فستان زينات صدقى!
شيماء الريس
زينات صدقى، نجمة محبوبة وكوميديانة شهيرة فى تاريخ السينما على مَرّ الأجيال. لكنّ كثيرين لم يعرفوا شيئًا عمّا عانته من مصاعب فى حياتها رُغم ما حققته من شهرة ونجاح، حتى تركت بصمة وأسلوبًا خاصّا بها وأسست مدرسة فى عالم الكوميديا لم يحققها الكثيرون من نجوم عصرها.
عام 1976 اعتذرت زينات صدقى عن تلبية دعوة لحفل رئاسى كان مفترضًا أن يكرمها فيه الرئيس الراحل أنور السادات. اعتذار "زينات صدقى" عن تكريم الرئيس السادات كان غريبًا، والأغرب منه، كان سبب الاعتذار، فلم يكن أحد يتوقع أن فنانة مثل زينات صدقى لا تمتلك فستانًا مناسبًا للتكريم. فعندما حدثها رشاد رشدى رئيس أكاديمية الفن، عن حجتها لعدم الحضور، انسابت دموعها، فعرض "رشاد" عليها أن تقوم مؤسسة أخبار اليوم بإقراضها مبلغًا ماديّا لتشترى ما يناسبها، على أن تردّه بعد أن تتسلم الجائزة التى بلغت قيمتها ألف جنيه، لكنها رفضت العرض. إتيكيت وبيانو اتصل بها الرئيس السادات بنفسه لإبلاغها بتكريمها فى عيد الفن، ودعاها بعدها لفرح ابنته، واستجابت لدعوة الرئيس، وفى الاحتفال، حضرت "زينات صدقى" وفوجئ الجميع بأنها ترتدى "جيب وبلوزة" تغلب عليهما البساطة، وفى نهاية التكريم، حاول أكثر من مخرج أن يسند إليها أدوارًا جديدة، لكنها رفضت قائلة: "أرفض الشفقة" فخصص "السادات" لها معاشًا استثنائيّا". اسمها الحقيقى "زينب محمد مسعد"، من مواليد حى الجمرك بالإسكندرية فى 4مايو 1913، لم تكن أميّة كما أشيع عنها، فقد حصلت على الابتدائية، كما كانت تعلم نفسها، فاستعانت بسيدة فرنسية لتعلمها الإتيكيت والعزف على البيانو، بل إنها كانت تجيد التحدث بالفرنسية بطلاقة. فى بداية حياتها عملت زينات صدقى "منولوجست" وراقصة، ولطبيعة المجتمع، رفضت أسرتها واعترضت على عملها فى الفن، فهربت إلى لبنان مع صديقتها خيرية صدقى، وحملت اسمها لتصبح "زينب صدقى"، حتى التقت بالفنان نجيب الريحانى، فكانت بداية انطلاقة مسيرتها الفنية على يديه، فضمها إلى فرقته وسَمّاها "زينات". حققت "زينات" نجاحات متواصلة مع فرقة الريحانى، وعملت مطربة فى المطاعم والمسارح، وكانت تغنى عددًا من أغنيات المطربة فتحية أحمد، وفى إحدى الليالى صادف أن تواجدت "فتحية" فسمعت "زينات" تغنى أغانيها، فغضبت وجرت وراءها وحاولت ضربها، وكان هذا آخر عهد زينات بالغناء. بدأت "زينات" مشوارها السينمائى عام 1937 فى فيلم "وراء الستار"، لتتوالى شهرتها وتصبح صاروخ الكوميديا وورقتها الرابحة، حتى إنها شاركت فيما يقرب من 20 فيلمًا خلال عام واحد، ووصلت إلى أوج تألقها الفنى فى فترة الخمسينيات. ورُغم أنها عاشت حياتها فى العمل بين الفشل والنجاح والثراء والفقر؛ فإنها أفضل من قدمت الكوميديا على شاشة السينما من النجمات. غابت زينات صدقى عن الأضواء لمدة 23 عامًا، إذ كانت تعرض عليها أدوار لا تناسبها، فقالت لها أختها أن تقبل الأدوار حتى لا ينساها الجمهور، فوافقت على عمل فيلمين وهما "السراب، وبنت اسمها محمود" عام 1975، لكن بعد عرضهما رأت أنهما غير لائقين بمكانتها. عانس السينما رُغم لقب "عانس السينما المصرية"؛ فإنها لم تكن عانسًا فى الحقيقة، فقد تزوجت مرّتين، الأولى من ابن عمها الطبيب الذى يكبرها بـ17 عامًا، وكانت لا تتجاوز 13 عامًا، وسريعًا وقع الطلاق بينهما. ثم تزوجت للمرة الثانية من شخص ذى مكانة اجتماعية متميزة، ورفضت الإفصاح عن اسمه؛ لأن لديه أسرة وأبناء، وكان والده عمدة بالصعيد. وبدأت القصة بحضوره ليشاهدها فى فرقة الريحانى، وتحدّث مع الريحانى مبديًا إعجابه بها، ثم حضر مع أعضاء الفرقة فى اليوم المعتاد الذى كانت فيه زينات تعد فيه وليمة للفرقة فى بيتها، وبعدها طلبها للزواج. علمت والدة زوجها وإخوته بزواجه من زينات بعد 9 سنوات، وهى ظلت متزوجة منه لمدة 14 عامًا، لكن فى أحد الأيام وبعد زواج شقيقتها فاطمة، طلب زوجها منها أن تترك الفن وترسل والدتها إلى شقيقتها فاطمة أو إلى دار مسنين وقال لها إنه سيتحمل نفقاتها، وجاء رد فعل زينات بأن "ضربته بالتليفون على رأسه"، فطلقها. توفيت زينات صدقى فى 2مارس 1978، وأشيع بعد وفاتها أنها دفنت فى مقابر الصدقة، لكنها كانت قد اشترت مدفنًا خاصّا فى عز شهرتها، وعندما توفى فنان بسيط من فرقة الريحانى أثناء العرض، واستكمل الريحانى المسرحية ولم يوقف العرض، تأثرت زينات، وبعدما انتهت من دورها قالت للجمهور: "زميلنا الغلبان توفى أثناء العرض ولو كان نجم كبير كانت الدنيا قامت، علشان كده أدعوكم تقفوا دقيقة حداد على روح زميلنا، وحضور الجنازة وتشييعها من مسرح الريحانى"، وانفجرت فى البكاء حتى اعتقد البعض أن الفنان الذى توفى زوجها؛ خصوصًا أنها دفنته فى مدفنها الخاص. وكانت قد أوصت حارس المدفن الخاص بدفن أى شخص فقير بمدفنها وقالت له: "المدفن ده لكل الغلابة، يهودى وقبطى ومسلم وكل اللى مالهوش مكان يندفن فيه". واعترض عدد من أقارب زينات صدقى على ذلك، فأصرت أن تضع لوحة على المدفن مكتوبًا عليها "مدفن الصدقة وعابرى السبيل"، وهو المدفن الذى دفنت فيه.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة