التاريخ الأسود لحروب الفيروسات!!

د. أسامة السعيد
هل فيروس “كورونا” حربٌ بيولوجية؟.. وهل هذا الوباء بداية عهد جديد من الصراعات القاتلة ؟.. وهل الكابوس الذى يعيشه العالم حاليًا نتيجة لتنامى قدرات الحرب البيولوجية فى الدول المتقدمة؟ وهل يمكن أن يتكرر ذلك الكابوس مجددًا فى المستقبل؟
أسئلة كثيرة تُطرَح هنا وهناك، ولايزال العالم عاجزًا عن الوصول إلى إجابة يقينية، بل يكتفى المسئولون؛ وبخاصة فى الدول الكبرى بتبادل الاتهامات وإلقاء الكرة فى ملعب الخصم، فى محاولة للتنصل عن المسئولية الهائلة عن أخطر أزمة تواجهها البشرية، على الأقل، فى تاريخها المعاصر.
لم تكد تمُرّ أيام معدودة على انفجار أزمة فيروس "كورونا"، الذى كانت بؤرته الأولى الصين، وتحديدًا فى مدينة ووهان، حتى انتشرت اتهامات تخليق الفيروس، وأنه أفلت من أحد مختبرات الفيروسات بالمدينة، وأن الصين تسترت على الحقيقة فى محاولة لإخفاء جريمتها.
نظرية المؤامرة
المسألة لم تقتصر على عشاق نظرية المؤامرة، بل امتدت إلى أكبر مسئولى الإدارة الأمريكية، ففى نهاية إبريل الماضى صرّح وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو بأن الصين تخفى معلومات حيوية عن أصل "كورونا" بما يهدد العالم بأسْره.
ومع اشتداد وطأة الأزمة ووصول الكارثة إلى الأراضى الأمريكية وتكبّد الولايات المتحدة خسائر فادحة فى الأرواح والمصابين، فضلا عن خسائر اقتصادية كارثية، شن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعنف هجوم على الصين وأطلق على "كورونا" رسميّا اسم “الفيروس الصينى”، وتوعّد بكين بدفع غرامات وفرض عقوبات، وطالت نيران الغضب “الترامبية” منظمة الصحة العالمية التى اتهمها الرئيس الأمريكى بأنها منحازة للرواية الصينية حول الفيروس.
فى التوقيت نفسه، خرجت إلى العلن مؤشرات حروب كانت تحرص القوى الكبرى على أن تبقى سرّا، لكن مع فداحة الخسائر وضخامة المصيبة، لم تستطع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والكندية والأسترالية كتمان مساعيها للحصول على أدلة حول تصنيع "كورونا" معمليّا فى الصين.
فى المقابل، لم تقف الصين مكتوفة الأيدى، بل بدأت هجومًا مضادًا، لم تكتفِ فيه بنفى الاتهامات الأمريكية، بل سارعت إلى توجيه الاتهام ذاته إلى واشنطن، واتهم المتحدث باسم الخارجية الصينية فى منتصف مارس الماضى الجيشَ الأمريكى بجلب فيروس "كورونا" إلى مقاطعة ووهان الصينية خلال مسابقات شارك فيها فى أكتوبر الماضى، كما اتهمت وسائل إعلام روسية الاستخبارات الأمريكية وكبرى شركات الأدوية بالوقوف وراء الفيروس باعتباره مُخلقًا صناعيّا.
هذه الاتهامات المتبادلة تؤكد أن ما يبدو على السطح من حرب تجارية ومواجهة علنية بين واشنطن وبكين ليست سوى قمة جبل الجليد، وأن ما يخفى تحت سطح الصراع "الأمريكى- الصينى" أضخم وأكثر خطورة، وربما يكون فيروس "كورونا" مجرد فصل فى مواجهة مفتوحة بين الجانبين، قد تكون الحرب البيولوجية إحدى أدواتها القاتلة.
ولكن ما هى الحرب البيولوجية؟ وهل يمكن أن تندلع فى العالم حروب بيولوجية فعلًا؟
الإجابة تقدمها العديد من المَراجع المتخصصة التى تشير إلى أن الحرب البيولوجية أو الجرثومية أو الميكروبية هى الاستخدام المتعمد للجراثيم أو الميكروبات أو الفيروسات بهدف نشر الأمراض والأوبئة الفتاكة، بما ينجم عنه فى المحصلة حصد أعداد كبيرة من البشر وإبادتهم وإفناء الكائنات وتدمير الحياة فى نطاق معين، وهى بذلك تعد أحد أنواع أسلحة الدمار الشامل.
وأخطر ما يميز الأسلحة البيولوجية هو انخفاض تكلفة إنتاجها مقارنة بالأسلحة التقليدية أو النووية التى تتطلب تكاليف وتجهيزات تكنولوجية عالية، فالأسلحة البيولوجية يتطلب إنتاجها فقط حدّا أدنى من المعرفة العلمية ومعملًا للمايكروبيولوجى، وبعض التجهيزات اللازمة للإنتاج، وهو ما قطعت منه دول كبرى مسافات فى الأبحاث.
يبدو إذن الرهان على أخلاقية الصراعات بين القوى البشرية أو يقظة الضمير العالمى رهانًا خاسرًا، وهو ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن أزمة فيروس "كورونا" مجرد فصل جديد فى الحروب البيولوجية التى لم تستعد لها الدول الكبرى، وتنفق مليارات الدولارات سنويّا على بناء قدراتها فى هذا التخصص، سواء من أجل تطوير قدراتها الفاعلية أو امتلاك الأسلحة الهجومية.
وكانت صحيفة "ديلى ميل" البريطانية من بين أول من اقترح إمكانية وجود صلة بين الفيروس الذى انتشر حديثًا ومختبر ووهان الوطنى للسلامة الأحيائية، الذى افتتح عام 2014، وهو جزء من معهد ووهان لعلم الفيروسات.
وأشار التقرير إلى أن علماء حذروا فى عام 2017 من أن فيروسًا يشبه "سارس"، يمكن أن ينتشر خارج مختبر أُنشئ فى ذلك العام فى ووهان الصينية، فيما تناولت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية الأمر بشكل مختلف، وقالت إن فيروس "كورونا" ربما نشأ فى مختبر مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية فى الصين.
ونشرت صحيفة "ديلى ستار" البريطانية تقريرًا يدعى أن الفيروس قد "بدأ فى مختبر سرّى".
وعلى النقيض، اعتبرت وسائل إعلام صينية وروسية أن فيروس "كورونا" سلاح بيولوجى أمريكى موجَّه ضدهما.
وتحدثت وسائل إعلام صينية عن أن الولايات المتحدة الأمريكية هى المصدر الأساسى لفيروس "كورونا الجديد".
وأشارت إلى أن جنودًا أمريكيين شاركوا فى دورة الألعاب العسكرية العالمية التى جرت فى مدينة ووهان، وتنافس فيها 10 آلاف شخص من مختلف أنحاء العالم فى أكتوبر الماضى، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة.
وتحت عنوان "مرض كورونا.. حرب بيولوجية أمريكية ضد روسيا والصين"، جاء مقال جريدة تابعة لوزارة الدفاع الروسية "زفزدا" ذكرت فيه أن الفيروس وَجّه ضربة للاقتصاد الصينى، الأمر الذى أضعف موقف بكين فى المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة لديها معامل بيولوجية فى دول مثل جورجيا، أوكرانيا، كازاخستان، أذريبجان، أوزبكستان.
كما انتشرت تصريحات منسوبة لسياسيين روس تتضمن الاتهام بأن فيروس "كورونا" هو تجربة من البنتاجون وشركات الأدوية لخَلق أوبئة محلية يمكن أن تدمر مجموعة مختارة من السكان.
ترسانات خفية
تمتلك الولايات المتحدة واحدة من أكبر ترسانات الحرب البيولوجية، وخلال الحرب العالمية الثانية طورت واشنطن أسلحة بيولوجية لم تستخدمها خلال الحرب، لكنها استمرت فى تخزين تلك الأسلحة وتطويرها حتى عصر ما بعد الحرب.
وفى عام 2001، رفضت إدارة الرئيس جورج بوش البروتوكول المقترَح لاتفاقية الأسلحة البيولوجية، وأقنع هذا الرفض بعض الخبراء الصينيين بأن الولايات المتحدة جددت اهتمامها بتطوير أسلحة بيولوجية.
وفى عام 2007، نشر باحثون عسكريون صينيون مقالًا يتهمون فيه الولايات المتحدة "باستخدام تقنيات جديدة لتطوير عناصر أسلحة بيولوجية جديدة"، ويدّعون أنه من المرجح للغاية أن تكون جراثيم الجمرة الخبيثة المستخدمة فى هجمات 2001 على مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين تسربت من مختبرات عسكرية أمريكية.
على الجانب الآخر ومنذ عشرات السنوات، بدأت الصين بناء منشآت بحثية مخصصة للحرب البيولوجية “الدفاعية”، ففى أغسطس 1951، تم إنشاء أكاديمية العلوم الطبية العسكرية (AMMS) لإجراء بحوث فى الدفاع البيولوجى.
وشهد منتصف الثمانينيات من القرن الماضى تحولا فى أولويات الصين والاتجاه نحو التنمية الاقتصادية، ما أدى إلى تضاؤل التمويل اللازم لمرافق البحث البيولوجى، وبدأوا تطوير منتجات للأغراض المدنية وليس العسكرية.
وأصبح "AMMS" مركزًا لتطوير أدوية ولقاحات ضد الفيروسات والأمراض الحديثة؛ حيث ابتكر دواء مضادًا للملاريا يسمى "benflumentol" ونال عليه براءات اختراع فى أكثر من 50 دولة.
لكن ذلك لم يقلل من التخوفات الأمريكية، فبحسب مسئول سابق من وزارة الدفاع الأمريكية؛ فإنه بحلول التسعينيات من القرن الماضى كانت الصين قد صنعت مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الحية الدقيقة والسموم وكانت لديها مجموعة واسعة من وسائل التوصيل المتاحة لاستهداف أى دولة، ومن ضمن ذلك الصواريخ الباليستية والصواريخ الروسية.
الإرهاب البيولوجى
إذا كانت الحرب البيولوجية القاتلة احتمالا واردًا بين الدول الكبرى؛ فإن الأخطر منه، هو وصول ذلك السلاح إلى جماعات إرهابية متطرفة، فبالتأكيد لم يغِب الكابوس الذى يعيشه العالم جرّاء تفشى فيروس "كورونا" عن اهتمام الجماعات الإرهابية، التى تسعى لامتلاك أسلحة تدميرية فتاكة، وقد اختبرت عمليّا ضعف البنية الدفاعية لدى أعتى دول العالم فى مواجهة الفيروسات، وهو ربما ما يدفعها إلى امتلاك أسلحة بيولوجية بأى ثمن.
المفاجأة أن ذلك السلاح البيولوجى لم يكن بعيدًا عن أعين الجماعات الإرهابية، فخلال العقود الثلاثة الماضية برز حادثان لاستخدام الأسلحة البيولوجية من قِبل الجماعات الإرهابية.
ففى عام 1984 انتشر مرض "السالمونيلا" فى عدد كبير من المطاعم والمتاجر الأمريكية فى ولاية أوريجون، مسببًا تسمم نحو 750 شخصًا، وأكد بعض الساسة وقتها أنه إرهاب بيولوجى يقف وراءه أتباع زعيم هندى متطرف، وهو ما أثبتته التحقيقات؛ حيث أقر باجوان شيرى راجنيش، بالوقوف وراء الهجوم الذى يُسجل كأول هجوم إرهابى بيولوجى فى الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب سياسية.
وفى مطلع الألفية الثانية، أبدى تنظيم "القاعدة" اهتمامًا بتطوير هذه الأسلحة واستخدامها، وأنشأ مختبرًا للجَمرة الخبيثة فى أفغانستان قبل أن تجتاحها القوات الأمريكية عام 2002.
وجددت تصريحات عبدالناصر قرداش- القيادى البارز بـ«داعش»- مؤخرًا حول تمكن التنظيم من تصنيع غاز (الخردل) فى العراق، الحديث عن توجُّه تلك الجماعات إلى الإرهاب البيولوجى.
ففى يوليو عام 2018 نشر “داعش” فيديو مفصلًا عن فيروسات "هانتا والكوليرا والتيفود" باعتبارها أسلحة “الذئاب المنفردة”.
وقال مراقبون إن “داعش” حرّض عناصره على استخدام السُّم من خلال تسميم السكين المستخدم فى عملية الطعن، أو من خلال نشر السم فى الهواء؛ لوصول السم لأكبر عدد من الناس.
وأكد المراقبون أن الدلائل السابقة ربما تشير إلى أن “داعش” لديه الخبرة اللازمة لتصنيع أسلحة كيماوية أو بيولوجية وتطويرها، من خلال الاستعانة بمختصين، أو البحث عن طريقة تصنيع الأسلحة على شبكة الإنترنت. لافتين إلى أنه من الممكن استثمار “داعش” لفيروس "كورونا" وربما يصدر أوامر لأنصاره بنشر (كوفيد - 19) داخل الدول المستهدَفة من جانب التنظيم.
ويتطابق هذا التحليل مع ما ذكره ما يسمى بمرصد الإرهاب العالمى فى مارس الماضى؛ حيث أشار إلى ما نشرته وثيقة استخباراتية لوزارة الداخلية العراقية، جاء فيها أن التنظيم الإرهابى يسعى إلى تجنيد المصابين بفيروس "كورونا" ونشرهم فى عموم المحافظات؛ لاستخدامهم كقنبلة بيولوجية بشرية.
كما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعى فيديو لأحد عناصر جماعة “الإخوان” الإرهابية يدعو فيه أنصار الجماعة والمتعاطفين معها فى مصر ممن يمكن أن يكونوا قد أصيبوا بفيروس "كورونا" إلى نشره بين المصريين.
الجنون مستمر
رُغم أن العالم أدرك فداحة الخطر الذى يمثله استخدام السلاح البيولوجى؛ فإن البشرية لم تجنح إلى العقل أو تحكيم الضمير فى صراعاتها، فمنذ القرن الخامس عشر وبَعد اكتشاف القارتين الأمريكيتين أتيح للمهاجرين الأوروبيين التخلص من أعداد كبيرة من السكان الأصليين الذين أصيبوا بأمراض غير معروفة هناك والتى لا توجد مناعة طبيعية لديهم ضدها.
وكان لمرض الجُدرى الدور الرئيسى فى القضاء على أعداد كبيرة من هؤلاء السكان، ويُذكر أن قائد القوات الإنجليزية فى المستعمرات الأمريكية قام بإرسال ملابس وأغطية مجلوبة من مستشفى العزل الصحى للمصابين بالجُدرى كهدايا إلى رؤساء القبائل من السكان الأصليين، فكانت النتيجة أن انتشر ذلك المرض بينهم وفتك بعشرات الآلاف منهم.
وبرز أول استخدام متطور للأسلحة البيولوجية خلال الحرب العالمية الأولى (-1914 1918)؛ حيث بدأت ألمانيا برنامجًا سريّا لإصابة الخيول والماشية التى تملكها جيوش الحلفاء على الجبهتين الغربية والشرقية بفيروس يصيب الغدة.
بالإضافة إلى محاولة ألمانية فى عام 1915 لنشر "الطاعون" فى سان بطرسبرج لإضعاف المقاومة الروسية، فى حين أن استخدام هذا النوع من الأسلحة يعود فى الحقيقة إلى العصور الوسطى لكن بشكل غير متطور.
تاريخ أسود
وأسست بريطانيا عام 1940 أول مراكزها البحثية للأسلحة البيولوجية فى أحد مقرات وزارة التموين فى منطقة بورتن؛ حيث تمكنت عام 1941 من إنتاج أول قنابلها البيولوجية المعبأة بجرثومة الجَمرة الخبيثة، وألقتها تجريبيّا فى جزيرة جرينارد الأسكتلندية النائية.
وكان من نتيجة ذلك نفوق كامل قطعان الماشية والحيوانات على الجزيرة بفعل القنبلة، الأمر الذى دفعها لإغلاق تلك الجزيرة نهائيّا وكليّا أمام البشر، ويعتقد العلماء أن الجراثيم المتولدة عن تلك التجربة لاتزال باقية إلى اليوم وستستمر فى خطورتها.
وأشيع على نطاق واسع فى وسائل الإعلام فى منتصف الخمسينيات أن القوات اليابانية قامت بإجراء تجارب على الآلاف من أسرَى الحرب لديها بحَقنهم بجراثيم التيفود، أو إعطائهم مواد غذائية أو مياهًا ملوثة بميكروب الكوليرا، كذلك تواردت أنباء عن قيام القوات اليابانية بنشر ميكروب الكوليرا فى آبار المياه فى مناطق الصراع الصينية.
وقد كان مَقر المعامل اليابانية فى (هربن) قرب منشوريا، التى استولى عليها الاتحاد السوفيتى فيما بعد ونقل تلك المعامل إلى روسيا.
وفى عام 1979 وقعت أكبر حادثة استنشاق لجراثيم الجَمرة الخبيثة، عندما أطلقت خطأ فى المركز البيولوجى العسكرى فى سفيردلوفيسك فى روسيا، ما أدى إلى إصابة 79، وموت 68 شخصًا.
وخلال الحرب الكورية وجّهت الصين وكوريا الشمالية للولايات المتحدة اتهامات باستخدام أسلحة جرثومية ضدهما، وعام 1952 دعيت اللجنة العلمية الدولية للأمم المتحدة للتحقيق فى الشكاوَى المقدمة من الصين وكوريا، فخرجت بتقرير تضمّن احتمال حدوث تعرُّض للأفراد فى مناطق النزاع بمواد جرثومية.
وتم رصد وجود لجراثيم الكوليرا والجمرة الخبيثة وبراغيث مصابة بجراثيم الطاعون وبعوض يحمل فيروسات الحُمى الصفراء، وحيوانات منزلية تم استخدامها لنشر الأمراض الوبائية.
وخلال حرب فيتنام استخدم الجيش الأمريكى الأسلحة الجرثومية ضد القرى والبلدات الفيتنامية، كما تم استخدام ذات الأسلحة فى محاولة من الأمريكيين لتدمير محصول القصب فى كوبا فى الستينيات والسبعينيات، وهو مصدر الدخل الرئيسى للبلاد.
وبحسب دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للمعهد الوطنى الطبى للصحة قبل عدة سنوات؛ فإنه خلال القرن الماضى، قضى أكثر من 500 مليون شخص بسبب الأمراض المُعدية، وعشرات الآلاف من هذه الوفيات نتج عن الإطلاق المتعمد لمسببات الأمراض أو السموم.
ورُغم مَخاطر استخدام الحرب البيولوجية وتأثيرها المدمر؛ فإن تاريخ البشرية حافل بالصفحات السوداء لاستخدام تلك الأدوات القاتلة فى المواجهات القديمة والحديثة على حد سواء.
فالحرب البيولوجية قديمة ويُعتقد أن أول استخدام لذلك السلاح كان على يد القائد اليونانى سولون عام 600 ق.م؛ حيث استخدم جذور نبات هيليوروس فى تلويث مياه النهر الذى يستخدمه أعداؤه للشرب، وهو ما أدى إلى إصابتهم وبالتالى سهَّل عليه إلحاق الهزيمة بهم.
كما لجأت وقتها بعض الجيوش إلى تسميم ينابيع المياه والآبار والعيون والطعام فى وجْه الجيوش المعادية، وإلقاء الجثث المتعفنة للجنود القتلى والمصابين بالأوبئة فى معسكرات أعدائهم حتى تنتشر الأوبئة والأمراض فيما بينهم، محاولين بذلك؛ الإبادة الجماعية بالعوامل البيولوجية، وكان اليونانيون والرومان والفُرس والروم يلجأون لذلك ضد أعدائهم، وعندما كانت جيوشهم تقترب من منطقة أو مدينة يستهدفها، كانوا يلقون بالجثث الميتة والحيوانات النافقة فى ينابيع وآبار وأنهار تلك المدينة لتلويث مياه الشرب.
وفى العصور الوسطى احتل الإمبراطور الألمانى فريدريك بربروسا مدينة تورتونا الإيطالية بعد تسميم خزانات مياه الشرب فيها، وخلال الحروب الصليبية قامت الجيوش الصليبية بإلقاء جثث الجنود الموتى داخل معسكرات الجيوش المصرية والشامية فى محاولة منهم لنشر الأمراض الفتاكة والأوبئة مثل الطاعون والجدرى والكوليرا بين صفوف الجنود.
وشهد عام 1347 ما يمكن وصفه بأول هجوم بيولوجى شامل، عندما حرّك المغول نخبتهم العسكرية الضاربة والمعروفة بالحشد الذهبى تحت قيادة "جانى بيج"؛ لينجحوا بَعدها فى محاصرة مدينة كافا فى شبه جزيرة القرم داخل البحر الأسود.
فى تلك الفترة، كان القائد المغولى يشهد تساقُط جنوده وتعفن أجسادهم دون قتال، حينها أدرك جانى بيج أن الطاعون يأكل الجنود، كما أدرك أن الهزيمة حتمية، ما جعله يقرر الانسحاب، ولكن ليس قبل أن يلحق أكبر الضرر بخصومه، فقرر القائد المغولى أن يلقى أجساد الجنود المصابة بالطاعون إلى "كافا" بالاعتماد على سلاح المنجنيق الضخم، فبدأ بذلك أول حرب بيولوجية.
وبدأ سكان كافا السباق مع الموت؛ حيث هرب الكثيرون نحو أوروبا، لكن الوقت فات والطاعون سكن أجسادهم، فنقلوه إلى القارة الأوروبية كلها، وهو ما عُرف بـ«الموت الأسود» الذى حصد أرواح ثلث سكان القارة.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة