الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رؤية مصرية.. فى معادلات الاستقرار

قوة الدول فى شعوبها.. والمؤسسات الوطنية خط أحمر

رؤية مصرية.. فى معادلات الاستقرار

حدد الرئيس عبد الفتاح السيسى ثوابت الدولة المصرية فى التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية فى اجتماعه بوزراء ميونخ للأمن.  خطوط عريضة، وضعها الرئيس على مائدة الاجتماع، أولها الحفاظ على الدولة الوطنية من التفكك.  حفظ الدولة الوطنية، وسط المتغيرات الدولية السريعة، ووسط التحديات القائمة، لا بد أن تبدأ من دعم المؤسسات وحمايتها باعتبارها الذراع الأساسية الضامنة لاستقرار الدول.



فى إطار المعادلة نفسها، يأتى مبدأ دعم الجيوش النظامية الوطنية، باعتباره العنصر الفاعل والأساسى فى معادلة الاستقرار، وفى الحرب ضد الإرهاب.   ( 1 )  فى اجتماع وزراء مجموعة ميونخ للأمن، أكد الرئيس السيسى على إيمان الدولة المصرية، بضرورة التصدى لانتشار الميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية.   سبق وكرر الرئيس السيسى أكثر من مرة، فى أكثر من مناسبة ومحفل دولى على ضرورة التكاتف الدولى، وتوفر إرادة عالمية لمكافحة الإرهاب، وعرض الاستفادة من الخبرة المصرية، وتجاربها الناجحة فى هذه المسألة.  فى سياستها الخارجية، ووفق ثوابتها فى التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية، تنطلق الدولة المصرية من الإيمان بضرورة التسوية السياسية للأزمات، إنقاذا للشعوب، وإنفاذا لإرادتها فى تحقيق مصيرها ورسم مستقبلها.   تحقيق مصائر الشعوب، لا يأتى إلا وفق سياسات ترضاها الشعوب، لا وفق سياسة الأمر الواقع.. ولا وفق إملاءات من الخارج.   تحقيق إرادة الشعوب فى تقرير مصيرها مع عدم التدخل فى شئونها الداخلية ضمانات وحيدة لاستقرار الدول. لكن يبدو حتى الآن أن أطرافا إقليمية تضرب كل تلك الضمانات فى مقتل.. سعى تلك القوى واضح فى استغلال إما حالة الفراغ السياسى فى بعض دول المنطقة تارة، أو باللجوء إلى استخدام النزاعات الداخلية تارة أخرى.. بينما تبقى الإرادة الدولية فى محاربة الإرهاب بعضها ضبابى، وبعضها الآخر مبهم فى أحوال كثيرة.  ليست تلك أول حدود واضحة يضعها رأس الدولة المصرية لرؤية مصر فيما يتعلق بالشواغل الدولية والإقليمية.. لكن تبقى نقاط على خريطة الإقليم ملتهبة.. وتبقى نظريات فى حلول جذرية للمشكلات الدولية معلقة.   حتى الآن.. لم تجتمع الرؤى الدولية بوضوح فى كل ما يجب أن يتم للتعامل مع بؤر الإرهاب، ودوله، وتنظيماته.   ما زالت دول كثيرة تواجه تهديدات مبيتة بالهدم.. وما زالت بؤر كثيرة للإرهاب وكبيرة.. كالحيات تسعى.   ( 2 )  مهولة تحديات المنطقة فى المرحلة الحالية. أكثر التحديات خطورة هو ما يواجه مفهوم الدولة الوطنية.. وأكبر المعضلات هى الطرق الحديثة لاستهداف الدولة الوطنية.  استهداف الدولة الوطنية، ينقلنا بالضرورة إلى معادلات التقسيم الناتجة عن تنمية النزعات الطائفية، واللعب على وتر النزاعات الداخلية.  العينة بينة فى سوريا والعراق ولبنان واليمن.  ضمن لعبة النزاعات الداخلية الأساسية فى استهداف مؤسسات الدول، تأتى الجيوش الوطنية النظامية على رأس قائمة المستهدفات. إذكاء الولاءات الطائفية أو المذهبية، مع استهداف الجيوش النظامية للدول هو بداية الطريق. لم يعد يلعب الإرهاب على السلاح وحده أو الرصاص وحده. باتت الحيل لخداع الشعوب، وهدم معنوياتها سلاحًا جديدًا. بدت محاولات تفجير الشعوب من الداخل، بالتشكيك، وبإشاعة التخرصات.. وسيلة.  تغيرت أشكال الحروب، كما تغيرت الخرائط. غير الإرهاب فى الوسائل، وغير فى الوسائط. لم يعد للحروب أصوات رصاص.. لم يعد للحروب أزيز طائرات، ولا انفجارات لدانات المدافع.  غير الإرهاب شكل الهجوم وآلياته.. باتت الشعوب مستهدفة من نفسها.. من داخلها. أصبح للحرب وقود من داخل الميادين العامة فى صورة أفراد يطلقون شعارات «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» بينما فى نهاية الطريق لا عيش ولا حرية ولا كرامة إنسانية.  لنا فى التاريخ عبرة ومرجع. لنا فى يناير 2011 صورة فى الذاكرة، لا هى غابت ولا نحن ننسى.  كانت شعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية، طريقًا لأصحاب الجلابيب البيضاء، والذقون الطويلة. أدخلتنا الجلابيب البيضاء فترة سوداء. بعدها اكتشفنا أننا قد عصفت بنا شعارات كانت فارغة، وطموحات كانت من كارتون.. لولا ستر ربنا.  ستر الله فى مصر كان حصريًا، بينما فى العراق تكررت القصص.   فى لبنان تحولت دولة التوازنات إلى الانفجارات.  وفى سوريا، ما زال لدى السوريين حتى الآن، ورغم كل ما كان، أملًا فى هوية، وفى أرض، وفى دولة ربما تستعيد السيادة لو نجحت فى مواجهة محاولات التقسيم.  حول الإرهاب وسائله ووسائطه. دولًا بحالها فى المنطقة تمارس الإرهاب، وتدعم الإرهاب، وتؤسس للإرهاب، وترعى الإرهاب.. دون أن يحاسبها أحد.. ودون أن يوقفها أحد.  الاجتياج التركى للأراضى السورية مثال. فى الشمال السورى إرهاب مصور، وحقوق الإنسان والمدنيون والأطفال والنساء والأبرياء.. مدهوسة بالأحذية.  تغيرت صور الإرهاب كما تغيرت وسائط الحروب. لم يعد الرصاص يصوب من خارج حدود أراضى الدول المستهدفة. لما اختلفت تكتيكات الحروب، اختلفت أشكال دانات المدافع. الدانات فى الحروب الآن هى دعوات النزول للميادين.. حيث لا شىء إلا الفوضى. طلقات الدبابات الآن هى أفكار فى ذهنية بعض شباب مواقع التواصل إما خدعته الشعارات، أو اعمته الجمل الرنانة.. وكلاما معسولا، قاد دولا إلى الهاوية، وقاد أخرى إلى حواف السقوط.   ثبت أن الدول لا تقام بالصراخ على تويتر، ولا بأزرار الفيس بوك. لا تقام الدول «بالهرى البطال»، ولا بتصورات بعضهم على قنوات الإرهاب، يصدرون السم، ثم يجنون المكاسب.. ويتلفحون بالدولارات القطرية.  تقام الدول أولا بالإيمان فى وطن، ثم فى الاعتداد بفكرة الدولة. الحلول فى أساسها تنطلق من فكرة الدولة، وسطوة الدولة.  لا يحمى الدول الحديثة إلا مواطنوها. الالتزام بمقومات الدولة الوطنية الحديثة هو أول الحلول فى مواجهة الإرهاب. لا تبنى الدول بغير سيادة، ولا سيادة إلا بوعى المواطن، لأساليب الحروب الحديثة، وأشكال الأسلحة الحديثة.  لا تقوم الدول بالشعارات. تحول الإرهاب إلى شعارات. سقطت العراق بالشعارات، وملت لبنان من كثرة الكلام الفارغ.  وقعت سوريا ضحية شعارات بدأت من 2011، لم تسفر عن خريطة محددة الملامح حتى الآن.  ( 3 )  فى السياسة الدولية طرائف وغرائب.. ومفارقات.  تظل السياسة الدولية عالمًا من معادلات جبرية، تتغير فيها الأرقام، والرموز، وتتغير فيها المدخلات والمخرجات.  تتماهى فى خرائط السياسة أحيانًا حدود الواقع مع الخيال، وتختفى قواعد العدالة، والإنسانية أحيانا، بلا قواعد منتظمة، ولا نتائج ممكن تقديرها بنظرات أولية.. أو قوانين مسبقة التجهيز منصوص عليها فى كتب العلوم.  حسب العصر تتغير مدخلات المعادلات السياسية.. وطرق الحلول، كما تتغير خرائط البلدان.. ومواصفات الوعى العام عند شعوب الدول. لكن يبقى وعى الشعوب هو المعيار الأساسى لقدرة الدول الوطنية فى الحفاظ على نفسها.. وصلب طولها.  على خرائط الشرق الأوسط أكثر طرائف السياسة وغرائبها.  بعد أكثر من 15 عامًا على إسقاط صدام حسين، بحثًا عن الديمقراطية والحرية وفرض المواطنة، وحقوق الإنسان.. ما زال العراقيون يبحثون عن المواطنة.. وحقوق الإنسان.  بعد 15 عامًا من دولة تترنح، ومؤسسات تتهاوى. انخفضت طموحات العراقيين، فلم تعد الديمقراطية هى منتهى الأمل.. ولا أصبحت حقوق الإنسان هى كل المراد من رب العباد.  بعد 15 سنة أصبح منتهى أمل العراقيين.. دولة. وسطوة دولة. أصبح الحلم العراقى تماسك الدولة. أصبح على رأس أولويات المواطن هناك جيش وطنى قادر.. فى إطار مؤسسات دولة.  أدرك العراقى أن الدولة نعمة، والمؤسسات فضل وعدل.  أدرك العراقيون ذلك بعد أن دخلوا دهاليز العجائب، وطرائف السياسة. بعد خراب مالطا عرف المواطن هناك أن «مجرد دولة» هو أول ما هو فى حاجة إليه. يحلم العراقى الآن بحدود معروفة للدولة.. وسطوة مفروضة للدولة.  لم يعد يبحث العراقيون إلا عن الاستقرار.. بعد سنوات من إسقاط الدولة، بحثًا عن الحريات!!  فى لبنان نزل المواطنون للشارع، بعد أن تلاعب به ساسة الشعارات.. والكلام عمال على بطال.  متى تدخل الأوطان مراحل الخطر.. وبؤر الاضطرابات؟  تدخل الأوطان مراحل الخطر عندما يستجيب المواطن لخداع معادلة الانتماء التبادلية. تظهر معادلة الانتماء التبادلية بظهور الأسئلة على مواقع التواصل: «ماذا منحتنا الأوطان كى ننتمى للأوطان؟».   وقتها تتماهى المعانى بين فكرة الوطن.. وبين العوائد والمكتسبات. وقتها تصوب فوهات رصاصات مسمومة للجيوش الوطنية وضد مؤسسات الدولة.  كثيرًا من دول فى المنطقة هزمتها حيل إرهاب مقنع اسمه «إرادات الشعوب».. أو «رغبات المواطن فى حياة أفضل».  وكان حقًا يراد به باطل . كثير من دول المنطقة هزمها الباطل. 

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق