تربية الخيول العربية فى مصر
د. عبدالعليم عشوب
ابتدأت عناية أمراء مصر بتربية الخيول العربية الأصيلة حوالي القرن الثالث عشر الميلادي، وكانوا يهتمون باختيارها لما امتازت به من جمال المنظر وسرعة العدو وقوة الحتمال وخاصة في عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون إذ كان يقتني مجاميع عظيمة من أحسن الخيول النجدية الثابتة الانساب تجلب إليه من نجد والأحساء والعراق والقطيف والبحرين، وكان يدفع فيه أثمانا باهظة حتي أنه اشتري أحد الخيول بأربعة آلاف جنيه (1).
وبني لها اسطبلات واسعة منها ما يسمي ميدان المهاري (2) وميدان سرياقوس وثلاثة اسطبلات وميادين أخري .
وكان يقوم علي خدمة الخيل وتعليمها صفوة من فرسان البدو، ويقوم هو علي ملاحظتها وتوليدها بنفسه ويدون أنسابها في سجلات خاصة ويعقد حلبات السباق بين خيوله وخيول الأمراء سنويا، واستمرت الحال علي ذلك فترة من الزمان ثم أخذ الاهتمام بشئون الخيل يقل رويدا حتي كادت تنقرض من البلاد لولا أن تداركها السلطان برقوق (3) حوالي سنة 1400م فنهج منهج الناصر في تربية الخيول واقتني سبعة آلاف رأس منها وخمسة عشر ألف هجين، واستمرت هذه العناية ترتفع وتنخفض تبعا لاختلاف رغبات ولاة الأمور في تربية الخيول إلي أن جاء مصلح مصر الكبير ومجدد نهتضها محمد علي باشا الكبير، فاقتني مجموعة فاخرة من الخيول النهجدية، وحذا حذوه نجله إبراهيم باشا والأمير طوسون الذي أهدي إليه الأمير عبدالله بن سعود في سنة 1815 م مجموعة من الخيول الجميلة كتقدمة للصلح، إلا أن تلك المجاميع لسوء حظ مصر قاست ضروبا شتي من الإهمال (4) والحرمان والأمراض بل والعطش سنين متوالية الأفراس الصقلاويات الجدرانيات تقريبا باثمان باهظة – وقد أنفق نحو مليون جنيه (1) علي بناء اسطبلات الدار البيضاء في الصحراء في طريق السويس علي بعد اثني عشر ميلا من القاهرة لتربية الخيول واقتناء النوق لإعطاء ألبانها للأمهار . ولا تزال بقايا هذه الدار موجودة إلي الآن .
وكانت أحب رياضة لدي عباس باشا أن يمتطي هجينا ويذهب به إلي اسطبل جبل الخيل في الصحراء لمشاهدتها ثم يعود مسرورا . وكان يفاخر الأوروبيين بها ويقول لهم (لا تظنوا أن الخيول المولودة عندكم هي خيول عربية لأن الحصان العربي لا يحفظ جميع أوصافه ومييزاته التي اتصف بها إلا إذا كان يشم هواء الصحراء)
وعندما توفي عباس باشا الأول في سنة 1859(2) ورث هذه القنية الثمينة ولده الهامي باشا، إلا أن شرذمة من النفعيين استحوذوا عليه فانصرف عنها . وفي سنة 1861 باع نحو المائتي رأس من صفوة الخيل بأبخس الأثمان ذهبت كلها إلي الخارج بل إن بعضهم لم يدفع ثمنا قطيعا . ولكن لحسن الحظ (3) ابتاع أكثرها علي باشا شريف ورباها تربية حسنة وأسس له اسطبلات بقصره في الشارع الذي يعرف الآن بالهدارة الموصل إلي شارع عبدالعزيز بالقاهرة حتي صار عنده نحو أربعمائة راس ولكن الأمراض وبخاصة (الطاعون) اجتاحتها مرتين ولم يبق منها إلا العدد اليسير، وتسرب إليها الوهن بما تعرضت له من التناسل الحوبي (تناسل الأقارب الأقربين).
وفي سنة 1879 استحوذت اللادي بلانت علي مجموعة من أحسن خيول علي باشا شريف .
ولما توفي علي باشا شريف في سنة 1897 بيع باقي الخيول أو علي الأصح هياكل الخيول بالمزاد العلني فاشتري صفوتها آل بلانت وأرسلوا أحسن ما اشتروا إلي انجلترا وربوا الباقي (باسطبلات الشيخ عبيد) بعين شمس بمصر حتي وفاة اللادي بلانت سنة 1817.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة