حكاية «عمو فؤاد»

حنان أبوالضياء
فى أحد الأعوام كان الفنان فؤاد المهندس مرهقًا صحيًا ولم يستطع استكمال فوازير (عمو فؤاد) واعتذر عنها فاستأذنه المخرج للاستعانة ببطل آخر، وبالفعل قام شريك رحلته الفنية عبدالمنعم مدبولى بعمل فوازير (جدو عبده). من هذا الموقف انطلقت الشائعات عن خلافات فنية وإنسانية فرّقت الثنائى بسبب فوازير "عمو فؤاد " و"جدو عبده"، وهو ما نفاه أبناؤهما "أمل مدبولى ومحمد فؤاد المهندس" فى أكثر من مناسبة بعد رحيلهما.
كان "مدبولى" أقرب أصدقاء "المهندس"، وبينهما صداقة امتدت لأكثر من 50 عامًا منذ أن عملا معًا فى فرقة (ساعة لقلبك)، وكان المهندس يناديه (دوبل)، ولم يحدث بينهما أى خلاف بسبب الفوازير أو غيرها. فؤاد المهندس من المبدعين الأوفياء لفنهم، الذين عاشوا لإبداعهم الحقيقى المغروس فيهم حتى اللحظة الأخيرة، أولئك الذين يسكنهم هاجس الإبداع. هو مالك جين التفرد، وحالة خاصة فى عالم التميز والتوهج. عالمه مع اتساعه ملىء بالتفاصيل، فكم اصطدم بعوائق مضادة لإبداعه فكان يطوى فنه إلى إشعار آخر، حتى يسعفه الحظ ويجد العمل الذى يتفق مع شغفه. الفن الهادف "فؤاد زكى المهندس" ابن حى العباسية القادم إلى الحياة فى سبتمبر 1925، الناهل من والده عالم اللغة العربية الكبير "زكى المهندس". لم يتعامل "المهندس" مع الفن على أنه مجرد صناعة ترفيه، لكن كرسالة سامية، وكان سعيدًا أن جيل التسعينيات يناديه "عمو فؤاد". هو صاحب الفن الراقى والكوميديا الهادفة التى لا تعرف الإسفاف. المُصر على الذهاب إلى المسرح مبكرًا، قبل العرض بساعتين على الأقل؛ ليطمئن على كل شىء، ثم يرتدى ملابسه؛ ليقف وراء الستارة ويبدأ فى قراءة القرآن ذهابًا وإيابًا، ولا يجرؤ أحد على مقاطعته، وبعدها يدق ثلاث دقات معلنا بداية العرض بنفسه. هو رائد البرنامج الإذاعى الاجتماعى اليومى "كلمتين وبس" الذى بث عبر أثير إذاعة البرنامج العام منذ عام 1968 حتى وفاته، مسلطا الضوء على سلبيات المجتمع المصرى. كان المسرح مكانه المفضل، وصانع تاريخه مع شريك الرحلة "عبد المنعم مدبولى"، حتى إنه قدَّم مسرحية "إنها حقًا عائلة محترمة" مع أمينة رزق وشويكار، وهو مصاب بجلطة فى القلب، وأكد له الأطباء أنه شفى منها من خلال عمله على المسرح. بداية فؤاد المهندس كانت فى برنامج "بابا شارو"، حيث التقى مع رفيق عمره "مدبولى" أحد نجوم فرقة (ساعة لقلبك)، البرنامج الإذاعى الضاحك، حيث قدما العديد من الفقرات الرائعة، ومنها (فى الأوتوبيس)، حيث جَسَّدَ مدبولى شخصية "الكمسرى"، وقدّم أمامه المهندس شخصية "الأنزوح"، من تأليف وتقديم يوسف عوف، وكذلك اسكتشى (موظف درجة رابعة)، و(أيام زمان)، وغيرها من مغامرات فؤاد ومدبولى. وفى"مسرح التليفزيون" كان على رأس النجوم فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى. وأخرج عبدالمنعم مدبولى لفؤاد المهندس، مسرحية "السكرتير الفنى" مع الوجه الجديد وقتها شويكار، وبمشاركة مدبولى أيضًا، ولعب فيها المهندس شخصية "ياقوت أفندى"، وهو دور أستاذه الكبير نجيب الريحانى، وكانت تلك هى بداية الثنائى المسرحى المتألق فؤاد المهندس وشويكار، واستمر عرضها لشهور بعد أن كان مسرح التليفزيون يكتفى بعرض مسرحياته لعشرة أيام فقط قبل أن ينقلها. مشوار ثنائى كتب مدبولى للمهندس أحد أهم أعماله، كما عمل مساعدًا لنور الدمرداش فى إخراجه، وهى مسرحية "أنا وهو وهى"، وعندما تخلى التليفزيون عن فكرة الفرق المسرحية، اجتمع فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى وسمير خفاجى وكوَّنوا فرقة (الفنانين المتحدين) لكى تستغل هذا النجاح إلى أقصى حد بمسرحيات مثل "سيدتى الجميلة"، وهى إحدى علامات الثنائى المهندس وشويكار. وشاركا أيضًا فى العديد من الأفلام، ومن أهمها "ربع دستة أشرار"، و"المليونير المزيف"، و"العتبة جزاز"، و"غرام فى أغسطس"، و"مطاردة غرامية"، و"اقتلنى من فضلك"، و"أنا وهو وهى"، ومعظم هذه الأعمال وغيرها من تأليف مدبولى لصديق عمره. لقب "أستاذ" أطلقه عبدالمنعم مدبولى على تلميذه، فؤاد المهندس الذى كان يراه خليطًا من الريحانى مع شخصيته المتفردة، وظل فؤاد المهندس صديقه الأهم، لقد أحبا بعضهما البعض منذ أن التقيا، لدرجة أن "مدبولى" اختار أن يسكن بالقرب من سكن المهندس من حبه له ولحرصه على القرب منه. الطريف أن فؤاد المهندس كان يقوم بالتقليد فى "بابا شارو" وشاركه أيضًا مدبولى شخصية طرزان وبغبغان وسمان وكل الحيوانات؛ لأنه يحب الحيوانات، وكان المهندس يقول: "أنا قضيت 4 سنين فى الجامعة منهم 3 سنين فى جنينة الحيوانات، والحمد لله اتخرجت من الاتنين". المحزن أنه قبل يومين من وفاة مدبولى، كان فؤاد المهندس يتحدث معه هاتفيًا، ولم يفهم ما قاله فى المكالمة، وبكى المهندس حزنا على رفيق عمره؛ حتى إن عبدالمنعم مدبولى مات فى 9يوليو 2006، ولحقه المهنس بعد شهرين فقط فى 16 سبتمبر 2006. إنهما الثنائى الأجمل فى تاريخ المسرح المصرى، وكوّنا سويًا المدبوليزم، وهى كوميديا خاصة بهما. أحب المهندس الغناء منذ الصغر، حيث كان رئيسًا لفرقة الأناشيد فى المرحلة الابتدائية، ولكنَّ غناءه كان دائمًا موظفًا داخل العمل الفنى؛ لأنه ليس مطربًا بمعنى الكلمة، وكانت أولى أغانيه (رايح أجيب الديب من ديله). والمعروف أن كلًا من بهجت قمر وخفاجى حاولا إقناعه بضرورة الغناء، وفى النهاية قبل المهندس بعد أن سمع اللحن الذى أعده منير مراد، وتجاوب الجمهور بشدة، فكرر التجربة فى أعمال أخرى لعل أبرزها مسرحية (أنا وهى وسمّوه) التى قام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بتلحين أغنيته (حذرتنا)، كذلك أغنية (أنا واد خطير) التى قدمها فى فيلم (جناب السفير)، بالإضافة إلى أغانى مسرحيته (سيدتى الجميلة)، التى شاركت شويكار فى تقديمها معه. مع عبدالوهاب ارتبط فؤاد المهندس مع الموسيقار محمد عبدالوهاب بعلاقة صداقة قوية، وتعلَّم منه الأستاذ الكثير من الصفات، فى مقدمتها النوم مبكرًا، الالتزام الزائد بالمواعيد والدقة المتناهية. أما الفنانة "شويكار" فهى أهم مفاتيح فؤاد المهندس، وشكّلا ثنائيًا فى الحياة والفن. التقيا للمرّة الأولى فى مسرحية "السكرتير الفنى"، وعرض عليها الزواج فوق خشبة المسرح، عندما خرج عن النص بجملته الشهيرة "تتجوزينى يا بسكوتة؟"، وكان قد انفصل عن زوجته، وتزوج شويكار، وكوّنا الثنائى الرائع، كان المهندس يعشقها ويترك لها مساحات كبيرة فى أفلامه للتوهج. ومع شويكار كانا أهم ثنائى فنى، امتد أثره من الستينيات إلى مطلع التسعينيات، واستمر التعاون بينهما حتى بعد الانفصال، بعد نجاحهما فى "أنا فين وأنت فين" مسرحيًا ثم سينمائيًا على يد المخرج فطين عبدالوهاب عندما قدما معًا "اعترافات زوج". وقدما نحو 20 فيلمًا فى 8 سنوات، هى الأكثر نجاحًا فى مسيرته السينمائية، واتسمت جميعها بأنها كوميديا خفيفة تمزج بين الرقص والغناء والاستعراض. والتقى فؤاد المهندس مع المخرجين حسن الصيفي، حسام الدين مصطفى، وحلمى حليم فى عدة أفلام، ولكنه قدَّم مع نجدى حافظ خمسة أفلام وكان فيلم "حب ومرح وشباب" الذى كتبه وأخرجه نجدى أول عمل فيهم، وشارك فؤاد فى بطولته مع نادية لطفى وعماد حمدى. أمَّا فيلم "أخطر رجل فى العالم" فحالة خاصة جدًا ولسنوات طويلة لم يجرؤ أحد على تقديم عمل مشابه له، بشخصية "مستر إكس"، التى يحاكى فيها أفلام "الويسترن"، ثم فيلم "أخطر رجل فى العالم" الذى عرض بالتوازى مع فيلم "معبودة الجماهير"، الذى شارك فى بطولته مع شادية والعندليب عبدالحليم حافظ، وحقق "أخطر رجل فى العالم" نجاحًا كبيرًا. اتجه المهندس ناحية المسلسلات، ومنها مسلسل "عيون" مع "سناء جميل" و"يونس شلبى"، واحتل المهندس مساحة واسعة فى قلوب الجمهور المصرى، بوصفه واحدًا من أشهر نجوم الكوميديا الذين تركوا أثرًا بالغًا فى إسعاد المتفرجين، وظل مطلوبًا على الساحة وعلى خشبة المسرح لسنوات طويلة.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة