السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الأحمق» الذى أهان جيش بلاده !

الحقيقة المؤكدة هى أن قرار أردوغان باجتياح الأراضى السورية - فى اعتداء على الأعراف والقوانين الدولية - كان أحد أهم أسبابها ارسال قوات لدعم مجموعات إرهابية موالية لأنقرة. ويرى مراقبون للشأن التركى، أن الجيش التركى سيتحمل تبعات قرار أردوغان بالتدخل فى الشان السورى، ويؤكدون أن حزب العدالة والتنمية الحاكم أصبح يقرر الترقيات ويحدد الإقالات داخل الجيش التركى، ما دفع عددًا من الجنرالات البارزين إلى الاستقالة احتجاجًا على التدخلات السياسية فى شئون المؤسسة العسكرية. 



هى ليست المرّة الأولى التى يفرض فيها أردوغان سياسته على الجيش، حيث أقر فى السابق تعديلات على قانون الخدمة العسكرية الإلزامية فى البرلمان ستؤدى إلى تقليص عدد الجيش إلى الثلث. وتخلص الرئيس التركى من عدد من الجنرالات خلال السنوات الأخيرة بحجة عدم الولاء التام واستبدلهم بضباط صغار فى إطار سياساته لفرض سيطرته على الجيش. صورة جنود وضباط وقادة أتراك عراة، تعتدى عليهم ميليشيات الرئيس رجب طيب أردوغان، كانت المشهد الأخير فى تمثيلية الانقلاب الفاشلة عام 2016. لكن الحقيقة، خلع الملابس العسكرية والهروب عرايا، هواية تركية قديمة جدّا.. يكررونها دائمًا، والتاريخ حفظ لنا هذا المشهد فى انتصار إبراهيم باشا والجيش المصرى على الجيش العثمانى فى 21ديسمبر من العام 1832. الجيش المصرى بقيادة "إبراهيم باشا"، دَحَر قوات الجيش العثمانى وفتح أنقرة، ويقع الصدر الأعظم التركى فى الأسر، وظل الجيش المصرى يطارد  العثمانيين، ولم ينجُ منهم إلا مَن خلع زيَّه العسكرى وفر عاريًا إلى البلدات القريبة وقبائل البدو، وأخذ منهم ما يستر به جسده.  المشهد الأخير من الانقلاب المزعوم بتركيا، وللتاريخ والتوثيق، لم يكن بداية إذلال الجيش هناك، فمنذ وصول رجب أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السُّلطة فى 2002، ناصَبوا الجيش التركى العداء، ووضعوا خطة تقزيم لدوره، بدأت بتلفيق التهم لكبار قياداته، والزّج بهم فى السجون، لإزاحة المؤسسة الوحيدة القادرة على التصدى لاستحواذه على كل السُّلطات، والانفراد بالقرار السياسى والعسكرى. تشويه الجيش روّج حزب العدالة والتنمية لمخططه، تحت شعار تمكين الحكم المدنى، والحد من سُلطات المؤسسة العسكرية، مستغلًا آلته الدعائية لتشويه الجيش. وعقب مسرحية الانقلاب التى استغلها أرودغان فقد أمعن فى إهانة الجنرالات والعسكريين، ووضع أغلبهم تحت المراقبة. مراحل تحجيم أردوغان للجيش- بحسب تقارير دولية موثوقة-   وليبقى رئيسًا بلا منازع، بدأت بعد  فوز "العدالة والتنمية" فى انتخابات 2002 وتشكيل الحكومة. وقتها فتش أردوغان وحكومته فى اللجوء للأوراق القديمة، فادعى العثور على مستندات تدين كبار الجنرالات، وبداية من العام 2008 بدأت محاكمتهم فيما عُرف بقضية "أرجنكون"، التى اتهم فيها مجموعة من كبار العسكريين متقاعدين وفى الخدمة بالتآمر للإطاحة بالحكومة. ضمت قائمة المتهمين القادة السابقين لهيئة الأركان فى القوات الجوية والبحرية والبرية، إلى جانب مجموعة كبيرة من الصحفيين والمحامين والسياسيين والأكاديميين، حُكِم عليهم جميعًا بالسجن. وبعد الاستفتاء على الدستور فى العام 2010، سيطرت حكومة أردوغان على هيئات قضائية مثل المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاة، والمُدّعين العامِّين. وقّعَ "أردوغان" بيُمناه قرارات الحد من سُلطات الجيش ومحاكمة قادته، فيما كانت يده الأخرى تسرق أموال الأتراك، وفُضح أمره بعد الكشف عن واقعة فساد طالته وابنه ووزراء حكومته فى العام 2013. واجهت تركيا مشاكل اجتماعية وسياسية كبيرة بعد هذا العام، الذى سقطت فيه ورقة التوت الأخيرة عن عورة السُّلطان، وانتكست خطة تقليم أظافر جنرالات القوات المسلحة عقب تلك الفضيحة. لم يقتنع الأتراك بالدعاية الفاسدة لزعيم "العدالة والتنمية"، والزعم بأنه  يعمل لما يسميه فرض "الحُكم المدنى". فى يونيو 2015، فشل الحزب فى اكتساح انتخابات البرلمان كسابق عهده، ولم يتمكن من تشكيل الحكومة منفردًا؛ لتعاد الانتخابات فى نوفمبر، فى ظل اتساع فجوة الخلاف السياسى بين الأتراك؛ ليتمكن الحزب فى المرّة الثانية من تشكيل الحكومة. بدأت تطيب الأمور لأردوغان بعد اعتقال كل خصومه، بتقنين مخططه، وتحويل نظام الحُكم من برلمانى إلى رئاسى، يحظى فيه بسُلطات مطلقة. فى 15يوليو 2016، قدّم أردوغان فقرته الأخيرة لتنصيب نفسه إلهًا، يقتل ويعتقل ويطارد كل مَن يعارض انفراده بالسُّلطة.  إنها "مسرحية الانقلاب"، حين أجهز بعدها على قيادات الجيش والقضاء والخارجية والصحفيين والمعارضين، بحجة المشاركة فى الانقلاب عليه. نفذ  أردوغان حملة إقالات واسعة فى الجيش، طالت نحو 8200 ضابط، وأكثر من 116 ألف موظف حكومى، وفرض حالة الطوارئ، وقلص الصلاحيات الممنوحة لهيئة أركان الجيش، وقيادات القوات المختلفة، وسائر الهيئات العسكرية، ووزع هذه الصلاحيات على وزارتَى الدفاع والخارجية، ومكتب رئيس الوزراء، ومكتب الرئيس. تغييرات مسرحية! التغييرات التى تلت مسرحية الانقلاب أنهت استقلالية هيئات الجيش، وألحقت قيادة كل من القوات البرية والبحرية والجوية بوزارة الدفاع الوطنى، والقيادة العامة بقوات الدرك، وقيادة خفر السواحل بوزارة الداخلية. منح أردوغان، رئيس الوزراء صلاحية إصدار الأوامر مباشرة لقادة القوات العسكرية، كما تغيّرت هيكلة العضوية فى المجلس العسكرى الأعلى، وتقلصت سُلطاته لصالح الحكومة. وأغلقت الحكومة المدارس العسكرية، ووضعت الكليات الحربية والأكاديميات العسكرية، تحت سُلطة وزارة الدفاع، وشملت التغييرات مؤسستين مهمتين فى قطاع الدفاع، هما، مستشارية الصناعات الدفاعية، ومؤسسة تعزيز القوات المسلحة، ونقل أردوغان تبعيتهما له شخصيّا. منح رجب أردوغان جهاز الاستخبارات- التابع لرئيس الجمهورية- مسئولية إجراء تحريات أمنية عن العاملين فى وزارة الدفاع الوطنى، والوكالات والمؤسسات التابعة لها، كما عيّن رجاله فى الاستخبارات رقباء على كل قيادات الجيش.. لإذلال الجنرالات. بعد انتخابه رئيسًا لولاية ثانية فى يونيو 2018، أصدر أردوغان مراسيم رئاسية نزعت باقى صلاحيات المؤسسة العسكرية؛ ليجرد رئاسة الأركان من أى صلاحيات. إذن مَشاهد إذلال جنود وضباط الجيش التركى عقب محاولة الانقلاب الفاشلة  كان مخططا لها بشكل جيد ولم تكن وليدة الصدفة. ولم يكن بث وسائل الإعلام التركية ووسائل التواصل الاجتماعى صورًا ومقاطع فيديو لتصدّى المواطنين لقوات الجيش التى اتهموها بمحاولة الانقلاب، وتخلل هذه الصور ضرب جنود وإسالة دمائهم وسحل بعضهم فى الشوارع وتوجيه إهانات لفظية لهم سوى جزء من المخطط الأكبر. وقتها، وعلى عكس المتعارَف عليه، قاد عناصر من الشرطة المدنية والقوات الخاصة التابعة لها - والأكثر ولاءً لأردوغان - مجابهة قوات الجيش عسكريّا واعتقالهم، حيث ظهرت عناصر شرطة وقوات من المخابرات بلباس مدنى يعتقلون عشرات الجنود ويفتشونهم وجردوهم من ملابسهم فى بعض المواقع. وبثت وسائل الإعلام الرسمية ووكالة الأناضول الرسمية مشاهد اعتقال كبار الضباط والتحقيق معهم، وقد ظهرت عليهم آثار الضرب، وكان أبرزهم القائد العام السابق لسلاح الجو والمتهم بقيادة عملية الانقلاب. الانقلاب الوهمى المزعوم، وبحسب تقارير تركية موثقة، استغله أردوغان لإيقاف أكثر من 100 ألف عن العمل فى القطاع الحكومى والجيش والقضاء. الجيش التركى الآن، وبعد ما حدث مؤخرًا فى سوريا، حالة العسكريين تقترب من الإذلال مجددًا  بعد أن اكتشفوا أن قائدهم الأعلى مُسَير لا مُخَير فى قراراته، والمعضلة أنهم لا يعرفون من "يُسَيّر" تركيا؟ هل هو الأمريكى ترامب الذى وصف قائدهم الأعلى بالأحمق، أم القيصر بوتين الذى رسم الواقع على الأرض وأطاح بأحلام الأتراك تمامًا، رُغم أنهم دفعوا قيمة الصواريخ الإس 400. ما حدث فى سوريا كانت له تداعيات أخرى، حيث قدّم عدد من الجنرالات الأتراك استقالاتهم بسبب قرارات الرئيس، رجب طيب أردوغان. وكان 5 من جنرالات الجيش التركى قدّموا طلبات الإحالة على التقاعد من المؤسسة العسكرية، فى خطوة احتجاجية على قرارات التعيينات والترقيات فى صفوف الجيش. ويقول هؤلاء، ومن بينهم أحمد أرجان تورباجى، المسئول عن العمليات العسكرية فى إدلب، إن هذه القرارات الخاصة بالتعيينات والترقيات، التى وافق عليها أردوغان، لم تتخذ وفقًا لمعيار الكفاءة أو الأقدمية. وذكر "تورباجى" فى مقابلة صحفية أنه ورفاقه استقالوا بسبب عدم رضاهم عن الطريقة التى تتم بها التعيينات والترقيات، على أساس الولاء السياسى أكثر من الجدارة والأقدمية. ويلاحظ، من خلال الاستقالات،ازدياد وتيرة  التملمُل قى صفوف القيادات العليا للجيش التركى من السياسات التى يتبعها الرئيس التركى.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق