السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التمويل الحرام فى ليبيا

هل كانت العلاقات "التركية ـ القطرية" هى التى عزّزت نمو التنظيمات الإرهابية فى المنطقة؟ أمْ أن علاقة الدولتين القوية بالتنظيمات الإرهابية هى التى عزّزت العلاقات الثنائية بين أنقرة والدوحة؟؟



لا يبدو أن فارقًا ستصنعه الإجابة، فكل الطرُق تؤدى إلى ذلك التحالف المشبوه لاختراق المنطقة، ومحاولة بناء مشروع يصب فى مصلحة العثمانية الجديدة، التى تستخدم جماعة "الإخوان" الإرهابية وأذرُعَها بالمنطقة لبناء أنظمة تابعة.

 

بالطبع تمثل قطر برعايتها ودعمها المالى والسياسى والإعلامى لتنظيم "الإخوان" رأس الحربة فى ذلك المخطط.

وقد كان الإرهاب- ولايزال- أحد الأسلحة القذرة التى تجيد الدوحة استخدامها لتحقيق مصالحها المشبوهة فى المنطقة، فصارت العاصمة القطرية هى الراعى الأبرز والمموّل السخى لمختلف التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، بداية من "الإخوان"، مرورًا بتنظيم القاعدة وروافده مثل جبهة النصرة وحركة "طالبان"، وصولًا إلى تنظيم "داعش" وكل التنظيمات المنضوية تحت رايته فى مختلف أنحاء المنطقة العربية.

منذ بداية الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافى، مَثلت ليبيا موضع اهتمام كبير من جانب الدوحة، فلم يتوارَ القطريون خجلًا وهم يرسلون بعض عملائهم، ومنهم قائد القوات الخاصة القطرية لقيادة المسلحين فى ليبيا عام 2011 فى الإطاحة بالقذافى، حليفهم السابق؛ حيث يكشف الكثير من الوثائق والتسريبات الصوتية حجم التعاون الذى كان بين القطريين والقذافى من أجل التآمر على المملكة العربية السعودية.

وكشف تقرير لـ "مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات"، وهو معهد للسياسات مَقرّه واشنطن، أن قطر كانت أول دولة عربية تعترف رسميّا بـما يسمى "ثوار ليبيا" وأرسلت مقاتلات للمساعدة فى التدخل بقيادة حلف الناتو، كما أن الدوحة أرسلت المئات من القوات القطرية لدعم هؤلاء "الثوار"! 

وأشار التقرير، إلى أن اللواء حمد بن على العطية، رئيس الأركان فى قطر، اعترف بأن "القوات القطرية كانت موجودة فى كل منطقة من ليبيا وأشرفت على خطط الثوار"، وذكرت التقارير قيام مستشارين قطريين بتدريب المقاتلين الليبيين فى غرب وشرق ليبيا.

واتهمت لجنة الأمم المتحدة فى ليبيا قطر بإرسال أسلحة وأموال للمقاتلين الإسلاميين منذ بداية الأزمة فى عام 2011، وخلص تقرير للأمم المتحدة فى مارس 2013 إلى أن قطر أرسلت أسلحة للقوات المناهضة للقذافى فى عام 2011.

 أول العملاء

استمر الاهتمام القطرى حتى بعد سقوط نظام القذافى، وبات للدوحة الكثير من الوكلاء الذين يتحركون على الساحة الليبية؛ حيث يقف القطريون بقوة وراء انزلاق الساحة الليبية إلى العنف. فعندما فشل الإسلاميون والتيارات الإخوانية الإرهابية المدعومة قطريّا، فى تحقيق أى مكاسب تُذكر فى اللعبة السياسية؛ لجأت الدوحة إلى سلاحها السّرّى، وهو الجماعات المسلحة، فأغرقت الأراضى الليبية بالتمويل الحرام للتنظيمات الإرهابية، كما استخدمت شركات الطيران المملوكة للإرهابى الليبى عبدالحكيم بلحاج فى نقل المتطرفين من إدلب السورية إلى تركيا ثم إلى طرابلس ومصراتة.

 حيث تمتلك الدوحة اتصالات وثيقة تدير بها تنظيم جبهة النصرة فى سوريا، إضافة إلى العديد من الميليشيات الإرهابية، التى صارت بمثابة المخزون الإرهابى والجيش السّرّى لقطر، وتستخدمه فى كل مكان؛ وبخاصة فى إشعال الموقف فى ليبيا.

وعندما اندلعت الحرب الأهلية فى 2014، دعمت كل من قطر وتركيا المؤتمر الوطنى العام بقيادة الإسلاميين فى طرابلس، كما حافظتا على روابط وثيقة مع تحالف "فجر ليبيا"، وهى مجموعة من الميليشيات الموالية للإسلاميين بقيادة جماعة "الإخوان" التى هاجمت مطار طرابلس الدولى، واستولت على أجزاء كبيرة من العاصمة فى عام 2014.

ويأتى تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية فى مقدمة الجماعات التى تحظى بالتمويل والدعم القطرى السخى، ليس فقط كجزء من الدعم القطرى للمشروع الإخوانى، بل للأهمية الخاصة التى تحتلها ليبيا بالنسبة للمشروع "القطرى- التركى" لاختراق المنطقة.

فقد صارت ليبيا هى الفرصة الأخيرة للتنظيم الدولى للإخوان للبقاء، فبَعد هزيمة التنظيم بضربة قاضية فى مصر، وانكشاف غطائه الإرهابى والتركى فى سوريا، وتدهور شعبيته فى تونس، لم يعد أمام التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية للبقاء سوى أرض ليبيا والتحالف مع رجب طيب أردوغان الذى تسيطر عليه أحلام إعادة نفوذ الدولة العثمانية. 

ودعمت قطر "الإخوان" سواء فى صراعاتهم على الساحة الليبية، أو فى جرائمهم المسلحة.

ويبرز فى هذا الصدد العديد من أسماء القيادات الإخوانية، الذين باتوا يشتهرون ودون خجل بأنهم عملاء قطر على الساحة الليبية، ومنهم الإخوانى خالد المشرى، ذو النفوذ الواسع فى طرابلس، وهو رئيس ما يسمى "مجلس الدولة الليبى".

 وبحسب مراقبين يوصَف "المشرى" بأنه الحاكم الفعلى للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، التى تتخذ من العاصمة طرابلس ومؤسّساتها ستارًا للسيطرة على مقدرات ليبيا وإيواء المتطرفين.

كما يسيطر "المشرى" على قرارات المجلس الرئاسى فى طرابلس بسبب علاقاته الوطيدة بالميليشيات والمخابرات القطرية والتركية ويُعد حاليًا العميل رقم (1) لقطر فى طرابلس.

ويُعتبر "المشرى" من أبرز قادة تنظيم الإخوان فى ليبيا؛ حيث اعتقل بين عامَى 1998 و2006، بعد ثبوت تورطه فى التآمر على أمن الدولة والتخابر مع جهات أجنبية. وكان "المشرى" من بين المؤسّسين لحزب العدالة والبناء- الذراع السياسية لإخوان ليبيا.

وكشفت وثائق مسرّبة تحويل قطر لملايين الدولارات لقيادات إخوانية ليبية فى مقدمتهم "المشرى"، ومن تلك الوثائق وثيقة تفيد بإتمام تحويل مبالغ مالية لأعضاء الجماعة الإرهابية فى ليبيا بالصك رقم 9250444 بتاريخ 29سبتمبر 2013، اقتطعت من أموال الشعب القطرى، لتذهب إلى قيادات حزب العدالة والبناء  الإخوانى الإرهابى فى ليبيا.

الوثيقة كشفت أنه تم سَحب المبلغ من جانب "محمد صوان" رئيس الحزب الإرهابى، الذى قام بتوزيعه على 19 من أعضاء الجماعة الإرهابية (الذين كانوا يشغلون مناصب مهمة فى المؤتمر الوطنى العام وقتها، ولايزالون يشغلون مناصب مهمة حتى الآن فى حكومة الوفاق).

وجاءت الوثيقة المذكورة ردّا على خطاب سرّى وعاجل من "العطية" موجّه لمساعده "الهاجرى"، ويحمل رقم 21245 بسرعة تخصيص وإرسال مبلغ 250 ألف دولار لصالح قيادات الجماعة الإرهابية.

وفى الوقت ذاته، فضحت العديد من الوثائق الدور الخفى الذى يقوم به قيادات "الإخوان" فى ليبيا لتمويل ودعم الجماعات الإرهابية، سواء بأموال الشعب الليبى، أو من خلال التمويل القطرى؛ حيث كشف بعض تلك الوثائق عن نهب "المشرى" أكثر من 190 مليون دولار من ثروات الشعب وإنفاقها على تنظيمَى "داعش والقاعدة" الإرهابييْن.

كما دعمت قطر القيادى الإخوانى "على الصلابى" المقيم فى تركيا بملايين الدولارات عبر شركة "الثقة للتأمين" المملوكة له لتمرير الأموال من وإلى داخل ليبيا، وقد مثل الصلابى قناة اتصال مهمة لقطر بين جماعة الإخوان وباقى التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن دوره الدعائى للترويج لمشروعات القطريين والأتراك للهيمنة على ليبيا.

 

 

 

أمراء الحرب

يمتد الدعم القطرى تقريبًا إلى كل التنظيمات الإرهابية العاملة على الأراضى الليبية، ويرتبط معظم أمراء الحرب فى ليبيا بقنوات اتصال وتمويل قطرية، وقد توثقت تلك الصلات مع استمرار الجيش الوطنى الليبى فى تحركاته لتحرير البلاد من الإرهاب؛ حيث تدخلت قطر وتركيا لوقف انتصارات الجيش الوطنى الليبى عبر إرسال مرتزقة تابعين لهما من تنظيم داعش والنصرة وفصائل سورية موالية لها للقتال بجانب حكومة السراج ضد الجيش الوطنى الليبى.  

وقامت تركيا وبتمويل قطرى بنقل المرتزقة والأسلحة والمعدات العسكرية، ولم يتوقف الدعم القطرى والتركى للإرهاب فى ليبيا عند هذا الحد، بل بات الإرهابيون وداعموهم ضيوفًا دائمين فى النوافذ الإعلامية التابعة لقطر وتركيا.

وكشف المتحدث باسم الجيش الليبى اللواء "أحمد المسمارى" أن رئيس ما تسمى حكومة الوفاق "فايز السراج" يتردد على الدوحة وأنقرة للتشاور بصورة منتظمة، كما يعقب الزيارات المتبادلة بين المسئولين القطريين والأتراك عمليات تصعيد واضحة فى العمليات الإرهابية على الأراضى الليبية. وأعلن الجيش الليبى أنه لديه تسجيلات لمحادثات تثبت التعاون بين أعضاء تنظيم القاعدة وقطر، وتؤكد دعم قطر للتنظيمات الإرهابية بالمال والأسلحة، لارتكاب عمليات إرهابية ضد الجيش الليبى".

ولفت إلى أن دولة قطر دعمت فاسدين فى ليبيا، وأنها حاولت إفساد المجتمع الليبى بمليارات الدولارات، كما أن القطريين حاولوا شراء ذمم المشايخ الفاسدين وجميعهم محصورون وموجودون تحت الملاحظة. 

وأول عملية قطرية على الأراضى الليبية كانت اغتيال القيادى بالجيش اللواء "عبدالفتاح يونس.

اختراق أفريقيا

إذا كان التحالف الإرهابى بين القطريين والأتراك فى ليبيا، قد حوّلها إلى برميل بارود مشتعل يهدد بتفجير المنطقة كلها، وتهديد السّلم والأمن الإقليمى والدولى؛ فإن ليبيا ليست سوى مرحلة فى ذلك "التحالف المدنس"، وربما لم يلتفت كثيرون إلى عمق الروابط التحتية وتفاصيلها بين قطر والمتطرفين فى دول مثل تشاد والنيجر ومالى ونيجيريا والكاميرون وغيرها. 

حيث تربط الدوحة والحركات المتطرفة العاملة فى هذه الدول علاقات وثيقة، وضبطت قطر متلبسة بتقديم الدعم فى أوقات كثيرة وجرى توجيه اتهامات لها، باستغلال الأراضى الليبية كمنطلق لدعم وتمويل جماعات إرهابية على تخوم الأراضى الليبية.

واستطاعت الدوحة أن تبنى قنوات اتصال ودعم مع جماعات خطيرة فى إفريقيا، ومنها جماعة "بوكو حرام" التى وُلدت أصلًا فى نيجيريا وتتواجد بكثافة فى المنطقة المعروفة بدول حوض تشاد مؤخرًا، كأنها تلقت إشارات بالمزيد من التوسع، وتحقيق انتصارات بالتزامن مع تحويل التدخلات التركية فى ليبيا إلى واقع ملموس.

ونجحت "بوكو حرام" فى جر الجيش التشادى للالتحام معها مباشرة، بما يخفف الضغط على الجبهة الليبية الجنوبية التى تحولت إلى مسرح عمليات مفتوح لقوى تشادية متباينة، ومصدر لضخ المرتزقة وتوريدهم لخوض الحروب التى تنخرط فيها حكومة طرابلس. 

واتهمت تشاد قطر بمحاولات تخريب علاقتها بليبيا باستخدام الانفصالى التشادى تيمانى ارديمى.

واتهم الجيش الوطنى الليبى قطر بدعم "إرديمى"، الذى اعتقلته القوات التشادية فى فبراير من العام الماضى أثناء قيادته فصيله المسلح فى جنوب ليبيا، إلى جانب الحركات المتمردة المسلحة من السودان وتشاد والجماعات المتطرفة لمهاجمة الجيش، وإنشاء مركز جديد للإرهاب فى المنطقة.

وفى فبراير 2019 قامت مقاتلات فرنسية بضرب قافلة مسلحة تابعة لمتمردين تابعين لإرديمى ومدعومين من تركيا وقطر، عبرت من جنوب ليبيا لاستهداف الرئيس التشادى "إدريس ديبى"، إلّا أنه تم تدمير نحو 20 شاحنة صغيرة، بعد أن طلب "ديبى" دعمًا من باريس.

وتتجه أنظار الكتائب المسلحة والمرتزقة والإرهابيين إلى الجنوب الليبى كمنطقة آمنة لتحركاتهم وتدريباتهم بدعم وتواطؤ من حكومة طرابلس؛ لأن الشرق لايزال يمثل خطا أحمر بالنسبة لها فى هذه المرحلة، بينما يمثل التمدّد فى منطقتى الوسط والجنوب مسألة حيوية لتفريغهما من الجيش الليبى، ومنه يمكن الالتحام مع الجماعات الإسلامية فى دول الساحل والصحراء التى تعد الذخيرة التى تدخرها قطر وتركيا للاعتماد عليها فى مخططاتهما الإجرامية.

إدانات حقوقية

الدور القطرى فى دعم وتمويل ميليشيات الإرهاب فى ليبيا كان موضع اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية والمؤسّسات الدولية، فقد رصدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا، استمرار قطر فى دعم وتمويل الإرهاب هناك، حيث شمل رحلات لطائرات عسكرية قطرية إلى الجنوب الليبى مع توافر أدلة تفيد بدعم السُّلطات القطرية لتنظيم الإخوان الإرهابى والميليشيات المسلحة التى تسيطر على العاصمة طرابلس ومدن فى الغرب.

فى السياق نفسه، وثّقت مذكرة حقوقية فى مدينة لاهاى بهولندا جانبًا من انتهاكات قطر فى ليبيا بدعمها المستمر للميليشيات الإرهابية بالأسلحة والمال ونقلهما عبر السفن والطائرات.

وحسب المذكرة؛ فإن قطر مستمرة فى انتهاك القرار الأممى بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا منفردة، إضافة إلى تعاونها الثنائى مع تركيا، ونقل أموال وأسلحة عبر السّفن والطائرات، وتسليمهما إلى الميليشيات الإرهابية التى تقوّض القانون والأمن فى البلاد.

 وبحسب الفريق الدولى لتقصى الحقائق؛ فإنه يجرى تجهيز عمل توثيقى شامل، يرصد مجمل الانتهاكات القطرية للقانون الدولى فى ليبيا منذ عام 2011 حتى الآن.

كما تقدم الحقوقى الليبى "سراج سالم التاورغى" بملف كامل حول تورط قطر وتركيا فى دعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية فى ليبيا إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والمجلس الدولى لحقوق الإنسان ضد ما يصفه بـ"مثلث الشر" فى ليبيا، فى إشارة إلى ما تسمى بحكومة "الوفاق" برئاسة فايز السراج وقطر وتركيا، ويتهم الثلاثى بدعم الميليشيات الإرهابية.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق