السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
راقصة أنهت عصر الفتونة

راقصة أنهت عصر الفتونة

 من دون نبّوت، أو جبروت؛ استطاعت الراقصة امتثال فوزى أن تهزَّ عرش «الفتونة» فى مصر، بعد أن وقفت وحدها أمام سطوة أعتى فتوات عصرها، وإن دفعت حياتها ثمنًا لذلك.



ففى الثانى والعشرين من مايو لعام 1936؛ ضجَّت الصحف بخبر مقتل الراقصة امتثال على يد أحد رجال فؤاد الشامى، فتوة شارع عماد الدّين بوسط القاهرة، لرفضها دفع الإتاوة.

أثار الحادث ردود فعل غاضبة تجاه سطوة الفتوّات، وكان لحالة الغضب المجتمعى أثرٌ كبيرٌ فى تحجيم نفوذ هذه الفئة، وبداية لنهاية عصرهم، وسيادة دولة القانون.

كان لمقتل «امتثال» وهى لاتزال فى العشرينيات من عمرها، ووضع نهاية لمسيرتها الفنية، سببًا فى غموض حياتها الشخصية، وأغلب المحطات التى مرّت بها فى طريقها الفنى.

والمؤكّد فى سيرة امتثال فوزى أنها احترفت الرقص فى كازينوهات شارع «عماد الدين»، وذاع صيتها بين رُوّاده.

ويمكن القول إن مسيرة امتثال فى كازينوهات القاهرة لم تتعدَ 5 سنوات، منذ أن استقدمتها الراقصة بديعة مصابنى من الإسكندرية إلى القاهرة للعمل فى صالتها بـ «عماد الدين» عام 1931، إلى مقتلها.

واشتهرت «امتثال» بأنوثتها الطاغية، وملامحها الفاتنة وقيل إنها نشأت بقرية مير التابعة لمركز ديروط، قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى الإسكندريّة، وتلتحق بمدرسة «أفيروف» بحى العطّارين، ودرست فيها اللغة اليونانية لدرجة إتقانها.

وبدأت «امتثال» امتهان الرقص بمقهى «الغزّاوى» فى الإسكندريّة، خلال حقبة العشرينيات، ومَثّل ذلك المقهى نقطة انطلاقها نحو الشهرة والاحتراف، فذاع صيتها فى الإسكندرية، حتى وصل صداه إلى بديعة مصابنى.

استقدمت بديعة، «امتثال» من الإسكندريّة، وأضافت معها إلى صالتها الراقصات "ميمى مارتنس، بهية أمير، مارى، هند، نادية، ونينا".

حجزت امتثال مكانًا مميزًا لها بين أهل الفن بالمجتمع القاهرى؛ فشاركت فى تمثيل عدة أفلام بالسينما مثل "الهارب، وحظ المُحب".

لم تدُم «امتثال» فى صالة بديعة مصابنى طويلًا؛ فاستثمرت شهرتها ونجوميتها فى افتتاح صالة جديدة لها بالمشاركة مع صديقتها الراقصة مارى منصور، على بُعد أمتار من ميدان رمسيس، وسمته كازينو «البسفور». 

تزوّجت «امتثال فوزى» من زكى طليمات، رائد المسرح المصرى الحديث.

وقائع القتل

كان لكل حى فى القاهرة فتوة، وكان فتوة شارع عماد الدين حينها فؤاد الشامى. وكان وعصابته يفرضون الإتاوة على ملاهى وكازينوهات الشارع مقابل حمايتهم. 

كما كان على علاقة وطيدة بأصحاب المسارح والملاهى الليلية، مثل بديعة مصابنى؛ خصوصًا أن تلك الكازينوهات كان يتردد عليها بعض الساسة، وكبار الشخصيات، والأثرياء.

ويعطى الكاتب الراحل يوسف الشريف فى كتابه «مما جرى فى بر مصر» صورة عن الأوضاع فى أحياء القاهرة؛ فيقول: «بات شارع عماد الدين مرتعًا للبلطجة بعد أن انتقل إليه معظم الملاهى والحانات ودُور الدعارة من الأزبكية ووش البركة والوسعاية».

وسرد الدكتور عبدالوهاب بكر فى كتابه «مجتمع القاهرة السرّى 1900-1951» بعض ملابسات الحادث، قائلًا: «اتصل بها البلطجى فؤاد الشامى عارضًا خدماته «الحماية»، إلا أنها رفضت، وفى أكثر من مناسبة أمرت بطرد البلطجى وأعوانه من الصالة عندما كانت تجدهم يحتسون الخمر بلا مقابل».

ويضيف: «عندما لم تذعن لمطالب عصابة فؤاد الشامى بدفع إتاوة، قامت العصابة بالاعتداء عليها بالضرب ليلة 15مايو 1936.

ورُغم أن قسم الأزبكية حرّر محضرًا عن حادث الضرب؛ فإنه تم إخلاء سبيل أفراد عصابة «الشامى». وفى ليلة 22مايو 1936؛ اتصل أعضاء العصابة بالراقصة وهددوها بالقتل إن لم تستجب لمطالبهم بدفع الإتاوة.

ومرّة أخرى ذهبت إلى قسم الأزبكية تبلغ بواقعة التهديد، ولكن المختص صرَفَها».

وكان إصرار «امتثال» على رفض الإتاوة، مشجّعا لغيرها من راقصات الشارع فى الامتناع عن الدفع، الأمر الذى أغضب «الشامى»، بعد الحط من قدره وهيبته فقرر الانتقام.

وبعد ساعتين من عودتها من قسم الشرطة، وأثناء مرورها بصالتها للإشراف على العمل؛ اعتدى أحد أفراد العصابة عليها بضربها بزجاجة خمر مكسورة فى رقبتها، فسقطت مضرجة فى دمائها.

وتشير رواية ثالثة إلى أن القاتل كان يُدعى كامل الحريرى، من أفراد عصابة الشامى، وأنه اعترف فى التحقيقات، بأن «فؤاد وشقيقه مختار حضرا إليه فى منزله، ودعياه إلى وليمة، واحتسوا فيها الخمر، ثم حرّضاه على ارتكاب هذه الجريمة».

ردود فعل

أثار الحادث عاصفة من ردود الأفعال الغاضبة داخل المجتمع المصرى، والوسط الفنى، وتسبب فى هزّة كبيرة داخل شارع عماد الدين. وترتب عن تلك الحالة قرارات حكومية، وضعت حدّا لسطوة ونفوذ عصابات الفتوات.

وحالة الغضب تلك؛ أدت إلى أوامر من مصطفى النحاس رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بانتداب اثنين من كبار موظفى الداخلية ليشهدا التحقيق ويحددا فيه مسئولية رجال البوليس.

وشنت الصحف المصرية وقتها حملات موسّعة على عالم الفتوات، وسخّرت صفحاتها للتنديد بالنفوذ والسطوة التى وصل لها تلك العصابات، وأجمعت على المطالبة بوضع حد لنهاية «عصر الفتوات»، والمطالبة بفرض سيادة الدولة على كل شئء.

وفى ذلك الوقت شنت مجلة «روزاليوسف» حملة شديدة على الفتوات، وما زاد الأمر سوءًا مقتل الراقصة سكينة، الشهيرة بعيوشة، بعد مصرع امتثال بأربعة أيام فقط.

وكان نتيجة ذلك الحراك المجتمعى؛ أن ألقى القبض على فؤاد الشامى بتهمة التحريض على القتل، فضلًا عن ضبط القاتل الحقيقى، الذى اعترف بارتكاب الجريمة داخل قسم الشرطة. 

وشهد فى هذه القضية الكثير من الفنانين، مثل رتيبة وأنصاف رشدى، وغيرهما، وأكّد الشهود على اعتياد عصابة الشامى فرض الإتاوات عليهم.

وأحيلت القضية إلى المحاكمة، وقضت المحكمة بمعاقبة الشامى، ومتهمين آخرين، بالسجن 20 عامًا مع الأشغال الشاقة المؤقتة. وأفرج عن «الشامى» عام 1957، بعد أن قضى فترة عقوبته كاملة؛ فخرج من السجن وأعلن توبته، فى ظل دولة جديدة أنهت نفوذ الفتوات، وهى دولة يوليو 1952.

وتحوّلتْ قصة امتثال وفؤاد الشامى إلى فيلم سينمائى، أنتجه رمسيس نجيب عام 1972، تحت اسم «امتثال»، عن قصة وسيناريو وحوار ممدوح الليثى، وإخراج حسن الإمام.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق