الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وماذا بعد؟!

وماذا بعد؟!

بعيدًا عن الإحصائيات الرسمية واستطلاعات الرأى والمؤتمرات الصحفية وجلسات الڤيديو كونفرانس والتقارير وأرقام وزارة الصحة وتعليمات منظمة الصحة العالمية وبروتوكولات العلاج الدوائى وأطباء علم النفس ومعاناة الجميع من الاكتئاب وارتفاع معدلات ضغط الدم والضغط العصبى والأزمات القلبية ووصفات العلاج بالأعشاب الطبيعية والطب النبوى والنصائح التى تتغير كما لو كانت تواكب آخر صيحات الموضة أو درجات حرارة الجو.. لزامًا علينا أن نتساءل: وماذا بعد؟!



 

فقد بدأ النظام العالمى الجديد فى التشكيل بعيدًا عن تلك الخطوط التى سبق أن وضعتها له القوى العظمى التى فقدت أماكنها وترتيب ميزان القوى عسكريّا واقتصاديّا فى الموسوعات العالمية كما لوكانت قد مارست لعبة  "الكراسى الموسيقية".

 

فمَهما طالت أيام الجائحة، وآلمتنا؛ إلّا أنه سيأتى يومٌ نودّعها وتدخل عالم الذكريات ونحتفظ بصور أبطال الجيش الأبيض وشهدائه وأسرهم وأطفالهم وتلاميذهم وهم يتحدثون عمّا قدّموا لنا.

 

وقصص الفقد والألم والمقاومة والشفاء بين دفاترنا وقد تتحول لفيلم سينمائى أو عدة حلقات من الدراما التليفزيونية.

 

ويبدو أن مرحلة التذمر من كل شىء واللا شىء التى عاشتها الإنسانية فترة طويلة، وكأن الحياة وصلت إلى الكمال ولم يبقَ إلا المَلل والضجر والشكوى قد أضيفت إلى أرصدتنا جميعًا من الأخطاء والذنوب، وأصبح لزامًا أن نتوقف وأن نعتذر ونطلب العفو والسماح ونغير من أنفسنا.

 

فأصحاب المليارات يبحثون عن أى وسيلة لتغيير رتم الحياة ومثلهم شاغلو الدرجة الأقل فى الثراء، والشباب ينتظرون نهاية التعليم الجامعى والصعود إلى درجة الأستاذية وارتداء الروب الجامعى والبحث عن الوظيفة المميزة.

 

ومَهما حصلوا على امتيازات يريدون المزيد والوصول لقمة السلم الوظيفى وحصد الثروات، وتحولت جميع المشروعات الاستثمارية إلى المطاعم والملاهى الليلية تحت أسماء تنكرية بلكنة أجنبية (كافيهات) و(الأوبن داى) لهوانم الطبقة الأرستقراطية ونواديهن الخاصة وحفلاتهن النسائية وبرامجهن المستفزة للطبقات الكادحة والنساء العاملات.

 

 وانتشرت وفسدت الحياة الاجتماعية تمامًا ورفعت معدلات الطلاق وزادت بسببها قضايا الأسرة والطفل بعد أن طلبوا اللجوء بالليالى لتلك الجلسات، وأصبحت من جدول الأعمال اليومى ومن مكوناتها الأساسية.

 

 وسافرت الإناث وتركن المنازل وقد تحولت لمقابر للمشاعر بحثًا عن تغيير  مستوى الحياة  وإتاحة الفرصة للأبناء للالتحاق بالمدارس الدولية والجامعات الخاصة بأموال الخليج، وتركن الازواج الذين لم يحصلوا على فرصة بعد أن بحثوا وسدّدوا رسومًا وهمية فانقلب الهرم العائلى.

 

وظهرت الزوجة الثانية وقضايا النسب والخُلع والنشوز، كما انهار الهرم الوظيفى والمادى وانتشرت بيوت المسنين وامتلأت بالدموع والآهات من وجع الحنين والنسيان والموت وسط الغرباء ونكران الجَميل. 

 

 فالدائرة ازدادت سرعتها وأصبح هناك استحالة للقفز منها والعودة لحضن الأهل وأرض الوطن وللوظيفة الحكومية ومترو الأنفاق ولمسابقات يومية للحصول على مقعد فى ميكروباص متهالك، وحمل حقائب طلبات المنزل ومعها حلوى الصغار محلية الصنع زهيدة الثمَن لكنها تطلق ومضات الفرح والسعادة من عيونهم الصغيرة عند عودة الأب فى موعد الغداء تمامًا.

 

وأصاب جدران المنازل الصمت والهدوء القاتل بعد هجرة المشاعر بلا عودة.

 

وماذا بعد كل ما سبق وبعد أن تحولت البوصلة المالية والعاطفية بل والجغرافية وازداد التغير المناخى قسوة وتجمعت العائلات بقرار إلهى لا يقبل المناقشة ولا الاعتراض أو الاستئناف القضائى ولا النقض؛ حيث أغلقت المحاكم أبوابها تمامًا أمام تلك الطلبات المرفهة وأصدرت حُكمًا بالعودة إلى أيام الزمن الجميل وأكواب الشاى الأسود والأحاديث اليومية واللقاءات الأسرية الصغيرة.

 

وألغيت تمامًا التجمعات غير البريئة وجلسات الشواطئ والأطعمة التى تصل على طائرات خاصة من الدول الأجنبية وحفلات الزفاف الصباحية والمسائية والشواطئ النسائية وعروض الأزياء المستفزة.

 

 سنعود جميعًا لحياة الآباء والأجداد ومَدارسنا القديمة وجامعاتنا الأهلية والنزهة الليلية على شاطئ النيل أو بحر الإسكندرية بلا تكلف ولا ادعاءات ولا أردية باريسية، فقد توقف الاستيراد وأعلنت شركات الطيران عن خسائر فادحة وخلت السماء من أزيز الطائرات وحركتها وأصبحت أحلام الغرباء موحدة بلا تغيير، وهى (العودة) إلى حضن الوطن بعد أن شعروا بالخطر يتسلل إلى الهواء والموت يحصد الأرواح. 

 

إن أردتم أن تعرفوا ملامح الفترة المقبلة اجتماعيّا واقتصاديّا بل وسياسيّا أيضا؛ فهيا نستمع ونشاهد برامج السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى وأفلامها ومسلسلاتها وأغانيها لنتعرف على ملامح الإنسان المصرى بعد 2020.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق