السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هلفوت أم زعيم

لماذا يطالبون عادل إمام بالاعتزال؟!

 لأنى واحدٌ من جمهور عادل إمام، وأنتمى إلى جيل كانت متعته الذهاب إلى السينما لمشاهدة أفلامه "عنتر شايل سيفه، مخيمر دايمًا جاهز، شعبان تحت الصفر، قاتل مقتلش حد، عصابة حمادة وتوتو" وعشرات الأفلام الأخرى التى صنعت منه زعيمًا لمملكة "الضحك للضحك". أشعر بالحسرة على تهاوى نجم كبير فى نهاية مشواره الفنى، فى أعمال تليفزيونية باهتة، ربما تضيف لرصيده الملايين فى البنوك، لكنها تسحب بكل تأكيد من تاريخه الفنى وشعبيته الساحقه، وتضع ظهيره الشعبى فى مأزق أمام كل خصومه على مدار تاريخه الفنى.



عادل إمام لم يصنع نجوميته من "ضربة حظ" أو بعد فيلم واحد حقق إيرادات، ولكنه كان مشروع نجم سينمائى، يجهزه المخرج فطين عبدالوهاب فى الأدوار الثانية المؤثرة فى أفلام "عفريت مراتى، مراتى مدير عام، كرامة زوجتى، أضواء المدينة، نص ساعة زواج". والأخير تحديدًا ظهر فيه يقدم شخصية "الدوبلير" فى الأفلام فى نهاية هذا الفيلم وهو يتمرد على وظيفة "الدوبلير" تنبأت له البطلة ضمن الحوار أنه سوف يكون فى المستقبل "نجم النجوم"، وهذا المشهد تحديدًا كتبه بخط يده المخرج فطين عبدالوهاب.

أول بطولة  

بالفعل اشتغل "فطين" على فيلم "البحث عن فضيحة" كأول بطولة للنجم عادل إمام من إخراجه، ولكن يشاء القدر أن يرحل عن الحياة ويستكمل الفيلم المخرج الكبير نيازى مصطفى.  وإذا كان فطين عبدالوهاب هو أستاذه سينمائيّا؛ فعلى مستوى المسرح كان سمير خفاجى هو الذى حارب من أجله وشكل له الحماية المسرحية فى مواجهة نجوم كبار كادوا أن يفتكوا به فى بداية مشواره المسرحى بسبب إفيهاته التى كانت تخطف منهم تصفيق الجمهور.  وبالمناسبة.. نفس موقف أمين الهنيدى مع عادل إمام عندما أصر أن يترك مسرحية يشاركه فيها، قام "عادل" بالموقف نفسه مع أحمد بدير فى مسرحية "شاهد ماشفش حاجة"، فأصر أن يتم استبعاد "بدير" بسبب "إفيه" يُضحك الجمهور يوميّا.  وحسب (شاهد عيان) كان موجودًا فى هذا اليوم الذى تم إبلاغ "بدير" أنه يجب أن يترك العرض، وقف أحمد بدير صارخًا بين "كومبارس" فرقة "المتحدين" سوف أعود إليها بطلًا. وبالفعل بعد اعتذار حمدى أحمد عن مسرحية "ريا وسكينة" التحق "بدير" بالمسرحية بديلًا وأصبح بطلًا للعرض بين الكبار "شادية، سهير البابلى، عبد المنعم مدبولى".  ولكن.. ما حكاية.. إن عادل إمام يمتلك ظهيرًا شعبيّا؟..  نعم عادل إمام هو النجم المصرى الوحيد الذى امتلك ظهيرًا شعبيّا فى مواجهة استعلاء بعض النقاد على أفلامه، واتهامها بالتجارية والسطحية، وإنها ليست سوى وريث شرعى للطبخة السينمائية الفاسدة التى توارثتها السينما التجارية (قبلات، وأحضان، وغرف نوم، ورقص، ومعارك، وبطل خارق).  وهذه "الطبخة الفاسدة سينمائيّا" ربما كانت السبب الرئيسى الذى صنع منه نجمًا جماهيريّا، فى مواجهة زملائه "المشاغبين" الموهوب أحمد زكى.. الذى اختار من بدايته التمرد على أشكال السينما التقليدية، ورفض أن يجارى عادل إمام فى أفلامه التجارية إلا فى بعض الأفلام من أجل البقاء (الإمبراطور، أبو الدهب، حسن اللول، الرجل الثالث). وأيضًا سعيد صالح المهووس بالمسرح على حساب السينما ما جعله يقبل العمل فى أفلام المقاولات من أجل إنتاج مسرحيات يرفض منتجو القطاع الخاص تقديمها، وللأسف لم يتم تصويرها.. وذهبت فى ظلام التاريخ.  وحتى يونس شلبى الذى هدد عرش إيرادات عادل إمام بعد فيلم "العسكرى شبراوى" لم يكن لديه ما يدير به موهبته ويستغل نجاحه بعد أن فرط فى الفرصة التاريخية بعد خلافه الشهير مع سمير خفاجى وانسحابه من مسرحية "زقاق المدق" التى كان يقوم ببطولتها أمام معالى زايد لحساب "المتحدين".  و"المتحدين" هى الفرقة التى صنعت نجومية عادل إمام.. وكبّرته على بقية النجوم لدرجة أن فى مسرحية (شاهد ماشفش حاجة) كان الأفيش لا يحمل إلا اسم عادل إمام.. وهذا لم يحدث لفنان غيره، لكن لا يخفى أن جزءًا كبيرًا من نجاح ونجومية عادل إمام صنعه استقراره العائلى، وحرصه الكبير ألا ينشر عنه أى أخبار شخصية تتعلق بحياته الخاصة، ما جعله مميزًا بين كل النجوم، غير متورط فى أخبار تنال منه كما كان يحدث مثلًا مع سعيد صالح وأحمد زكى.  ورُغم قسوة النقد وتجاوزه أحيانًا لحسابات لصالح المنافسين؛ فإن "شباك التذاكر" كان دائمًا فى صالحه، وورقته الرابحة، التى أجبرت الصحافة الفنية أن يسبق اسمه لقب "نجم النجوم" والمنتجين أن يدفعوا له أعلى أجور فى تاريخ السينما المصرية، وأن مع كل فيلم جديد "للزعيم" تعلن وزارة الداخلية الطوارئ.. من خلال تخصيص ورديات أمام دور العرض السينمائى التى تعرض أفلامه، لتنظيم دخول الجمهور، ومنع بيع التذاكر فى السوق السوداء!. وهى ظاهرة لم تحدث لنجم قبله أو بعده؛ خصوصًا فى مرحلة "الضحك للضحك" قبل أن يصدق أنه "زعيم سياسى"! ويطلق تصريحات سياسية لم يكن مطالبًا بها.

بطل خارق

عادل واحد من أزكى نجوم السينما المصرية فى قدرته على ضبط بوصلة اختياراته السينمائية مع مزاج الجماهير التى كانت متشوقة إلى بطل شعبى يحارب الفساد ويهدم قلاعه ولا يفرق معهم إذا كان هو الآخر فاسد، وإن كل ما يحدث خارج منظومة القانون كما فى أفلام "الغول، سلام ياصاحبى، المولد، المشبوه، الحب فى الزنزانة، حنفى الأبهة".  وفى مرحلة البحث عن تحولات سينمائية وتغيير الجلد، تعرّض لصدمة جماهيرية كبيرة لم يتوقعها من جمهوره عندما دخل مغامرة فيلم "الحريف" مع المخرج محمد خان، وهو الفيلم الذى يصنف نقديّا وفنيّا بأنه من أهم أفلامه، ولكنه حظى بفشل جماهيرى كبير كان بمثابة صفعة للنجم الذى راهن دائمًا على الجمهور ولكنه خذله، لدرجة أن" الحريف" كان سببًا فى قطيعة فنية بينه وكل المخرجين من جيل محمد خان (عاطف الطيب، داود عبدالسيد، خيرى بشارة) خوفًا من الفشل الذى لم يتعوده مع مخرجى السينما التقليدية!.   فى المقابل راهن عادل سينمائيّا على الثنائى وحيد حامد وشريف عرفة، فى تجارب سينمائية تعد الأنضج سينمائيّا فى مشواره مثل "اللعب مع الكبار، المنسى، النوم فى العسل، الإرهاب والكباب"، وفى هذه الفترة تحديدًا لم يسلم "الزعيم" من الهجوم عليه من منطلق أنه لم يعد نجم الجماهير البسطاء، لدرجة أن خصومه شككوا فى أن ذهابه إلى أسيوط لعرض مسرحيته تحديًا للمتطرفين هى مجرد "شو" فنى وإعلامى وتحديدا بعد فيلم "الإرهابى"، مع الكاتب لينين الرملى.   فى هذه المرحلة  اختفى الوجه الفنى لعادل إمام، وبدأ يظهر على الناس بشخصية السياسى المشغول بالأحداث العامة أكثر من انشغاله بالفن، ما جعله يستيقظ على انقلاب فنى هز عرشه السينمائى.. هو فيلم (إسماعيلية رايح جاى) وظهور نجوم  جُدد.  وبدأ الحديث عن تغيُّر خريطة النجومية فى مصر، ونشرت مجلات فنية عريقة أغلفة بعناوين مثل (انتهاء ظاهرة عادل إمام) بعد تراجُع إيرادات أفلامه من نوعية "الواد محروس بتاع الوزير، رسالة إلى الوالى".. لكن خبرة السنين منحته الفرصة من جديد أن يستعيد مكانته جماهيريّا فى أفلام "التجربة الدنماركية، السفارة فى العمارة، عريس من جهة أمنية، بوبوس، زهايمر".  المؤسف أن هذه الخبرة التى يراهن عليها محبوه وظهيره الشعبى اختفت فى محاولة استثمار نجوميته فى مسلسلات باهتة لا تليق "بالزعيم" ولا بالنجومية التى حققها وشعبيته على مستوى العالم العربى.  عادل إمام من فضلك اعتزل.. قبل أن يهتف الجمهور.. (الجمهور يريد اعتزال الزعيم).  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق