الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تحيا المواطنة

تاريخ "الرهبنة" فى مصر

صورة نادرة لرهبان دير الأنبا أنطونيوس
صورة نادرة لرهبان دير الأنبا أنطونيوس

فى صحارى مصر القاصية والدانية تقف الأديرة القبطية شاهدًا على العصور والحقب التاريخية التى مرّت بها، منذ دخول المسيحية حتى الآن، وظهرت الرَّهبَنة القبطية منذ القرن الثالث الميلادى وامتدت فلسفتها إلى العالم كله. وتقوم فلسفة الرَّهبَنة على "الموت عن العالم"، ولذا تمت تسميتها بـ"رهبنة الكَفَن"، وهى رَغبة الإنسان باختياره ومَحض إرادته للجوء للدير، وبعد قبوله يُصلى عليه صلاة جنائزية بعد أن يُغطى بستر يُعتبر بمثابة "كفن"، ويعيش بعد ذلك بالنذور الرُّهبانية التى تشمل الانعزال عن العالم، والفقر الاختيارى، وحياة الطاعة والتبتل الطوعى، كى تكون حياته نقيّة، وتُعتبر الرَّهبَنة الزادَ الحقيقى لخدمة الكنيسة وعملها فى كل مكان.



هكذا شرح البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الرَّهبَنة فى الديباجة التى كتبها لقانون الرَّهبَنة القبطية الجديد الصادر فى 2013، والرُّهبان هم مجموعة من النّسَّاك الذين بحثوا عن "الخلاص" بالمفهوم المسيحى، فى دروب الصحراء وأطراف المُدن، انعزلوا عن الناس بمَحض إرادتهم، مُكرّسين حياتهم للصلاة.

الأنبا أنطونيوس هو أوّل شخصية مؤثرة ومهمة فى الرَّهبَنة الأولى، ويُعتبر «أبو الرَّهبَنة»، رُغم أنه لم يكن الأوّل فى ذلك المجال فقد سبقه آخرون عاشوا على حدود قرَى مصر، ومنهم أخذ إرشاده، لكن هؤلاء الرُّهبان لم يعرفوا البريّة البعيدة، أمّا الأنبا أنطونيوس فقد دخل إليها وعاش عشرين عامًا فى وحدة، وبعد خروجه كان يقوم بإرشاد تلاميذه من الرُّهبان، ونشأت الأديرة حتى فى الجبال، وصارت البريّة مدينة يملؤها الرُّهبان. 

والأنبا أنطونيوس وُلد فى بلدة قمن العروس، التابعة لـ«بنى سويف»، نحو عام 251، من أسرة ثرية، وبعد موت والده باع أملاكه ووزّعها على الفقراء وتفرّغ للعبادة بزُهد عام 269، حينما ظهر له ملاك يدعوه إلى ذلك- بحسب المَراجع الكنسية- قبل أن يذهب إلى الصحراء متوحدًا عام 285، حينما نهرَته فتيات وطالبنه بالذهاب إلى الصحراء- حسب المراجع الكنسية- وكسر خلوَته عام 305 ليُعَلم تلاميذَه الرَّهبَنة.

أمّا الخطوة التالية نحو تنظيم أفضل للرّهبنة؛ فقد قام بها القديس باخوميوس، المعروف بـ"أبو الشركة" 292-346م، الذى أنشأ أول أديرته فى عام 323م، وعند وفاته كان قد أسّس 9 أديرة للرُّهبان، وديرَين للرّاهبات، وكان إجمالى عدد هؤلاء الرُّهبان والرّاهبات نحو عشرة آلاف.

وبَعده ظهَر باسيليوس الكبير (330-379) المعروف بـ"أبو الرَّهبَنة الشرقية"، وقدّم فكرة الأديرة الصغيرة التى يضم كل منها ما بين ثلاثين إلى أربعين راهبًا، وأكد على الاهتمام بالتعليم والثقافة لتنتشر بعد ذلك الحركة الرُّهبانية فى الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط، ولتصبح قوّة فعّالة تستخدمها الكنيسة فى مواجهة الهراطقة والوثنيين، بحسب القمص أثناسيوس.

وكان أول راهب يصير بطريركًا هو البابا يوحنا الأول، البطريرك 29 فى تاريخ الكنيسة، وذلك عام 496 ميلاديّا، قبل أن يصبح من المستقر منذ البابا إسحق، البطريرك 41 للكنيسة فى عام 690 ميلاديّا، أن يكون الرُّهبان هم بابوات الكنيسة، باستثناء حالات قليلة.

دير الأنبا أنطونيوس 

هو أول دير أنشئ فى العالم، ويُنسب اسمُه إلى الأنبا أنطونيوس الذى يَعتبره الأقباط المصريون أول الرُّهبان فى العالم، وأبو جميع الرُّهبان.

ويقع الدّير على سَفح جبل الجلالة القبلى بصحراء العرب بمصر. 

دير الأنبا بولا 

يقع دير الأنبا بولا ‏غرب‏ ‏أحد‏ ‏جبال الجلالة‏ ‏العالية،‏ ‏وتحيط به ‏هضاب‏ ‏مرتفعة، ‏وهى ‏البقعة‏ ‏التى يقال إن ‏العبرانيين عبروا منها‏ ‏مع ‏موسى النبى ‏إلى ‏البحر‏ ‏الأحمر،‏ ‏عند‏ ‏خروجهم‏ ‏من‏ ‏أرض‏ ‏مصر، ويُعد دير الأنبا بولا‏ ‏من‏ ‏أقدم‏ ‏الأديرة‏ ‏المصرية؛ ‏حيث‏ ‏أنشئ‏ ‏فى ‏أواخر‏ ‏القرن‏ ‏الرابع‏ ‏الميلادى،‏ ‏وبداية‏ ‏القرن الخامس، ‏وبه ثلاث كنائس أثرية، هى: الكنيسة التى كان يسكنها الأنبا بولا السائح لمدة 70 سنة لم يره أحد، ويعتبره المسيحيون أول السواح، والكنيسة عبارة عن جزأين نحت أحدهما فى الصخر، والآخر عبارة عن بناء غطيت حوائطه برسومات، والثانية هى كنيسة أبو سفين وأعاد بناءها المعلم الجوهرى فى أواخر القرى الثامن الميلادى، وستجد أخبارها فى هذا الموقع، والثالثة هى كنيسة الملاك، وبها اثنتا عشرة قبة كعَدد تلاميذ السيد المسيح، ويرجع تاريخها إلى سنة 1777.

دير سانت كاترين

يقع دير سانت كاترين فى جنوب سيناء أسفل جبل كاترين أعلى جبال مصر، بالقرب من جبل موسى. ويقال عنه إنه أقدم دير فى العالم، ويُعد مزارًا سياحيّا كبيرًا.

بُنى الدّير بناءً على أمر الإمبراطورة هيلين أمّ الإمبراطور قسطنطين، ولكن الإمبراطور جستنيان هو مَن قام فعليّا بالبناء نحو سنة 545م؛ ليحوى رفات القديسة كاترين التى كانت تعيش فى الإسكندرية.

دير السيدة العذراء

يقع دير العذراء فى قرية جبل الطير على بُعد نحو 2 كم من نهر النيل أمام مركز سمالوط، و20 كيلومترًا من مدينة المنيا، هو أحد الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر، كما يُطلق عليه "جبل الطير- دير البكرة - دير الكف".

دير مار مينا العجائبى

هو أحد أقدم الأديرة الذى يقع فى المنطقة الغربية لمحافظة الإسكندرية، والمعروفة بـ"كينج مريوط"،ويرجع تاريخه إلى عام 363م، حينما بدأ القديس أثناسيوس الرسولى، بابا الكنيسة الأرثوذكسية آنذاك ببناء كنيسة على قبر القديس مار مينا العجائبى- أحد شهداء المسيحية الذين استشهدوا بسيوف الرومان-  ثم جذب المكان الآلاف من المسيحيين الذين أحبوا الاستقرار فى هذه المنطقة، وقاموا بتشييد المبانى والقصور التى بنيت غالبيتها من أجود أنواع الرخام حتى سميت هذه المدينة بـ "المدينة الرخامية"، وأطلق عليها الأقباط مدينة "بو مينا" وبدأت تبنى كنائس كثيرة .

 

دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون
دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون

 

أديرة وادى النطرون 

يشتمل وادى النطرون على واحدة من البرارى التى شهدت إقبالا شديدًا من طالبى الرَّهبَنة؛ حيث إن المنطقة تضم أربعة أديرة تعد من أهم الأديرة فى مصر، وهى دير " الأنبا بيشوى، والقديس أبو مقار، ودير السيدة العذراء السريان، ودير السيدة العذراء البراموسى.

البراموس 

يقع دير السيدة العذراء مريم "البراموس" فى الطرف الغربى لبحيرات النطرون، وتبلغ مساحته نحو فدانين وثلاثة عشر قيراطًا، ويعرف بدير الروم لوجود مغارة أولاد الملوك التى عاش بها الأميران مكسموس ودماديوس أبناء الإمبراطور فالنتينان الأول، والذى حَكم فى الفترة من (364-375م)، وقد أطلق عليه بعض المؤرخين دير أنبا موسى الأسود، وذلك لأن الأنبا موسى كان رئيسًا لذلك الدّير ودفن به.

السريان

يقع بين دير البراموس ودير الأنبا مقار إلى الجنوب الشرقى من دير البراموس، ويبعد عن دير أنبا بيشوى الواقع فى المنطقة نفسها بمسافة 500 متر، وتبلغ مساحته نحو فدان وستة عشر قيراطًا، وترجع نشأته إلى أواخر القرن الرابع الميلادى، وقد بُورك المكان الذى بنى فيه بزيارة العائلة المقدسة فى القرن الأول الميلادى، وأطلق عليه اسم السيدة العذراء فى القرن الخامس الميلادى، لكنه اشتهر باسم "دير السريان" بسبب سُكنى بعض الرُّهبان القادمين من سوريا وبلاد المشرق داخله فى الفترة من القرن الثامن حتى القرن السادس عشر الميلادى.

وترجع شهرة دير السريان فى الغالب إلى وجود القلاية الأصلية التى كان يعتكف فيها الأنبا بيشوى، كما أن بجوارها شجرة "الأنبا أفرام السريانى".

الأنبا بيشوى 

يقع على بُعد نصف كيلو متر إلى الجنوب الشرقى من دير السيدة العذراء السريان.

ويرجع إنشاؤه على أغلب الاحتمال إلى أواخر القرن الرابع الميلادى، كما أعيد بناؤه نحو عام 840م، ويعتقد أن المبنى الرئيسى للكنيسة يرجع إلى هذا التاريخ، كما قام البابا بنيامين الثانى البطريرك 82 (1327- 1339م) بترميمه وأضاف تعديلات ما زالت باقية حتى الآن، ووضع فى الدير جسد البابا شنودة الثالث تنفيذا لوصيته. 

الأنبا مقاريوس- أبو مقار 

يقع فى الجنوب الشرقى لدير الأنبا بيشوى ودير السريان، وتبلغ مساحته نحو فدانين، وينسب هذا الدّير للقديس مقاريوس الكبير، وهو أغنَى أديرة وادى النطرون من الناحية الروحية، بما يحويه من قدُسية لدَى الرُّهبان؛ حيث يوجد التابوت الذى يحوى رفات ستة عشر من الآباء البطاركة، كما توجد أجساد التسعة والأربعين شيخًا الشهداء الذين قتلهم البربر مدفونين بكنيسة الشيوخ، كذلك التابوت الرخامى الذى يحمل رفات القديسة هيلاريا ابنة الملك زينون.

وكان من العادات المتبعة عند انتخاب البطريرك للكرسى أن يتوجّه بَعدها مباشرة إلى دير الأنبا مقار؛  وهذا دليل على مقدار المكانة المرموقة التى تبوأها ذلك الدّير خلال العصور التاريخية المختلفة.

دير الأنبا باخوميوس

يرجع تاريخ الدّير إلى القرن الرابع الميلادى، وهو من الأديرة الرئيسية التى شيدها القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة.

ويوجد غرب الدّير قرية تسمى البنى، ويقال إن هذه القرية أقيمت فوق تلال دير البنات الذى اندثر وكانت ترأسه مريم شقيقة القديس الأنبا باخوميوس، كما يوجد شمال الدّير قرية تسمى المدامود، وبالقرب منها نجع صغير يسكن فيه نحو ألف مسيحى، ويسمى نجع النصارَى.

 

دير مار مينا بكينج مريوط
دير مار مينا بكينج مريوط

 

 

أديرة مصر القديمة

تضم منطقة مجمع الأديان عددًا من أقدَم وأشهَر الكنائس التى شيدت فى القرون الأولى من بينها دير مار جرجس، وأبو سيفين بمصر القديمة، والسيدة العذراء، ومار جرجس بحارة زويلة، والأمير تادرس بحارة الروم، كما تضم المنطقة الكنيسة المُعلقة التى كانت مقرّا  للبطريركية فى القرن الثامن والتاسع عشر.

ويوجد دير الأنبا برسم العريان بمنطقة المعصرة، ويقع‏ ‏على‏ ‏طريق‏ ‏حلوان‏.‏

كما يقع دير السيدة العذراء- المعادى- على ضفاف النيل، وهو أحد الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى مصر فى القرن الأول الميلادى، وبه كنيسة أثرية يقصدها العديد من السياح والزائرين.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق