الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حقوق مصر إلهية فى النيل

حقوق مصر إلهية فى النيل

 لمصر حقوقٌ إلهية تاريخيّة في مياه نهر النيل، أكّدت عليها الاتفاقيات الدوليّة المختلفة بين دول حوض النيل، باعتبار نهر النيل شبكة مياه دوليّة.



 ولأن نهر النيل هو مصدر حياة للمصريين، يتوقّف عليه شئون حياتهم، وخطط التنمية؛ فإن الدولة تعمل جاهدة على حماية استخدامها من المياه، استنادًا على معيارين، الأول: حقوقها التاريخيّة المُكتسبة في مياه النهر، والثاني: مبدأ الحصول على حصة عادلة منه تناسب استخدامها.

حق تاريخي

نهر النيل على امتداده، هو هبة من الله؛ حيث تشكّل على مر السنين من هطول الأمطار بغزارة على دول المنابع الاستوائية بإفريقيا الوسطى، والهضبة الحبشية بإثيوبيا، وشق طريقه إلى مصر، دون تدخل بشري؛ فاعتمدت شعوب دول المنبع على الأمطار في شئونها، بينما استخدمت دولتا المصب مصر والسودان المياه الواردة من روافد النيل إليها على مدى تاريخيهما.

ولذلك فالكمية الواردة من المياه عند أسوان، المُقدرة بنحو 84 مليار متر مكعب سنويًّا، هى حق تاريخي في المياه للبلدين.

وتأتي حوالي 86 في المئة من مياه نهر النيل من الهضبة الإثيوبية «59 في المئة من النيل الأزرق، و14 في المئة من نهر السوباط، و13 في المئة من نهر عطبرة»، بينما تساهم البحيرات الاستوائية بحوالي 14 في المئة فقط من مياه نهر النيل.

وأكّدت الاتفاقيات الدولية الأولى المُبرمة بين دول حوض النيل على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل؛وتم تحديد تلك  الحصص في اتفاقية 1959، التي استندت للمرة الأولى إلى المعيار الثاني الذي يتمثّل في «الحصول على حصة عادلة من المياه».

وتجدر الإشارة إلى أن أغلب تلك الاتفاقيات، التي أقرّت الحقوق التاريخية لمياه النيل، أُبرمت أثناء الاحتلال الأجنبي لمصر، وأغلب دول حوض النيل؛ لذلك فإن هذه الاتفاقيات أبرمت بين بريطانيا والدول الاستعمارية الأخرى التي كانت تسيطر على دول الحوض وقتها.

ورغم أن تلك الاتفاقيات كانت تستهدف في الأساس تعيين الحدود بين المستعمرات الإفريقية؛ فإنها أقرّت التزامًا دوليًّا تمثّل في الحفاظ على الحقوق التاريخية لدولتي المصب مصر والسودان؛ حيث ألزمت دول حوض النيل بعدم القيام بأيّة أعمال تمسُّ أو تعدّل من تدفق مياه النيل إلا بموافقة دولتي المصب.

وتضمُّ تلك الاتفاقيات مجموعة من الوثائق الدوليّة، منها ثلاث وثائق مُلزمة لدولة إثيوبيا بصفتها منبع النيل من الهضبة الحبشية؛ وأخرى تلتزم بها دول منابع النيل الاستوائية.

أولًا- الاتفاقيات المُلزمة لإثيوبيا، وهى:

1- بروتوكول روما وهو بروتوكول وقّع بين بريطانيا وإيطاليا- المُحتلّة لـ إريتريا وقتها-، بمدينة روما، في 15 أبريل من عام 1891، وكان يستهدف تحديد مناطق السيطرة لكل دولة في دول شرق إفريقيا.

ونص هذا البروتوكول في مادته الثالثة على تعهد الحكومة الإيطاليّة بعدم إقامة أيّة مُنشآت لأغراض الري على نهر عطبرة "أحد أهم روافد النيل من الهضبة الحبشية"، يكون من شأنها تعديل تدفُّق مياه النيل على نحو محسوس.

2- معاهدات أديس بابا 1902 وهي مجموعة من المعاهدات وقعت في 15 مايو 1902 بمدينة أديس أبابا، العاصمة الأثيوبية. بين بريطانيا وإثيوبيا من جانب، وبريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا من جانب آخر، بخصوص تعيين الحدود بين السودان المصري الإنجليزي، وإثيوبيا، وإريتريا.

ونصّت المادة الثالثة من الاتفاق الأول- بشأن تعيين الحدود بين إثيوبيا والسودان-، على تعهّد منليك الثاني، إمبراطور إثيوبيا وقتها، بعدم إقامة أو السماح بإقامة أيّه أشغال علي النيل الأزرق وبحيرة تانا، ونهر السوباط، يُمكن أن توقف تدفق المياه إلي مجرى نهر النيل‏. وتكرر النص نفسه في المادة الثالثة من الاتفاق الثاني الخاص بتعيين الحدود بين السودان، وإثيوبيا، وإريتريا.‏

-3 مذكرات 1935وهي مذكرات جرى تبادلها، بين كل من بريطانيا، وإيطاليا، بصفتها نائبة عن إثيوبيا وقتها.

وأقرّت فيها حكومة روما بالحقوق المائيّة المُكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأبيض والنيل الأزرق، والتعهّد بعدم إقامة أيّة منشآت في أعالي النيل على هذين الفرعين أو روافدهما يكون من شأنها التعديل أو المساس بكمية المياه التي تتدفق في المجرى الرئيسي بصورة محسوسة؛ والعمل بما يتفق والمصالح العليا لمصر والسودان، وبأن تكون المشروعات التي تقام محققة بدرجة مناسبة للاحتياجات الاقتصادية لشعبيهما.

أما الاتفاقيات المُلزمة للمنابع الاستوائيّة فكانت كالتالى:

-1 اتفاق بريطانيا والكونغو المستقلة: وقّعت بريطانيا اتفاقًا مع حكومة الكونغو الديمقراطية، في 19 مايو من عام 1906، بمدينة لندن، عدّلت بها اتفاقية بروكسل التي أبرمت في 12 مايو من عام 1894.

والزمت المادة الثالثة من الاتفاقية حكومة الكونغو بعدم إقامة أو السماح بإقامة أيّة منشآت على نهري «سمليكي»، و«الأسانجو»، تنتج عنها التأثير على تدفق المياه، أو المساس بكمية المياه المحمولة من المنابع إلى بحيرة ألبرت، بدون موافقة حكومة السودان المصري البريطاني.

-2 الاتفاق الثلاثي 1906: وقعت اتفاقية في لندن، بين الثلاثي الاستعماري بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. نصَّ في مادتها الرابعة بشكل صريح بالحفاظ على مصالح مصر وبريطانيا في حوض النيل؛ خصوصًا فيما يتعلق بالتحكُّم بمياه النيل وروافده، مع الأخذ في الاعتبار المصالح المحليّة للدول المشاطئة للنهر.

3- اتفاقية 1929: تعتبر اتفاقية تقاسم مياه النيل؛ أحد أهم الاتفاقيات الدوليّة التي تؤكّد على حق مصر التاريخي في مياه نهر النيل. ووقعت تلك الاتفاقية في السابع من مايو سنة 1929، بين الحكومة المصرية، وبريطانيا نيابة عن دول أوغندا، كينيا، تنزانيا، والسودان.

ورُغم أن بريطانيا استهدفت من الاتفاقية رفع حصة السودان من المياه لزراعة أرض الجزيرة بعد الانتهاء من العمل في سد سنار، في عام 1925، لكنها اهتمت في المقام الأول بتأكيد حق مصر التاريخي في مياه النيل.

وكان مقدار المياه الذي يصل إلى أسوان عند توقيع الاتفاقية يُقدّر بـ 48 مليار متر مكعب سنويًّا، مقابل 40 مليارًا في 1920، وهو ما اعتبر وقتها حق مصر التاريخي من مياه النيل، الذي أكّدت عليه تلك الاتفاقية، إلى أن أضافت عليه اتفاقية 1959، الحصة المُخزنة بعد إنشاء السد العالي.

وتُنظّم تلك الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر، ودول منابع النيل الاستوائية؛ وأعطت مصر حق الاعتراض «الفيتو» على إقامة أيّة أعمال على مجرى النهر دون موافقتها.

كما تضمّنت بنودًا تخصُّ العلاقة المائية بين دولتي مصر والسودان. ووردت بعض بنودها في الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصري، والمندوب السامي البريطاني، الذي أكّد على مجموعة مبادئ أهمها:

- اهتمام الحكومة المصرية الشديد بتعمير السودان، وموافقتها على زيادة الكميات التي يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه.

- موافقة الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925، واعتباره جزء لا ينفصل من هذا الاتفاق.

- ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية، أيّة أعمال ري أو توليد قوى، أو أيّة إجراءات على النيل وفروعه، أو على البحيرات التي تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية، من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر، أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر.

- تقديم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل في السودان، وإقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر، بالاتفاق مع السلطات المحلية. و هذا الاتفاق هو الأول من بين اتفاقيات مياه النيل، الذي تكون فيه الدولة المصريّة طرفًا أصيلًا كدولة مستقلّة ذات سيادة، وذلك بعد حصولها على الاستقلال المشروط عن السيطرة البريطانية بموجب تصريح 28 فبراير 1922، والذي أنهى الحماية البريطانية على مصر، واعتبرها دولة مُستقلّة ذات سيادة.

ووقعت تلك الاتفاقية المهمة أثناء وزارة محمد محمود باشا الأولى «يونيو 1928- أكتوبر 1929»، في عهد الملك فؤاد الأول.

-4 الاتفاق البريطانى البلجيكي 1934 بين بريطانيا نيابة عن تنزانيا، وبين بلجيكا، التي نابت عن رواندا وبورندي، بشأن المياه بنهر «كاجيرا»- أحد منابع نهر النيل الاستوائية-، بصفته أحد روافد بحيرة فيكتوريا.

ونصَّ هذا الاتفاق علي تعهُّد كل من بريطانيا وبلجيكا‏,‏ إذا ما قامت بتحويل أيّة كميات من مياه نهر «كاجيرا»- في المنطقة الواقعة داخل حدود تنزانيا، رواندا، وبوروندي-، بغرض توليد الكهرباء‏,‏ بأن تعُيد هذه الكمية دون أي نقصان محسوس إلي مجري النهر عند نقطة معينة قبل أن يدخل النهر حدود الدولة الأخرى،

أى أن الاتفاقية أباحت سحب المياه بغرض توليد الكهرباء، بشرط إعادتها مرة أخرى إلى مجرى النهر، بعد تحقيق هذا الغرض، للحفاظ على تدفق المياه إلى باقي دول الحوض.‏

5 ‏- مذكرات 1949حيث تبادلت الدولة المصرية عدة مذكرات مع بريطانيا في الفترة الممتدة بين عامي «1949- 1953»؛ حيث استمرت بعد ثورة يوليو 1952. وكانت هذه المذكرات المتبادلة بشأن إقامة خزّان على مخرج بحيرة فيكتوريا بأوغندا، بغرض إنشاء محطة توليد كهرباء من شلالات «أوين» في الدولة نفسها.

حصة مصر

نصّ مضمون تلك المذكرات بشكل واضح على احترام أوغندا حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، والاقتسام السابق أو الاستخدامات السابقة، والتأكُّد من أن تشغيل المحطة لن يؤثر على كمية المياه المتدفقة لمجرى النهر، والتي تصل إلي مصر، أو يؤثّر على تاريخ وصولها للحدود المصريّة، أو يُخفّض منسوبها علي نحو يضر بمصالح مصر؛ فضلًا عن عدم المساس بمصالح مصر المقررة وفقًا لاتفاق ‏1929،‏ وعدم تأثير أيّة أعمال تقوم بها محطة كهرباء أوغندا علي تدفُّق المياه المارة عبر الخزّان. ‏

وتحمّلت الدولة المصرية جزء من تكاليف إقامة السد، مقابل ما ستحصل عليه من نصيب في المياه المُخزّنة داخل الخزّان.

 وهو ما أوضحته مذكرة للخارجية المصرية مؤرّخة في فبراير 1949، جاءت ردًا على مذكرة بريطانية بتاريخ 15 يناير من العام نفسه، ذُكر في مضمونها:« لمّا كانت سياسة الري المصرية تقوم على أساس عدة مشروعات للتحكُّم في مياه النيل، تشمل من بينها التخزين السنوي، وتكوين احتياطي في بحيرة فيكتوريا؛ فإنه يبدو بالتالي أنه من المصلحة المتبادلة لكل من مصر وأوغندا أن تتعاونا في بناء الخزان عند مخارج البحيرة لأغراض الري في مصر، وتوليد الكهرباء لصالح أوغندا».

تعتبر اتفاقية 1959 هي الأولى من بين اتفاقيات نهر النيل، التي تستند إلى مبدأ الحق في الحصول على حصة عادلة من مياه النهر، تناسب احتياجات الشعب المصري، وخطط التنمية، والمشروعات الجديدة، التي على رأسها مشروع السد العالي بأسوان.

وحددت تلك الاتفاقية للمرة الأولى حصة محددة لمصر من مياه النيل، قُدّرت بـ 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا.

ووقعت هذه الاتفاقية بالقاهرة، في الثامن من نوفمبر 1959، بين دولتي مصر والسودان، وجاءت مُكمّلة لاتفاقية عام 1929، وليست لاغية لها.

وتضمّنت عدة محاور أساسية، تمثّلت في التأكيد على حقوق البلدين التاريخية من مياه النيل، عدم الإضرار بحقوق دول حوض النيل، وتنظيم مشروعات ضبط مياه النيل وتوزيع فوائدها في ظل المُتغيّرات الجديدة التي ظهرت على الساحة وقتها، وهو الرغبة في إنشاء السد العالي، ومشروعات أعالي النيل لزيادة إيراد النهر، وإقامة عدد من الخزانات في أسوان، واستغلال المياه المُهدرة بطول مجرى النهر؛ خصوصًا عند منطقة المستنقعات السودانية، والتعاون الفني بين مصر والسودان.

وحددت الاتفاقية حق مصر المكتسب من مياه النيل الواصلة عند أسوان بعد تجاوز النهر حدود السودان، بنحو 48 مليار متر مكعب سنويًّا «قبل احتساب الحصة الزائدة التي من المفترض أن تضيفها مشروعات ضبط مياه النيل»، مقابل أربع مليارات متر مكعب كحق تاريخي مكتسب لدولة السودان- قبل إضافة الحصة الزائدة من مشروعات الضبط-.

ووافقت الاتفاقية على قيام مصر بإنشاء مشروع السد العالي بأسوان لضبط وحفظ مياه النيل، على أن يوزّع صافي فوائد السد المُقدّرة بـ 22 مليار متر مكعب، بين مصر والسودان؛ فتحصل السودان منها على 14.5 مليار متر مكعب، مقابل 7.5 مليارات لمصر. وبذلك يصبح النصيب الكلي لمصر وحصتها الإجمالية من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا (حق تاريخي 48 مليار+ نصيب مكتسب 7.5 مليار)، بينما بلغت حصة السودان الإجماليّة 18.5 مليار متر مكعب. على أن توزّع أي زيادة في إيراد النيل مناصفة بين الدولتين.

كما وافقت الاتفاقية على قيام السودان بإنشاء سد الروصيرص على مجرى النيل الأزرق، وأيّة أعمال أخرى، تراها السودان لازمة لاستغلال نصيبها دون الإضرار بحصة مصر.

كما نصّت الاتفاقية على سداد الدولة المصرية تعويض شامل عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات السودانية نتيجة التخزين في السد العالي لمنسوب 182 مترًا، قُدّر بـ 15 مليون جنيه مصري، مقابل التزام السودان بترحيل سُكّان حلفا، وغيرهم من السُّكّان السودانيين المضارين من غمر أراضيهم بمياه التخزين خلف السد.

وبمقتضى هذه الاتفاقية؛ جرى إنشاء «الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل»، وتختص تلك الهيئة بتنفيذ عدة مهام:

-1 رسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تستهدف زيادة إيراد النيل، والإشراف على البحوث اللازمة لوضع المشروعات.

2- الإشراف على تنفيذ المشروعات التي تقرها الحكومتان

3- وضع نظام تشغيل وإدارة الأعمال التي تقام على النيل داخل السودان أو خارجها بالاتفاق مع الدول المعنية.

4- مراقبة تنفيذ النظم التي تضعها الهيئة.

5- وضع خطط مواجهة حالات انخفاض منسوب المياه.

مصالح مشتركة

فى عام 1993‏نص اتفاق مصر وإثيوبيا  علي امتناع الطرفين عن القيام بأي نشاط يتعلق بمياه النيل يمكن أن يضر علي نحو محسوس بمصالح الطرف الآخر‏,‏ بما يعني إن هذا الاتفاق يؤكد بوضوح وبما لا يدع مجالًا للشك حماية الاستخدامات السابقة لكل من مصر وإثيوبيا‏.‏ كما أكد هذا الاتفاق ضرورة حماية مياه النيل والحفاظ عليها، والتعاون والتشاور بخصوص المشروعات المشتركة، وبما يساعد علي تعزيز مستوي تدفق المياه وتقليل الفاقد منها‏.‏

واقترحت مصر فكرة مبادرة دول حوض النيل في عام 1997، وفي العام نفسه؛ أنشأت دول حوض النيل منتدى للحوار من أجل الوصول لأفضل آلية مشتركة للتعاون فيما بينهم.

واجتمع ممثلو الدول سنة 1998، باستثناء إريتريا، لمناقشة تلك الآلية، وهي الاجتماعات التي مهّدت إلى توقيع الاتفاقية بالأحرف الأولى، وبشكل رسمي في فبراير 1999، في اجتماع ضمَّ وزراء المياه لدول الحوض بمدينة أروشا في تنزانيا. وفُعلت الاتفاقية في مايو من العام نفسه.

ويتمثّل الهدف العام من الاتفاقية تحقيق التنمية والحماية والحوار حول إدارة موارد نهر النيل وموارده وإنشاء مؤسسة كآلية للتعاون بين دول حوض النيل. وصيغت الاتفاقية في 13 بندًا.

 ما يهمنا في هذا العرض البند الرابع الذي يتعلّق بـ الانتفاع المنصف والمعقول لمياه النيل، والبند الخامس الذي نصَّ على الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم لأي دول المبادرة.

وذكرت المادة الأولى من البند الخامس أن « على دول المبادرة أن تستخدم الموارد المائية لمنظومة نهر النيل داخل أراضيها، آخذة في الاعتبار عدم تسبيب الأضرار الجسيمة لدول الحوض الأخرى».

وجاء نص المادة الثانية « في حالة إحداث دول من دول المبادرة لضرر كبير بدول أخرى من دول المبادرة وفي غياب الاتفاق على هذا الاستخدام عليها اتخاذ جميع التدابير اللازمة آخذة في الاعتبار الأحكام الواردة في المادة 4 وذلك بالتشاور مع الدولة المتضررة من أجل إزالة الضرر أو تخفيفه وعند الاقتضاء مناقشة التعويض».

قضية مصيرية

تحاول بعض دول حوض النيل منذ سنوات الانتقاص من الحقوق التاريخية لمصر من مياه النيل، على خلاف القوانين الدولية والأعراف والاتفاقيات ما يعتبر  قضية مصيرية للدولة المصرية.

وبدأت تلك المحاولات بالتشكيك في شرعية الاتفاقيات التي أقرّت الحق المصري في المياه، بدعوى إنها وقعت أثناء وقوع تلك الدول تحت الاستعمار الأجنبي؛ وبالتالى فهى غير مُلزمة لها.

 ومثال على ذلك ما أعلنته بعض دول المنابع الاستوائية مثل تنزانيا، أوغندا، وكينا، في ستينات القرن الماضي، من عدم التزامها بما ورد في اتفاقية 1929.

وأعلنت إثيوبيا في فبراير 1956 عن أنها سوف تحتفظ لنفسها بحق استخدام الموارد المائية من منابع النيل الاستوائيّة، دون النظر لاستخدامات دولتي المصب مصر والسودان. كما إنها تحفّظت على إبرام اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، ووجّهت وقتها نقدًا لاذعًا للسودان للموافقة على توقيع تلك الاتفاقية.

واتضح أيضًا موقف إثيوبيا أثناء انعقاد قمة لاجوس عام 1980، حينما ادّعت بأنه « لا يوجد حتى الآن اتفاقيات دولية بشأن توزيع حصص المياه بين دول الحوض».

وفي عام 1981؛ قدّمت إثيوبيا مذكرة أمام مؤتمر الأمم المتحدة للدول الأقل نموا، تتضمّن 40 مشروعًا مقترحًا، يقع أغلبها على حوض النيل الأزرق، ونهر السوباط، معلنة عن إنها ستمضي في تنفيذ تلك المشروعات بشكل منفرد، في حالة عدم الاتفاق عليها من باقي دول الحوض.

ومع المتغيرات الاقتصادية؛ اتجهت بعض دول المنبع، وعلى رأسها إثيوبيا إلى تغيير أسلوبها من استخدام المياه، بإقامة مشروعات جديدة على المجاري المائية المُغذّية للنهر، لخدمة خطط التنمية لديها، وهي المشروعات التي تؤثّر بالسلب على تدفق المياه، وبالتالي الانتقاص من الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل.

ونقضت بعض دول المنبع تلك الاتفاقيات على أرض الواقع، عن طريق إنشاء مشروعات على النهر، بدون الإخطار المُسبّق لمصر والسودان.  

ويمكن القول إن كرة الثلج بدأت في التضخُّم بعد عام 2011 واصرار اثيوبيا على عدم الاعتراف بالحقوق التاريخية لدولتي المصب، مع تمسُّك مصر والسودان في المقابل بحقوقيهما في مياه النيل التي أقرّتها الأعراف الدولية؛ فتعقدت مفاوضات حوض النيل، وتجلّى ذلك في فشل اجتماع كينشاسا، في مايو 2009، وتعثُّر الاجتماعات التي عُقدت بعدها في الإسكندرية، وشرم الشيخ، للوصول إلى حلول مُرضية لجميع الأطراف.

وبعد انهيار المفاوضات؛ قامت دول إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، ورواندا، في 14 مايو 2010، بالتوقيع على «اتفاقية عنتيبي»، التي صعّدت من حدة الخلاف، ولحقت بهم كينيا في 20 مايو من العام نفسه، ثم بورندي في فبراير 2011.

وعلى إثر ذلك؛ احتجت مصر والسودان على الاتفاقية، وأعلنا تجميد عضويتهما من مبادرة دول حوض النيل، واستمرَّ ذلك التجميد لمدة سبع سنوات، حتى استأنفت المفاوضات، التي مازالت مُتعثرة.

تجاهل الاتفاقيات

وتكْمُن نقاط الخلاف الرئيسية في تجاهل الاتفاقية النص على حصتي مصر التاريخية في مياه النيل المنصوص عليها في اتفاقية 1959؛ حيث ترى دول الحوض الموقعة على «اتفاقية عنتيبي» أن اتفاقية 1959 وقعت بين مصر والسودان منفردتين، لذلك فهي غير مُلزمة لهم. فضلًا عن رفض «اتفاقية عنتيبي» الاعتراف بحق اعتراض مصر على إقامة أيّة أعمال على طول مجرى النهر بغير موافقتها، والإخطار المُسبّق لها بتلك الأعمال وفقًا لبنود اتفاقية 1929.

واشترطت مصر للتوقيع على الاتفاقية ثلاث تعديلات، أولها أن تتضمن الاتفاقية في البنود رقم 14-ب الخاص بالأمن المائي؛ نصًا صريحًا يضمن عدم المساس بحصة مصر في مياه النيل، والثاني: تضمُّن البند رقم 8 من الاتفاق، الخاص بالأخطار المُسبّق عن أيّة مشروعات تقوم بها دول المنبع، إتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الشأن صراحة، على أن تُدرج في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها.

والثالث: تعديل البند رقم 34أ و34ب من اتفاقية عنتيل، بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية بالإجماع وليس بالأغلبية, وفي حالة التمسُّك بالأغلبية؛ فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المصب مصر والسودان، لتجنب عدم انقسام دول حوض النيل.

وتمسّكت مصر خلال جميع مراحل التفاوض علي الاتفاق بضرورة عدم مساس هذا الاتفاق الجديد بالاتفاقيات السارية.

وأعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية ، رفض التوقيع علي الإطار القانوني والمؤسسي لمبادرة حوض النيل إلا بعد تحقيق ثلاثة شروط، وهي:

أولًا: نص صريح يضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية. ثانيًا: الإخطار المُسبّق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل, وإتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الشأن.

ثالثًا: ضرورة أن يكون تعديل الاتفاق والملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية, وفي حالة الأغلبية يجب أن تشمل دولتي المصب «مصر والسودان».

واقترحت دول المنابع وضع مادة الأمن المائي في ملحق الاتفاقية، وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية، وإنشاء هيئة حوض النيل المفترضة.

ومهم الاشارة هنا إلى إقرار الأعراف والقوانين الدوليّة مبدأ الحقوق التاريخية للدول المتشاطئة في مياه الأنهار الدوليّة. ويعتبر العُرف أحد المصادر المُهمّة للقانون الدولي العام. والعُرف هنا يُعني تكرار دولة ما لتصرفات دولية لفترة طويلة بشكل يجعله واقعًا متواترًا، وهو ما ينطبق على استخدامات الدولة المصريّة من مياه النيل طوال تاريخها، التي بلغت في 1959، ما يُقدّر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا.

وأقرّت «قواعد هلسنكي»، وهي قواعد استرشاديه تحظى باحترام المجتمع الدولي وضعتها جمعية القانون الدولي بمؤتمر عقد عام 1966؛ مبدأ الحقوق التاريخية في حصص الأنهار الدولية؛ فنصَّ أحد بنودها على الالتزام بـ " الحجم السابق لاستغلال المياه مقارن بالحجم الحالي، ونصيب كل دولة قبل قيام النزاع"؛ بما يعنى الحقوق التاريخية المتمثلة في حجم المياه السابق استخدامها سواء في الماضي أو الحاضر بالنسبة لمصر أو لغيرها.

وأكّدت المواثيق الدوليّة على الاتفاقيات التي أقرّت الحقوق التاريخية بمياه النيل، التي ترفضها بعض دول حوض النيل، واعتبرتها اتفاقيات حدودية سارية، وغير قابلة للإلغاء. ومن بين هذه المواثيق؛ اتفاقية «فيينّا» لعام 1978 بشأن التوارث الدولي للمعاهدات الدولية، التي نصّت في المادة 12 منها على أن " التوارث بين الدول لا يؤثّر على الحقوق والالتزامات المتعلّقة باستخدام الأراضي، التي تكون قد نشأت بمقتضى معاهدة لصالح أي إقليم يتبع دولة أجنبية".

أما اتفاقية 1902، التي ترفضها إثيوبيا للحجة نفسها؛ فقد وقّع عليها الإمبراطور منليك، ملك الحبشة وقتها، وكانت دولة تتمتع بالاستقلال، وليست تحت سيطرة الاستعمار الأجنبي، ما يُعني إنها اتفاقية سارية. كما أن أوغندا اعترفت في خطابات رسمية متبادلة بينها وبين الحكومة المصرية عام 1991، بشرعية المذكرات المتبادلة بين بريطانيا ومصر، بخصوص إنشاء محطة توليد الكهرباء من مساقط أوين بأوغندا بين عامل‏ 1949-1953، وبالتالي لا يجوز لها التشكيك في إلزامية تلك الخطابات لها.

وتشير وثائق تاريخية إلى أن الدولة المصرية أثناء سيطرتها على أجزاء كبيرة من قارة إفريقيا بالقرن التاسع عشر، تنازلت عن العديد من أراضيها وممتلكاتها، ومنحتها لبعض دول المنابع، في مقابل الحفاظ على حقوقها التاريخية من مياه نهر النيل.

 وكانت حدود مديرية خط الاستواء التابعة لمصر حينها، تمتدُّ على ساحل النيل من منبعه ببحيرة ألبرت، إلى ما وراء «لادو»، وجنوب بحيرة فيكتوريا بنحو 50 ميلًا.

وكلها وقائع ومواثيق تؤكد حقوق مصر التاريخية والجفرافية فى النيل.

 

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق