الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مرابط مصر
الخيل المصرى الأصيل منذ «الفراعنة»

الخيل المصرى الأصيل منذ «الفراعنة»

عُرف الحصان فى النصوص المصرية القديمة بمسميات متعددة، من بينها "حتر" و"سسمت" و"نفر" و"جو" و"سخم- قنو"، ومن أشهَر الكلمات فى النصوص القبطية "حتو" ومؤنثها "حترو" التى يقربها البعض من "حنطور" ولكن لا يوجد دليل على ذلك رُغم وجاهة هذا الطرح. 



المشكلة الأولى التى تواجه مَن يقرأ عن الخيل فى مصر القديمة، حالة اليقين لدَى الكثيرين بأن الخيول جاءت إلى مصر مع الهكسوس الذين استقروا شرق الدلتا، بل يكاد البعض يجزم بأنهم حققوا تفوّقًا على المصريين بالخيل التى لم يكن المصريون يعرفونها.

لكن الاكتشافات الأثرية الحديثة تقدم دلالات أخرى حول الحصان واستخدامه فى الحضارة المصرية، بل ربطه ببعض المعبودات المصرية، وقدمت منطقة حصون بوهن التى تقع على الجانب الغربى لنهر النيل، على بُعد 5 كم جنوب وادى حلفا، أقدم هيكل عظمى لحصان من عصر الدولة الوسطى الفرعونية، وهو محفوظ حاليًا بمتحف الخرطوم.  

تل الضبعة:

ورُغْمَ تأكيد البعض بأن هذا الحصان يُعَبّر عن  مرحلة تالية من زمن الحصن؛ فإنه لا يوجد دليل على ذلك؛ خصوصًا أن الحصن لم يُستخدم كثيرًا فى عصر الدولة الحديثة الفرعونية، كما أن منطقة تل الضبعة (محافظة الشرقية - موقع يقترب من عاصمة الهكسوس فى مصر) أخرجت هياكل عظمية تؤرخ بناءً على شواهد أثرية مجاورة لعصر الأسرة الثالثة عشرة، أى قبيل مجئ الهكسوس إلى مصر.

هناك كذلك موقع تل حبوة فى سيناء، بل إن أحمس بن أبانا - أحد المحاربين القدماء فى مصر الفرعونية، ذكر فى مقبرته فى الكاب إلى الشمال من إدفو، أنه كان قائدًا لمجموعة من الخيول "سسمت" لمحاربة الأعداء، ونعلم أن هذا الرجل خدم مع آخر ملوك ضد الهكسوس، واستمر فى عمله حتى عهد الملك تحتمس الأول ثالث ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وتسبق تسمية "حتر" ذلك، التى عرفت مع الملك كامس الذى حارب الهكسوس. 

الكرنك: 

ويشير تحتمس الثالث فى حولياته فى الكرنك، إلى إدخاله 2238 حصانًا، إضافة إلى 924 عَجلة حربية كغنيمة من معركة مجدو، كما أن تحتمس عهد إلى ولده وولى عهده أمنحتب الثانى أن يعتنى بالخيول ويحافظ عليها، ولذا حين فاز ولى العهد الرياضى فى أحد السباقات أهداه الملك الأب اسطبلات الخيول الملكية، وأخيرًا وليس آخرًا كيف يمكننى استخدام حيوان أدخله عدوى إلى بلادى فى هزيمته!   

شرق الدلتا:

وقد اكتشفت اسطبلات خيل من عهد رمسيس الثانى فى شرق الدلتا تكفى لتدريب 300 جندى، والجميل أنها كانت مجاورة لمقر الملك نفسه، ونجد أن لتلك الاسطبلات أبوابًا، وعتبًا، وقوائم حجرية تشبه إلى حد كبير اسطبلات الخيل الحديثة المعروفة الآن.

ولعبت الخيول أدوارًا رائعة إلى جانب دورها الحربي، ويشير ديودور الصقلى إلى مسار يُعرف بطريق أو مسار الخيول كان يستخدمه سعاة البريد بين "منف" و"طيبة"، وربما كان يستخدمه كشافة على ظهور الخيل، ويؤكد هذا ما تم كشفه من نصوص ومخربشات لخيول.

تل الفراعين

واستُخدمت الخيول كذلك بشكل كبير كطعام، وعثر فى بوتو (تل الفراعين - كفر الشيخ) على بقايا عظام خيول كانت تُستخدم كطعام وقرابين، بجانب حيوانات وطيور أخرى.

وقد لعب الحصان كذلك دورًا دينيّا كبيرًا فى الحضارة المصرية، وشهدت حضارات كبيرة الأهمية الدينية للحصان، ومن بداية الملاحظات نجد أن مدافن الخيول كانت مجاورة للمدافن الآدمية، وهو ما يفسره البعض بأن الخيول كانت لفرسان مقابرهم مجاورة، ومن بين أهم الإشارات للخيول كان ما عثر عليه بمقبرة "سنموت"، وزير ومهندس وأقرب شخص للملكة حتشبسوت، كما عثر على صندوق خشبى يحتوى على حيوان ملفوف بشرائط اكتشف بعد فكها أن ظهرها يحمل وسادة وسرجًا، فهل كان هذا الحصان لـ"سنموت" أمْ لملكته العظيمة؟!

الدور الدينى:

وإلى جانب حصان "سنموت" هناك مدافن كثيرة عُثر عليها وكلها تتبع نفس اتجاه الدفنة الآدمية، ناحية الشرق، كأن الحصان سيشرق مع المتوفَّى فى العالم الآخر، ولذا كان الحصان له دور دينى يرتبط بالدور العسكرى والتجارى، وارتبط أيضًا بالمعبود "جحوتي" الذى ذُكر لقب له على عتب مقبرة "باسر" من عهد رمسيس الثاني، ويُذكر أنه سيد الخيول، فهل كان لهذا ارتباط بدور "جحوتي"  فى التجارة، ويشير سفر الملوك الأول أن سليمان كان يجلب الخيول من تجار بين مصر وسوريا.

وهناك كذلك مناظر تمثل المعبودة "عشتارت" على هيئة أنثى أسد تجر عربة،  ما يعنى ارتباط بين أنثى الأسد والخيول.

وارتبط الخيل أيضًا بالمعبودة "رعت تاوى" زوجة المعبود "مونتو" رب الحرب فى الطود جنوب الأقصر، وكانت تُعرف  بأنها شجاعة فى القتال من أعلى ظهور الخيل، أمّا المعبودة "حتحور" فكانت تُلقب بأنها التى تأمر الخيل.

وظهر ارتباط الحصان بالصقر "حورس" الذى كان يُجسّد الملك فى نصوص ومناظر كثيرة،  ففى النصوص نجد أنه "الاحتفال بانتصار "حورس" وركوبه على ظهر عدوّه يوم قيادته للخيول المحاربة". 

حورس:

فى إحدى الإشارات فإن "حورس" يستعرض الخيول المظفرة، وحين استشار "أوزيريس" "حورس" عن حروبه - حسب رواية بلوتارخ-  قال له إن الحصان هو الأكثر فائدة؛ لأنه يقهر الأعداء سريعًا، وهو ما يُعرف فى المصادر المصرية باسم "حورباشد".

 وفى أوستراكا يونانية من أدفو يقول "حورس": مع القوة يا ملك، مع القوة يا صقر، اغجعل خيولك ترفع المشاعل للانتصار. كما كان بعض كهنة "إيزيس" يضعون شكل مُهر صغير تعبيرًا عن "حورس".

 أيوربيديس

ويشير "أيوربيديس" كذلك إلى أن الصقر المتوّج والحصان يمثلان رسولَى النصر، كما تشير النصوص السحرية إلى "حورس" الذى يمتطى حصانًا أبيضَ نهارًا، وأسودَ ليلًا، فهل كان لهذا  دلالة سحرية، أمْ تعبيرًا عن تعاقب الليل والنهار؟

وارتبطت الخيول كذلك بالخصوبة، ففى نص من مدينة بوتو ينادى المتوفي: تعال إلى الحقل عندما تتحول النباتات إلى اللون الأخضر، إنه عيد "مين" الذى يخرج إلى مذبحه، يسحب معه ذكور الخيل المزينة بشريط أحمر، وقلادات من يراهم يشفى إن كان عليلًا، ويتعافَى من كان يائسًا من حياته.

ولا يمكن أن ننهى الحديث عن الخيول دون الإشارة إلى أهمية كبرى فى السباقات الرياضية فى "الهيبودراموس" بالإسكندرية، وكشف بمقبرة كوم الشقافة عن هياكل خيول كانت تشارك فى السباقات الرياضية، وبعد موتها كانت تنقل إلى صالة مخصصة لها فى المقبرة لتدفن، تكريمًا وإعزازًا لدورها.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق