أسهمت فى نشر الدعوة وحملت رسل الرب والفارس
الخيلُ فى التـُراثِ الدِّينى
د. إسماعيل حامد
يتحدث التاريخ العربى عن الخيول باعتبارها رمزاً للقوة والبسالة وكذلك الشهامة، وكانوا يفتخرون بها فى نثرهم وشعرهم، ومع ظهور الإسلام برزت مكانة الخيول وذكرت فى القرآن فى خمس آيات.
وكان للخيل مكانةٌ مهمة فى ثنايا المتون اليهودية والمسيحية، سواء فى العهد القديم "التوراة" أو العهد الجديد "الإنجيل".
وفى التراث الإسلامى تتشابه هيئة البُراق أو الدابة التى حملت النبى محمد (ص) فى رحلة الإسراء والمعراج، مع الفرَس الأبيض الوارد كثيرًا فى المصادر المسيحية، والذى يرتبط بالأنبياء والقديسين، فى حين تذكر الأسفار التوراتية - "رؤيا الخيل"، على أنها كانت الوسيلة التى تستخدمها الملائكة ورسل الرب فى ترحالهم وأسفارهم،
كما تبدو "الخيل" فى العديد من الأيقونات المسيحية القديمة، ومن أبرزها أيقونة القديس مار جرجس، أو "سان جورج" فى الكتابات اللاهوتية الغربية.
وفى بواكير الدعوة الإسلامية يستعمل لفظ "رباط الخيل" للدلالة على مؤسَّسة دينية وعسكرية، وكان لدولة "المرابطين" التى قامت فى بلاد المغرب وشمال إفريقيا دورٌ مُهم فى انتشار الإسلام فى غرب إفريقيا.
التُراث العَربى الإِسلامى:
ترمز "الخيلُ" فى المفهوم العربى والإسلامى للقوة، والبسالة، وكذلك تعنى الشهامة، ومن ثم لم يكن مُستغربًا أن يُشتَق لفظ "الفُروسية" على تلك المعانى من الفارس، وكذلك الفرس، أو الخيل. وتذكر معاجمُ اللغة (مُختار الصحاح) أن من مُشتقات لفظ "الخيل": الخَيَال، والخَيَالة، ويُشار بها للطيف، و"الخيلُ" تعنى: الفُرسان الذين يقودون الخيل، و"الخيَّالة": هم أصحاب الخيول. أمّا لفظ "الفَرَس" (وجمعها: أفراس): فهم الخيل للذَّكر أو الأنثى معًا، أمّا "الفارس" (وجمعه: الفوارس): فهو صاحب الفرَس، أمّا "أبوفِراس": فهو "كُنية الأسد".
أيام الجاهلية
برزت مكانةُ "الخيل" بين العرب، وزاد ذكرها فى المرويات العربية، كما وُرد ذكرها فى العديد من "الآيات القرآنية"، وفى "التراث النبوى" الذى يتحدث عن الخيل، وفضلها، وعن استحباب اقتنائها. وقد وُرد ذكر "الخيل" صراحة باللفظ فى القرآن الكريم 5 مرات، هذا غير مرات أُخرى وُرد ذكرها مجازًا، أو بلفظٍ آخر. ومن ذلك، يقول تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (سورة الأنفال-60).
الخيل الجاريات
وفى سورة "العاديات" يقول تعالى: "وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا* فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا"، ويُقصد بالعاديات: الخيل التى يستخدمها المسلمون فى سبيل الله". وقيل فى تفسيرها أيضًا: لقد أقسَم الله بالخيل الجاريات فى سبيله نحو العدوِّ، حين يظهر صوتها من سرعة عَدْوِها (والقسَمُ هنا للتعظيم)، كما تحدث "القرآن الكريم" عن نوع من الخيل باسم "الخيل المُسَوَّمَة"، وأنها من متاع الدنيا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْث. ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران-14). ويُقصد بهذ الآية: حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين، والأموال الكثيرة (من الذهب والفضة)، والخيل الحسان، وسائر الأنعام، والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. تلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها، والله عنده حُسن المرجع والثواب، وهو الجنَّة.
أبو العرب
ومعلومٌ فى "التراث العربى" أن أول من آنس "الخيل" هو إسماعيل عليه السلام، وهو "أبوالعرب"، ولذلك يُطلق على نسله "بنى إسماعيل"، وكذلك "عرب عدنان"، وعن ارتباط الخيل بإسماعيل تذكر الرواياتُ (الواقدى، ت: 207هـ): "إن أول من ركب الخيل إسماعيل بن إبراهيم، وإنما كانت وحشًا لا تُطاق، حتى سُخرت له..". ولعل هذا يعنى أن الخيل قبل زمان إسماعيل عليه السلام لم يكن يستخدمها العربُ، أو حتى غيرهم؛ لأنها لم تكن حيوانًا مُستأنسًا، أى أنها كانت حيوانًا وحشيّا فحسب على غرار الحمار الوحشى، وما شابه.
فضل الخيل فى الأحاديث النبوية
وقد وُردت العديد من الأحاديث عن فضل "الخيل"، ومناقبها، حيث يقول النبى (ص): "الخيلُ معقودٌ فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة". كما قال (ص): "من ارتبط فرسًا فى سبيل الله، كان له مثل أجر الصائم، والباسط يده بالصدقة مادام ينفق على فرسه". وقد اتخذ رسول الله (ص) الخيل، وحث المسلمين على امتلاكها، وأعلم الناس ما لهم من الأجر والغنيمة بسببها، فقد فضّل الفَرَس على أصحابها، فجعل للفرَس سهمين، بينما جعل لصاحب الفرس (المُجاهد) سهمٌ واحد. وقد كانت لدى النبى (ص) خمسةٌ من الخيل، وكانت أسماؤها: "لحاف، ولزاز، والمرتجز (سمى بذلك لجمال صوته، أو حلاوة صهيله)، والسكب، واليعسوب.
بُراق النبى (ص) هل كان فَرَسًا أبيض
تُشير الرواياتُ الإسلامية إلى أوصاف "البُراق"، أو "الدابة" التى حملت النبى (ص) خلال رحلة "الإسراء والمعراج" من مكة إلى "المسجد الأقصى" (فلسطين) فى العام العاشر من البعثة النبوية. وقد عُرف "البُراق" بذلك نظرًا لسرعته الفائقة، والتى لايُمكن أن تبلغها الرؤية العادية فيما يمكن أن نقول، وفى تراثنا العربى يُقال: "سريعٌ كأنه البرق"، ومن هذا اللفظ اشتُق اسم "البراق". وقد وُرد وصف "البُراق" الذى ركبه النبى (ص)، فروى الإمام البُخارى، والإمام مسلم فى الصحيحين عنه، فقَالَ (ص) فى رواية: ( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ، فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ). وعلى هذا فإن البراق: دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ، فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، له لجامٌ..". ومن المعروف أن الأنبياء كانوا يركبون هذا "البُراق"، ويبدو ذلك الأمر لما ارتحل النبى إبراهيم عليه السلام من فلسطين إلى مكة المكرمة ليرى ابنه إسماعيل، وزوجه هاجر؛ حيث تركهما فى هذه الأرض؛ حيث الوادى الذى لا زرع فيه، ولا ماء، بينما كان يعيش (إبراهيم) مع امرأته الأخرى سارة (أم ابنه الثانى إسحق) فى فلسطين. وعلى هذا تتشابه- فيما يبدو- هيئة بُراق الأنبياء مع الفرَس الأبيض الوارد كثيرًا فى المصادر المسيحية والذى يرتبط بالأنبياء والقديسين.
عمارة الرباط
كما ارتبط عند العرب طرازٌ من العمارة الإسلامية المعروفة، وهى التى تُعرف بعمارة "الرباط"، أو "رباط الخيل"، و"الرِّباط" بالكسر يعنى: ما تُشدُ به الخيل، وجمعه: رُبْط، و"الرباط"، أو "المرابطة": تعنى: مُلازمة ثغر العدو. و"الأربطة" هى من أنواع الآثار والعمائر، وهو حصنُ "المرابطين" نسبة لـ"مُرابطة الخيل" للذين ينتظرون قدوم العدو لرده. وعلى هذا فأصل "الرباط" عند العرب ما تُربط فيه الخيل استعدادًا لخروج الجيش ضد الأعداء. وقد استُعمل لفظ "رباط الخيل" فى بواكير الدعوة الإسلامية للدلالة على مؤسسة دينية وعسكرية فى آنٍ واحد. ولعل من أشهر ما ارتبط برباط الخيل والمرابطين اسم دولة قامت فى بلاد المغرب وشمال إفريقيا تحمل اسم: دولة المرابطين، وكان لحكام هذه الدولة دورٌ مهم فى انتشار الإسلام فى غرب إفريقيا.
الكتاب المقدس:
كانت للخيل مكانةٌ مهمة فى ثنايا المتون فى اليهودية والمسيحية، وللخيل رموز عديدة، وراكب الخيل أو الفارس يرمز به للمسيح عليه السلام فى العديد من المتون الدينية. ولهذا وُرد ذكر الخيل كثيرًا فى متون "الكتاب المقدس"Holy Bible : سواءٌ فى "العهد القديم" (أى التوراة)، أم فى "العهد الجديد" (الأناجيل). وتذكر الخيول كثيرًا بصورة تبدو مجازية بشكل أو بآخر فى بعض نبوءات "الكتاب المقدس" إشارةً إلى الإمبراطوريات الأممية القديمة. وكان من أول ما وُرد فيما يخص ذكْر "الخيل" فى أسفار "التوراة" فى المتن الذى يتحدث عن شراء المصريين القمح من النبى يوسف (عليه السلام) لما وقعت المجاعة المعروفة بأرض مصر، والتى دامت 7 سنوات؛ حيث تذكر رواية التوراة أن المصريين حملوا القمح "بالخيل، وبمواشى الغنم.." (سفر التكوين-17:47). كما وُرد فى "التوراة" أنه لما صعد يوسف (عليه السلام) من مصر لأرض فلسطين (كنعان) ليَدفن أباه يعقوب (عليه السلام) بجوار أجداده (إبراهيم وإسحاق عليهما السلام) المدفونين هناك فى الحرم الإبراهيمى بمدينة "الخليل" (حبرون)، فكانت مع يوسف آنذاك المركبات والفرسان (تكوين-9). كما فى وُرد فى "الرواية التوراتية" أن لما سعى فرعون وجيشه خلف بنى إسرائيل عند خروجهم مع موسى من أرض مصر، وكان معهم بحسب سفر الخروج: "جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه.." (خروج-9). كما كان جيش فرعون عند خروج بنى إسرائيل من أرض مصر مُجهزًا بالخيول والمركبات (خروج-9).
النبى داوُد
وتذكر بعضُ الروايات أن النبى داود عليه السلامDavid (والذى عاش إبان القرن 10 ق.م) كان يُحب الخيل حُبّا جمّا، فلم يكن يسمع بفَرَس أو خيل إلا وطلبه، ثم يبُعث إليه، حتى قيل إنه (أى داوُد) جمع ألفًا من أجود أنواع الخيل. ولما مات داوُد، حَكم ابنه سليمان عليه السلامSalomon (970-930 ق.م)، ومن ثم ورث (سليمان) ما كان لأبيه من الخيل، وكذلك إسطبلات الخيل، ولفرط حُبّه للخيل، قال: "ما ورثنى أبى داود مالاً أحَب إلىَّ من هذه الخيل..". وقد وُرد فى بعض الروايات: "إن الله أخرج لسليمان من البحر مائة فرَس لها أجنحة، وكان يقال لتلك الخيل: الخير، فكان سليمان يجريها، ولم يكن شىءٌ أعجب إليه منها".
الكنعانيون
ويبدو من إشارات متون "الكتاب المقدس" أن "الكنعانيين" (وهم أجداد الفلسطينيين القدامى) كانت لديهم الخيول التى كانت تُستخدَم لجر المركبات المصنوعة من الحديد التى لديهم (يشوع-16:17). كما يؤكد "الكتاب المقدس" أن مصر كانت من أشهَر البلاد التى بها الخيول، وكانت بها أجود أنواعها، وصنوفها؛ حيث تذكر رواية "سفر الملوك" أن الحُكام فى أرض فلسطين كانوا يستوردون الخيل من مصر، وقد كان رجال الملك سليمان بن داوود يجلبونها من أسواق مصر، ومن ثم كانوا يبيعونها لملوك الحيثيين (فى تركيا) وحكام أرام (فى بلاد الشام)، وذلك؛ لأن سليمان كان يتحكم فى الطُرُق المُمتدة بمحازاة سواحل البحر المتوسط عبر أراضى فلسطين، وكان ثمن الفرس (أو الخيل) منها نحو 150 شاقلًا (الملوك الأول-28:10).
رُؤيا الخيل فى الكتاب المقدس:
تذكر "الأسفار التوراتية" ما يُقال لها "رؤيا الخيل"، ومنها ما وُرد فى "سفر زكريا"Book of zakria ، وهو من أنبياء بنى إسرائيل، وقد عاش أواخر حقبة القرن الأول ق.م، وهو أبوالنبى يحيى John عليه السلام ابن خالة السيد المسيح. وتُشير هذه الحكاية إلى أن "الخيل" كانت الوسيلة التى تستخدمها الملائكة ورُسُل الرب فى ترحالهم، وأسفارهم. إذ تذكر رواية الكتاب المقدس أنه بعد أن بدأت نبوة النبى (زكريا) بنحو ثلاثة أشهُر، حَلّ شهر شباط (فبراير)، وكانت تفوح خلاله رائحة شجر "الآس" الطيبة. وكان زكريا يقضى اليوم كله فى وادٍ قريب من بيته، وذات يوم سقط زكريا راكعًا تحت ظلال شجرة الآس، وكانت دموعه لا تجف، ثم قال وهو ينادى الرب صارخًا: "يارب إلى متى لا ترحم أورشليم، ومدن يهوذا التى غضبتَ عليها..". وكان زكريا وسط نحيبه يتجه بقلبه نحو هيكل الرب الذى صار خرابًا، ودمارًا، وإلى جموع الشعب الذى جاء منذ نحو 15 عامًا لبناء الهيكل، لكن كل واحدٍ منهم انهمك فى أعماله الخاصة، ومصالحه الدنيوية، ومن ثم أهملوا بناء الهيكل المقدس. وكان زكريا باعتباره كاهنًا للرب يئنُ بشدة اشتياقًا لعودة هيكل الرب بصلواته، وطقوسه الروحية.
العقوبات الإلهية
وبحسب بعض روايات "الكتاب المقدس"، كانت للخيل العديد من الرُّموز الدينية، واللاهوتية ذات الدلالة، فكانت بعض ألوان الخيل ترمز لبعض "العُقوبات الإلهية"، كما كانت لها رموزٌ أُخرى؛ حيث يرمز الفرس الأبيض إلى الفتح (الانتصار)، والفرس الأحمر: يرمز للقتل، بينما الأسود يرمز إلى الجوع، والفرس الأخضر إلى الموت (سفر الرؤيا-إصحاح 6). ورُغم أن الخيل أصبحت من أهم الحيوانات التى يحتاج إليها الإنسان؛ حيث يستخدمها فى الأسفار، والحمل، والجر، ومن ثم أصبحت الخيل وكأنها رفيقًا له. وكانت لحوم الخيل بحسب التوراة تُعتبر مثلها كلحم الحمير مكروهة، وغير طاهرة، ومن ثم فهى من لحوم الحيوانات التى تُحرم "الشريعةُ اليهودية" أكلها (سفر التثنية-6:14).
عودة الماشيح المخلص على فرس أبيض:
وفى التقليد اليهودى التلمودى (ذلك نسبة لكتاب "التلمود" المقدس Talmud لدَى اليهود)، ومن المعروف أن كتاب التلمود يتكون من "تلمود المشناه": وهو تفسير حاخامات اليهود لأسفار التوراة، و"تلمود الجمارا": هو تفسير الحاخامات للمشناه؛ حيث يذكر التقليد التلمود أن "الماشيح المخلص"، أو "المسيح المنتظر" الملقب بابن داوود لأنه يأتى من نسل داوود النبى عليه السلام، وهذا القادم "المُخلِّص" Saviour للشعب - بحسب الفكر اليهودى- سوف يأتى فى آخر الزمان حتى ينقذ اليهود من شتاتهم، وسوف يقيم لهم "مملكة الفردوس" الأرضى، أو "الفردوس الألفى"؛ لأن مُلك اليهود خلالها سوف يدوم مدة ألف سنة بحسب زعمهم، وسوف يأتى هذا المنتظر المقدس إلى اليهود من السماء، وهو يأتى إليهم فى هيئة الفارس العظيم، راكبًا على ظهر "فرسٍ أبيض" ثم يدخل بهذا الفرس صوب "أرض الميعاد" (المزعومة).
الفرس الأبيض فى الإنجيل:
يتحدث الإنجيلُ فى كتاب "رؤيا يوحنا" اللاهوتى عن ذلك الراكب القادم على "الفرس الأبيض"، وهى رؤيةٌ دينيةٌ تحمل الكثير من الرمزية فى الفكر المسيحى، لاسيما حول كل من السيد المسيح والكنيسة، وكذلك عموم المسيحيين، ومما ورد فى تلك الرؤيا: "ثُمَّ رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا، وَصَادِقًا، وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلَا هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ «كَلِمَةَ ٱللهِ». وَٱلْأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِى ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لَابِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا...وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلْأَرْبَابِ..». ويُفسر علماءُ اللاهوت ذلك "الفرس الأبيض" الوارد هنا بأنه يُقصد به "الكنيسة"، أمّا ذلك "الفارس"، أو "الجالس" على هذا "الفرس الأبيض" فهو إشارة إلى السيد المسيح، وهو الذى سوف يقود المؤمنين به حاملاً الإكليل، وكذلك القوس ليقاتل به الشيطان، أو رمز الشر.
فرس القديس مار جرجس (سان جورج):
وتبدو مكانة "الخيل" فى العديد من الأيقونات المسيحية القديمة؛ حيث تبدو الخيول مرتبطة بالقديسين، ولعل من أبرز تلك الأيقونات ما ترتبط بالقديس "مار جرجس"، أو "سان جورج (جيورجيوس فى اليونانية) فى الكتابات اللاهوتية الغربية. وكان "سان جورج" (مار جرجس) فارسًا أيام الإمبراطور الرومانى الباطش "دقلديانوس" الذى حَكم سنة 284م، وكانت أيام دقلديانوس من أكثر الفترات بطشًا بالمسيحيين حتى أطلق على فترة حُكمه "عصر الشهداء"، وكان القديس جورج ممن قُتلوا فى أيامه بسبب عقيدته المسيحية بينما كان الإمبراطور وثنيًا. وتصور الأيقونات المسيحية هذا القديس حيث يبدو فى هيئة الفارس القوى وهو يمتطى خيله ذات المنظر الجميل، وتعلو هذا القديس سمات الشجاعة والهيبة، ومن ثم يقوم "سان جورج" يدوس بقدم خيله على التنين، ثم يقوم بطعن هذا الحيوان الذى يرمز- بحسب اللاهوت المسيحى- إلى الشر، أو الشيطان. ولهذا القديس كنيسة مشهورة فى الحى القبطى بمدينة القاهرة القديمة، وبها الكثير من الأيقونات القديمة التى تصور سان جورج وهو ممتطى خيله ليقتل "التنين" الشرير. ويتم الاحتفال بالعيد الخاص بهذا القديس المسيحى فى يوم 23 نيسان (أبريل) من كل عام.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
الكتاب المقدس.
قاموس الكتاب المقدس، طبعة بيروت.
ابن الكلبى: نسب فحول الخيل فى الجاهلية والإسلام، شركة نوابغ الفكر، القاهرة، 2008م.
الرازى: مختار الصحاح، المطبعة الأميرية بالقاهرة، 1925م.
ابن منظور: لسان العرب، طبعة القاهرة، 2014م.
ه. جب: الموسوعة الإسلامية الميسرة، جـ1، ترجمة: رشدى البراوى، هيئة الكتاب، 2013م.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة