اللهم اجعلنا مسلمين لك وللوطن أنصارًا
من آن لآخر تطل علينا بعضُ العبارات الطائفية النشاز بوجهها القبيح، والتى يتناسَى أو يجهل أصحابُها أن هذا الوطن وحدة واحدة ونسيج واحد، لا يمكن التفرقة بين مواطنيه لأى سبب.
لم تَرَ عينى أفضل مما خَطه الرمز الوطنى، وليم مكرم عبيد، الذى اكتفى من اسمه بـ "مكرم عبيد"، وقال تعبيرًا عن لُحمة هذا الوطن: "نحن مسلمون وطنًا ونصارَى دينًا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارًا، اللهم اجعلنا نحن نصارَى لك، وللوطن مسلمين".
هل تعلم أن هذا الرمز المصري حفظ الكثير من سور القرآن الكريم واستخدمه في خطبه، كان وفديًا حتى النخاع، فاُطلق عليه ابن سعد، وقال في حقه هو الحى الميت في قبره - مشيرًا إلى سعد زغلول- والحى الميت في قصره - مشيرًا إلى الملك فاروق – وكان أول من رفع شعار الدين لله والوطن للجميع.
بدأ حياته الدراسية مثل أقرانه بمدرسة التوفيقية الإبتدائية بقنا، وعندما بلغ السادسة عشر سافر إلى إنجلترا لِيُكمل تعليمه بجامعة اكسفورد، ونال شهادة في القانون، ثم سافر إلى فرنسا وحصل على الدكتوراه، عاد إلى مصر وعُين بالإدارة القضائية بقلم قضايا الحقانية، وفي عام 1919 عُين أستاذًا بمدرسة الحقوق لمادة العقود حتى فصل نتيجة مشاركته بحفل في الكونتيننتال فألقى بها كلمة وطنية فتحول الحفل إلى مظاهرة.
شارك وليم مكرم عبيد في ثورة 1919 واتخذه سعد زغلول كابن له، وانضم للوفد وأرسله إلى لندن ممثلًا للوفد لشرح قضية مصر والمطالبة بالاستقلال، وعند عودته استقبله سعد زغول والجماهير المصرية في مظاهرة صدرت بعدها الأوامر الإنجليزية بملازمة سعد زغلول، وكبار مناصريه ومنهم مكرم عبيد منازلهم، بل ووضعهم تحت مراقبة البوليس، وصدر قرار بنفيهم إلى جزيرة سيشل.
في عام 1924 انتخب كعضو بمجلس الشيوخ، وعندما توفي سعد زغلول عام 1927 ناصر مصطفى النحاس باشا؛ حتى يخلف سعد زغلول وبالفعل صار مصطفى النحاس رئيسًا لحزب الوفد وصار مكرم عبيد سكرتيرًا عامًا لحزب الوفد.
كان له العديد من الأدوار التاريخية الوطنية فشارك بالوفد المصري الذي ألغى الامتيازات الأجنبية على مصر في معاهدة منترو 1937، وفي ذات العام صار وزيرًا للمالية ثم وزيرًا للتموين، وكان من ضمن الوفد المصري الذي شارك في وضع ميثاق جامعة الدول العربية، وبتاريخ 7 مارس 1946 شارك في الوفد المصري الذي اضطلع بالتفاوض مع بريطانيا بشأن تعديل معاهدة 1936، وفي عام 1953 شارك في الجمعية التأسيسية التي تشكلت عقب ثورة 1952؛ لوضع دستور الثورة، وانتخب نقيبًا للمحامين في أكثر من مناسبة،
كان يحب مصر بإخلاص ويقاتل من أجلها بعزيمة دون النظر إلى أنتمائه الحزبي فعندما كان وفديًا وتعرض هو والنحاس للهجوم قال "يذهب مكرم ويبقى النحاس"، ولكن عندما شعر أن حكومة الوفد بقيادة ذات الشخص قد أخطأت في نظره وتجاوزت في حق الشعب بدأ شوطًا جديدًا في علاقته مع زعيم الوفد مصطفى النحاس باشا، وصل إلى ذروته عندما أصدر مكرم عبيد كتابه الشهير "الكتاب الأسود في العصر الأسود" حصر فيه ما اعتقد أنه مخالفات ارتكبتها حكومة الوفد.
فأشار للصفقات التي رأها مشبوهة كصفقات الأراضى للوزراء وأقاربهم واستغلال البواخر الحكومية وصفقات الغزل والزيوت.
هنا تحدث مكرم عبيد كمصلح اجتماعى، رغم ما تولاه من مناصب فكان يقول إن الميزانيات السابقة تنسب للبرلمان من باب الانتساب لا النسب، الكل مهضوم ولا يهضم، مظلوم ولا يظلم، كل ما نراه من مظاهر الثراء والترف في مصر إنما مستمد من اقتصادنا الحكومى الغنى السخى أما اقتصادنا الشعبى فأين هو؟! "
رحل عن عالمنا في 5 يونيو عام 1961عن عمر ناهز 72 عاما، رحل ابن سعد المجاهد الكبير ليترك لنا من آثاره وخطبه ما استقر في ضميرنا جميعنا، لكن أهمها على الإطلاق ما تعلق بنسيج الوطن ووحدته " اللهم اجعلنا مسلمين لك وللوطن أنصارًا".
هذا الشعار الذي يجب أن يكون أمام أعيننا جميعًا عندما تُطل أحاديث الفتنة أمامنا، فَلنُعَرف أبناءنا بأجدادهم ونسترشد بأقوالهم فإنها قولة حق وصيحة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غدا بالأوتاد.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة