السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكايات جليلة.. ويوميات أم شكرية!

حكايات جليلة.. ويوميات أم شكرية!

 الفتوَنة النسائية ذات مواصفات خاصة، فالكلمة فيها للعقل أولًا وأخيرًا، فليس بالعضلات واستعراض القوة البدنية بنية الفتونة فى عالم النساء، ولكن بالحيلة والقدرة على اتخاذ القرار والشجاعة الأدبية التى ربما لا يملكها بعض الرجال. والسيدة الفتوّة تهتم بنفسها، وتطوّر قدراتها باستمرار، لا تقبل بأقل مما تستحق، تغفر للآخرين حتى تتخلص من أى مَشاعر سلبية فى حياتها، لا تقارن نفسَها بالآخرين، ولا تعطى أهمية كبيرة لآراء الناس فيها.



 تتميز المرأة القوية بتحمُّلها للمَخاطر، والتعلم من الفشل، والشجاعة للقتال من أجل ما تؤمن به، وهى قادرة على التكيُّف مع الظروف المتغيرة باستمرار، وتتمتع بالثقة، والتصميم على تحقيق الأمور التى تريدها.

يظل تاريخ الفتوَنة فى عالم السيدات، مليئًا بالعديد من القصص والحكايات، التى لم تُسرَد وتحتاج إلى التنقيب عن سيرة تلك النساء اللاتى قضين حياتهن فى حقبة مُهمة من تاريخ مصر.

خصوصًا خلال فترة الاحتلال الإنجليزى، التى حاول فيها المحتلون التحرّش بعدد من السيدات المصريات،  فكن لهم بالمرصاد، فاشتهرت الفتوات السيدات بالقوة والشهامة والطيبة ونصرة المظلوم.

تراث شعبى

الفتوَنة النسائية أقرب إلى شخصية مثل روبين هود فى النموذج النسائى العربى منها، وبالطبع كما كان مكان الفتوة الرجل فى أحياء القاهرة القديمة والشعبية فى العصر الحديث؛ وظهر لاسيما فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين،  مدافعًا عن المظلومين رادّا لحقوق الضعفاء المغتصَبة من الأقوياء والجباة نجد المرأة الفتوّة تسير على هذا النهج وكأنها أسطورة كتبها التراث والمزاج الشعبى  المصرى.

وبخاصة أننا لسنا فقط أمام المفهوم الإيجابى للفتونة ودورها فى التاريخ الشعبى القديم حامل معنى النبل.

فكانت حكاية الفتونة مع أمّ شكرية، تلك السيدة البورسعيدية الأصيلة التى كانت تدافع عن حقوق السيدات الغلابة أمام قهر الرجال الذين كانوا يعذبون نساءهم ويعتدون عليهن بالضرب، ويتفوقون عليهن بدنيًّا.

فكانت تلك السيدة التى تأخذ حقهن بقوتها البدنية وعقلها القادر على معرفة نقاط ضعف الرجل فتأتيه منها، وكان أجرُها تقفيصة فراخ، أو زوجًا من البط. 

شاركت “أمّ شكرية” فى حرب 56، وكانت قائدة لمجموعة من 120 سيدة قررن الدفاع عن أرض الوطن، وحققت انتصارات عدة ونالت من العدوّ حتى صوّبَ لها جندى إسرائيلى طعنة ماتت على أثرها؛ لتتكلم صحف اليوم التالى عن البطلة الشهيدة أمّ شكرية.

وفى حى المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر، قلب القاهرة الفاطمية، تشتهر قصة “عزيزة الفحلة”.

وعزيزة الفحلة،من أوائل النساء اللواتى مارسن الفتونة فى القرن الماضى، والتى فتحت الطريق على مصراعيه أمام النساء لدخول عصر الفتوات المقتصر فقط على الرجال، فكان لها دورٌ بطولى مميز؛ كما كانت عونًا للفقير وتناصره على القوى.

اسمها "صبحة إبراهيم على عيسى الغندور" تزوجت ابن عمّها المقيم بـ"باب الخلق"، ومن هنا انتقلت إلى القاهرة وأنجبت ابنتها نبوية، ثم طلقت من زوجها "حسين" فانتقلت إلى المغربلين لتعيش بدرب الأغوات.

وتزوجت "عزيزة" من الحاج محمد، وفى ذلك الوقت دخلت عالم الفتونة؛ حيث كانت تجمع الشباب يوميّا بالحارة لتعلمهم رفع الأثقال.  عملت بالتجارة، وكانت قصيرة القامة ومشهورة بـ الضرب بالرأس "الروسية" والبوكس الحديد والعصا المدببة، وكانت مشهورة بتأييد الزعيم سعد باشا زغلول؛ ومنها تعلم الفنان محمود المليجى الجدعنة لأنه كان يسكن بجوارها.

فى حوار إذاعى مع الإعلامية حكمت الشربينى، استعاد "المليجى" ذكريات طفولته بقوله: «أتذكر، عندما كنت أدخل إلى حى «المغربلين» وأرى محل «عم فرج» الصائغ، وكان دائمًا يأتى بالملاليم (المليم عُملة مصرية معدنية قديمة)، ويُطليها بالذهب، ويُفرّقها على أطفال الشارع من دون مقابل، وكنا نفرح بها، وأمامه كان يوجد «عم متولى» بائع الألبان، وكان فتوة من الفتوات، ويتميز بطول القامة، لكنه لم يكن مفتريّا، بل يدافع عن الحق.

وعلى ناصية «دريسة حسين» كانت تجلس «عزيزة الفحلة» وأمامها أجولة علف الماشية.

امتلكت "عزيزة" قهوة أطلقت عليها قهوة الفحل للفلاحين.

قامت عزيزة بعمل عدة أكمنة لعساكر بوليس الاحتلال الإنجليزى، ونفذت خطة مُحكمة لاصطياد بعضهم ممن حاولوا التحرش بنساء مصريات داخل حمّامات السيدات بحى المغربلين، فكان العقاب، وأبرحتهم ضربًا بمساعدة رجالها الأقوياء.

ولها فى الذاكرة الشعبية موقف شهير حين أوقفت وتصدت لموكب الخديو عباس، بعد تعرُّضها للظلم من قِبَل مأمور قسم، ثم تطلعت إلى الحكمدار إلى أن وجدت نجدتها خلال ذلك الموكب؛ لترفع شكواها وتخاطبه وسط أتباعها قائلة “مظلومة يا أفندينا مظلومة يا أفندينا”، حتى أمر بحل مشكلتها على الفور.

مهر جليلة!

فى منطقة الجيزة؛ خصوصًا فى المنطقة القبلية كما كان معروفًا فى هذا التوقيت، تسكن “جليلة” فتوّة المنطقة، يخشاها الجميع، وتحولت إلى أسطورة مخيفة نسجت حولها العديد من الحكايات المبالَغ فيها؛ لأن الثقافة الشعبية تحب الإضافة والزيادة والمبالغة فى التفاصيل. 

كانت «جليلة» سيدة فارعة الطول قوية الجسم مفتولة العضلات يوجد على ذراعها وَشم، ترتدى "صديرى" وجلبابًا بلديّا رجاليّا وكوفية وتمسك بيديها طوال الوقت نبوتًا غليظا.

كان مَهر جليلة غريبًا وطريفًا فى الوقت نفسه، فعندما طلبها أحدُهم للزواج، طلبت منه إثبات شجاعته حتى تتزوجه دون مَهر، واشترطت عليه أن يدخل إحدى المشاجرات ويفضها.

 ويروى سكان منطقتها أن نسبة الطلاق كانت منعدمة وقتها؛ لأنها كانت تذهب لأى زوج يتشاجر مع زوجته لتردّه إليها، وتركت “جليلة”  الفتونة وأصبحت صاحبة مقهى بسوق الأحد، حينما قَتل أبناؤها خالها فى إحدى المشاجرات فسلمتهم للشرطة. 

اشتهرت جليلة باسم "سكسكة".

أما فى حى المطرية فاشتهرت المعلمة "توحة"، فتوة الحى، بحماية الضعيف والمظلوم، ولكن تغير الأمرُ عقب زواجها فأصبحت فتوة لزوجها تحميه وتدافع عنه باستماتة، فضربت 5 رجال وسيدتين فى مشاجرة؛ لمطالبتهم زوجها برَد الدّيْن، أغلقت المنازل والدكاكين فى شارع بأكمـله، كانت تجرى فى الشارع وفى يدها السكين والمبرد، ولم يجرؤ أحد على التعرّض لها، قبل أن تستسلم للبوليس.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق