الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة بطل من «الفرما» القبوطى للأجانب: نرفض وجود «الفرنسيس» على أرضنا

المصريون حفروا القناة بدمائهم قبل سواعدهم
المصريون حفروا القناة بدمائهم قبل سواعدهم

"القبوطى"، هو ذلك الرجُل البسيط الذى رفض أن تدنس أقدامُ الفرنسيس أراضى الفرما لحفر القناة حتى قاده هذا الرفضُ هو وزملاءَه إلى  السجن.



تُعَد رواية «أيام القبوطى» للروائية سهام بيومى من أهم الروايات التى صوّرت حفر قناة السويس، والتضحيات التى بذلها العمال المصريون فى شق القناة، فقد بذلوا أرواحَهم الغالية تحت ظروف غاية فى  الصعوبة والمعاناة. وقد دارت أحداث الرواية فى الفرما بدمياط؛ حيث كانت تشهد هذه المنطقة حركة السّفن من ميناء دمياط حاملة البَشر من كل صوب؛ مغاربة وشوام وأروام، يأتون للتجارة، كما كانت «الفرما» مكان تجمُّع الحجيج؛ حيث يذهبون منها إلى السويس، ويُكملون رحلتهم إلى الحج. 

 

تشكل الرواية  أساطير المكان، فتجريها من خلال حكايات الصيادين الذين عشقوا «الفرما»، ورأوا تحت مياهها الممالك العامرة، هناك مملكة «التنيس» التى كانت من أجمل ممالك الأرض بوفرة خيراتها وحقولها الخضراء وأشجارها المثمرة، ومعمار بيوتها ذات الطوابق المتعددة، وقلعتها الشهيرة. 

ومن خلال هذا المناخ الأسطورى يعشق أهل «الفرما» قريتهم، ويكون السيد القبوطى هو الحافظ للتراث الشعبى للمدينة، والذاكرة الأمينة على حفظ حكاياتها، هو العاشق والحافظ، والذاكر والمُذكر بجَمالها وسحرها وعشقها، أمّا «الفرما» فى عصرها الحديث فقد كان أهلها يصنعون كسوة الكعبة، ويرسلونها إلى المحروسة؛ حيث يطوفون بها فى الشوارع فى احتفال كبير قبل موسم الحج؛ حيث تُرسَل مع موكب الوالى إلى الحج أو من ينوب عنه. 

وترصد الرواية لحظة بلحظة بدايات حفر القناة ودور الأهالى فى ذلك، وما دار بينهم من حوارات وصراعات، فقد خافوا أن تشتعل الحربُ بينهم وبين الفرنساوية مثل أيام نابليون بونابرت، ويظهر وعى الأهالى وانتماؤهم للأرض؛ للفرما من خلال التفافهم حول السيد القبوطى  الذى أخبرهم أن  حفر البحر فى الفرما لتوصيله ببحر السويس سيتم بمباركة الوالى سعيد باشا، فأعرب الشيخ صديق العريف عن قلقه «يعنى يريدون الفرما للفرنسيين ليفعلوا بها ما يشاءون؟!، قال همام «يعنى السُخرَة وراءنا وراءنا، يسوقوننا لحفر البحر ونتحول إلى أنفار، وكل ما بنيناه فى «الفرما» يضيع. وتصوِّر الرواية عشق أهل «الفرما» لها، وإيجابيتهم فقد أصرّوا على الذهاب إلى المديرية ليعرفوا حقيقة ما يحدث من أولى الأمر، وما سيكون عليه الحال. 

 

غلاف الرواية
غلاف الرواية

 

الصيادون البسطاءُ يخافون أن تغرق «الفرما» مثلما غرقت «التنيس» فردوس مَحبتهم، ومملكتهم الساحرة.

يتوافد القبوطى وأبناؤه والناس فى ساحة المناخ؛ حيث كانوا ينوخون الإبل حاملة أمتعة الحجاج، وعندما رأوا بعض الرجال الأجانب سألوهم من أنتم؟، وماذا تريدون؟ 

فقيل له إنهم ضيوف أفندينا وقد أرسلهم هنا للفرما، كيف تجرؤون على سؤالهم هكذا؟!، فيحتد القبوطى ثائرًا: «قولوا لأفندينا أننا نرفض وجود الغرباء على أرض «الفرما».

فقال له أحدهم: «كيف تجرؤ يا صياد على مخاطبة مبعوثى أفندينا، ومن تظن نفسَك حتى تقبل أو لا تقبل؟!».

فواجهه القبوطى «لن يدع أهل الفرما غريبًا يستولى على أرضهم، نحن نعرف ما تريدون من حفر بحر الفرما دون أن يفكر أحد فى مصير أهلها».

وهكذا عرف الغرباءُ والأجانبُ أن للفرما أهلا يحرسونها وأنها ليست صيدًا سهلا. 

سارع الرجال بإحضار العصىّ والاتجاه نحو شاطئ البحيرة، وطالبوا  الرجال الأغراب بأن يرحلوا، فقال مقاولو الأنفار أنهم جاءوا بعلم المسئولين وأولى الأمر، فكادوا يشتكبون معهم. وتمضى أحداث الرواية، التى استخدمت تقنية التوثيق  والمعلوماتية فى التأريخ،  اللحظات الأولى من بدء الحفر، وترصد موقف الخديو وتعليماته المشددة التى صدرت لمديرى المديريات بأن يضربوا  كل من يعترض على الحفر، وسجن من يتمرد. 

تعرّض السيد القبوطى، والفرماوى للحبس حتى لا يتعرضا لرجال الحفر الذين تستخدمهم «الكومبانية».

 

الوالى سعيد باشا
الوالى سعيد باشا

 

وعندما تم الإعلان عن بدء أعمال الحفر، ورجال «الفرما» محبوسون، قالت أمينة، زوجة القبوطى، للنساء: "إذا لم يتم الإفراج عن الرجال فسوف نذهب ونحوله إلى مأتم"،  رُغْمَ ما لم يعرفه أهل «الفرما» عن الحفل الذى حضره المساهمون فى «الكوبانية»، وعن الخطبة التى ألقاها ديليسبس مشيدًا فيها بالشركة وما ينتظر المساهمون، فإن الأهالى بل ونساء «الفارما» قد تعرّضوا لرجال  البوليس، وتعقب الخفرُ النساءَ بالكرابيج وهن يجرين فى كل اتجاه، وتم إحضار السيد القبوطى مكبل اليدين على جسده آثار السياط لكنه صاح ثائرًا فى العمدة «أفندينا يحمى الأغراب الفرنسيين، ويهين أهل البلد»...فيرد العمدة «أحرجتم أفندينا». 

 فيواجهه القبوطى: «وهل يرضيك أن يستولى هؤلاء الأغراب على «الفرما»، إنهم لا تهمهم مصالح العباد».

 فيقول العمدة: «هؤلاء الفرنسيون لم يأتوا ليحتلوا «الفرما»، ولم يُحضروا معهم المدافع ولا البارود؛ وإنما لإنشاء ميناء فى الفرما يكون أحسن من ميناء دمياط نفسها، والسيد  ديليسبس صديق أفندينا وهو رجل متمدين استعان به أفندينا من أجل نقل المدنية لبَر مصر كلهم، وقد تعهّد بأن يعطى للعمال أجورهم».

ويحتدم الحوار بين القبوطى والعمدة؛ حيث يُعَد الحوار إحدى تقنيات  الرواية المهمة التى كشفت عما تضطرم به مشاعر أبطالها، ودفاعهم عن استقلال «الفرما» وخوفهم عليها. 

فى خضم كل هذه الأحداث تم الانتهاء من أعمال حفر الترعة البحرية من بحر الفرما حتى رأس الجسر، وأقيم احتفال كبير حضره الوالى سعيد، وأطلق اسمه على «الفارما» فصارت «بورسعيد». 

 أمّا جثث العمال الذين عانوا من الأوبئة فى ساحة  الحَفر فقد حملها العائدون إلى القرى والمدن فى كل أنحاء مصر، ووضعوا الموتى فى حُفر عميقة فى الرمال، وغطوها بالجير الحى، كان الموتى بالمئات. 

لقد صوّرت الرواية تضحيات العمال المصريين الغالية، فقد جادوا بأرواحهم، وتعرّضوا لعذابات عديدة، لكن جهاد القبوطى حافظ ذاكرة المكان، الأمين على تراث الأرض، و«الفارما» سيظل هاديًا لأبنائه ولأحفاده أولئك الذين يصطحبهم كل مساء إلى مملكة «التنيس»، وتؤكد زوجته للأهالى أنه لم يغادر «الفارما»  وأنه لا بُدَّ آتٍ.

وهنا يتحول «القبوطى» إلى رمز للكفاح، والدفاع عن حقوق العمال، ويظل باحثا عن العدالة، فهو «أبا القبوطى» كما يسميه الشباب، وهو رمز للتمسك بالهوية والمسئولية عن الأرض وحمايتها، أمّا ابنته «زاهية» فهى أميرة  «التنيس» التى حققت أحلامها بالحب والشعور بالأمان بعد ما تعرضت له من أخطار.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق