الإرهاب عدو الأديان لا يستثنى أحدًا
عادل عبد المحسن
اتخذ الإرهابُ من المصريين عَدوًّا، ولم يستثنى أحدًا، فيقتل الساجدَ والراكعَ فى المسجد ومؤدى الترانيم والصلوات فى الكنيسة، يزهق الأرواحَ دون أن يرفَ له جفنٌ، ولا يعرف للإنسانية بابًا ولا لحُرمة النفْس البشرية طريقًا، وقد تعرضت المساجد والكنائس المصرية على يد الإرهابيين لأبشع أعمال القتل والتدمير بهدف إحداث شقاق وفتنة بين المصريين.
ولعَل ما حدث فى ليلة رأس السنة عام 2011 عندما استهدف الإرهابيون كنيسة القديسين مارمرقس الرسول بمنطقة سيدى بشر بمدينة الإسكندرية صباح السبت 1 يناير، عشية احتفالات رأس السنة الميلادية، خير دليل على ذلك؛ ليصحو المصريون على فاجعة راح ضحيتها 30 شهيدًا وعشرات المصابين.
وقد اختار الإرهابيون لإثارة الفتنة بين المصريين كنيسة القديسين المواجهة لمسجد شرق المدينة، لكن ما حدث عكس ما خططوا له تمامًا، وأظهر المصريون نموذجًا حضاريّا رائعًا عندما حرص الأطباءُ فى مستشفى القديسين على علاج المصابين من المسلمين، حسبما رصد ذلك فريق عمل صحيفة "روزاليوسف" اليومية، آنذاك.
وثانى هذه الوقائع ما حدث من اعتداء واسع من جماعة الإخوان الإرهابية على 82 كنيسة بهدف إظهار الدولة عاجزة عن حماية الكنائس المصرية؛ ليصدح البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمقولته الشهيرة التى ستتناقلها الأجيال: "وطنٌ بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"؛ لينهى مَكيدة الجماعة الإرهابية.
واستطاعت الدولة المصرية بأيدى المصريين من مختلف الأديان، إصلاح التلفيات وترميم الكنائس، وعادت أفضل مما كانت عليه قبل الاعتداءات الإرهابية؛ ليثبت المصريون أنهم نسيج واحد أمام المؤامرات والمكائد والدسائس.
ثالث وقائع الأعمال الإرهابية ضد المصريين كانت فى يوم الأحد 11 ديسمبر 2016 بالكنيسة البطرسية، التى تبعد عن مسجد النور بالعباسية عشرات الأمتار فقط، ما أدى لاستشهاد 29 شخصًا وإصابة 31 آخرين، جراء تفجير عبوة ناسفة تزن 12 كيلوجرامًا.
وحاولت جماعة الإخوان الإرهابية النأى بنفسها عن تبنّى التفجير حتى لا تتهمها دول الغرب بأنها جماعة إرهابية، وتبنّاها ما يُسمى بتنظيم "داعش" الإرهابى بإيعاز منها، لكن تحرُّك أجهزة الأمن كان سريعًا وكشف كل التفاصيل، ولم تمر ساعات قليلة حتى أعلن الرئيس "عبدالفتاح السيسى"، بنفسه عن مُنفّذ العملية الإرهابى "محمود شفيق محمد مصطفى"، ويُكنى بـ "أبو دجانة الكنانى" ويبلغ من العمر 22 سنة.
وتبيّن أن مُنفذ العملية من جماعة الإخوان الإرهابية، وصادر ضده حُكم بالحبس لمدة عامَين لمشاركته فى إحدى التظاهرات الخاصة بالجماعة.
وأعلنت رئاسة الجمهورية الحدادَ العام لمدة ثلاثة أيام فى جميع أنحاء مصر على أرواح ضحايا التفجير.
وقررت الحكومة منح أسَر الضحايا تعويضات كشهداء الجيش والشرطة أثناء مقاومة ومكافحة الإرهاب.
ويوم 9 أبريل 2017 أعد الإرهابيون لمؤامرة كبيرة لاستهداف قداسة البابا تواضروس الثانى، أثناء ترأسه قداس "أحد السعف"، لكنه لم يصب فى التفجير، وأسفر الحادث عن استشهاد 17 شخصًا وإصابة 48 آخرين، بينهم ضابطة شرطة برتبة عميد، وعدد من أفراد الشرطة والمواطنين، وبالتزامن مع هذه العملية الجبانة وقبلها بساعتين تعرضت كنيسة مار جرجس قبيل العاشرة صباحًا، لاستهداف بعبوة ناسفة شديدة الانفجار خلفت 29 شهيدًا وإصابة 76 آخرين.
ونجحت أجهزة الأمن فى كشف كل تفاصيل وملابَسات العمليتين الإرهابيتين؛ حيث تبيّن تورط 55 إرهابيّا بقيادة المتهم الهارب "مهاب مصطفى السيد"، والقادم من قطر عام 2015 متوجها وفقًا للتكليفات الصادرة إليه من قيادات الإخوان إلى محافظة شمال سيناء، بدعم مالى ولوجستى من الجماعة لاستهداف المسيحيين والكنائس، بهدف زعزعة استقرار البلاد وإثارة الفتن، وكان أخبر أفرادَ أسرته وعددًا من أصدقائه أنه متوجّه للسعودية لأداء العمرة.
ولم يمر سوى 6 أشهُر حتى أقدم الإرهابيون على ارتكاب جريمة جديدة ضد المصريين، وهذه المرّة كانت يوم 24 نوفمبر 2017، فبينما يقوم نحو 400 مُصَلٍّ بأداء صلاة الجمعة انفجرت فى البداية عبوتان ناسفتان داخل مسجد الروضة بشمال سيناء، ثم استهدفت مجموعة إرهابية بعد ذلك المصلين من خلال قذائف صاروخية من نوع "آر بى جى"، وعندما فَرّ باقى المصلين خارج المسجد قامت الجماعة الإرهابية باستهدافهم مجددًا، لكن هذه المرّة باستخدام بنادق آلية من أعيرة مختلفة.
وصل عددُ الشهداء من المصلين إلى 305 شهداء، بينهم 27 طفلًا، وإصابة 128 آخرين.
ونظرًا لأن عدد الشهداء كان كبيرًا، يفوق كل ضحايا العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، أعلنت رئاسة الجمهورية حالة الحداد 3 أيام.
واجتمع الرئيس "عبدالفتاح السيسى"، باللجنة الأمنية المصغرة لبحث تداعيات الحادث، وتضم اللجنة وزيرَى الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس المخابرات الحربية.
وفى اليوم نفسه؛ ألقى "السيسى" كلمة قال فيها إن مصر تواجه الإرهاب بالنيابة عن المنطقة والعالم بأكمله. مضيفًا إن القوات المسلحة والشرطة المدنية ستثأران للقتلى، وتعيدان الأمن والاستقرار.
وأدان قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الحادثَ الإرهابى الغادرَ.
ولم ييأس الإرهابيون من استهداف المصريين، وكانت هذه المرّة استعادة لسيناريو كنيسة القديسين بالإسكندرية، ولكن أكثر إمعانًا فى محاولة إحداث الفتنة بين عنصرَى الأمّة، بأن قام إرهابى يوم 6 يناير2019 بدخول مسجد ضياء الحق بعزبة الهجانة فى مدينة نصر بالقاهرة، وقت صلاة العشاء، حاملًا حقيبة كبيرة داخلها متفجرات، وتظاهَر بأداء الصلاة ثم قطع صلاته وصعد إلى سطح المسجد ليضع المتفجرات فى مواجهة كنيسة أبو سيفين، لكنْ المصلون تنبّهوا إلى حركته المريبة، وأبلغوا الشيخ سعد عسكر، إمام المسجد، وعندما صعد الشيخ لسطح المسجد وجد حقيبة سوداء بداخلها العبوات الناسفة، ليسارع بإبلاغ القوات الأمنية المكلفة بحراسة الكنيسة، وعلى الفور قامت القوات باستدعاء ضباط المفرقعات للتعامل مع الحقيبة.
كما سارع الشيخ سعد عسكر بإبلاغ مواطنى المنطقة عبر ميك روفون المسجد بوجود عبوات ناسفة فوق المسجد، وطالبهم بالخروج من منازلهم والابتعاد عن المنطقة لحين تفكيكها، وأنقذت مصر بفضل أبنائها المصريين من مؤامرة وفتنة كبيرة.
ورُغْمَ المحاولات المستميتة من الجماعات الإرهابية لإحداث الفتنة والشقاق بين المصريين؛ يزداد الترابط والوحدة والصلابة يومًا بعد يوم، وبينما تدق الأجراس فى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، يرفع الأذان فى مسجد الفتاح العليم، كشواهد على وحدة المصريين وتناغمهم الجميل.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة