الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
النيل قضية حياة.. ووجود

النيل قضية حياة.. ووجود

 فى  2 أبريل من العام 2011 وضع رئيس وزراء إثيوبيا وقتها ملس زيناوى حجر الأساس لسد النهضة، مستغلًا انشغال مصر فى الأحداث السياسية المضطربة حينها.



لم تكن الدولة المصرية فى حاجة لتصريح زيناوى لتعرف مخاطر هذا السد.. فالدولة يقظة منذ البداية لحجم المخاطر والأضرار التى قد تنجم عن سد النهضة أو سد الألفية الكبير كما يطلق عليه الإثيوبيون. 

ويقع سد النهضة على النيل الأزرق بالقرب من الحدود "الإثيوبية- السودانية" بنحو 40كم، وعند اكتماله سوف يصبح الأكبر إفريقيًّا فى توليد الطاقة الكهرومائية والعاشر عالميّا.

تتمثل القضية الأكثر إلحاحًا فى مدَى السرعة التى سيتم فيها ملء خزان السد.

ففى البداية، اقترحت إثيوبيا ملأه فى ثلاث سنوات، بينما اقترحت مصر عملية تستمر إلى 15 عامًا، وفى الوقت الذى ترى إثيوبيا فى السد ذى الاستخدامات المائية والكهربائية مشروعًا تنمويّا وطنيّا، حتى رَوّجت السُّلطات هناك للسد بوصفه مشروعًا وطنيّا محوريّا، حيث اشترى ملايين الإثيوبيين سندات لتمويل بنائه، ما ساعد على غرس المبادرة عميقًا فى الوجدان الوطنى، كما أن السودان متلهفة للحصول على الكهرباء الرخيصة وتوسيع الإنتاج الزراعى، بينما ترى مصر فى احتمال خسارتها للمياه تهديدًا وجوديّا، خصوصًا أننا نعتمد على النيل للحصول على أكثر من 90% من احتياجاتنا من المياه العذبة.

تحدّ زراعى

اعتبرتْ مصر منذ البداية أن إقامة هذا السد يعتبر تحديًا كبيرًا لمصادر المياه الأساسية ينتج عنه نقص فى إنتاج الغذاء، إضافة إلى نقص الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان أسوان.

تلك المخاطر المحتملة دفعت وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى عقد ندوة جاء فيها إن كميات الأمطار التى تهطل سنويّا على حوض النيل تبلغ 1700 مليار متر مكعب يصل منها 84 مليار إلى مصر والسودان، ثلثها بالهضبة الاستوائية، ومثله فى جنوب السودان، والأخير فى الهضبة الإثيوبية، وإن 85% من تصريفات النهر الواردة من وإلى مصر والسودان تأتى من الهضبة الإثيوبية، 15% يأتى من الهضبة الاستوائية وجنوب السودان، إضافة لمصادر أخرى بمعظم دول الحوض، بينما تصل فواقد البرَك والمستنقعات فى الحوض إلى 150 مليار متر مكعب سنويّا، وتأثير مشاريع الهضبة الاستوائية على حصتَى مصر والسودان محدودة ولا تتعدى 10-15%، وتأثير مشاريع الهضبة الإثيوبية والسودان بالغة على مصر وتبلغ نحو 90%.

لذلك فالنيل هو المورد الرئيسى للمياه فى مصر بحصة سنوية مقدارها 55.5 مليار متر مكعب ثابتة بموجب الاتفاقيات الدولية، والأمطار لا تتعدى مليار متر مكعب فى السنة على الساحل الشمالى وساحل البحر الأحمر وبعض مناطق سيناء.

 فيما المخزون الجوفى فى الصحراء الغربية غير متجدد ولا يسمح بأكثر من 3-5 مليارات متر مكعب سنويّا لمدة 50 - 100 عام، والتحلية تكلفتها عالية ولا تزيد كمياتها حاليًا عن 200 مليون متر مكعب، ولكن الاحتياجات المائية تزيد على 75 مليار متر مكعب سنويّا بما يفوق كثيرًا الموارد المتاحة بـ 30%.

وتتم تغطية العجز عن طريق إعادة الاستخدام ليبلغ نصيب الفرد من المياه أقل من 700 متر مكعب سنويّا، ومع الزيادة السكانية، فى عام 2050 سيكون نصيب الفرد 350 مترًا مكعبًا سنويّا.محاولة فهم مشاكل هذا السدّ يمكن التعرُّف عليها من واقع دراسة للدكتور جمال صيام- أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة، جامعة القاهرة حيث تطرّق فيها لمخاطر سدّ النهضة وانعكاساتها على مستقبل الزراعة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية فى مصر.

 ومن بين ما جاء فيها إن سيناريوهات عدّة ومن بينها ما ترغب إثيوبيا فى تخزين المياه خلف سدّ النهضة فى أقل من 3 سنوات وليس 6 سنوات كما طالبت بعض الدول المحايدة، وأن قِصْر هذه المدة يعنى الجفاف لمصر .

وهنا تقول الدراسة: تتحدد كمية المياه الواردة لمصر أثناء فترة الملء فى ضوء عدد سنوات التى تقررها إثيوبيا للملء. فإذا كان الملء فى فترة 6 سنوات بغض النظر عن إيراد نهر النيل، وبناءً على الحجم الكلى للتخزين خلف السد والمحدد بـ 74 مليار متر مكعب، يقدر التخزين السنوى بـ 12 مليار متر مكعب.

وطبيعى أن هذه الكمية سوف تخصم من إيراد النهر لدولتَى المصب السودان ومصر مقسمة بينهما 25% و 75%  أى 3 و9 مليارات على الترتيب.

فترات  الجفاف

فى ظل هذه التقديرات تبلغ كمية المياه الواردة لمصر 46.5 مليار متر مكعب، أى ما يقل بنسبة 16.2% عن الحصة الحالية.

وطبيعى أن الخصم يمكن أن يزيد على ذلك فى سنوات الجفاف أو الفيضان المنخفض، وقد يزيد بالنسبة لمصر إلى 16 مليار متر مكعب سنويّا فى فترات الجفاف.

كما أن هذه الحسابات لم تأخذ فى الاعتبار معدلات البخر فى البحيرة . أما إذا قررت إثيوبيا أن تختصر فترة الملء إلى 3 سنوات فقط ، فسوف تقل الكمية الواردة لمصر من المياه بـ 18.5 مليار متر مكعب سنويّا، أى ينخفض الإيراد النهرى لمصر إلى 37 مليار متر مكعب سنويّا بنسبة انخفاض 33.3% عن الحصة الحالية.

وبعد امتلاء بحيرة السد ، لن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعى كما كانت قبل السد. فهناك الفاقد المائى نتيجة البخر من البحيرة، وهناك مشاريع التوسع فى الزراعة المروية، التى تخطط لها إثيوبيا والتى تقدر كمرحلة أولى بعد إتمام السد بنحو 2 مليون فدان.

 فإذا قدّر الفاقد بالبخر بـ 10 مليارات متر مكعب واحتياجات الرى للمساحة المذكورة بـ 10 مليارات أخرى، فيكون إجمالى الخصم من إيراد دولتَى المصب 20 مليار متر مكعب سنويّا، نصيب مصر منها 15 مليارًا، أى بنسبة انخفاض 27% عن الحصة الحالية.

وسوف يؤدى العجز المائى إلى تقلص الرقعة الزراعية فى مصر بدرجات تتفاوت حسب السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالكميات المائية الواردة إلى مصر فى فترتى التخزين وما بعده. كما يتوقع أن يتغير التوزيع الجغرافى للرقعة الزراعية حسب المناطق المتضررة من نقص المياه.

يُؤخَذ فى الاعتبار أن الزراعة تستهلك حاليًا نحو 50 مليار متر مكعب سنويّا، وأن الرقعة الزراعية الإجمالية 9 ملايين فدان، فيكون متوسط ما يستهلكه الفدان من المياه 5500 م م سنويّا.

وعلى ذلك ففى حالة السيناريو الأول (فترة ملء 6 سنوات وحجز 9 مليارات متر مكعب سنويا) تبلغ المساحة الزراعية المعرضة للفقد 1.6 مليون فدان. وفى حالة السيناريو الثانى (الملء فى ظل فيضان تحت المتوسط أو ضعيف) الذى ينخفض فى ظله الإيراد المائى لمصر بـ 16 مليار م م سنويّا، تزيد المساحة الزراعية المفقودة إلى 2.9 مليون فدان (تمثل 32% من إجمالى المساحة).

أما بالنسبة للتوزيع الجغرافى للمساحة الزراعية المفقودة فى حال عدم الاتفاق علي ملء السد الأمر الذى لن تقبله مصر فيتوقف على أى المناطق أكثر تضررًا من غيرها نتيجة لنقص المياه، سواء فى الأراضى القديمة أو الجديدة. ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية فى أراضى محافظات شمال الدلتا. وسوف تتضرر الأراضى القديمة بشكل أكبر من الأراضى الجديدة، نظرًا لأن الأولى تستخدم طريقة الرى بالغمر والثانية تستخدم طرُق الرى الحديثة.

كما أن الضرر الناشىء عن نقص المياه فى منطقة معينة، إما يأخذ صورة تبوير للأرض الزراعية، وهذا يمكن أن يحدث فى حالة الانقطاع الكامل للمياه، أو يأخذ صورة تبوير جزئى كأن تزرع شتاءً ولا تزرع صيفًا.

وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية الفدانية.

أما التركيب المحصولى فى ظل نقص المياه يتجه إلى زراعة المحاصيل الأقل احتياجًا للمياه على حساب المحاصل كثيفة استخدام المياه. و بالنسبة للإنتاجية الزراعية فيتوقع أن تنخفض لأكثر من سبب، الأول نتيجة لقصور المياه عن استيفاء الاحتياجات المائية للمحاصيل، والثانى هو تدهور نوعية المياه بسبب زيادة درجة الملوحة، وزيادة معدل تدوير المياه. وسيؤدى ما سبق إلى ارتباك الفجوة الغذائية وتتجه إلى الاتساع بشكل جوهرى؛ نظرًا لأن محاصيل الحبوب وهى عصب الأمن الغذائى سوف تتأثر سلبًا بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية، وتتركز محاصيل الحبوب فى منطقة الدلتا التى ستضرر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية.

وبصفة عامة يمكن تقدير عدد السكان الزراعيين المضارين بشكل تقريبى. وذلك على أساس أن العدد الكلى للسكان الزراعيين 40 مليون نسمة يعيشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 ملايين فدان، فتكون حمولة الفدان من السكان 4.4 فرد، أى أن كل مليون فدان يعول 4.4 مليون نسمة.

احتباس حرارى

معروف انتماء مصر جغرافيّا إلى أكثر المناطق جفافًا على مستوى العالم. كما أن الدراسات البيئية العالمية توضح أن مصر ستكون إحدى الدول القليلة التى ستضرر من ارتفاع سطح البحر، فضلًا عن الآثار الناشئة عن الاحتباس الحرارى.

فمن المتوقع أن تتعرض أجزاء كبيرة من منطقة الدلتا إلى ارتفاع مياه البحر المتوسط بما يتراوح بين نصف متر إلى متر بحلول عام 2050. هذا بخلاف ظاهرة تسرب مياه البحر تحت أراضى الدلتا مخلفة ظاهرة تملح التربة وانخفاض إنتاجيتها، ولهذا السبب تعمل الدولة على وجود مساحات مزروعة بالأرز لا تقل عن 700 ألف فدان فى شمال الدلتا للحد من هذه الظاهرة.

ولا شك أن نقص الموارد المائية بسبب السد سوف يجعل من الصعب الحفاظ على زراعات الأرز كما هى عليه الآن.

أما السيناريو الثانى فهو أن يتواكب مع السد ظاهرة الجفاف فى الهضبة الإثيوبية مع ظاهرة ارتفاع مياه البحر متزامنًا ذلك كله مع ظاهرة الاحتباس الحرارى. هذا فضلًا عن توقعات بزيادة معدلات التصحر والتجريف والتملح فى الأراضى الزراعية نتيجة لنقص المياه فى ظل السد. وستزداد ظاهرة تملح الأراضى نتيجة لزيادة درجة الملوحة فى المياه. ومن الآثار البيئية أيضًا انخفاض موارد المياه الجوفية المتجددة المعتمدة على التسرب من مياه النيل.

وبحسب متخصصين؛ فإن البدائل أمام مصر فى حال انتهاء إثيوبيا من بناء السد سيكون أهمها ترشيد استهلاك المياه، وتطوير أجهزة الرى واستحداثها بأجهزة جديدة لتوفير أكبر قدر من المياه، وزراعة الأصناف والسلالات قصيرة العمر وشحيحة الاستخدام للمياه، والإسراع فى بحث سُبل تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خصوصًا أن البحر الأحمر يمتد شرق مصر بطول 1000 كيلو متر من السويس إلى حلايب، والبحر المتوسط توجد لمصر عليه سواحل تمتد 1000 كيلو متر أخرى من رفح المصرية شرقًا إلى السلوم غربًا قرب الحدود مع ليبيا، ليس هذا فقط، بل هناك 5 بحيرات مالحة فى شمال مصر، هى البردويل والمنزلة والبرلس وإدكو ومريوط، لكن يبقى الاتفاق السياسى على فترة معقولة لملء خزان السد ولا تضر بمصر هو الحل الذى لن تقبل مصر إلا به.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق