الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مرابط مصر

توارثت الأجيال قيمتها الفنية فى مختلف مجالات الإبداع

الخيول ملهمة المبدعــــــــــــــين التشكيليين والنحاتين

الفنان سيد سعد الدين
الفنان سيد سعد الدين

نقل الفنانون التشكيليون عبر إبداعتهم العلاقة الخاصة للمصريين على  مر العصور بالخيل وقد دون القدماء على الجدران دور الخيل فى المعارك التاريخية ، و امتد ذلك فى عصور تالية للسير الشعبية مرورًا بمراحل عشق الخيول التى ظهرت فى الزخارف الإسلامية.



 

وقدمت فنون ضمن ما يُعرَف بـ "أدب الخيول" الذى اعتمد على سرد وحكى الأساطير والمَلاحم البطولية والشجاعة، مثل السيرة الهلالية، وألف ليلة وليلة، كما برزت الخيول فى الغناء، ورقصت على أنغان المزمار البلدى والطبول الشعبية.

 

استمر وجود الخيول تعبيرًا عن البطولات فى الفن القبطى، القديس "مار جرجس" أو "أمير الشهداء" الذى استحوذت قصته ومَشهد انتصاره على "التنين" من فوق حصانه على اهتمام الرسامين والفنانين بداية من عصر النهضة، وصولاً للعصر الحديث، ومَهما تغيرت أساليب التعبير الفنى واختلفت إلّا أن القصة واحدة.

وتوارثت الأجيال قيمة الخيول؛ لتصبح مَصدرًا لإلهام للفنانين فى مختلف مجالات الإبداع، فى الرواية، والتشكيل، والشعر، إلّا أن لكل مجال فنى طرحه ورؤاه الإبداعية المغايرة بحسب أدواته وآلياته.

فى السطور التالية نرصد بعض نماذج لفنانين تشكيليين ونحاتين، ورؤيتهم الفنية للخيول فى مختلف الاتجاهات ومدارس الفن التشكيلى، الواقعية والرومانسية والتعبيرية، وغيرها .

 

الفنان علاء عوض
الفنان علاء عوض

 

سيرًا على خُطى الأصالة   

الفنان التشكيلى د.علاء عوض، أحد فنانى الأقصر الذين تأثروا بجداريات المعابد الفرعونية، وعبَّر فى لوحاته التصويرية عن مشهد لأبناء الجنوب وبرفقتهم الأحصنة كمفردة أساسية وموروث ثقافى أصيل، وقدّمهم فى موكب احتفالى بمعالجة فنية معاصرة، معتمدًا على المبالغات فى شكل الأحصنة بمنحها استطالة فى الأقدام تعبيرًا عن الكبرياء والقوة والشموخ والعَظَمة، ومحافظًا بذلك على أصالة المضمون.

 

الفنان آدم حنين
الفنان آدم حنين

 

صباح الخيل 

هذا العنوان "صباح الخَيل" عبارة عن تحية صباحية متعارف عليها بين الفرسان قبل السباق، وهو عنوان معرض فنّى جديد للفنانة التشكيلية لينا أمين، التى هى فارس تمارس رياضة الفروسية وركوب الخيل، ونادرًا ما نجد من يجمع بين الفروسية كرياضة وبين تناولها تشكيليّا.

ترجمت الفنانة باللون والتكوينات الحالات التى تمُرّ بها الخيول أثناء السباق، وأثناء انفرادها بنفسها، وأتقنت التعبير عنها بأسلوب فنى واقعى تسجيلى أظهرت من خلاله جماليات حركة الجسد، وقوة العضلات، وبالأخص فى الحصان الأبيض الحالم الذى منحته لمحة رومانسية كونه حصانًا ساحرًا، كما أجادت الفنانة اقتناص حالات الجموح والهدوء والانفعال والقوة والسرعة والصراع، وتمكنت من التعبير عن بعض الحالات النفسية للخيول، مثل الحزن والفرح والإرهاق والشموخ، مؤكدة على معنى أن "الخيول تحزن ولا تبوح، وتتألم ولا تنكسر".

 

تمثال إبراهيم باشا  للفنان الفرنسى كوردييه
تمثال إبراهيم باشا للفنان الفرنسى كوردييه

 

كل واحد منا يركب حصان خياله

منح التشكيليون الخيول فى لوحاتهم صفات وسمات رومانسية ودرامية تأثرًا ببعض أبيات الشعر  فى لوحات الفنان القدير الراحل جميل شفيق، الذى كان الصديق المقرَّب لشاعر العامية الكبير الراحل سيد حجاب، ومن غنوته الشهيرة "يالا بينا تعالوا نسيب اليوم بحاله.. وكل واحد فينا يركب حصانَ خياله" استلهم جميل شفيق فى بعض لوحاته حركة الحصان برفقته المرأة، فى تكوينات حالمة سريالية ورمانسية. 

ويتطلب هذا الخيال أن يبتعد الفنان عن المحاكاة المباشرة لشكل الخيول الواقعى، مضيفًا عنصر "المرأة" لارتباطها بوصف ومع مرور الزمن أصبحت أغلب لوحات الفنانين تجمع بين المفردتين التشكيليتين "الأنثى والحصان" ووضعوها ضمن مَشاهد فنية وتكوينات لتكريس مفهوم "الأنسنة" ذات الدلالة الرمزية والتعبيرية. 

وبالمضمون نفسه جاءت لوحات الفنان د. حازم فتح الله، التى نفذها بالحفر والطباعة، وبالخط والتبسيط البليغ بالأبيض والأسود. 

وفى السياق الخيالى ذاته؛ تأتى أعمال الفنان الكبير سيد سعد الدين، فهو أيضًا يملك حصانَ خياله، وفى لوحته نجد حصانًا سابحًا فى فضاء وسماء أعلى اللوحة، حاملًا على ظهره امراة كأنهما مغادران إلى مكان ما، أو عائدان فى أجواء حالمة تشاركهما الرحلة طيورٌ تحلق حولهما مثل الحراس الملائكية، ونفذها الفنان بمجموعة لونية هادئة وساحرة.

لماذا تركت الحصان وحيدًا؟

ومن وصف الشاعر محمود درويش فى قصيدة "لماذا تركت الحصان وحيدًا؟"، التى ترصد حوارًا بين أب وابنه أثناء سفرهما إلى مكان ما ..

- أبى لماذا تركت الحصان وحيدًا؟…

- لكى يؤنس البيت، يا ولدى، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها ..

ظهرت تلك الأبيات فى لوحة "الحصان وحيدًا" أيضًا للفنان جميل شفيق، مقسّمة إلى أربعة تشكيلات، فى كل لقطة حركة للحصان وكأنه فعلًا فى حيرة يؤنس البيت حتى لا يموت بغياب سكانه.

 

الفنان جلال جمعة
الفنان جلال جمعة

 

رسائل على ظهر الخيول 

على جانب أخر كتب الفنان التشكيلى الكبير الراحل حامد ندا، على ظهر الحصان "المنتصر" فى لوحته عن حرب أكتوبر، معبرًا عن رمز تراثى أصيل عاد منتصرًا، ومنح الفنان التشكيلى ياسين حراز الخيول قيمتها كما ورد فى بعض نصوص الآيات القرآنية، وكتب على ظهرها كتابات بالحروف العربية المتشابكة والمتداخلة والمتوافقة إبداعيّا، محافظًا على شكل الخيول وحركتها ورشاقة جسَدها بمجموعة لونية غلبها اللون الأبيض. 

منحوتات الخيل 

فى ميادين القاهرة ظلت الخيول تعبيرًا عن البطولة والقوة، وإن أرادوا تكريم وتعظيم الشخصيات فلا بُدّ من وجودها فى مَشهد بطولى، ومنحت الشخصيات صفة "فارس وجواده" حتى إن كان ليس لها علاقة بالفروسية، فهذا مجرد رمز ودلالة للشجاعة، على سبيل المثال وليس حصرًا فى تمثال “إبراهيم باشا” الموجود بميدان الأوبرا، الذى نفّذه النحات الفرنسى "كوردييه" بتكليف من الخديو إسماعيل.

وأكمل نحاتو مصر عشقَهم للخيول وإدركهم لقيمتها التعبيرية والجمالية بأساليب نحتية متنوعة، مثلما تعددت الخامات من جرانيت وبرونز وأسلاك وحديد الخردة.

الفنان النحات آدم حنين جسَّد الحصان بشكل فنى منحوت تجريدى مبسط مختزل بعض التفاصيل، مُهتمّا بالقيمة التعبيرية، ونفّذ تكوين "ثلاثة أحصنة وفارس"، بها تظهر الأحصنة واقفة تنظر إلى فارسها فى حالة تحاوُر تحس بصريّا رغم سكون وهدوء الكتلة النحتية، وأيضًا منحوتة أخرى يظهر بها حصان والفارس استكمالاً للعمل السابق، ومن صفات منحوتات النحات آدم حنين اقتناص لحظة تفاعلية بين الخيل والفارس، وتجسّد أثرها الباقى فى المنحوتة.

 أمّا الفنان النحات السيد عبده سليم، فذهب إلى الخيال ونفذ منحوتة "الحصان المجنح" مستلهمًا القصص الأسطورية عن حصان له أجنحة يرتفع بين الأرض والسماء فى شكل وفكر خيالى، مَن يُصَدق أن الحصان يطير وله أجنحة!، وذكر الحصان المجنح فى العديد من الأساطير، حصان أسطورى عند الإغريق، والخيول المجنحة لسيدنا سليمان، وأيضًا نجدة منتشرًا فى قصص وروايات لكتب الأطفال.

 

الفنان جميل شفيق
الفنان جميل شفيق

 

الحصان الحديد

ومن الصياغات الفنية المعتمدة على حديد الخردة والنفايات منذ بداية ستينيات القرن العشرين على أيدى فنانين كُثر، منهم الفنان الكبير صلاح عبدالكريم، نفذ أشهَر حصان فى النحت المصرى المعاصر، وهو مكوّن من قطع خردة مهملة استطاع الفنان إعادة صياغتها وخرجت من صفتها الصلبة إلى صفة الليونة معبرة عن حركة الحصان ورشاقته.

كما نفذ الفنان النحات حسام حسين، مجموعة من الخيول ورؤوس الأحصنة بخامات الحديد والخردة، وهو ليس بالأمر السهل؛ وإنما يستلزم تطويع الخامة الصلبة والخروج بحلول مختلفة فى التعامل مع الأجزاء المعدنية المهملة، ولهذا جاءت إبداعاتهما مختلفة ومتفردة.

على جانب آخر تظهر منحونات النحات جلال جمعة، وهى عبارة عن تشكيل للأحصنة والخيول باستخدام الأسلاك البسيطة، إلّا أنه اختزل الخيول فى شكل الحركة، واستغنى عن بعض التفاصيل، محافظًا على القيمة الجمالية. 

 

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق