السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تحرير وتطهير سيناء واجب مقدس

مسيرة وطنية غنية بالتضحية والفداء.. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا..



هكذا دأب أبناء القوات المسلحة المصرية، مصنع الرجال وفخر الوطن وعزته وصون عرضه وشرفه.

عندما تُذكَر أسماؤهم تقشعر الأبدانُ لها هيبةً واحترامًا وفخرًا لما قدّموه من تضحية وفداء من أجل عزة وكرامة الوطن.

إنهم رجال قواتنا المسلحة البواسل؛ حيث يتواصل عطاؤهم.. رجال، جيلًا بعد جيل على مر العصور والأزمان، "وما بدّلوا تبديلًا".

ما بين 19 أكتوبر 1973، و7 يوليو 2016، حكاية بطولة مصرية بطلاها شهيدان من رجال الصاعقة المصرية، تكشف حكايتهما تضحيتهما من أجل سيناء؛ حيث استشهد الأولُ فى حرب تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى، بينما استشهد الثانى فى حرب تطهير سيناء من الإرهاب..

 

إبراهيم الرفاعى.. رأس النمر

 

أتت حربُ اليمن لتزيد خبرات ومهارات الشهيد إبراهيم الرفاعى أضعافًا.. الرفاعى تخرج فى الكلية الحربية عام 54 وانضم إلى سلاح المشاه ثم تولى خلالها منصبَ قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذى قام به خلال المعارك.

 فى حرب الاستنزاف شكّل البطل مجموعة من خيرة مقاتلى رجال الصاعقة المصرية أطلق عليها "المجموعة 39 قتال"، ويوم 25 يوليو 1969 واختار الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى شعار "رأس النمر" كرمز للمجموعة، وهو الشعار نفسه الذى اتخذه الشهيد أحمد عبدالعزيز خلال معارك 1948.

وأصبح الهدف الأسمَى لمجموعة الرفاعى تكبيد العدو خسائر فادحة كل يوم.

 فى حوار لـ "بوابة روزاليوسف" مع الزميل محمد هاشم، كشف البطل اللواء محيى نوح- الساعد الأيمن للشهيد إبراهيم الرفاعى- تفاصيل واحدة من بطولات المجموعة 39 بقيادة الشهيد، وهى عملية الثأر لمقتل الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض، ويطلق عليها "عملية لسان التمساح"، أو "عملية المَعَدّيّة رقم 6" نسبة إلى المكان الذى وقعت فيه، ففى يوم 9 مارس 1969. بعد اندلاع حرب 6 أكتوبر1973 وحدوث ثغرة الدفرسوار استدعى "الرفاعى" فى غرفة عمليات الحرب أمامَ الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل، وشرحا له فى عُجالة الموقفَ فى الثغرة وطلبا منه إعداد خطة لتدمير المَعبر الصهيونى، وعندما تحرّك القائد الشهيد على رأس رجاله من أبطال المجموعة 39 قتال، إلى منطقة الجيش الثانى الميدانى، وتوجّه إلى مركز قيادة الجيش وهناك علم باستحالة نسف المَعبر عن طريق الضفادع البشرية، حتى أصدر الفريق سعد الشاذلى- رئيس أركان الجيش  لمنع تقدُّم قوات العدو لاحتلال الإسماعيلية.

وتقدَّم "الرفاعى" ورجاله واكتشف عناصر الاستطلاع، مجموعة من دبابات العدو، فتقدم فى اتجاه موقع الصواريخ المضادة، وعلى الفور أعاد الرفاعى توزيع قواته؛ لتتمركز فى أماكنها، وتم الاشتباك مع قوات العدو، وتم تدمير دبابتين، وراح الرفاعى ورجاله يقاتلون بشراسة وهم يسمعون قرآن أذان الجمعة، فى يوم 19 أكتوبر، الموافق 23 رمضان، ومع بداية الأذان سقط البطل إبراهيم الرفاعى، شهيدًا، وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها؛ ليحصل على أمنيته الشهادة فى سبيل الوطن.. وهكذا توّج البطل العظيم مشوارَه مع البطولات والعطاء، ببطولته.  

 

 

أحمد منسى.. الأسطورة

 

كان الشهيد البطل أحمد منسى، يتخذ الرفاعى كدأب أبناء الصاعقة المصرية مَثلا وقدوة فى البطولة والفداء، وطلب الشهادة.. ومن شدة إعجاب العقيد أحمد منسى بالشهيد إبراهيم الرفاعى، كتب عنه قصيدة بعنوان "بطل كل الأبطال...على مَرّ الزمان". 

يقول منسى فى قصيدته عن الرفاعى:

قاهرة المُعز يا مصر الفداء.........درة التاج أنت ونبع الصفاء

سألت التاريخ عن يوم مولدك.......وهل يشهد الأبناء ولادة الآباء

جذور شجرة بعمر الحياة............أظلت حضارة أنارت الأرجاء

تعاقُب الفصول سُنة الله...........ما بين خريف التاريخ وربيعة العطاء

عواصف ورياح للغصن ضاربة..........أصيلة صامدة كصخرة صماء

بلد السلام يا مصر أفديكى..........بلد العزة بفخر... بلد الأباء

أرهقنى يااا مصر عشقًا.................عشق المحارب لسيرة الشهداء

فنحن الصعيد بعزة أهله...............ونحن الشمال..أهل الثناء

ويا نوبة الجنوب يا طيبة..................ويا أهل البداوة قاطنى سيناء

بكل شبر فى أرضك الطاهرة...............يحيا الجيش بشعبة العظماء

يتربص الأشرار بصفوة الأخيار.............فوالله..لا نامت أعين الجبناء

خصبة أرضك تنبت الأبطال................ وقصة شهيدك تملأ الأصداء

شعبك الأبى العصى على الطغاة.... أحن من أم الرضيع على الضعفاء

يحرس أرضك أُسُدك الضارية...............ناجزة سيوفهم على الأعداء

يلبى الشهيد نداء ربا..............وقصاصة وِثأره بعد العزاء

وقبيل أن أرحل أوصيكم ونفسى........... بوطن يستحق منا العناء

تحية على من وهب الروح والجسد... وسلام على من انتقى الكفن كرداء

 

وتظهر رسالة كتبها الشهيد أحمد منسى إلى الإرهابيين أن هدفه الحفاظ على الوطن مهمته المقدسة فى الحياة عندما قال: "جزيل الشكر لعدوى اللى أتاح لى الفرصة بعد سنين من التدريبات أنى أواجهه .. شكرًا ليك أنك دخلتنى أرض مروية بدم آبائى وأجدادى اللى ضحوا بالنفيس والغالى.. ودخلتنى أرض الفيروز بافارولى .. وخلتنى أصلى فى كل شبر فيها.. هيروح مننا واحد فى غيره ألف بيتسابقوا على دورهم فى الشهادة .. بس أقسم بالله ملكش عيش فيها طول ما إحنا فيها".

وتابع: "سِبتلنا قدوة فى شهدائنا .. شوفت أخويا الشهيد وضحكته بقى بيجيلى كل يوم فى المنام ويحكى لى عن الجنة.. والله شوقنى للجنة".

نعيه للشهيد العقيد رامى حسنين، تنبأ منى أنه سيلحق به قائلًا:

"فى ذمة الله أستاذى ومعلمى.. اتعلمت على إيده كتير.. إلى لقاء شئنا أمْ أبينا قريب".. وتولى العقيد أحمد منسى قيادة الكتيبة 103 بشمال سيناء، ويوم 7 يوليو 2017 تعرَّض كمين البرث لهجوم إرهابى وقاتل الشهيد ورجاله وفاضت روحه شهيدًا ينال شهادة تمنّاها وغبط زملائه الذين سبقوه إليها.

 

 

عبد العاطى.. صائد الدبابات

تظل الكلماتُ دائمًا أعجزَ من أن تفى بحق ما يبذله الشرفاءُ والشهداءُ من دماء وعرَق دفاعًا عن قيم: الكرامة والحق والعدل.. فى هذه السطور نحاول أن نكتبَ ما "يشبه سيرة" لمقاتل مصرى ذاع صيته منذ 47 عامًا، وحتى بعد رحيله منذ 19عامًا ولايزال يُشار إليه بالبنان تستقى الأجيال من بطولته.

بطلنا هو "محمد عبدالعاطى عطية شرف" الشهيرُ بـ "عبدالعاطى" صائد الدبابات، الذى تمكّن بمفرده من تدمير 23 دبابة إسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973.عبد العاطى، ذلك الشاب الأسمر، مفتول العضلات من مواليد 15ديسمبر 1950 بقرية شيبة قش التابعة لمركز مينا القمح، شرقية، وفور إنهاء دراسته التحق بالقوات المسلحة المصرية يوم 15نوفمبر1967.

سِجِلُّ بطلنا، يقول: انضم فى بداية تجنيده إلى سلاح الصاعقة، ثم انتقل إلى سلاح المدفعية؛ ليبدأ مرحلة جديدة، جاءت بمثابة حفر مسيرته العسكرية بأحرُف من نور؛ بأن تخصص فى صواريخ مضادة للدبابات، كانت مفاجأة الحرب، ونظرًا لأن الإسرائيليين لا يعرفون اسمها أطلقوا عليها اسم "كرات النار"، وكان يصل مداها إلى 3 كيلومترات، وكانت تلك الصواريخ لديها قوة تدميرية هائلة.

اختير البطل "عبدالعاطى"واحدًا من ضمن مجموعة جنود صاعقة للعمل على هذه الصواريخ قبل الانتهاء من مرحلة التدريب النهائية إلى الكيلو 26 بطريق السويس؛ لعمل أول تجربة رماية من هذا النوع لهذه الصواريخ فى الميدان.

تم اختيار البطل لتنفيذ أول بيان عملى على هذا الصاروخ أمام قائد سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى، وتفوّق والتحق بَعدها بمدفعية الفرقة 16مشاة بقيادة الفريق عبد رب النبى حافظ، بمنطقة بلبيس.وكان يوم 28 سبتمبر 1973 موعد القدر؛ حيث التقى عبدالعاطى المقدم "عبدالجابر أحمد على" قائد كتيبته- فى ذلك الوقت- حيث طلب منه أن يعود بعد إجازة 38 ساعة فقط، وبالفعل عاد فى أول أكتوبر إلى منطقة فايد، وكانت الأمور حينئذ قد تغيرت بالكامل وبدأت الأرض والجنود يستعدون لصدور الأوامر بالتحرك.

وجاء يوم 6 أكتوبر 1973 المرتقب، وبدأ الجيش يتقدم على مقربة من القناة بنحو 100 متر، وبعد الضربة الجوية الساحقة بدأت أرض المعركة تشتعل بصورة لم يصدق معها أحد أن الجنود المصريين قد عبروا الضفة الشرقية للقناة، وكان عبدالعاطى هو أول فرد من مجموعته يتسلق الساتر الترابى لخط بارليف.

ويوم 8 أكتوبر، وهو اليوم الذى كان يَعتبره البطل عبدالعاطى يومًا مجيدًا للواء 112 مشاة وللكتيبة 35 مقذوفات، وله هو على المستوى الشخصى، بدأ هذا الصباح بانطلاقة قوية للأمام؛ فى محاولة لمباغتة القوات الإسرائيلية التى بدأت فى التحرك على بُعد 80 كيلومترًا باللواء 190 المصحوب بقوات ضاربة مدعومًا بغطاء من الطائرات.

رُغْمَ هذه الظروف الصعبة؛ فإن عبدالعاطى قام بإطلاق أول صاروخ والتحكم فيه بدقة شديدة حتى لا يصطدم بالجبل، ونجح فى إصابة الدبابة الأولى، ثم أطلق زميله "بيومى" قائد الطاقم المجاور صاروخًا فأصاب الدبابة المجاورة لها، وتابع هو وزميله بيومى الإصابة حتى وصل رصيده إلى 13 دبابة ورصيد بيومى إلى 7 دبابات فى نصف ساعة، ومع تلك الخسائر الضخمة قررت القوات الإسرائيلية الانسحاب واحتلت القوات المصرية قمة الجبل وأعلى التبة، وبَعدها اختاره العميد عادل يسرى ضمن أفراد مركز قيادته فى الميدان، التى تكشف أكثر من 30 كيلومترًا أمامها.

وواصل البطل اصطياد دبابات العدو الصهيونى الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ رصيده فى الحرب تدمير 23 دبابة و3 مجنزرات.

وبَعد رحلة من البطولة رحل البطل عن دنيانا يوم 24 رمضان 1422هـ/ 9 ديسمبر 2001م.

 

 

 

.. و رمضان.. داهس المفخخات

بطولة ممتدة من الجد عبدالعاطى صائد الدبابات، إلى المُجَند البطل محمد محمود رمضان داهس المفخخات.

فى الرابع والعشرين من يوليو 2017، وقف العالمُ منبهرًا أمامَ مَشهد قد يبدو للوهلة الأولى أنه نتاج إبداعات هوليوود وتقنيات عصرنا الرقمى كأفلام الخيال العلمى.

الجميع تطلع إلى تفاصيل هذا المَشهد الذى بثه المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة تقف دبابة تأمين لكمين جنوب العريش، تصطف أمامه سيارات المواطنين المدنيين، امتثالًا لمتطلبات التفتيش، فيما تأتى سيارة من الخلف مسرعة تتجاهل تحذيرات الكمين بضرورة التوقف.

فى لحظات أو أقل زمنًا منها يتخذ قائد الدبابة قراره، فالسيارة تجاوزت مدى إمكانية إطلاق النيران، فى المقابل، يتحرك الجندى- تحركًا يفوق الخيال الدرامى- وهو يَعلم أن السيارة مفخخة، يدهسها بدبابته، لا يهاب الموت فى سبيل حماية أرواح المواطنين، وزملاء الكمين.يصعد بدبابته فوق السيارة، محطمًا إياها، ساحقًا مَن بداخلها من الإرهابيين، متحركًا بمهارة القائد للعودة إلى الخلف حاميًا بجسم الدبابة سيارات المدنيين؛ ليبعد تدريجيّا باحترافية، وما هى لحظات حتى انفجرت السيارة لتصيب فقط بعض السيارات التى غادرها مستقلوها.لينجو الأبطال بعد أن سحقوا الإرهابيين ومفخخاتهم؛ ليبهر العالم أجمع، ظاهرين عقيدة الإيمان، المتخرّجين من مَدرسة الفداء، مصنع الرجال، مَدرسة القوات المسلحة.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق