الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الحزام والطريق» ينطلق من هنا

«الحزام والطريق» ينطلق من هنا

فى سياق الصعود الصينى العالمى كانت القناة هى أبرز الطرُق التى حرصت الصين على الاستفادة منها فى سعيها المحموم لمَد سُلطانها الاقتصادى على قارتى آسيا وإفريقيا.



تزامنت عملية تطوير القناة الأخيرة مع أبرز المبادرات الدولية المتعلقة بالتجارة والتنمية، وهى المبادرة الصينية التى أطلقها الرئيس الصينى  "شى جين بينج" 2013م؛ استخدامًا للطريق التجارى القديم "طريق الحرير"، ولتغطى المبادرة الجديدة، منطقة أوراسيا بأكملها، والشرق الأوسط والأدنى، وشمال إفريقيا وشرق إفريقيا، وبعبارة أخرى تغطى نحو 65 دولة من دول العالم فى رباط تجارى وتنموى مع الصين الدولة العظمى الصاعدة، أو القوة العظمَى رقم 2 حاليًا فى العالم، وهذه المجموعة من الدول تمثل نحو 60 % من تعداد سكان العالم، وأكثر من 70 %من الناتج العالمى. وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول مغزى المبادرة من المنظور الصينى وهل هى "عولمة صينية"  أو "مناطق نفوذ اقتصادى وتجارى صينى" كما يرى البعض؟! فإن المشروع الصينى يسعى بكل تأكيد فى حالة نجاحه إلى جعل القرن الواحد والعشرين "قرنًا صينيّا" ويُدخل الصين فى منافسة عالمية مع القوة الأمريكية، التى بدأت تهتز وتخرج من المجال الآسيوى؛ حيث انسحبت واشنطن من الشراكة عبر المحيط الهادى (TPP)، من مناطق أخرى مما حفّز الصين للمُضى قدُمًا فى هذا المشروع الصينى العالمى، الذى يضم- كما سبقت الإشارة-  الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق إفريقيا (من جيبوتى وإثيوبيا إلى مصر والجزائر والمغرب)، وثمّة تفاوُض بين الصين وإيران فى هذا الإطار.  

وتدخل قناة السويس فى صلب هذا المشروع، ولعل تصريحات رئيس الوزراء د. "مصطفى مدبولى" الذى أكد أن مصر ستشهد استثمارات صينية كبيرة فى إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلديْن، بما فيها مشروع الحزام والطريق، وفى سياق الاهتمام الصينى بإفريقيا بوجه عام، ولعل محور القناة قد شهد إقامة مناطق صناعية واستثمارية صينية فى "المنطقة الاقتصادية بقناة السويس"، وفى إطار المنطقة الصينية - المصرية للتعاون الاقتصادى والتجارى (تيدا)، بل إن الصين- كما قال الدكتور مصطفى مدبولى مستعدة لتقديم خبراتها التنموية  للمساهمة فى كل الأنشطة التى تحقق "رؤية مصر 2030".

كما قال وزير الخارجية الصينى إن بلاده مستعدة لضخ المزيد من الاستثمارات فى مصر، وإن التبادل التجارى بين البلدين قفز لأول مرّة إلى أكثر من 10 مليارات دولار أمريكى عام 2013م (أى منذ بداية إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وإن حجم التبادل وصل عام 2018م إلى 13,8 مليار دولار، وإنه فى إطار مبادرة الحزام والطريق حقق البلدان- أى مصر والصين- مواءمة فعالة للاستراتيجيات التنموية، وإن الشركات الصينية استثمرت أكثر من 7 مليارات دولار فى مصر وسجلت أكثر من  1560 شركة صينية.

وهكذا، وكما عبّر المتحدث باسم رئاسة الجمهورية "بسام راضى"، فإن مبادرة الحزام والطريق تعتمد على مفهوم الممرات الاقتصادية للتنمية؛ حيث تُعَد قناة السويس أهم وأبرز الممرات الملاحية الدولية التى تربط بشكل مباشر بين القارات الثلاث التى تنتمى إليها دول المبادرة. وأضاف "إن قناة السويس تعد المحطة الرئيسية للطريق البحرى (لمبادرة الحزام والطريق)" التى تركز على ربط قارات آسيا وإفريقيا وأوربا بما فيها الشرق الأوسط، علاوة على الربط البرّى بين الصين وأوروبا؛ حيث يمتد الطريق البحرى للمبادرة من بحر الصين الجنوبى إلى مضيق البنغال والمحيط الهندى والقرن الإفريقى ومضيق باب المندب وصولًا لقناة السويس.

ويمكن القول بأن مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى قد استطاعت تأمين قناة السويس والممرات البحرية  فى البحر الأحمر حتى باب المندب فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية السابق الإشارة إليها، كما استطاعت أن تطوّر القناة وتستفيد من كل الفرص الدولية الإيجابية لمصلحة التنمية المستدامة فى مصر ولمصلحة العالم أجمع. ويكفى التأكيد على إنه فى كل الظروف الصعبة التى مرّت بمصر والمنطقة لم تحدث أى مشكلة لأى سفينة عابرة للقناة، وكان حفر القناة الجديدة، التى تمتد نحو 72 كيلو مترًا، لمواكبة التطور فى حركة الملاحة العالمية ولكى تبقى القناة محورًا إقليميّا للتنمية فى مصر.  

الحرب على الإرهاب

لم تكن الصين هى القوة العظمَى الوحيدة التى انتبهت للأهمية الاستراتيجية لقناة السويس فى الآونة الأخيرة، فعقب أحداث 11 سبتمبر 2001  وظهور الاستراتيجية العالمية الجديدة "الحرب على الإرهاب"  بقيادة الولايات المتحدة, كانت منطقة البحر الأحمر وشرق إفريقيا أو ما سُمى بالقرن الإفريقى الكبير، وكذلك منطقة جنوب الجزيرة العربية؛  خصوصًا اليمن, من المناطق التى شهدت تطورات مؤثرة على أمن ومستقبل الملاحة فى البحر الأحمر وباب المندب,  ومن ثم قناة السويس. 

فى هذه الظروف بدأ التنافس الدولى يظهر بشكل كبير فى هذه المنطقة الحيوية، وبدأت كل دولة تبحث عن حماية سُفنها وتجارتها بشكل أو آخر، بما فى ذلك التكالب على إنشاء القواعد العسكرية على سواحل البر الغربى للبحر الأحمر، سواء فى سواحل الصومال أو جيبوتى أو إريتريا والجُزر المختلفة داخل البحر الأحمر وحتى سواحل كينيا وتنزانيا وداخل إثيوبيا.. إلخ. وقد أنشأت الولايات المتحدة تشكيلا خاصّا يُسمَّى قوة الاستجابة لشرق إفريقيا فى إطار الإفريكوم، التى بدأتها الولايات المتحدة عام 2007، إضافة لقاعدة لها فى جيبوتى، ودخلت القوى الآسيوية فى هذا النقاش كالصين والهند واليابان، فضلًا عن الدول الأوروبية (فرنسا، إنجلترا، ألمانيا، إيطاليا) مما زاد من حجم التواجد الأجنبى العسكرى فى المنطقة، وزاد من تعقيد الموقف فى ظل عدم وجود تنظيم إقليمى لدول المنطقة لتأمين الملاحة والحفاظ على السلام، فى إطار "عربى- إفريقى". 

وفى ظل هذا التنافس، أصدر خبراء الشئون الاستراتيجية والقومية الأمريكيون وثيقة استراتيجية عام 2005م تتصل بالملاحة البحرية والدور الأمريكى فى محاربة الإرهاب  والقرصنة البحرية،  أكدوا فيها على تأمين الملاحة البحرية والتواجد الأمريكى بالقرب من المضايق والخلجان الاستراتيجية، وإقامة قواعد عسكرية بالجزُر الاستراتيجية القريبة من هذه الخلجان. 

تحرك مصرى- عربى وإفريقى

فى ظل هذه التهديدات التى تنعكس سلبًا على الأمن والاستقرار فى المنطقة كلها، خصوصًا على الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس ذاتها كانت الاستجابة المصرية تتمثل باختصار فى الآتى: مضاعفة التواصل والتنسيق؛ خصوصًا مع الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وسواحل الصومال وشرق إفريقيا، على اعتبار أن هذه الأطراف العربية الإفريقية تشكّل الحيز الأعظم من الدول المشاطئة، ولا يبقى غير إسرائيل التى لا تمثل سوى (0،02 %) من طول السواحل على البحر الأحمر، وهى كيان غير عربى، وغير إفريقى، وغير محدد الحدود. أما الدول المعنية بالتعاون والتنسيق فهى: مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية واليمن وإريتريا وجيبوتى وجمهورية السودان والصومال (التى تمُر بظروف معلومة)، وقد التقت معظم هذه الأطراف المشاطئة للبحر الأحمر ومداخله التقت بدعوة من السعودية فى إطار جماعى وثنائى تفعيلا لمقرّرات القمم العربية والإفريقية، كما التقت أغلب هذه الأطراف بدعوة من مصر فى القاهرة فى 11 ديسمبر 2017، فى إطار تعزيز الحوار والتشاور والتعاون على جميع المستويات انطلاقًا من المسئولية المشتركة لتحقيق السلم والأمن والاستقرار والتنمية المستدامة فى المنطقة بحُكم امتلاكها الأصيل لأى ترتيبات ذات صلة بالتعاون السياسى والأمنى والاقتصادى فى إقليم البحر الأحمر بما يعود بالنفع عليها وعلى دول المجتمع الدولى بوجه عام. 

وقد حضر فى هذا الاجتماع ممثلون عن المملكة السعودية والأردن واليمن وجمهورية السودان وجيبوتى، بالإضافة إلى مصر (ولم تحضر إريتريا رُغم دعوتها)، وذلك لمواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية فى البحر الأحمر ومشارفه، وبذل الجهود والمساعى لتسوية الخلافات التى قد تطرأ بين الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وبينها وبين الدول المجاورة بالطرُق السلمية فى إطار من علاقات الأخوّة والاحترام المتبادل والمواثيق الدولية. 

وقد تم الاتفاق على الآتى:

 الترحيب بالحوار مع الأطراف الصديقة من خارج الدول العربية الإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وبناءً على قواعد الاعتراف والاحترام المتبادل. 

 أهمية إنشاء منظومة مؤقتة لتبادُل المعلومات بين الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر بشأن التهديدات البحرية والجرائم العابرة للحدود (الإرهاب المنظم المدعوم من بعض الدول، التلغيم، تهريب الأسلحة والمخدرات، الهجرة غير المشروعة، القرصنة البحرية).

 تعزيز التعاون فى مجال التدريب وتبادُل الخبرات، وفى مجال الأمن والسلامة البحرية والبحث والإنقاذ. 

 عقد اجتماعات دورية للجهات الأمنية ذات الاختصاص؛ لبحث أسلوب تفعيل وتطوير مجالات التعاون  المقترحة.   استغلال الفرص الاقتصادية الواعدة التى يزخر بها البحر الأحمر  بما يسمح بالعمل على التنسيق بين المشروعات والمناطق الاقتصادية التى تطل على  البحر الأحمر فى هذه الدول، وتنظيم الاستفادة المشتركة منها  وبما يخدم الحركة الاقتصادية العالمية. 

  التأكيد على أهمية الالتزام بحماية بيئة البحر الأحمر، باعتبارها تمثل الضمانة الأهم لتحقيق تعاون اقتصادى مستدام، وذلك من خلال التعاون المشترك فى إطار "الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن"  PEASGA.

 دراسة إنشاء مناطق لوجستية وتقديم الخدمات المرتبطة بها بين الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر بغرض دفع عَجَلة النمو،  وبحث تعزيز التعاون والربط بين شبكات النقل (برى، بحرى، جوى، سكك حديدية) بما يعزز التكامل الاقتصادى ويعزز السياحة.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق