الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تحيا المواطنة

سـطور خـالدة فى حياة بطاركـة الكنيسة المصــرية

الرئيس السيسى والبابا تواضروس
الرئيس السيسى والبابا تواضروس

8 سنوات مرّت على وصول البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية لسُدّة مار مرقس، حمَل خلالها لواءَ المَحَبّة والتقارُب بين الكنائس المختلفة، وفى الوقت نفسه أصدر العديدَ من اللوائح المُنظمة لخدمات الكنيسة القبطية المصرية.



28 زيارة خارجية قام بها البابا للخارج، بدأها بالفاتيكان عَقب وصوله لسُدّة مار مرقس، مُلتقيًا نظيرَه البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وبَعدها بأربع سنوات قام بابا الفاتيكان بزيارة مصر ولقاء الرئيس السيسى، والصلاة بالكنيسة التى كانت جدرانها شاهدة على الحرب الضارية التى تقودها مصر ضد الإرهاب.

البابا تواضروس، الذى تحتفل الكنيسة فى 18 نوفمبر بعيد تجليسه  الثامن، التقى بـ 23 رئيس دولة،  وخلال زيارته الأولى إلى اليابان حرص على إجراء العديد من اللقاءات الصحفية والتليفزيونية التى خصص جزءًا كبيرًا منها للحديث عن مصر.

 

 مشددًا: "مصر وطن كبير يضم 100 مليون نسمة، وله تاريخ ممتد، ولن يسقط".

كما شدّد على أن الإرهاب أراد إسقاط مصر عبر استهداف القوات المسلحة والشرطة الوطنية، ثم اتجه لاستهداف أهم ما نملكه فى مصر وهى الوحدة الوطنية.

وتابع: "اتجه الإرهابيون لضرب الكنائس واستهداف المسيحيين فى أى مكان فى مصر، بهدف الوقيعة بين المسلمين والأقباط، ونشكر الله أننا نعى ونعرف هذه الأمور، فكان رد فعلنا ممتلئًا بالمَحَبّة والحكمة الكاملة تجاه الأحداث، نؤمن بقوة الصلاة حتى إن كانت هذه الأعمال ضد الكنيسة وأبنائها، ومصرّون على تقديم المَحَبّة للجميع".

الصيدلى "وجيه صبحى باقى" الذى كان وحيد أمّه واتجه إلى الرهبنة دائمًا ما يقول إن للكنيسة عملًا فى بناء قاعدة للحُب، فهى تؤسّس المدارس والمستشفيات، وترعى الوحدة الوطنية وتصونها وتصلى من أجل البلاد والرئيس. مؤكدًا أنها قلب الشرق الأوسط ومُدن البحر المتوسط، ولذلك فاستقرارها يعنى استقرارَ المنطٌقة كلها.

علاقات البابا مع  الرئيس السيسى "طيبة للغاية" كما يصفها، فالرئيس حرص على زيارة الكاتدرائية خلال الاحتفال بعيد الميلاد، وتبرّع بخمسين ألف جنيه لبناء الكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية، ويظهر دائمًا ممسكًا بيَد البابا.

وزار الرئيس السيسى الكاتدرائية عقب مَقتل المصريين فى ليبيا على يد تنظيم "داعش" الإرهابى عام 2016، مؤكدًا أنه جاء للتعزية بعد الثأر للشهداء، وحرص على ترميم جميع الكنائس التى تضررت عقب فض اعتصامَى رابعة والنهضة، كما أعطى أوامره بسرعة ترميم البطرسية عَقب الحادث الإرهابى الذى شهدته فى 2016 أيضًا، بالإضافة إلى سرعة الانتهاء من إنشاء كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية.

“لا نستقوى إلا بالله فوق، وإخواننا المسلمين هنا على الأرض، وأى محاولة للعبث بهذا الرباط الذى يجمعنا ينتهى بالفشل، والله يحفظ الوطن من كل شر".. هكذا عبّر البابا 118 عن عمق العلاقات بين المصريين، وعمق العلاقة بينه وبين شيخ الأزهر .

ويحرص البابا تواضروس على زيارة شيخ الأزهر فى المناسبات المختلفة، مؤكدًا أن تنظيم "داعش" يعمل على أساس فهم خاطئ للدين، كما يوجد من يدفع له المال، مستشهدًا  بالمُظاهرات فى ميدان التحرير  التى كان يحرسها ويحيطها المسيحيون لحماية المسلمين أثناء صلاتهم.

واتخذ البابا من "الوحدة والتقارب" شعارًا له خلال لقاءاته المختلفة مع رؤساء وبطاركة الكنائس حول العالم، فنجده يحرص كل عام على زيارة الكنائس التى تحتفل بعيد الميلاد فى 25 ديسمبر، كما نجده يصلى فى بازليك القديس بولس، إحدَى الكنائس الأربع الكبرَى بالفاتيكان.

ورُغْمَ الهجوم ضده؛ فإن البطريرك"التنويرى" اتخذ من الإصلاح طريقًا، و"المَحبّة"منهجًا"، فلم يخجل من الاعتراف بأن السُّلطة وحُب الذات كانا السبب الأساسى لانقسام الكنيسة، فاتحًا الباب للحوارات اللاهوتية، والمسكونية مع الكنائس.

وخلال السنوات الثمانى أصدر المجمع المقدس للكنيسة 8 لوائح  مهمة، منها لائحة انتخاب البطريرك، ولائحة اختيار الكاهن، ولائحة انتخاب مجالس الكنائس، ولائحة انتخاب أمناء التربية الكنسية، ولائحة المُرتلين، ولائحة المُكرسين، ودليل الرهبنة القبطية وإدارة الحياة الديرية، وليل الأب الأسقف، ونظم إدارة الإيبارشية.

كما تم الاعتراف بأكثر من 15 ديرًا، وإعادة هيكلة لجان المجمع المقدس إلى 9 لجان رئيسية ينبثق منها 33 لجنة فرعية، واستحداث عدة لجان فرعية، مثل لجنة رعاية الموهوبين ـ تتبع لجنة الرعاية-، ولجنة العلاقات الإسلامية المسيحية ـ تتبع لجنة العلاقات العامة-، ولجنة الاعتراف بالقديسين، تتبع لجنة الطقوس، وتغيير مسمى "لجنة أخوة الرب الأصاغر" إلى "لجنة أخوة الرب الأصاغر والملاجئ".

البابا كيرلس الرابع
البابا كيرلس الرابع

 

 

المنارة المضيئة

وُلد بمدينة دمنهور  باسم "عازر يوسف عطا" سنة 1902، ووالده هو يوسف عطا، المُحب للكنيسة وناسخ كتبها ومُنقحها المُتفانى، وبَعد أن حصل على البكالوريا عمل فى إحدى شركات الملاحة بالإسكندرية عام 1921، وظل يعمل خمس سنوات ويجاهد فى حياة كنسية كاملة، فعاش راهبًا زاهدًا فى بيته وفى عمله دون أن يشعر به أحد، وكان ينام على الأرض، ويكتفى بكسرة صغيرة من الخبز وقليل من المَلح.

حمل كيرلس السادس الذى أصبح بطريركًا على أثر اعتماد لائحة انتخاب البطريرك سنة 1957، وتمت سيامته بطريركًا سنة 1959، ولقّب برجل الصلاة والمعجزات، وذاع صيته وتقواه لدى الكثيرين بمختلف طوائفهم ومِللهم، فكان الكل يسعى إليه للتبرك وطلب صلواته، وقام بطباعة كارت خاص به عليه (بسم الله القوي) باللغتين القبطية والعربية.

البطريرك الذى جلس على سُدة مار مرقس 11 سنة و9 أشهُر و29 يومًا عاصر الرئيس جمال عبدالناصر وجمعتهما علاقة طيبة؛ حيث شارك الأخير فى افتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وقدّم تبرعًا لإنشائها، كما عاصر الرئيس الراحل أنور السادات.

جرى فى عهده تدعيم صلة الكنيسة القبطية بالكنيسة الحبشية، فقد رسّم لإثيوبيا بطريركًا جاثليق سنة 1959، ووضع حجر الأساس لدير مار مينا بمريوط  .

وفى عهده تم ترميم الكاتدرائية المرقسية الكبرى فى القاهرة، والتى كان قد مَرّ على بنائها 100 عام، وكان ذلك حدثًا تاريخيّا مُهمّا.

وفى يونيو 1968 استقبل البابا كيرلس جسد القديس مار مرقس بعد غيبته عن أرض مصر زهاء أحد عشر قرنًا من الزمان، وأودعه فى مزار خاص بُنى خصيصًا تحت مذابح الكاتدرائية العظيمة للقديس مار مرقس التى أنشأها البابا كيرلس السادس وافتتحها فى احتفال عظيم حضره رئيس الجمهورية الرئيس جمال عبدالناصر، والإمبراطور هيلاسلاسى الأول إمبراطور إثيوبيا، ووفود من كنائس العالم كله، وجموع كثيرة من الشعب.

مرض البطريرك الـ 116 قليلًا وفى يوم نياحته استقبل عددًا من أبنائه، وعند خروج آخر واحد وكان كاهنًا- رفع الصليب، وقال "الرب يدبر أموركم"، ودخل قلايته ورحل عن عالمنا ودُفن تحت مذبح الكاتدرائية التى أنشأها.

 

البابا كيرلس السادس
البابا كيرلس السادس

 

 الشاعر والصحفى

أكثر من 100 كتاب أرّخت لسيرة البابا شنودة الثالث بصورة كبيرة، ويوجد سجل تاريخى له كتبه القمص ميخائيل جرجس، كاهن كنيسة الملاك بدمنهور فى "15" جزءًا، ويتجاوز الجزء الواحد منها 300 صفحة من الحجم الكبير، ويبدأ بميلاد البابا ويضم كل ما كتب عنه، وهناك أيضًا "حصاد السنين" الذى صدر فى جزأين والذى جمع فيه القمص ميخائيل المقالات التى كتبها الأساقفة والكهنة عن البابا.

وأصدر البابا نحو 140 كتابًا، منها "كلمة منفعة"، و"انطلاق الروح"، و"خبرات فى الحياة" من جزأين، و"بدع حديثة"، إضافة إلى عدد كبير من الحوارات الصحفية والتليفزيونية التى أجراها عند خروجه من الدير، فضلًا عن هرم من المقالات التى كتبها قبل الرسامة وبعدها.

 البابا الثورى الذى حمل اسم "نظير جيد" أصبح فيما بعد البابا شنودة الثالث، من مواليد قرية سلام التابعة لمحافظة أسيوط، فى أغسطس 1923، وصار بطريركا للكنيسة عام 1971 حتى وفاته فى السابع عشر من مارس 2012.

وقد حصل على ليسانس الآداب من جامعة فؤاد الأول، قسم التاريخ، وفى السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية، وتخرج فيها بعد 3 سنوات من حصوله على الليسانس ليعمل مدرسًا للغة العربية والإنجليزية.

رُسِمَ راهبًا باسم أنطونيوس السريانى فى يوليو 1954، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش فى مغارة تبعد نحو 7 أميال عن مبنى الدير، مكرسًا فيها كل وقته للتأمل والصلاة، ثم قام الأنبا ثاؤفيلس، رئيس دير السريان بإسناد المكتبة الاستعارية والمخطوطات فى دير السريان إلى البابا، وهو راهب.

وفى عام 1959 عمل سكرتيرًا خاصًا للبابا كيرلس السادس، ورُسِمَ أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحى، وعميد الكلية الإكليركية، وذلك فى سبتمبر 1962. 

وعندما توفى البابا كيرلس أجريت انتخابات البابا الجديد فى الأربعاء 13 أكتوبر، ثم جاء حفل تتويج البابا "شنودة" للجلوس على كرسى البابوية فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة فى 14 نوفمبر 1971، وبذلك أصبح البابا رقم (117) فى تاريخ البطاركة.

البابا  الراحل الذى مُنح عضوية نقابة الصحفيين كان يحب الكتابة؛ خصوصًا كتابة القصائد الشعرية، ولقد كان ولعدة سنوات مُحررًا ثم رئيسًا للتحرير فى مجلة مدارس الأحد، وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العُليا فى علم الآثار القديمة، وكان من الأشخاص النشطين فى الكنيسة، وكان خادمًا فى مدارس الأحد.

"نظير جيد" الذى كان ينتمى للحركة الإصلاحية لمدارس الأحد كتب مقالة بعنوان "هدية العيد" فى العدد الأول لمجلة مدارس الأحد الذى يترأس تحريرها، تعليقًا على حرق الإخوان المسلمين للأقباط وهم أحيـــاء، وتعليق أجسادهم فى الخطاطيـف الحديديـــة المدببة، والتنكيل بجثثهم فى شوارع وطرقات مدينة السويس، وفى النهاية ألقوهم فى كنيسة وأشعلوا النار فيها، وكان ذلك فيما عرف بمذبحة الأقباط عام 1952.

علاقة الراحل بالسُّلطة لم تسِر على وتيرة واحدة، فالخلاف بينه وبين الرئيس الراحل أنور السادات كان الأشد، وانتهى بتحديد إقامته عام 1981 فى الدير، ضمن 1531 من الشخصيات العامة التى اعترضت على اتفاقية كامب ديفيد.

وبعد 16 يومًا من قرار تحديد إقامته تم اغتيال السادات فى حادث المنصة، وفى 14 أكتوبر 1981 تقلد الرئيس الأسبق حسنى مبارك مقاليد الحُكم، وتم الإفراج عنه وجميع المعتقلين فى 1985.

وفى جنازة شعبية تمت الصلاة على جثمان البطريرك يوم السبت 17 مارس 2012 عن عمر يناهز 89 عامًا، وتمت صلاة الجنازة على الجثمان يوم الثلاثاء 20 مارس 2012، وسط حضور العديد من ممثلى الكنائس فى العالم ورجال السياسة، ومئات الآلاف من الشعب المسيحيين والمسلمين.

 

البابا شنودة
البابا شنودة

 

 أبو الإصلاح القبطى

وُلد داود توماس بن بشوت بن داود – البابا كيرلس الرابع - بقرية نجع أبو زرقالى بالصوامعة الشرقية بإقليم أخميم، التابعة لمحافظة سوهاج فى عام 1816، والتحق بكُتاب القرية الملحق بالكنيسة، وتعلم الحساب والكتابة باللغتين العربية والقبطية، وعندما كبر قليلًا عمل فى الفلاحة لمساعدة والده، وتعلم الفروسية وركوب الخيل.

فى عام 1838 وعندما كان عمره لا يزيد على 22 عامًا، توجّه إلى دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس "أبو الرهبان" بالبحر الأحمر، وبعدما اختبره رئيس الدير وجد فيه حياة التقوى والأمانة فأوكل إليه الكثير من أعمال الخدمة بالدير، وبعد وفاة رئيس الدير أجمع الرهبان على تعيين القس "داود" رئيسًا له، ولم يمض على رهبنته أكثر من سنتين.

وحرص على رفع المستوى العلمى والثقافى لرهبان الدير، فأنشأ مكتبة وقاعة للاطلاع بعزبة الدير ببوش، وتم انتخابه بطريركًا فى يونيو 1854، واستمر فى منصبه كبطريرك للكنيسة الأرثوذكسية 6 سنوات ونصف، بمقر المرقسية بالأزبكية، ودُفن بكنيسة مار مرقس بالأزبكية، وعاصر فترة الخديو عباس الأول وسعيد باشا، وتوفى عام 1861 عن عمر يناهز 45 عامًا فقط.

واهتم البابا كيرلس الرابع بشئون الأقباط كجزء من النسيج المصرى، كما اهتم بالشئون الكنسية من جهة الرعاية والتعليم والأوقاف والأديرة، وانصرف جهده إلى العمل المسكونى بإيجاد علاقات مَحبة مع الطوائف المسيحية دون تفريط فى عقيدة أو تقليد، واهتم بتعليم البنات فى عصر عز فيه ذلك، كما قام باستيراد ماكينة طباعة، وبنى مدرسة لتعليم الصناعات.

وفى حبريته وقعت أزمة حدودية بين مصر وإثيوبيا لتعيين نقاط الحدود بين الدولتين، أثناء تبعية السودان لمصر فى هذا الوقت، فرأى سعيد باشا أن يوفد الأنبا كيرلس الرابع إلى إثيوبيا للتوسط وحل المشكلة، وبالفعل سافر والتقى الإمبراطور الإثيوبى ثيودورس. 

وبسبب نجاح البطريرك فى حل الأزمة، وشى الإنجليز ضد البابا بأن والى مصر يحشد الجيش المصرى فى الخرطوم للسيطرة على الحبشة؛ ولكن أفرج عنه الإمبراطور بعد تأكده من كذب الأقاويل، وانتهت مهمة البابا بنجاح ونزع فتيل الحرب بين مصر وإثيوبيا، وعاد لمصر مكرمًا من الجميع.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق