«أغا» يعيد «عصر الحريم»

سعيد عبد الحافظ
ربما لم تتعرض المرأة التركية لمظاهر العنف والخشونة المتعمدة فى التعامل مع اجهزة الدولة التركية مثلما تتعرض الآن على يد حكومة حزب العدالة والتنمية "الحاكم". رغم ان تركيا كانت أول دولة تصادق على اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي المعروفة باسم “اتفاقية اسطنبول”، فى العام 2012.
رغم التوقيع على الاتفاقية شهدت البلاد زيادة حادة من ناحية ارتكاب العنف ضد المرأة على الرغم من أن بعض الإصلاحات التشريعية تتماشى مع معايير الأمم المتحدة ومتطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقد سلّطت قضية محاولة الاغتصاب والقتل الفظيع المرتكَبة بحق الفتاة أوزغكان أصلان فى فبراير 2015، الضوء على ثقافة العنف ضد المرأة الراسخة وفشل الحكومة فى مكافحتها بشكل فعال. وكشف تقرير للمفوض السامى للأمم المتحدة لعام 2018 ان السلطات التركيّة اوقفت نحو 100 امرأة كنّ من الحوامل وقتذاك، أو أنّهن قد وضعنَ طفلهنّ حديثًا، باعتبارهنّ "شريكات" أزواجهنّ الذين يُشتَبَه بارتباطهم بمنظّمات إرهابيّة. حتى أنّ بعضهنّ احتُجز برفقة أطفالهنّ، والبعض الآخر منهنّ فُصِل بشراسة عن أطفالهنّ وهو ما اعتبرته المفوضية السامية عمل مشين وغاية فى القسوة. قتل النساء وأفادت منظمة "سنوقف قتل النساء" بازدياد وقوع حالات قتل النساء، بينما يتناقص اهتمام وسائل الإعلام بهذه الحالات. وكشفت أن 392 امرأة لقين حتفهن خلال عام 2018. وحظرت وزارة الداخلية التجمع الاحتجاجي الأسبوعي الذي كانت تُنظمه "أمهات السبت" فى ساحة وسط إسطنبول، وهن أقارب لضحايا الاختفاء القسري الذين يطالبن بتحقيق المحاسبة وقامت الشرطة بتفريق ذلك الاحتجاج بالقوة، واعتقلت 27 من منظميه. وفي 19 أكتوبر 2017، وافق البرلمان التركي على ما يُسمى “قانون المفتي” الذي يجيز للمفتين التابعين للشؤون الدينية للدولة تسجيل عقود زواج مدنية، وهو ما اثار مخاوف لدى كل منظمات المرأة التركية من اتخاذ ذلك القانون ستارا لتزويج القاصرات بعد ظهور حالات عديدة لتزويج البنات قبل سن الزواج ويصعب عمليّة تتبّع الاغتصاب الجنسي للفتيات وزواج القاصرات بالإكراه بما أنّه يتمّ الكشف عن معظم هذه الوقائع عندما تلدُ تلك الفتيات فى المستشفيات بحيث يتمّ توثيق هذه الولادات بشكل رسمي. من خلال "قانون المفتي"، سوف يتمّ تسجيل المواليد الجدد بتصريح بسيط وسوف تتمكّن الأسر من إجبار العرائس القاصرات أو ضحايا الاعتداء على أن يلدنَ فى المنزل تلافياً للملاحقة القضائيّة. وقامت جمعيّة حقوق الإنسان فى تركيا فى عام 2016 بتوثيق مئة وعشر حالات اعتداء على الأطفال بموجب المادّة 103 من قانون العقوبات التركي والتي تتصدّى للاعتداء الجنسي على القصّر، وذلك فى شرق وجنوب شرق تركيا علاوةً على 82 حالة أخرى فى الستة أشهر الأولى من عام 2017 وأصدر مركز نسمات الحقوقى التركى تقريرا بعنوان: “مأساة المرأة فى تركيا بين السجن والتشريد"، عرض فيه الاضطهاد الممنهج الذي تعاني منه المرأة التركية داخل تركيا وخارجها ولا سيما نساء حركة «الخدمة» . وأكد التقرير أن حكومة العدالة والتنمية أقدمت على اعتقال 18.000 امرأة بزعم وجود صلات لهن بحركة الخدمة التابعة للمعارض الإصلاحى المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله جولن. اضطهاد ممنهج ووفقًا للعديد من التقارير الدولية فإن النساء التركيات كثيرًا ما تعرضن للتمييز حيث إنه خلال شهر فبراير من العام 2018 قُتلت 48 امرأة على يد رجال، وخلال الثمان سنوات الماضية قُتل قرابة 2000 امرأة تركية. وطبقًا لدراسة إحصائية أجرتها جامعة باسطنبول تبين أن 61 % من النساء يُمثِّل تعرضهن للعنف أحد أكبر مشاكلهن، كما أفصحت الدراسة ذاتها أن عدد النساء اللاتي يتعرضن للعنف بصورة مستمرة ارتفع من 53 % عام 2016 ليصل إلى 57 % عام 2017 وأشار التقرير كذلك إلى أن تركيا أصبحت بالنسبة لملايين المواطنين الأتراك بمثابة سجن كبير مفتوح، فتحت مسمى قانون “الشبهة المعقولة” المنافي للدستور، تعرَّض كثير من النساء المحسوبات على حركة الخدمة للاعتقال. وسلَّط التقرير الضوء على بعض الحالات التي وثَّقتها الصحافة والتقارير الإعلامية، والتي كان من أهمها حالة “فاطمة كويون” التي تبلغ نسبة إعاقتها الجسدية 80 % ويعاني زوجها أيضًا من إعاقة بنسبة 45 %، وبالرغم من أن زوجها المعاق كان عائلها ومتكأها فى الحياة. وأقدمت السلطات التركية على اعتقاله بوشاية من أحدهم ولم تشفع له إعاقته من النجاة من يد البطش والتنكيل، وتعيش فاطمة الآن في ظروف معيشية غاية فى الصعوبة. أوضح التقرير أن الضغط النفسي والاجتماعي الذي تعاني منه نساء تركيا اليوم لم يعُد فى مقدور أحد تحمله، الأمر الذي دفع العديد من النساء للإقدام على الانتحار. إلا أن الأمر الذي يُعدُّ بمثابة رعبٍ آخر يُسيطر على النساء في تركيا، الدعوة إلى اغتصاب النساء المنتميات لحركة «الخدمة» المعارضة لأردوغان. ورصد التقرير المعاناة المتزايدة التي تعاني منها النساء داخل السجون، حيث أصبحت الست سجون الخاصة بالنساء في تركيا مكتظة بالسجينات، ما دعا السلطات التركية إلى احتجاز النساء في سجون أُعدَّت للرجال بصورة أساسية، وبالطبع فإن هذه السجون غير مجهزة لتلبية احتياجات النساء، وهو الأمر الذي يُمثِّل عقوبة إضافية تطبَّق على النساء، فضلا عن أن أمن السجن يكون فى يد الرجال غالبًا، بالإضافة إلى أنهن يتعايشن مع النزلاء من الرجال السجناء، وهكذا تعيش النساء فى بيئة خطرة، حيث يكثر التحرش الجنسي بهن وأحيانًا يصل الأمر إلى اغتصابهن، وهو ما تسبب فى زيادة معدلات انتحار النساء داخل السجون التركية. سمعة سيئة وذكر معهد جورج تاون لدراسات المرأة- السلام والأمن في تقرير له بأنّ تركيا تعد من أسوء الدول فى مجال احترام حقوق المرأة، موضحاً أن 40 % من النساء تتعرضن للعنف والمعاملة السيئة فى المجتمع، لافتا الى تركيا هي الدولة 105 الأكثر سوء فى مجال حقوق المرأة حيث لاتنال المرأة حقوقها وتتعرض للتمييز كثيرا "هناك تمييز كبير ضد المرأة فى تركيا، وبخاصة فى المجال الحقوقي والقانوني. 40 % من النساء تتعرضن للعنف، وهنّ مرغمات على العيش مع هذا العنف.". وأشار التقرير الى مقولة للرئيس التركي، رجب أردوغان، التي قال فيها: "لا يمكنكم المساواة بين الرجل والمرأة، هذا مخالف للفطرة البشرية". وهو ما يدل على عقلية السياسة الحاكمة لتركيا تجاه المرأة. وقال التقرير: "وفقاً للإرادة السياسية، فإن الحكم فى تركيا يرفض المساواة بين الرجل والمرأة. هم ينظرون لتلك المساواة بعقلية رجعية متخلفة. دور المرأة لديهم هو فقط الأمومة". وذكرت مصادر حقوقية ان هناك 516 امرأة تركية اجبرن على ممارسة الدعارة، بينهن فتيات لم يتجاوزن الـ18 عاماً، فيما تعرضت 347 فتاة للتحرش وأصيب 380 امرأة على الأقل فى أحداث عنف منزلي. كما تلاحق الأزمات المرأة التركية فى محيط العمل، وفي مقدمتها الأجور الضعيفة والبطالة والعمل دون تأمينات، حيث تعاني 23.2% منهن من التمييز فى اختيار الوظائف فضلا عن الحصول على أجور أقل بنسبة 17.8 % عن الرجال، بينما تعمل 92 % منهن بدون الانتماء لأي نقابة. وفي أكتوبر 2018 كشفت دراسة أجراها الباحث صائت يلديريم فى جامعة أرضروم، على 500 واقعة استغلال جنسي انعكس صداها فى وسائل الإعلام فى السنوات العشرة الأخيرة، كمعيار على العنف الذي يتعرض له الأطفال فى تركيا. وفقا للدراسة ارتفع عدد الدعاوى القضائية المتعلقة بالاستغلال الجنسي فى تركيا من 2.337 إلى 14.394، وارتفع عدد المحكومين عليهن من 1.607 إلى 13.396، ما يوضح أن هذه النوعية من الجرائم ارتفعت إلى نحو سبعة أضعاف، فيما تراوح متوسط عمر مستغلي الأطفال جنسيا بين 40-70 سنة. أما الصغار الذين تم استغلالهم فهم أقل من 10 سنوات. وتتصدر تركيا دول العالم فى معدلات التحرش والاعتداء على النساء بحسب إحصاء لمنظمة «كير» الحقوقية الدولية، التي أرجعت الوضع السيء إلى غياب القوانين الكفيلة بحماية المرأة من العنف والاستغلال.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة