الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاعتراف سيد الأدلة

قادة إسرائيل: «أكتوبر 73» حطمت أساطيرنا

الرئيس المنتصر و آثار الهزيمة واضحة على ملامح جولدا مائير
الرئيس المنتصر و آثار الهزيمة واضحة على ملامح جولدا مائير

كانت حرب أكتوبر لطمة قوية على وجوه قادة "جيش العدو الإسرائيلى"، الذين ظلوا عقودًا يُروّجون لخرافات مثل "الجيش الذى لا يُقهر" أو "الجيش ذو اليد الطولى".. إلخ. 



 

وتُعَد مذكرات "قادة الكيان الصهيونى" مادة خصبة لرصد ردود أفعالهم، بل واعترافهم بسقوط الأساطير التى نسجوها حول "جيشهم الذى لا يُقهر". 

 

فى الذكرى الـ47 نحاول استرجاع أبرز الشهادات التى سجّلها قادة إسرائيل عن حرب أكتوبر المجيدة التى أعادت لمصر والعالم العربى مكانتهما الدولية اللائقة.

 

فى مذكراتها: "حياتى"، قالت "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل- وقت حرب أكتوبر: "إن المصريين عبَروا القناة وضَربوا بشدة قواتنا فى سيناء، وتوغّل السوريون فى العمق على مرتفعات الجولان، وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين". 

 

ومضت: "لا شىء أقسَى على نفسى من كتابة ما حدث فى حرب أكتوبر 1973، فلم يكن حدثًا رهيبًا فقط؛ وإنما كانت مأساة عاشت وسوف تعيش معى حتى الموت، فلقد وجدتُ نفسى فجأة أمامَ أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ نشأتها، ولم تكن فقط الصدمة فى الطريقة التى يحاربوننا بها، بل لانهيار عدد من المعتقدات الأساسية التى آمَنّا بها أمامَ أعيُننا".

 

ووصفت "مائير" انتصارَ أكتوبر بالحلم المزعج؛ حيث قالت: "سأظل أحيا بهذا الحلم المزعج لبقية حياتى، ولن أعود نفس الإنسانة مرّة أخرى التى كانت قبل الحرب".

 

واعترفت "مائير" بأن "وصول طائرات النقل الأمريكية (س-5) ناقلة العتاد والسلاح بضرورة مستمرة أنقذ إسرائيل مما لم يكن تُحمد عُقباه".

 

لسنا الأقوى

 

موشيه ديان- وزير الدفاع الإسرائيلى- اعتبر ما حدث فى أكتوبر المجيد بمثابة "زلزال تعرضت له إسرائيل". وأضاف: "هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها، وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين، إن الحرب أظهرت أننا لسنا أقوى من المصريين".

 

وتابع: "أريد أن أصرّح بأننا كنا لا نملك القوة الكافية لإعادة المصريين إلى الخلف عبر قناة السويس مرّة أخرى، وإن المصريين يملكون سلاحًا متقدمًا، وهم يعرفون كيفية استخدام هذا السلاح ضد قواتنا، وأن العالم اعترف بأننا لسنا أقوى من المصريين، وأن حالة التفوق العسكرى الإسرائيلى قد زالت وانتهت إلى الأبد، ونظرية هزيمة العرب على يد إسرائيل فى ساعات قد انتهت.. لقد كانت لى نظرية هى أن إقامة الجسور ستستغرق منهم طوال الليل وأننا نستطيع منع هذا بمدرعاتنا، ولكن تَبيّن لنا أن منعهم ليس مسألة سهلة، وقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمنًا غاليًا جدّا".

 

أسرى إسرائيليون في قبضة القوات المصرية
أسرى إسرائيليون في قبضة القوات المصرية

 

يُعلق مؤلف كتاب "إسرائيل انتهاء الخرافة" "آمنون كابيليوك" على ما حدث فى أكتوبر 1973 قائلًا: "تقول الحكمة البريطانية "كلما كان الصعود عاليًا كان السقوط قاسيًا".. وفى السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والاطمئنان الذى كانت قد شيدته لنفسها.  وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التى سبقتها قوية ومثيرة وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكى يروا قائمة طويلة من الأمور المُسَلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التى آمنوا بها لسنوات عديدة، وقد اهتزت، بل وتحطمت فى بعض الأحيان أمامَ حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين، ومن وجهة نظر الإسرائيلى العادى يمكن أن تحمل حرب أكتوبر أكثر من اسم، مثل: "انهيار الأساطير"، أو "نهاية الأوهام"، أو "موت الأبقار المقدسة".

 

وأوضح الكاتب الاسرائيلي"كابيليوك" إن هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنودًا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى.. هناك من نسوا أسماءهم، وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلى المستشفيات.. لقد أذهل إسرائيل نجاحُ العرب فى المفاجأة فى حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية.

 

روح المخاطرة

 

شهادات قادة الأسلحة لم تختلف كثيرًا عن شهادات جولدا مائير وموشيه ديان، فـ"بنى بيلد"- قائد سلاح الجو الإسرائيلى الأسبق، خلال نصر أكتوبر-  كشف عن فشل سلاح الجو الإسرائيلى فى تحديد موعد الهجوم "المصرى- السورى"، فقال إنه أبلغ جولدا مائير رئيسة الحكومة، والطاقم الأمنى يوم 5 أكتوبر بإحدى الجلسات، أن هناك احتمالاً كبيرًا فى نشوب الحرب؛ خصوصًا مع تلقّى المشرفين على الطائرات فى مصر تعليمات بالتواجد فى غرف العمليات صباح الجمعة 6 أكتوبر.

 

وأضاف بيلد: "كان تقدير أن هجمة "سورية ـ مصرية" ستحدث فى موعد مبكر وبالتحديد بين الساعة الثانية والثالثة ظهرًا، وليس فى السادسة مساءً كما توقعت رئاسة الأركان فى تل أبيب، وأكد أن سلاح الجو لم يسمح له بالتقاط صور استخباراتية للأراضى المصرية فى الأسبوع الذى سبق الحرب".

 

بينما ذكر "بنى تلم"- قائد سلاح البحر الإسرائيلى الأسبق- أنه قبل أيام قليلة من الحرب تم تخفيض درجة التأهب فى صفوف السلاح بعد توصيات من رئيس الاستخبارات الحربية إيلى زاعيرا. مضيفًا: "يوم 30 سبتمبر أو فى بداية أكتوبر 73 وصلنى مُلخصٌ لتقييم يشير إلى أن الأسطول المصرى فى بداية مناورة كبيرة ذات مدى غير مسبوق، وأن الحديث يدور هنا عن رفع حالة التأهب للقيام بتدريب، أمّا إمكانية التحول إلى شن حرب من قِبَل مصر فكانت منخفضة نسبيّا".

 

أمّا الجنرال حاييم بارليف- صاحب فكرة خط "بارليف"- فقال: "المصريون حاربوا بدوافع وطنية، وروح الفداء لديهم وصلت للمخاطرة".

 

فيما كشف رئيس الوزراء، ووزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، "إيهود باراك"، عن جانب من تفاصيل هذه الحرب التى كان يشغل خلالها قائد كتيبة دبابات فى مذكراته بعنوان: "بلادى حياتى"، قائلًا: "إن العدو الأكبر فى حرب أكتوبر هو الخوف، فقد كانت أيامًا صعبة ومرعبة". وتابع متحدثًا عن التفوق المصرى فى الحرب، قائلًا: "المصريون دمروا أسلحتنا، وقاموا برشنا بنيران مدافعهم.. المنطقة امتلأت بالدخان الرمادى ورائحة أجساد جنودنا المتفحمة، رائحة لن تفارق مخيلتى حتى أموت".

 

واعترف "باراك"، قائلًا: "هذه المعركة جعلتنى أرتعد من الخوف مثلى مثل كل جندى شارك بها".

 

وفى ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس عُقدت يوم 16 سبتمبر 1974م، قال "أهارون ياريف"- مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق: "لا شك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين، بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سُئل السادات هل انتصرت فى الحرب؟ أجاب: انظروا إلى ما يجرى فى إسرائيل بَعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة عن هذا السؤال".

 

وفى الندوة نفسها قال الجنرال الإسرائيلى، "يشيعيا جافيتش": "انتهت الحرب دون أن نتمكن من كسر الجيوش العربية، ولم نحرز أى انتصارات. لقد أثبت العرب أنهم قادرون على الخروج إلى الحرب والقتال بكفاءة".

 

ووصف الجنرال شموائيل جونين- قائد جيش الاحتلال الإٍسرائيلى فى جبهة سيناء- هذه الحرب بأنها صعبة، ومعارك المدرعات بها كانت قاسية، وأن معارك الجو فيها مريرة. موضحًا أن "الجندى المصرى كان يتقدم فى موجات تلو موجات، ورُغْمَ إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليه؛ فإنه يواصل تقدّمه ويحيل ما حوله إلى جحيم ويظل يتقدم".

 

شارون مصاباً وإلى يساره موشى ديان
شارون مصاباً وإلى يساره موشى ديان

 

وبعنوان "شهادة ضابط رأى صدمة الحرب"، أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقابلة مع "يوسف رحمان"، الضابط الإسرائيلى الذى شارك فى حرب 1973م، الذى لفت إلى أنه "بسبب أهوال المعارك مَرّ بفترة علاج للشفاء مما رآه فى ميدان القتال". مضيفا: "لقد كانت حرب يوم الغفران أصعب الحروب ولاتزال وقائعها الكارثية محفورة فى ذاكرتى". مؤكدًا أنه "التقى عديدًا من الجنود والضباط المصابين بصدمة الحرب، فقد كان هناك مَن انهار نفسيّا وعقليّا، كان هناك جنود فقدوا عقولهم، لقد أفقدهم الذعرُ والرعبُ أذهانهم، من بينها ما قام به قائد إحدى السّرايا العسكرية الذى ظل يدور فى خيمة القيادة واضعًا يديه وراء ظهره، ويتمتم لنفسه مرارًا وتكرارًا بسبب الصدمة: لقد فقدتُ ثقتى فى الدبابات، لقد عرفتُ هذا القائد جيدًا، لكنى فوجئتُ به يتحول إلى شخص آخر، حادثته لكنه لم ينظر حتى إلىّ، بَعدها بفترة طويلة علمت أنه غادر إسرائيل مع عائلته، ويعمل الآن نجارًا فى نيويورك".

 

وقال موشيه ليفى- قائد المنطقة الوسطى خلال نصر أكتوبر: "لم يشفع للجنود الإسرائيليين كونهم عزلًا لا يحملون أى سلاح ويتحدثون العبرية بطلاقة، ويعرفون أسماء قادة الكتائب الإسرائيلية، فقد فتح رفاقهم عليهم النار، فقط لأنهم اعتقدوا بأنهم عرب".

 

وعن شراسة الحرب فى اليوم الأول (السادس من أكتوبر) قال الجنرال عمانويل صقال- قائد مدرعات خلال حرب أكتوبر وباحث فى مركز بيجين للدراسات الاستراتيجية: "إن القتال فى اليوم الأول كان قتالًا أسطوريّا من جانب المصريين، لقد قاتلنا بمفردنا ضد هجمات المصريين القوية جدّا".

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق