الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تحيا المواطنة

بيوت الله على ضفتى القناة

المسجد العباسى تحفة تاريخية شاهدة على حقوق المواطنة
المسجد العباسى تحفة تاريخية شاهدة على حقوق المواطنة

تحيا المجتمعات البشرية الجديدة وتزدهر بتوفير القائمين على بنائها مقومات استمراريتها ونموّها، وتُعد دور العبادة فى مجتمع يحتل الدين مكانة خاصة لأبنائه مثل المجتمع المصرى إحدى مُسرعات النمو والتوطين، ولأهمية إشباع الجانب الروحى وبالتالى سرعة الإنجاز، حرصت الشركة الأجنبية التى قامت بحفر قناة السويس- الشركة العالمية لقناة السويس البحرية- على الاستجابة لرغبة العمالة المصرية الوطنية «مسلمين ومسيحيين» فى بناء دور عبادة، فكان المسجد والكنيسة،، على ضفاف المجرَى الملاحى المهم والحيوى، والذى أنتج ما يُعرف حاليًا بمدن القناة. 



جاء قرار إنشاء أول كنيسة عام 1864، وهى الموجودة حاليًا بشارع عرابى بالإسماعيلية، حى الإفرنج، وتُسمى كنيسة القديس فرانسوا دى سال، التى شهدت بَعد أشهُر قليلة من بنائها فيضانًا ضرب الإسماعيلية عام 1865 راح ضحيته 400 قتيل، بينهم 15 فرنسيّا وإيطاليّا، و10 نمساويين وآخرون من جنسيات أخرى، ودمار شديد بالمبنى الكنسى.

وفى عام 1929 تم توسعة المبنى وأقيم فى عام 1930 أول قداس رسمى حضره عدد من المطارنة، ورؤساء الأساقفة، ورئيس هيئة قناة السويس فى ذلك الوقت. 

وتعد الكنيسة تحفة فنية رائعة، وتقع ضمن أفضل وأشهَر كنائس على مستوى العالم حاليًا، وهى تضم مجموعة من اللوحات الفنية الرائعة وبعض التماثيل، منها تمثال للفرنسى سان فانساه دى بول، وهو طبيب قضى حياته فى علاج الفقراء والمحتاجين فقط، فضلًا عن لوحة مار جرجس"أمير شهداء الأقباط"، ويوجد بها "ركن المعمودية"، فضلًا عن "ركن المغارة" الذى يحاكى الطبيعة التى شهدت ميلاد المسيح.

 

كنيسة القديس فرانسوا دى سال من الداخل
كنيسة القديس فرانسوا دى سال من الداخل

 

واشتهرت الكنيسة، كما أكد الأنبا أندراوس فوزى، راعى مطرانية الأقباط الكاثوليك بمحافظة الإسماعيلية، أنها أثناء حرب أكتوبر المجيدة كانت تقدم المعونات المادية والنفسية للجنود على خط النار، كما كانت دار إيواء لهم فى ذلك الوقت.

وتقدم الكنيسة العديد من الخدمات والأنشطة المجتمعية للأقباط والمسلمين على حد سواء، منها رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة الذين تقدم لهم بشكل دورى خدمات ترفيهية وتعليمية وتربوية مع صرف وجبة غذائية، بالإضافة للخدمات الروحية لرعاياها، كما تقدم خدمة "الكورال" وطرُق الترانيم وإجادتها، فضلًا عن تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، وبالكنيسة صيدلية خيرية تقوم بتجميع الأدوية من المتبرعين وصرفه لمن يستحق. وكما يشير راعى مطرانية الأقباط الكاثوليك، تتعاون الكنيسة مع المساجد ورجال الدين فى الكثير من الأمور، ويذكر هنا الزيارة التى نظمها "بيت العيلة المصرى" للمساجد والكنائس، والتى ضمت 90 قسيسًا وأئمة مساجد خلال جولة تعريفية بالأديان والمساجد والكنائس التاريخية فى المجتمع المصرى الوسطى الفريد من نوعه، وهى الزيارة التى كان لها تأثيرٌ كبيرٌ حسب ما قال الأنبا أندراوس، وأضاف: "زرت لأول مرة فى حياتى المسجد العباسى الأثرى، وأذهلنى ما رأيته من طراز معمارى فريد، ومبنى يروى تاريخ مدن القناة" .

وقد أنشئ المسجد العباسى بمنطقة المحطة الجديدة، التابعة لحى أول محافظة الإسماعيلية، وهو أول مسجد تم إنشاؤه لخدمة إقليم القناة، يطل على قناة السويس، وبناؤه الهندسى على شكل مستطيل بمساحة كلية نحو  450 مترًا مربعًا دون الملحقات.

وتحمل الواجهة الرئيسية للمسجد أثرًا معماريّا يشبه العمارة المملوكية، وبها ترتفع كتلة المدخل عن باقى الواجهة الشرقية، ويعلوها نَص قرآنى بالخط الثلث البارز  باللون الذهبى والأرضية الزرقاء: بسم الله الرحمن الرحيم "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة".

وتتكون فتحة الباب الرئيسية للمسجد من "ضلفتين" 370*83 سم للواحدة، تتكون من عدد من الحشوات الخشبية المزخرفة، وقد تمت إزالة الدهانات الحديثة وإعادة الأخشاب إلى أصلها.

وتقع مئذنة المسجد العباسى فى الركن الشرقى، وتعتبر من أهم المآذن التى شيدها عباس حلمى الثانى، وبحسب المراجع فقد شيّد 14 مئذنة أكبرها ارتفاعًا مئذنة الرفاعى 62.71 مترًا، فى حين يمتلك المسجد العباسى بالإسماعيلية أقصر منارة، ويبلغ ارتفاعها نحو 21.5 متر تقريبًا.

 

أيقونة قبطية داخل كنيسة القديس فرانسوا
أيقونة قبطية داخل كنيسة القديس فرانسوا

 

استخدم الحجر الجيرى فى إنشاء المبنى، لما له من خواص طبيعية أهمها المعالجات الحرارية فضلًا عن الصلابة وشدة التحمل، وكان ديوان عام الأوقاف العمومية يرسل تلك الأحجار لعمارة المساجد، وقد تم تسجيل المسجد أثريّا بقرار رئيس مجلس الوزراء 1199 لسنة 1997 كما أكد فوزى قطب، مدير عام آثار الإسماعيلية، مضيفًا إن آخر عملية ترميم للمبنى تمت فى عام 1997، من خلال تعاون ومساهمة جميع الجهات المعنية بهدف إعادته إلى طابعه الأثرى، وتم الكشف عن جميع عناصره الزخرفية "المشهر والأبلق"، وكذلك جميع الكتابات التى بداخل وخارج المسجد، كما تم ترميم السقف الخشبى .

ولا يقتصر دور المسجد العباسى على أداء الصلوات والشعائر الدينية فحسب، لكنه كان ومنذ افتتاحه بداية إنشاء أول سوق تجارية بمحافظة الإسماعيلية، استغلالًا للأعداد الكبيرة من المصلين والرواد من مختلف المدن المجاورة.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق