الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«ثلاثى» ممتد الصلاحية

مات الضيف أحمد.. وتخلى سمير غانم عن جورج

«ثلاثى» ممتد الصلاحية

 هى كوميديا ممتدة الصلاحية لا ينتهى مفعولها أبدًا، رُغم طول السنين وتغيُّر مفاهيم كتابة وصياغة عمل كوميدى تماشيًا مع العصر الحالى. إن الشكل والقالب الفنى الذى اعتاد "ثلاثى أضواء المسرح" تقديمه سواء فى إلقاء اسكتشات كوميدية مسرحية على طريقة "الإستاند آب كوميدى" أو فى تقديم مقاطع مُغنّاة بالأعمال السينمائية ارتبط بها الجمهور والمُشاهد المصرى سنوات طويلة وامتد مفعولها إلى يومنا هذا.



الأجيال التى لم تعاصر هذا الفريق الذى أسّس عام  1967 لاتزال تتابع بشغف وتضحك على إفيهات ومواقف كوميدية بذل أصحابها جهدًا فى صناعتها وصياغتها على مستوى الكتابة والشكل والتكنيك والتأليف الموسيقى؛ فأصبحت خالدة دائمة فى صناعة البهجة والمرح لكل جيل لا تفسد أو تهرم بمرور الوقت وكأنها كوميديا عابرة للزمن..!. حالة استثنائية  صَنع هذا الثلاثى حالة فنية متفردة واستثنائية بكل المقاييس، سواء فى غزل وصياغة أعمال كوميدية جديدة ومختلفة عن العصر الذى ظهروا فيه، مرورًا بالقالب الفنى الذى وضعت فيه هذه الأعمال أو الذى تشكل عليه هذا الفريق.  ساهمت طبيعة كل منهم المختلفة فى اللعب على هيئتهم الخارجية، وكذلك فى شكل وأسلوب الإضحاك وإلقاء الإفيهات، وبالتالى انسجموا معًا عن طريق الاختلاف وليس عن طريق التشابه فى المنطق والبنيان الجسدى.  التقى الكوميديانات الثلاثة عن طريق نجاحهم فى منتخبات الجامعات التى كانت تنظم مهرجانات مسرحية تضم منوعات فنية كان ضمن هذه المنوعات تقديم فقرات كوميدية، وكان يرأس سمير غانم فريق جامعة الإسكندرية، والضيف أحمد يرأس فريق جامعة القاهرة، وجورج سيدهم يرأس فريق جامعة عين شمس. تنافس الثلاثة على الفوز بكأس الجامعات للتمثيل، وفاز به سمير غانم عام 1959، والضيف أحمد 1960، وجورج سيدهم 1961. اكتشفهم المخرج محمد سالم وقدّمهم باسم "ثلاثى أضواء المسرح" فى أول اسكتش "دكتور الحقنى"، ويعود إليه الفضل فى تقديمهم للتليفزيون وفوازير رمضان، وكانوا هم من يضعون أفكارها ويقومون بكتابتها. قدّم معهم  "سالم" أنجح برامجه ثم بدأت تدور فى ذهنه فكرة تشكيل فرقة مسرحية تعتمد على مواهبهم ووضع لها اسم "فرقة ثلاثى أضواء المسرح"، وكان هناك مشروع لانضمام الممثل عادل نصيف فى بداية تشكيل الفريق، قبل انضمام الفنان سمير غانم. لكن "نصيف" لم يعجبه وضع العمل بالفريق وقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مشاركته فى عرض "حواديت وبراغيت". ثم حاول العودة للفريق من جديد بعد السفر لكنهم رفضوا عودته بعد اعتيادهم على سمير غانم والعمل معه بجانب أنهم لم يتنازلوا عن كونهم ثلاثى فقط ورفضوا أفكار "نصيف" بتحويل الفريق إلى رباعى أو خماسى كما اقترح عليهم لإعادته. مسرح السجن بدأت الفرقة عملها بمسرح الشاطبى بالإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة حتى وقع خلاف كبير بين محمد سالم والثلاثى حول أسلوب إدارة الفريق؛ لأنه كان يريد أن تبقى هذه الفرقة فى قالب فنى غنائى استعراضى، بينما رأى أعضاؤها أن هذا المشروع يحتاج إلى إمكانيات ضخمة لا تقوَى الفرقة على تحمُّلها، كان الفنان جورج سيدهم هو العقلية الإدارية المالية المدبرة للفريق، ومن بين أفكاره التى ساعدت فريقه على تجاوز الكثير من المحن المادية فكرة تقديم عروض فى السجون.  دعت الفرقة عددًا كبيرًا من ضباط الشرطة لمشاهدة العرض "أتسجن آه إنما بمزاجى"، ثم تقدمت باقتراح لوزارة الداخلية ووزيرها فى ذلك الوقت شعراوى جمعة لتقديم عرضها على النزلاء بالسجون، ووافقت الوزارة وقدّم العرض أمام ثلاثة آلاف سجين فى مايو 1971. لاقَى العرض ردود فعل قوية وأصداءً واسعة، ثم قدمت الفرقة فى الشهر التالى العرض نفسه بسجن القناطر، وكانت تعتبر المرة الأولى التى يقدم فيها عرض مسرحى للمساجين. تعرضت الفرقة بعد ذلك إلى أزمة أخرى مع عرض "مطلوب لمونة" لمؤلفه الإذاعى أحمد سعيد، ففى يوم الافتتاح  تقرر إغلاق العرض بسبب أزمة بين أحمد سعيد وبعض الجهات التى حالت دون تقديم عرضه ووقع وقتها جورج سيدهم فى ورطة فقرر إعادة التذاكر إلى الجمهور، بينما الغريب كان رفض الجماهير بشكل جماعى استرداد النقود وقالوا: "إنها مقابل مقاعدنا فى عرضكم المقبل". ساهم الثلاثى فى تقديم العديد من الفنانين بالساحة الفنية بدأت بعرض "حواديت وبراغيت" عام 1967، فقدموا سهير البارونى، زكريا موافى، هدى فريد، وأحمد نبيل، ثم "حدث فى عزبة الورد" 1968، و"طبيخ الملايكة" 1969 فقدموا هالة فاخر، سناء ماهر، وأسامة عباس، أمّا فى عرض "فندق الأشغال الشاقة عام 1970 فقدموا الممثلة الشابة صفاء أبو السعود التى شاركت فيما بعد فى أشهر مسرحيات الفرقة "موسيقى فى الحى الشرقى"، "عارضة الأزياء بريجيت"، بالإضافة إلى الممثلة الشابة فادية عكاشة، كما قدموا سبعة أطفال فى عرض "موسيقى فى الحى الشرقى" 1972، وفى مسرحية "جوليو وروميت" سنة 1973 أسندت الفرقة البطولة النسائية إلى الوجه الجديد بوسى فى أول بطولة فى حياتها الفنية، كما قدمت نجاح الموجى فى عرض "حواديت"، وفى "فندق الثلاث ورقات" 1974 قدموا نسرين وصلاح ذو الفقار بعد الانسحاب الأول المفاجئ للفنان سمير غانم، ثم فى "من أجل حفنة نساء" قدموا لأول مرة الفنانة معالى زايد ومعها الفنانة فريدة سيف النصر ولعبتا نفس الدور فى "المتزوجون"، "حب فى التخشيبة"، "لو انت قط أنا فار". صعود وهبوط مَرَّ ثلاثى أضواء المسرح بفترات انتصارات وانكسارات ربما تُعتبر فترة انطلاقة للساحة الفنية والنجاح الكبير الذى حققوه معًا فى البداية هى أوج انتصاراتهم وفرض نفوذهم ككوميديانات لهم بصمة واضحة بالمسرح والسينما والتليفزيون، بينما بدأت مرحلة الانكسار بوفاة الضيف أحمد الذى قال عنه سمير غانم إنه كان عقلية فنية مهمة ومحركة للفريق وأخرج لهم بعض عروضهم. قال سمير غانم عن واقعة وفاة الضيف أحمد.. "كنا عائدين من الأردن وبعد وصولنا لمطار القاهرة ظل يوصينى على ضرورة الحضور غدًا فى موعد البروفة حتى إننى تعجبت من صرامته ثم تركنا ووقف وحيدًا شاردًا وفى منتصف ليل اليوم نفسه فوجئت باتصال من جورج سيدهم يخبرنى بوفاة الضيف أحمد، كانت صدمة كبيرة لنا جميعًا وغير متوقعة على الإطلاق؛ لأننا كنا بدأنا حلم ومستقبل نتمنى أن نكمله معًا، وبالتالى لم أقبل بأى شكل من الأشكال ملء مكانه الفارغ بأى شخص آخر مَهما بلغ حجم التشابه بينه وبين الفنان الراحل، وبالفعل تقدّم لنا كثيرون منهم يشبهونه للغاية لكننا رفضنا بشدة وتمسكنا بأن يبقى اسم الثلاثى كرمز، فأنا ممثلا لكيان الثلاثى بمفردى وكذلك جورج سيدهم. بعد صدمة وفاة الضيف بقى شبح الخلاف المادى وأزمة الإدارة الذى طارد الفريق، استكمل الثنائى جورج سيدهم وسمير غانم المسيرة بمسرحيات "المتزوجون"، "فندق الأشغال الشاقة"، "موسيقى فى الحى الشرقى"، "جوليو وروميت"، "أهلا يا دكتور" وتعتبر آخر الأعمال التى جمعتهم سويّا. وبعده انفصل الفنان سمير غانم تمامًا عن الفريق وغازله العمل وقتها مع فريق "النيل" لصاحبه مطيع زايد، وبالفعل قدّم معهم أكثر من عرض مسرحى، بينما ظل جورج مخلصًا لاسم وسُمعة فريقه، فقدم ثلاث مسرحيات باسمه "لو انت قط أنا فار"، "حب فى التخشيبة"، "نشنت يا ناصح". بسبب تلك الظروف تعرَّض الفريق لأزمات فنية ومادية شديدة تسببت فى أزمة قلبية للفنان جورج سيدهم نقل على إثرها إلى لندن لإجراء عملية فى شرايين القلب على يد الدكتور مجدى يعقوب. مراحل الانكسارات المتتالية التى بدأت بوفاة الضيف أحمد، ثم إصرار سمير غانم على الانسحاب من الفريق ومطالبته بمستحقاته المادية، ثم الحريق والخسائر التى لحقت بمسرح "الهوسابير" الذى تُعرَض عليه مسرحيات الفريق فى منتصف الثمانينيات تسبب فى خسارة مادية كبيرة لجورج سيدهم حيث تضاعفت الديون.  بعدها قام أمير سيدهم- شقيق جورج- برهن مسرح الهوسابير لأحد البنوك فحجز البنك على المسرح لعدم سداد القرض، ثم هاجر أمير سيدهم مدير الفرقة والمسئول المالى والإدارى إلى أمريكا فتحمَّل جورج بمفرده سداد جميع الخسائر والديون وأصيب بجلطة فى المخ منذ عام 1997، وهكذا انطفأ حلم الفريق بمرور الأزمات والزمن ولم يبق سوى ذكريات الأيام الجميلة التى جمعتهم معًا.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق