السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مسرح الكباريه من فايز حلاوة إلى أحمد بدير

مراهقة سياسية.. أم تعرية للواقع؟!

بينما كان الرئيس محمد أنور السادات يستعد لمعركة تحرير الأرض، وبالتحديد فى العام 1972، فوجئ بالسفير السوفيتى فى مصر يطلب مقابلته. المفاجأة كانت فيما توجه به السفير ، حيث طلب منه رسميًا وقف مسرحية "يحيا الوفد" التى تقدمها تحية كاريوكا على مسرح سينما راديو فى ذلك الوقت، وذلك بعد النجاح الساحق الذى حققته بعد عشرة أيام فقط من عرضها.



أحداث المسرحية تروى وقائع وطرائف زيارة وفد روسى إلى إحدى القرى المصرية، ومشاهد تدريب الفلاحين على استقبال الوفد ، وترديد هتافات "يحيا الوفد"، وما يحدث من مفارقات كوميدية ضاحكة، كانت تحمل الكثير من التهكم. وصل النجاح المدوى للمسرحية التى كتبها فايز حلاوة لدرجة أن اصطفت جماهير القاهرة لحجز التذاكر، ونتيجة للزحام الشديد على تذاكرها اضطر بوليس العاصمة للتدخل وتنظيم المرور فى شارع طلعت حرب وتنظيم دخول وخروج المشاهدين. وذاع صيت المسرحية أكثر عندما تناولتها عدة أقلام بالنقد الشديد، لأنها توجه إهانة بالغة للصديق السوفيتى حينها.. لكن السادات لم ينصت للسفير ، واستمر عرض المسرحية، ولم يتم وقفها إلا عندما انطلقت معركة العبور، وتم إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال.  معارك تحية لم تكن "يحيا الوفد" التجربة الأولى والمعركة السياسية الوحيدة التى خاضتها تحية كاريوكا، بل إنها واجهت العديد من مرات التدخل المستمر للرقابة على المصنفات الفنية، ففى أغسطس من العام 1960، استأجرت كاريوكا مسرح ميامى لمدة خمس سنوات، واستدانت من البنك 2000 جنيه لتطوير المسرح ومقاعده لتقديم مسرحية "كدابين الزفة"، وهم انتهازيو الانتخابات ومحترفو الهتافات، وهى الفئة التى انتقدها فايز حلاوة بشدة. لكن الرقابة وقفت حائلا أمام عرض المسرحية.. وهو ما أثار أزمة سعت الرقابة لتفاديها عبر تكوين لجنة لقراءة النص ورفضه، ثم كونت لجنة ثانية تطالب المؤلف بتعديل بعض المشاهد والحوارات والأحداث.. حتى علق حلاوة أن الرقابة على المصنفات خرجت عن إطار عملها وأصبحت تتدخل فى النص فنيًا بما لا يطيقه أى إنسان. وبعدها خرجت تحية ، من بلاتوهات الرقص، لتلعب دور البطولة فى عدد من المسرحيات التى كانت امتدادًا وتوهجًا لما عرف بمسرح "الكباريه السياسى". وكان فايز حلاوة هو بطل هذه الأعمال على مستوى التأليف والإخراج عبر ما قدمه من خلال فرقة تحية كاريوكا التى تأسست عام 1963، حيث كان يقدم العديد من العروض المسرحية السياسية والاجتماعية وكان يتناول قضايا الواقع بشكل مباشر ويتعرض لمشكلات المجتمع المصرى والتحول الاجتماعى فى عقدى الستينيات والسبعينيات. المعالجة الهزلية والانتقاد الساخر من خلال المواقف الدرامية المختلفة والمفارقات المتتالية، كانت السمة الأهم فى مسرح حلاوة وكاريوكا، فعلى سبيل المثال تناول أزمة السكن فى (حضرة صاحب العمارة)، وبعض مظاهر الفساد فى الحياة الثقافية فى (روبابيكيا)، كما انتقد مظاهر الروتين والبيروقراطية فى (البغل فى الإبريق)، وكشف المنافقين والمتسلقين وأساليبهم الملتوية فى (كدابين الزفة).  وفى أوائل السبعينيات وبالتحديد عام 1972، وعلى يد المخرج المسرحى المصرى هانى مطاوع، ظهر مسرح الكباريه السياسى فى مصر ظهورًا فعليًا عندما قدم أول عروض هذا المسرح وهو عرض (البعض يأكلونها والعة)، ومن بعده تبارى المخرجون فى تقديم سيل من الأعمال الكباريهاتية بغزارة مثل (كاسك يا وطن)، (العسل عسل والبصل بصل)، (اللعبة)، (مساء الخير يا مصر)، (كلام فارغ)، (عالم على بابا)، (باى باى عرب)، (عفواً أيُها الأجداد علينا السلام)، (جحا باع حماره)، (لامؤاخذة يا مستر ريختر). إقبال جماهيرى خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، تمثلت الملامح العامة للكباريه السياسى فى التزايد الكمى لهذه النوعية من العروض والإقبال الجماهيرى المتزايد عليها، سواء فى القطاع العام ومسرح الدولة أو على مستوى القطاع الخاص الذى شهد ارتفاعًا فى نسبة الإيرادات بسبب هذه العروض. ومؤخرًا وبالتحديد منذ أحداث يناير عام 2011، بدأت عودة الكثير من عروض نمط مسرح "الكباريه السياسى" فى مصر رغم أنه ليس قالبًا مستحدثا على المسرح المصرى، فالمتابع للحركة المسرحية فى مصر يكتشف أنه موجود منذ فترة طويلة وإن لم يتطور ويظهر فى صورته المتعارف عليها إلا منذ فترة قليلة. والمستوى الفنى لهذه المسرحيات يكشف أنها تنوعت فى الموضوعات التى تم تناولها بكثير من النقد لمواطن الفساد والخلل فى المجتمع، وهو ما نتج عنه اختلاف العلاقة بين عروض الكباريه السياسى والرقابة على المصنفات الفنية، ما جعل هذا الشكل المسرحى أكثر مرونة وتجاوبا مع ما يلاقيه من مشاكل أو معوقات نظرا لطبيعته التى تسمح بإعادة ترتيب اللوحات فى كل عرض مسرحى وفقًا لرؤية المخرج، فضلا عن حذف لوحات وإضافة لوحات أخرى حسب ما يستجد من أحداث، فضلا عن التورية الساخرة فى عناوين العروض. ويثير مسرح الكباريه السياسي من الأسئلة أكثر مما يضع من إجابات، حيث أن عروضه تشحن وتُحرك أكثر مما تدفع للتعقل والإقناع وتسعى للمواجهة جنبًا إلى جنب مع التوعية والتنوير وكلها سمات تلتقى عندها هذه العروض المسرحية السياسية التحريضية، سواء عن طريق مشاهد متصلة أو منفصلة، لكن يربطها خط درامى واحد تشتبك من خلاله مع الأحداث الدائرة ليتحول الجمهور من راضيًا بالأمر الواقع إلى متمرد عليه حيث لا تقف هذه النوعية من العروض ا عند حد الإقناع الفكرى الهادئ.  والتزمت العديد من العروض بتقنيات الكباريه السياسى فى العصر الحديث مثل "كلام فارغ" من إعداد نبيل بدران، عن كلمات أحمد رجب الساخرة المنشورة فى الصحافة تحت عنوان "نص كلمة"، وعرض "عالم على بابا" للمخرج سعد أردش، و"تخاريف" لمحمد صبحى و"بولوتيكا" لجلال الشرقاوى، ومسرحية "غيبوبة" التى أثارت الكثير من الجدل عندما عرضت عام 2015.. وهى مسرحية للكاتب محمود الطوخى، وقام ببطولتها الممثل أحمد بدير، وتدور قصة المسرحية حول رجل يصاب برصاصة فى 25 يناير 2011، وذلك أثناء وجوده بالمصادفة فى ميدان التحرير، وبعد هذه الإصابة يدخل فى غيبوبة تستمر لشهور طويلة، لم يفق منها إلا قبل اندلاع ثورة 30 يونيو 2013 بأيام قليلة. ويبقى مسرح الكباريه السياسي فى حالة اشتباك دائمة مع الواقع وربما مع السلطة ليقدم معالجة ساخرة للفساد، والأوضاع الصعبة، وإسقاطات وعروض تتأرجح بين المأساة والملهاة.   

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق