الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكاية الكوليرا الهندية

 أوبئة متعددة اجتاحت العالم، ثم أصبحت خبرًا بفعل ماض، بعد أن استطاع العالم القضاء عليها بإنتاج لقاحات، وعلاجات ضدها.



 

 أحد أصعب وأشرس هذهِ الأوبئة كان وباء الكوليرا، الوباء المخيف الذى ذاقته مصر فى تاريخها غير البعيد أكثر من مرّة. ولكن كيف فعلتها مصر ونجت منه للأبد؟ وهل انتهت الكوليرا من العالم تمامًا؟ 

 

فى الحقيقة أن مرض الكوليرا نفسه، لم يختفِ من العالم، فهو لايزال موجودًا ويظهر فى أوقات الأزمات، أو بمعنى أصح فى مناطق النزاعات، كمرض تصعب السيطرة عليه.

 

فلم يتمكن العلماء حتى الآن من القضاء عليه بشكل نهائى، فهو قد يستوطن بعض المناطق، ويتفشى فى أخرى، وينتشر فى غيرها، وتتفاوت أعراضه من بسيطة إلى شديدة لكنها فى كل الأحوال فقدان سريع للسوائل، عن طريق الإسهال والقىء، بسبب جرثومة معوية.

 

ويُعتبر الصيف موسمًا مناسبًا لظهور مرض الكوليرا، ولايزال اليمن وبعض الدول الإفريقية ضحيةً لهذا المرض.

 

فخط الدفاع الأول ضد هذا المرض هو النظافة فى مياه الشرب والصرف الصحى، بالإضافة إلى استخدام اللقاحات المتاحة، وهو ما لا يتوافر فى مناطق الحروب والنزاعات.

 

البداية

 

رُغم أن الانتشار الأوسع لهذا الوباء عالميّا كان على مدار ست مرّات فى القرن الثامن عشر، واحدة منها امتدت حتى عشرينيات القرن العشرين، وواحدة فى القرن العشرين؛ فإنه حتى الآن لايزال موجودًا على ظهر كوكبنا، فقد راح ضحيته فى الفترة من يناير 2018 حتى منتصف 2019، ما يقرب من 686 ألف ضحية، ويمثل الأطفال تحت عمر خمس سنوات 22.7 % من إجمالى حالات عام 2019. ورُغم أن مرض الكوليرا من أقدم الأمراض المعروفة تاريخيّا؛ فإن اكتشاف الجرثومة المسئولة عنه جاء فى نهايات القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1883 على يد عالم ألمانى، وهو ما ساعد فى السيطرة عليه، والتوصُّل لأول لقاح عام 1885.

 

مرّات متعددة زار الوباءُ مصرَ فى القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، إلّا أن هناك ثلاث مرّات كانت هى الأصعب من حيث الانتشار وعدد الضحايا.

 

بعد عام واحد من الاحتلال البريطانى لمصر، أى فى عام 1883، اقتحمت الكوليرا مصر؛ حيث ظهر فى دمياط ، فى بداية الصيف، مع باخرة بريطانية جاءت من الهند، كان قائدها مصابًا، ونقل المرض إلى البلاد، بعد رسوه فى بور سعيد ثم انتقاله إلى دمياط.

 

 انتشر المرض فى المدينة ومنها إلى باقى مدن الدلتا، والإسكندرية، ووصل إلى القاهرة، وحصد أرواح ما يقرب من 60 ألف ضحية، حتى تمام السيطرة عليه بنهاية العام، بعد جهود كبيرة من الحكومة.

 

الزيارة الثانية للوباء القاتل إلى مصر، كانت فى العام 1902، وقد بدأ انتشار المرض من معسكر الإنجليز فى منطقة التل الكبير، وتسبب فى وفيات كبيرة بين الجنود، ثم انتقل منها إلى قرية "القرين" فى محافظة الشرقية، ثم إلى بقية المحافظات، وحصد أروح ما يقرب من  35 ألف شخص. غرف للغرباء!

 

فى عام 1947 حل وباء الكوليرا بمصر مجددًا، وتسبب فى عزلها عن العالم، وأُطلِقَ عليه "الكوليرا الهندية"؛ حيث بدأ من الهند وجاء مع القوات البريطانية التى تحركت من هناك بعد قرار جلائها.

 

وبرسوها فى طريق عودتها فى الموانئ المصرية دون الالتزام بالاشتراطات الصحية الضرورية، نقلت المرض إلى مصر، من خلال العمال المصريين، وتفشى بمحافظة الشرقية مرّة أخرى، التى أعلنتها الحكومة بؤرةً لتفشى المرض.

 

وأصاب الوباء القرى بسبب عادة انتشرت فيها؛ حيث كان كثير من أهلها يؤجرون الغرف غير المشغولة فى بيوتهم للعمال الغرباء، الذين جاء بعضهم حاملًا للمرض، وتكتم أهالى القرية على ذلك، وكان من يموت يتم دفنه دون إخطار، حتى لا يتم عزل أهل البيت، إلى أن تفشى المرض وصارت الشرقية هى بؤرة الوباء.

 

وتواجد المرض أيضًا فى بلبيس وفاقوس بالشرقية، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات صارمة من عزل، ومنع غسل الملابس أو الاستحمام فى الترع، وإلغاء وسائل الشرب العامة (الزير، القلة)، وضخ الكلور فى مياه الشرب، وغسل الخضار به قبل بيعه، مع منع بيع الطعام الجاهز فى الأسواق، وتم إنشاء وحدة صحية، و6 طلمبات للمياه النظيفة.

 

واجه الأطباء والممرضون المصريون المرضَ فى ذلك العام بشجاعة، وأُصيب كثير منهم به وتوفى بعضهم، وتمت محاصرته والقضاء عليه فى الصعيد والقاهرة أولًا ثم فى منطقة الدلتا.

 

وقد بذل الأطباء والعلماء المصريون جهودًا كبيرة بالتعاون مع البعثات الأجنبية، لاستخلاص اللقاح، فقد نجح الدكتور عبدالحميد جوهر الأستاذ فى كلية الطب حينها،  أن يستخرج سُم ميكروب الكوليرا صافيًا.

 

وكانت تلك هى الزيارة الأخيرة للوباء القاتل إلى مصر، بعد أن حصد أرواح 10276  ضحية، من أصل 20805 مرضى.

 

وعلى مدى المرّات التى ضرب فيها الوباء مصر، كانت الحكومات تواجهه بكل حزم خوفًا من تحوُّل مصر إلى منطقة معزولة.

 

وكانت التعليمات الحكومية للشعب بالبقاء فى المنازل قدر المستطاع، ومنع السلام باليد ومنع القبلات، والاهتمام بالنظافة الشخصية.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق