الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فتوات نجيب محفوظ

فتوات نجيب محفوظ

 فى العام 1954، أدخلنا الروائى العالمى نجيب محفوظ إلى عالم الفتوات الذى عرفه سنوات الصبا والشباب, وذلك فى فيلم "فتوات الحسينية" من إخراج نيازى مصطفى.



 وقبل هذا التاريخ لم نكن نعرف تفاصيل هذا العالم ومفرداته الخاصة، وأهمها النبوت الذى يرمز إلى السُّلطة والقوة والعدالة  كأنه صولجان الحاكم.

 

الفتوة دائمًا سُلطان فى منطقته الصغيرة, يفرض الإتاوات لزوم الحُكم, وسير الأمور.

وعادة ما يتمتع بقوة الجسد, والمهابة, وغالبًا ما يستمر فى مكانه حتى يأتى رجل أقوى منه, ليزيحه ويتولى هو المهمة.

لم يكن "محفوظ" قد خط حرفًا أدبيّا واحدًا عن عالم الفتوات, إلى أن جاءت روايته "أولاد حارتنا ", ورُغم أنها ليست عن عالم الحرافيش والفتوات, بل عن تتابُع الأجيال, لكن مع منعها لسنوات طويلة أحيا روائى نوبل هذا العالم فى "الحرافيش".

ثم التفتت أنظار السينمائيين لتحويل حكايات "الحرافيش" إلى أفلام, وظهرت حالة شديدة من الحماس للرواية حتى تم إنتاج ست روايات من القصص العَشرة لنجيب محفوظ.

وأغلب هذه الأفلام من بطولة فريد شوقى، أمّا نيازى مصطفى فهو أكثر من استخدم كلمة الفتوة فى عناوين أفلامه.. وهنا نرصد بعض هذه الأعمال بين النص الأدبى والعمل السينمائى.

شهد الملكة

وجدت رواية "الحرافيش"، بحكاياتها العَشر صدًى طيبًا لدى صناع أفلام الحركة، من جميع الأجيال.

وقد تم إنتاج عدد من الأفلام عن الرواية، فى فترة سينمائية وجيزة للغاية، كأنما وجد صناع أفلام الحركة فى حكايات الفتوات نبعًا لا ينضب؛ خصوصًا أن اسمه يقترن بالكاتب نجيب محفوظ.

يمثل "شهد الملكة" الحكاية السادسة من ملحمة "الحرافيش"، التى تبدأ بمعلومات عن نهاية الفتوة سماحة، الذى مات سعيدًا، وهو يتوهم أنه إنما يهاجر فردوسًا إلى فردوس. 

أمّا الشخص الرئيسى فى النص الأدبى فهو عزيز، صاحب محل الغلال الذى ازدهر، وهو حفيد سماحة، الذى تزوج من عروس حسناء مثقفة، فوجد فيها بغية قلبه، إنه يبحث عن شخص يصلح أن يكون فتوة يبعث عهد عاشور بعد موات، بعد أن صار آل ناجى من بين الحرافيش، فصهرهم الفقر والبؤس، فوثب نوح الغراب إلى الفتونة، وهو شخص فظ، غليظ، نهم، استثمر قوته فى الاستبداد  فصار من كبار الأثرياء..

وإذا كانت الصفحات الأولى فى النص الأدبى كتبت حول عزيز الناجى؛ فإن المرأة صارت هى بطلة الفيلم لضرورات الإبهار السينمائى، فهناك خمسة رجال على الأقل فى حياة المرأة، تزوجها أربعة منهم.

لكن على أى حال، ففيلم "شهد الملكة" يكاد يكون نسخة كربونية من النص الأدبى؛ خصوصًا أن النص يعتمد على الحوار، فمصائر الشخصيات هى نفسها مع بعض الإضافات التى تتناسب وسينما نادية الجندى فى هذا التوقيت.

الحرافيش

 تجسد الصراع الأزلى بين قابيل وهابيل، فى الحكاية الثالثة المعنونة من ملحمة "الحرافيش"، تحت عنوان أدبى هو "الحب والقضبان"، أمّا العنوان السينمائى فهو "الحرافيش" حسب الفيلم الذى كتبه أحمد صالح وأخرجه حسام الدين مصطفى. 

فالحكاية تبدأ مثل كل الحكايات، بالحديث عن موت الفتوة، إنه هنا شمس الدين الناجى، الذى كان يمثل العدالة، والحكمة، والذى خلفه سليمان شمس الدين الناجى، وهو عملاق مثل جده عاشور،  لم يتقدم لمنافسته أحد، ظل حاميًا للحرافيش، وهو فى العشرين من العمر، ثم تزوج من فتحية شقيقة صديقه عتريس؛ حيث شعر أن الزواج يصون فتونته من المباذل، فأنجبت منه البنات. 

بعد سنوات من الزواج رأى سنية السمرى، ابنة كبير تجار الدقيق، ليتم الزواج بين سواق الكارو، الفتوة وبين ابنة الأغنياء فى زفاف لم تشهد له الحارة مثيلًا . 

غيَّره الزواج، فترك الكارو، وصار من وجهاء الحى، الذين أثنوا على عدله، وأنجبت له سنية الذكور "بكر"، ثم "خضر"،  وتغيرت الدار، والأحوال، واستولت سنية على قلبه ورغباته، وصار رجاله أيضًا من  الوجهاء.

ونشأ الابنان نشأة مرفهة ناعمة، إنهما مختلفا المظهر، بكر يشبه أمّه فى جمالها ورقتها، أمّا خضر فأشبه بأبيه، أدارا المحلات عندما صارا يافعين، وتمنّى لهما الأب سليمان أن يصيرا من الفتوات. 

فى الفيلم تقوم الحدوتة على صراع الأشقاء على المرأة نفسها؛ خصوصًا أنها زوجة لأحدهما، زوجة بين شقيقين، تزوجت من أحدهما، وتقيم أو ترغب فى علاقة مع الآخر.

الفيلم، والنص الأدبى، يستفيدان من الصراع الأزلى بين قابيل وهابيل، كما أن هناك إشارة فى نهاية النص الأدبى حول تشابُه هذا الصراع مع امرأة العزيز، فالمرأة هنا شريرة، تغوى حبيبها، الذى يتمنّع عنها.

وهى تؤذيه، وعندما يظهر مرّة أخرى، تحاول التودد إليه، ولكن الصراع هو بين شقيقين حول المرأة نفسها، وإن تم ذلك فى حارة شعبية، فيها الصراع الأزلى بين الفقراء والأغنياء، وفيها الصعود، ثم الهبوط الاقتصادى، والاجتماعى، والنهاية الحتمية لامرأة تحاول أن تخون زوجها مع أخيه، ثم إذا هى عندما تفشل، تسعى للإيقاع بين الأخوين. 

التوت والنبوت

 "التوت والنبوت"، هى الحكاية العاشرة من ملحمة "الحرافيش"، كما أنه النص الأدبى الأقصر مساحة، ضمن الحكايات.

  يبدأ النص، بالحديث كالعادة عن وفاة الفتوة السابق فتح الباب، ولم يبقَ من صفوة ذريته إلّا الناجى. 

إنه شخص ينتمى إلى الفقر وأسرة موصومة بالدعارة والإجرام والجنون، وقرر أن يمضى حياته وحيدًا ولكنه تزوج من امرأة فقيرة، وكان قد تجاوز الخمسين، فأنجبت له الصبيان الثلاثة، بينما لن يشير الفيلم إلى هذه الجذور. 

كانت الأم حليمة صورة مشابهة للأم فى "بداية ونهاية" رُغم أنها من سلالة الناجى تنتقل مع أولادها إلى بدروم مكوّن من حجرة ودهليز، ثم تعمل فى تجارة المَخلل، وتُدخل أبناءها الكُتّاب، ثم يبدأ كل منهم مواجهة الحياة، ففايز يسوق الكارو، وضياء شيال فى محل النحاس.. فايز ساخط دومًا، يرى أنه خادم حمار، وأن أمّه خادمة أوغاد، أمّا الابن الأصغر عاشور، فيعمل صبيّا لغنام بسوق الماعز. 

فى الرواية لم يغادر الكاتب الحارة، بينما فى الفيلم سوف نرى تفاصيل الحياة التى عاشها فايز بعدما غادر الحارة، إلى أن عاد محملًا بالثروة والمال، ويقرر أن تعود لأسرة الناجى مكانتها، من خلال الوجاهة، وليس الفتونة.

اختلف النص السينمائى كثيرًا عن الرواية، سواء من حيث حضور الأبطال، أو من حيث إضافة العديد من الشخصيات؛ خصوصًا النساء، ابتداءً من المرأة التى تزوجها عاشور، والراقصة نوسة التى عشقها فايز، ثم زوجة ضياء. 

الفيلم إذن يعزف على ضرب العواطف تجاه النساء، ويمتلئ بثلاث حكايات مع النسوة، ليست قصص حب، أو رومانسية، سوى تلك التى ربطت بين عاشور وزوجته.

النص السينمائى الذى قدّمه نيازى مصطفى وكتب له السيناريو والحوار عصام الجمبلاطى بدا كأنه مصنوع بشكل خاص لمخرج أفلام حركة.

الشيطان يعظ 

 الرواية القصيرة تحمل عنوان "الرجل الثانى"، وهى منشورة فى المجموعة القصصية "الشيطان يعظ". 

وربما لهذا السبب، فإن كاتب السيناريو أحمد صالح قرر أن يمنح الفيلم اسم المجموعة، وهو أيضًا اسم مسرحية قصيرة فى نهاية الكتاب، لذا فلا يكاد المتفرج يحس بالمرّة أن هناك ما يدل فى الفيلم على عنوانه. 

والنص الأدبى، عن الفتوات، لكن ليس عن الحرافيش، وفيه الدينارى هو الفتوة، يحاط برجاله، والرجل الثانى له هو "طباع الديك".

يعلن الدينارى عن مهمة سرية، إذا وفق صاحبها فاز بالمكانة اللائقة، وإن هلك تعهد أهله بالعناية، ومن وسط الرجال يبرز شطا الحجرى، وقد قبل المهمة، ما يوغر الحقد فى صدور الآخرين. 

فى الفيلم الذى أخرجه أشرف فهمى، جسّد فريد شوقى شخصية الدينارى، ومثلما فى الرواية، فإن الدينارى، يطلب تطوُّع أحد رجاله للقيام بمهمة وصفها بأنها خطيرة، ووسط تردُّد الجميع، يتقدم شطا (نور الشريف) عارضًا نفسه، ورُغم أن الفتوة ينظر إليه شذرًا، لكن الإصرار فى عينَى شطا يدفع المعلم إلى الموافقة. 

وسرعان ما يعرف شطا بالأمر، مثلما حدث فى الرواية، ويحس أن المهمة لا تناسبه، لكن شطا كان قد أخذ على عاتقه تنفيذ المهمة، فهو يعرف بالفعل من هى الفتاة الأجمل  التى يبحث عنها الفتوة، فهى وداد ابنة بائع الفول، وتقوم الأم بخطبتها إلى الدينارى، وهذه فروق ملحوظة فى النص. 

غيَّر السيناريو من الأحداث الأخيرة، وأضاف المزيد من التفصيلات بما يسمح بالمواجهة بين شطا والدينارى فى نهاية الفيلم.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق