولة واحد, لا نستطيع أن نجزم بالأمر , لكن ماذا لو حدث, عليك أن تتخيل. نموذج آخر مهم هو وحيد سيف، وفى أحاديثه الصحفية وغيرها كان يردد دومًا أنه البطل فى أفلامه, وفى رأيى الشخصى أن من لم يستمع إلى أدائه فى داراما إذاعة الشرق الأوسط فى بداية السبعينيات فإنه لم يضحك مع وحيد سيف كما يجب. والغريب أنه قدّم شخصيات مختلفة تمامًا فى السينما، حيث كان موجودًا فى صحبة آخرين, يعملون معًا, ويسكنون فى الأحياء الشعبية مثلما رأيناه فى فيلم "شلة الأنس" ليحيى العلمى, أو فيلم "أخواته البنات" لبركات، حيث كان على الميكانيكى الذى جسده يتحمل الكثير من الضرب من جاره حتى تنتهى الأمور بخير ويتزوج من أخت الجار, وفى زمن سينما المقاولات تزايدت أحلامه بأدوار البطولة, لكنها فترة كانت قصيرة, كأن يقوم بالبطولة المشاركة مع أحمد بدير وسمير صبرى فى فيلم "عائلة سعيدة جدا". ومن هذا الجيل، كانت أيضًا هناك أسماء كثيرة لها المسار نفسه دون استثناء، مثل نجاح الموجى, وأحمد بدير.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة