الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البحث عن السعادة؟!

 عرّف باحثون مهتمون التصوف بأنه: "علم تُعرَف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنَيل السعادة الأبدية".



وقال آخرون: "إن التصوف استعمال كلِّ خُلُقٍ سَنىّ، وتركُ كلِّ خُلق دَنىّ"، كما عَرَّف القطب الصوفى  أبو الحسن الشاذلى الصوفية بأنها: " تدريبُ النَّفس على العبودية، وردِّها لأحكام الربوبية".

 

قيل أيضًا فى تعريف التصوف: "إنه عِلمٌ يُعرف به كيفية السلوك إلى حضرة مَلك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله عِلم، ووسطه عمل، وآخره موهبة".

 وأخيرًا يمكن القول إنَّ الصوفية ليست مذهبًا ولا دينًا خاصّا؛ إنَّما هى مجموعة من الأذكار والأوراد التى يقوم بها المُريد وفق ما يوصيه شيخ طريقته قاصدًا بأذكاره الوصول إلى الله وتطهير نفسه من كلِّ درن أو أذى أو ذنب.

الأصول

لغويّا؛ فالتصوُّفُ مصدر للفعل تصوَّف وهو متصوِّف، وإذا قيل تصوَّف الرجل أى اتبع الصوفية وأصبح من أتباع المنهج الصوفى، وفى اللغة أيضًا تصوَّف الرجل أى لَبِسَ الصُّوف.

وقيل إنه من الصوف؛ لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف.

 أمَّا فى الاصطلاح؛ فالتصوف هو مذهب أو طريق من الطرُق التى يسلكها العبد فى سبيل الوصول إلى رب العالمين، وهذا الطريق محفوف بالعبادات التى يؤديها الصوفى ويُربى بها نفسَه على الزهد والخُلق الحَسن، ويدّعى أتباع هذا المنهج أن أصوله من السُّنة والقرآن الكريم، فهو لا يحيد عن عقيدة أهل السُّنة والجماعة.

وقال البعض إنه من الصِّفة، إذ إن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها.

وإنه من الصُفَّة؛ لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون فى المسجد النبوى الشريف ويعطيهم الرسول من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم.

وقيل إنه من الصف، فكأنهم فى الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله، وتسابقهم فى سائر الطاعات.

وقيل إنه من الصفاء، فلفظة «صوفى» على وزن «عوفى»، أى: عافاه الله فعوفى.

أزمة الترف

يُرجع البعض ظهور الصوفية لأول مرّة إلى القرن الثانى الهجرى فى زمن التابعين وفى أواخر عصر الصحابة؛ حيث ظهر بعض العباد الذين اعتزلوا الناس وقسوا على أنفسهم بالعبادة بشكل لم يعرفه المسلمون من قبل.

وكان ظهورهم على خلفية الفتنة التى حدثت بين المسلمين والتى أدَّت إلى إراقة دم الحسين بن على.

فرأى هؤلاء الناس أن يعتزلوا المجتمع الإسلامى الذى انجرَّ إلى الفتنة ليصونوا بذلك دينهم ويحفظوا أنفسهم.

ويقال إنَّ سبب انعزال هذه الفئة فى القرن الثانى للهجرة كان بسبب توسع الفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة وغنى الدولة الإسلامية ما أدى إلى ظهور مظاهر الترف والمجون، فكان هذا سببًا فى  انعزال هذه الجماعة من الناس التى أسّست دعائم المنهج الصوفى القائم على الزهد الكامل من الحياة.

وتذكر بعض الروايات أنَّ المذهب الصوفى تأسّس بداية عند الشيعة؛ حيث ظهرت أمارات التصوف فى البداية على يد رجلين من الطائفة الشيعية وهما: مختصر عبدالكريم وأبو هاشم الكوفة. 

وفى كتابه "الرسالة القشيرية" لأبى القاسم  القشيرى يقول: «اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله لم يَتَسمَّ أفاضلهم فى عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم «الصحابة».

 ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين «الزهاد» و«العُبَّاد»، وحصل التداعى بين الفِرَق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زُهادًا، فانفرد خواص أهل السُّنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم «التصوف»، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة».

ويقول الباحث محمد صديق الغمارى: «ويعضد ما ذكره ابن خلدون فى تاريخ ظهور اسم التصوف ما ذكره الكِنْدى ـ وكان من أهل القرن الرابع ـ فى كتاب «ولاة مصر» فى حوادث سنة المائتين: «إنه ظهر بالإسكندرية طائفة يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف». 

وكذلك ما ذكره المسعودى فى «مروج الذهب» حاكيًا عن يحيى بن أكثم فقال: «إن المأمون قال يومًا لجالس، إذ دخل عليه على بن صالح الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين هناك رجل واقفٌ بالباب، عليه ثياب بيض غلاظ، يطلب الدخول للمناظرة، فعلمت أنه بعض الصوفية». 

وذُكر فى «كشف الظنون» أن أول من سُمى بالصوفى «أبو هاشم الصوفى» المتوفى سنة خمسين ومئة» من الهجرة.

وقتها كتبوه

بعد عهد الصحابة والتابعين، دخل فى دين الإسلام أُمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعِلم الذى يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو فى الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض «الميراث» وغيرها.

 وبعد هذه الفترة أخذ التأثير الروحى يتضاءل شيئًا فشيئًا، ما دعا أرباب الزهد إلى أن يعملوا على تدوين علم التصوف، وإثبات أهميته من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين فى جميع نواحى النشاط.

وكان من أوائل من كتب فى التصوف من العلماء: الحارث المحاسبى ومن كتبه بدء من أناب إلى الله، وآداب النفوس، ورسالة التوهم، وأبو سعيد الخراز ومن كتبه "الطريق إلى الله".

كما برزت أسماء مثل "أبو عبدالرحمن السلمى" ومن كتبه: آداب الصوفية، و"أبو نصر عبدالله بن على السراج الطوسى" وله كتاب اللمع فى التصوف، و"أبو بكر الكلاباذى" وله كتاب التعرف على مذهب أهل التصوف.

إضافة إلى "أبو طالب المكى" واشتهر بكتاب قوت القلوب فى معاملة المحبوب، و"أبو قاسم القشيرى" ومعروف بالرسالة القشيرية وهى من أهم الكتب فى التصوف.

ومن أهم هؤلاء "أبو حامد الغزالى" الذى اشتهرت له كتب  إحياء علوم الدين، الأربعين فى أصول الدين، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير.

ويعد كتاب إحياء علوم الدين أشهَر  كتُب التصوف ومن أجمعها.

وشهدت الصوفية بعد جيل الجنيد قفزة جديدة مع الإمام الغزالى؛ خصوصًا كتابه إحياء علوم الدين كمحاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوبة.

 تلى ذلك اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبدالقادر الجيلانى للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية، بالتركيز على تعليم القرآن.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق