السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أولئك هم الفاسدون

يومًا بعد آخر؛ تتكشف حلقاتٌ جديدةٌ من مُسلسل فساد عائلة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى يمتد جذروه إلى ربعِ قرن مضى، منذ أن تولّى «أردوغان» منصب بلدية إسطنبول عام 1994. ملفات الفساد التى طالت الرئيس التركى، وأفراد عائلته، ومُقرّبين منه، كشفت عنها وثائق وتسريبات صوتية، وتحقيقات رسميّة، نشرتها وسائل إعلام دوليّة، واكتظت بها صحف المعارضة التركية.



تجاوزت وقائع الفساد صفة «المحليّة»؛ حيث تورّط النظام التركى فى وقائع فساد «دولى»، تتعلق بجرائم غسيل الأموال، والاحتيال، فى الوقت الذى يعمل النظام التركى على ملاحقة الفاضحين لفساده، ومحاولة غلق تلك الملفات بشتى الصور.   لـ أردوغان، أربعة أبناء، أكبرهم هو أحمد براق، مواليد 1979، يليه نجم الدين بلال، مواليد 1981، ثم إسراء، 1983، فضلًا عن نجلته الصغرى سُميّة، 1985، وجميعهم من زوجته أمينة. ونشرت مجلة «بيلد» الألمانية، تقريرًا؛ كشفت فيه عن فساد عائلة أردوغان، الذى لا يتجاوز دخله السنوى رسميًّا 50 ألف يورو، بينما أولاده الأربعة "يغمرهم المال". وأشارت المجلة إلى أن أولاد أردوغان الذين لا يعملون رسميًّا؛ يعيشون فى منازل فاخرة، ولديهم مشاريع ربحية خاصة لا تتميز بالشفافية. ووفقًا لـ «إقرار الذمة المالية» الذى قدّمه أردوغان فإن ثروته بلغت 1.2 مليون دولار، فضلًا عن فيلا سكنية فى إسطنبول تبلغ قيمتها 820 ألف دولار. وقال أيضا إنه مَدين بمبلغ 410 آلاف دولار لرجل أعمال صديق. ولكن فى الواقع أن أردوغان وأسرته وأصهاره، باتوا اليوم من أغنى أغنياء تركيا. وتملك عائلة الرئيس التركى، وفقًا للتقرير نفسه، خمس فيلات فى إسطنبول، تُقدّر قيمتها بستة ملايين يورو، وجميعها تعود إلى مِلكية نجلىّ الرئيس التركى، أحمد وبلال. ويقول مقربون من حكومة أردوغان إن نجله بلال لم يترك قطاعًا اقتصاديًّا إلا وكان له فيه دور وتأثير سواء من خلال التدخل للمنفعة الشخصية أو خدمة لأفراد العائلة أو أصدقاء أو قيادات من الحزب الحاكم. أنشطة مشبوهة يحمل بلال أردوغان، النصيب الأكبر من فضائح عائلته. ويمارس بلال أنشطة تجارية مشبوهة مع تنظيم «داعش»الارهابى، ويشارك أشقاءه الثلاثة فى أعمال تُجاريّة متنوعة، ويساهم فى شركات مع عمّه مصطفى أردوغان، وزوج عمّته ضياء إيلجان، وزوج أخته بيرات آلبيراق، وصديق والده محمد جور. ويتعامل وكأنه وزير التعليم بالحكومة، بسبب إدارته لمؤسسات تعليمية. ويظهر بجانب والده فى كثير من الفعاليات الرسميّة عكس شقيقه الأكبر أحمد، الذى يتوارى عن الإعلام. ومُنح «بلال» وقفًا؛ ليحوله إلى مؤسسة كبيرة للتربية، تُسمّى بـ«المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية»، تأسست فى عام 1996 بعد انتخاب إردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول. حوّل بلال الوقف إلى غطاء لإخفاء صفقاته غير المشروعة، وإدارة عملياته فى غسيل الأموال، وحصل على مساحات كبيرة من أراضى الدولة، لصالح رجال أعمال أتراك، مقابل عطايا ومكافآت سخية. باريش يارداش، نائب حزب الشعب الجمهورى، كشف عن امتلاك بلال لـ 15 مطعمًا، ودخل فى صفقات مع إحدى الشركات البرازيلية لاستيراد البُن، إضافة إلى امتلاكه شركة للأغذية وأخرى للتجميل. كما تلاحقه اتهامات تتعلق بجرائم رشوة، وغسيل أموال. وتنعت الصحف التركية المعارضة بلال بـ«وزير نفط داعش»؛ لدوره الكبير مع صهره بيرات آلبيراق فى تسهيل تهريب النفط، الذى استولى عليه التنظيم فى سوريا، وتسويقه والتربح منه، حتى تضخمت قيمة أصول شركته البحرية، التى يمتلكها بالشراكة مع عمّه مصطفى أردوغان، وصهره ضياء إلجين، إلى 180مليون دولار. بينما يرتبط أحمد براق فى أذهان المواطنين الأتراك بحادث السير المروع الذى ارتكبه فى أحد شوارع إسطنبول صباح 11مايو 1998، بعد أن صدم بسيارته المطربة التركية «ساڤيم تان يوراك». وعلى إثر الحادث؛ ألقى القبض على نجل أردوغان، وحُكم عليه فى البداية بالسجن ثلاثة أشهُر وغرامة 35 ألف ليرة، قبل أن يمارس أردوغان الأب نفوذه، ويحول الإدانة إلى براءة أمام محكمة النقض؛ حيث ألغى القاضى «أيوب باى» الحُكم، ووضع المسئولية كاملة على عاتق الضحية. ومؤخرًا اعترف القاضى بتدخل أردوغان من أجل براءة نجله. وتتهم المعارضة التركية أحمد براق بالهروب من أداء الخدمة العسكريّة بشهادة صحية مزوّرة. ومُنح «براق» حصته من الفساد فى صورة شركات للشحن البحرى؛ فيمتلك شركة «براق توركواز»، التى افتتحها عام 2006 بالشراكة مع صهره، و«بى إم زد»، بالمشاركة مع شقيقه بلال. حبيبة الدواعش سُميّة هى الابنة الصغرى لـ أردوغان، وطفلته المدللة، لذا تعتبر سمية الأكثر ظهورًا فى عالم السياسة من بين أبناء أردوغان، ما أهّلها للعمل فى صفوف حزب «العدالة والتنمية» منذ عام 2010 كمسئول العلاقات الخارجية. وسُربت مكالمة هاتفية دارت بين سُميّة، ورجل أعمال تركى يُدعى مصطفى لطفى طوبتاش، كشفت عن منح رجل الأعمال لأسرة أردوغان فيلا فارهة، فى مقابل أن يسمحوا له بالبناء على قطعة أرض. ما اضطر النائب العام التركى لفتح تحقيق حول الواقعة، وجَّه فيه اتهمامات بالفساد لطوبتاش وسمية، إلا أن إردوغان تدخّل، وعزل المحققين، لتتم تبرئتهما. وتشتهر سُميّة بعلاقتها الوثيقة بـ الجماعات الإرهابية المُسلّحة؛ فكشفت صحف عالمية عن دورها فى دعم داعش، وإنشاء مستشفيات متنقلة لإسعاف الجرحى منهم، الأمر الذى دفع «جومالى مول»، القيادى الداعشي، إلى طلب الزواج منها عبر حسابه بموقع «تويتر»، فى عام 2015. بينما تمكث إسراء أردوغان، الابنة الأكبر للرئيس، بعيدًا عن الأضواء، رُغم تقاسمها حصة الفساد مع باقى أفراد أسرتها؛ فتشارك أخاها بلال فى إدارة مؤسسة «تورجاف»، ومعها شقيق زوجها الأكبر «سرهات آلبيراق». وتُدير إسراء مؤسسة «أنصار»، وهى من ضمن المؤسسات التى اعتادت على تلقى دعم مالى من ميزانية بلدية إسطنبول، كما تورّطت فى صفقة مشبوهة، على خلفية شراء قصر يملكه الملاكم الشهير محمد على كلاى، بولاية ميتشيجان الأمريكية، مقابل 2 مليون و895 ألفا و37 دولارًا. تزوّجت إسراء من «بيرات آلبيراق»، وهو الزواج الذى مثّل للأخير السلم الذى صعد به إلى سماء السياسة فى تركيا، والمفتاح الذى فتح له جميع الأبواب المُغلقة؛ فترقى فى المناصب داخل الحزب الحاكم، فتحول فى فترة وجيزة من مجرد موظف بشركة شاليك القابضة، إلى مديرها، ثم رئيسًا تنفيذيا لشركة "شاليك - آلبيراق" فى 2013، قبل أن يفوز بعضوية البرلمان، ثم وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية، وبعدها وزيرًا للخزانة والمالية لإفشال أى محاولات لكشف فساد المُقرّبين منه، فضلًا عن تكليفه بإدارة صندوق الثروة السيادية التركى. ويُنعت « آلبيراق» بوريث أردوغان.  محسوبية الأقارب حوّل أردوغان تركيا على مدى سنوات إلى محسوبية لأقاربه، ومعارف زوجته «أمينة»، التى عادة ما تُثير الجدل بسبب مشترياتها من أغلى العلامات التجارية العالمية. وكان أبرز تدخلاتها للوساطة فى انتخابات غرفة التجارة بأنقرة؛ حيث وقفت فى وجه «عثمان جوكتشاك»، نجل رئيس بلدية أنقرة «مليح جوكتشاك»؛ و أجبرته على الانسحاب لصالح أحد أقاربها يُدعى «جورسال باران». وتبدلت أحوال أولاد خالة أردوغان، منذ توليه منصب رئيس الوزراء. فتحوّل «رجب على آر» من مجرد مدرّس، إلى مدير منطقة سامسون التابعة لهيئة التمويل والمساكن الطلابية، ثم مديرًا لمنطقة أنقرة فى 2009، وترقى لمنصب المدير العام لهيئة التمويل والمساكن الطلابية للتعليم العالى فى 2013، وأخيرًا، عيّنه أردوغان بمرسوم رئاسى صدر فى 2019، بمنصب مدير عام الهيئة نفسها، فضلًا عن كونه يشغل فى الوقت نفسه منصب نائب رئيس اتحاد الأندية الرياضية للهواة فى أنقرة، ووكيل رئيس اتحاد التزحلق على الجليد، وعضوية مجلس إدارة اتحاد هوكى العشب، وعضو لجنة أولياء جامعة أنطاليا (KEV). أمّا «إبراهيم آر»، ابن خالة أردوغان؛ فتحول من مُعلم إلى عضو مجلس الشورى التركى، وفى يوليو 2018 عُين نائبًا لوزير التعليم. وتولى شقيقه «عدنان آر»، منصب رئيس إدارة الصحة والثقافة والرياضة فى جامعة ريزا. فيما عُين شقيقهم الرابع، الصحفى جنكيز آر، مديرًا لتحرير قناة "A Haber" الإخبارية، قبل أن يُنصّب المدير المالى فى فرع مجموعة «تشاليك» فى الولايات المتحدة. ويشارك مصطفى أردوغان، عم الرئيس التركى، فى إدارة المؤسسات والشركات التى يمتلكها أبناء أردوغان، وله العديد من الأنشطة التجارية الأخرى. أمّا على أردوغان، ابن عم الرئيس التركى؛ فهو حارسه الشخصى المُقرّب. القضية الكبرى فى ديسمبر 2013؛ كانت حكومة «أردوغان»، على موعد مع أكبر قضية فساد مالى وسياسى فى تاريخ تركيا، طالت أبناء العديد من المسئولين فى حكومته، وأفراد عائلة «أردوغان» نفسه؛ فُسرّب له تسجيلًا صوتيا يتحدث خلاله هاتفيًّا مع نجله «بلال»، عن وجود حملة اعتقالات لمسئولين فى الحكومة التى كان يترأسها حينها، على خلفية تورطهم فى وقائع فساد، وطالب فيها نجله، بنقل الأموال من منزله إلى مكان آمن، والتواصل مع عمه، وشقيقه الأكبر، لأخذ حذرهم، وإخفاء الأموال المنهوبة فى أسرع وقت. قضية الفساد الكبرى؛ أجبرت عددًا من الوزراء إلى تقديم الاستقالة من الحكومة، من بينهم وزراء الاقتصاد، والبيئة، والداخلية، وشئون الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن إحالة العديد من المسئولين إلى جهات التحقيق. وأودع باريس جولر، نجل وزير الداخلية عمر جولر، وكنعان تشاغلايان، نجل وزير الاقتصاد «ظافر تشاغلايان»، فى السجن المؤقت، طبقًا لتوصيّات المُدّعين المُكلّفين بالتحقيق. وأوصت جهات التحقيق بحبس نحو عشرين شخصًا آخرين، أبرزهم سليمان أصلان، رئيس مجلس إدارة مصرف «هالك بنكاسى» العام، ورضا ضراب، رجل الأعمال، بتهم تتعلق بالفساد، والتزوير، وغسيل الأموال، وصفقات مالية بين تركيا وإيران الخاضعة للحظر وقتها. وفى بداية عام 2014؛ طفت فضائح أردوغان على سطح المجتمع مرة أخرى، بعد نشر تسريبات صوتية، أكّدت تورّط أردوغان و عائلته فى قضية الفساد الكبرى. وطلب الأب من نجله «بلال» فى مكالمة هاتفية ؛ نقل كمية من الأموال من منزله، لإخفائها بطرُق احتيالية. وأجاب «أردوغان الابن» فى المكالمة نفسها، بأنه انتهى بالفعل من تحويل أغلب تلك المبالغ، ويتبقى منها مبلغ يُقدّر بـ 30 مليون يورو. وفى الترسيب نفسه؛ طلب أردوغان من نجله رفض المبلغ المعروض عليه فى صفقة تُجارية كبرى، وأن يتمسّك بمبلغ أكبر. ملفات مالطا مع حلول شهر مايو 2016؛ تفجّرت فضيحة جديدة طالت «أردوغان» وأسرته، عُرفت بـ«ملفات مالطا». كان مصدر الفضيحة الجديدة؛ نحو 13 وسيلة إعلام أوروبيّة، أبرزها موقع «ميديا بارت» الفرنسى، وصحف «لوسوار» البلجيكية، و«إل موندو» الإسبانية، و«لسبريسو» الإيطالية. سُمّيت بـ«وثائق برادايس»، حول «كواليس الملاذ الضريبى»، الذى توفّره «جزيرة مالطا». وأفاد ذلك التحقيق بامتلاك أسرة «أردوغان»، سرًا، ناقلة نفط تُدعى «أغداش»، تبلغ قيمتها نحو 26.5 مليون يورو، تلقتها هدية، ومُسجلة تحت مظلة شركات وهميّة فى جزيرتى «مالطا»، و«مان». وفضحت «وثائق برادايس» تورُّط نجلى «بن على يلدرم»، رئيس الوزراء التركى حتى يوليو 2018، والصديق الشخصى المُقرّب للرئيس، فى قضية «الملاذات الضريبية»، باعتبارهما مالكين لشركتى نقل فى مالطا. عكف أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، منذ وصوله لهذا المنصب فى الانتخابات المحلية فى كشف وقائع فساد «شلة أردوغان» والمقربين من قيادات حزب العدالة والتنمية، التى استمرّت لسنوات ماضية، منذ أن كان أردوغان فى المنصب نفسه، من 25 عامًا. ففى سبتمبر الماضى؛ كشف «أوغلو»، عن وجود إهدار للمال العام من خلال مئات السيارات المستأجرة تحت إدارة رئيس بلدية إسطنبول السابق التابع للحزب الحاكم. وقال «أوغلو» إن أردوغان منح 14 مليار ليرة تركية، كدعم للشركات المُقرّبة منه، ومن حزبه الحاكم، وتضمّن الدعم الإعفاء من جميع الضرائب لمدة عشر سنوات.  وحصلت مؤسسات تعليمية خاصة تابعة لـ «بلال أردوغان»، على دعم مالى بملايين الدولارات من بلدية إسطنبول فى ظلّ رئيسها السابق إضافة لمؤسسة تدريب على الرماية، يُديرها «أردوغان الابن»، وغيرها من المؤسسات ذات الطابع الاجتماعى أو الخيرى الوهمى. ففى أبريل 2019؛ ذكرت شبكة «دويتشه فيله» الألمانية، أن " بلدية إسطنبول قدمت ما إجماليه 146 مليون دولار لمؤسسات وجمعيات تابعة لحزب العدالة والتنمية على مَرّ السنين". وقال التقرير إن " المستفيد الأكبر من هذه الأموال مؤسسة تعليمية تضم بين أعضاء لجنتها بلال أردوغان، التى تلقت 13.2 مليون دولار. يليها مؤسسة تعليمية أخرى ساهم بلال أردوغان فى تأسيسها، ويضم مجلس إدارتها التنفيذى سُمية أردوغان، ابنة الرئيس؛ حيث تلقت تلك المؤسسة 9.1 مليون دولار".

 

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق