الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سقوط أمريكا.. وانتهاء الأمم المتحدة؟!

 فى 17مارس الماضى، نشر مُحلل الشئون الخارجية الأبرز عالميّا توماس فريدمان مقالًا فى جريدة نيويورك تايمز بعنوان: “التقسيم الجديد للتاريخ: العالم قبل كورونا.. والعالم بعده”.



 

هذا ببساطة أحد أوجُه التغيير الذى سيشهده العالم فى مرحلة ما بعد كورونا، فلا أحد يعلم على وجه الدقة متى ستنتهى تلك الأزمة، لكن المؤكد أن عالم ما بعد كورونا، لن يكون أبدًا كما كان قبله.

 

 

كثيرة هى الأحداث التى اتخدها العالم كعلامة فاصلة بين مراحل مختلفة، فهناك من يتخذ من الحروب العالمية فاصلًا زمنيّا بين مراحل مختلفة، وربما كان أكبر حدث كبير مَثل علامة فارقة فى تاريخ البشرية هو أحداث 11سبتمبر 2001.

 

بعدها شاعت تعبيرات ما قبل  11سبتمبر وما بعدها.. ويبدو العالم اليوم على موعد مع علامة فارقة جديدة أكثر تأثيرًا وأخطر من كل ما شهده من معارك أو هجمات سابقة، فالأمر لا يقتصر على قارة بعينها او منطقة بحد ذاتها، أو دور لقوة عظمى محددة، بل الأمر يرتبط حقيقة بالبشرية، فالجميع متضرر، والجميع يدفعون الثمَن.

 

فى عالم ما بعد كورنا سيكون العالم أمام واقع مختلف، ستتهاوَى أفكار طالما استقرت فى عقل البشرية، وستسقط قوى عظمى؛ لتقوم غيرها، وستختلف أولويات الدول والمنظمات العالمية، وسنشهد أدوات مختلفة لممارسة السياسة، ونمطا مختلفًا للعلاقات بين الدول، ومعايير جديدة لتقييم أداء الحكومات، وتصنيف الساسة.

 

نظام جديد

 

يبدو أن الكثير من ساسة العالم يدركون حجم التغيير المقبل الذى ستعيشه البشرية، ففى فرنسا، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن "هذه الفترة علمتنا الكثير"، وأن كثيرًا من الأمور اليقينية والقناعات ستتلاشى”.

 

أمّا هنرى كسينجر- وزير الخارجية فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون، وأحد أهم رموز صناعة السياسة الأمريكية لعقود- فينصح الحكام بالاستعداد الآن للانتقال إلى نظام عالمى لما بعد فيروس كورونا.

 

وحسب مجموعة الأزمات التى تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرّا لها، فى تقييمها لما ستسفر عنه جائحة كورونا من تغيير دائم فى السياسة الدولية، قالت "بإمكاننا الآن أن نلاحظ وجود روايتين متضاربتين تحظيان بالرواج: الأولى أن الدرس المستفاد من الفيروس هو أن على الدول أن تتضافر حتى تتمكن من هزيمة (كوفيد- 19) على نحو أفضل. والثانية أن على الدول الابتعاد عن بعضها حتى يتسنى لها حماية أنفسها من الجائحة.

 

المؤكد أن العالم مقبل على نظام عالمى جديد ينهى النظام الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وأن عالمًا جديدًا سوف يتشكل، وسوف تكون الكلمة العليا فيه للبحث العلمى والعلماء، والرعاية الصحية والخبراء فى إدارة الأزمات والكوارث وحماية البيئة، كما سيجبر هذا النظام الجديد الساسة على وضع الاعتبارات الصحية والعلمية على قمة أولوياتهم، وستتحدد شعبية الأنظمة السياسية بمدى قدرتها على توفير “الأمن الصحى والوقائى”.

 

النظام العالمى الجديد لما بعد كورونا سيشهد عددًا كبيرًا من المتغيرات، ليس فقط فى خريطة النفوذ والسيطرة فى العالم، ولكن أيضًا فى المفاهيم التى تحكم العقل السياسى العالمى.

 

قامت مجلة السياسة الدولية (Foreign Policy)  باستطلاع آراء 12 من الخبراء فى السياسة والاقتصاد، والعلوم الاجتماعية، والمفكرين والكُتّاب المرموقين فى العالم، وكان السؤال المطروح على الجميع: أى عالم ينتظرنا بعد كورونا؟ وكانت الإجابات متفقة على أن العالم سيشهد عدة تغييرات جوهرية فى مرحلة ما بعد كورونا، أهمها صعود الحركات القومية وتراجع فى ممارسة الديمقراطية بشكلها الحالى.

 

فضلًا عن حدوث تغييرات فى موازين القوى العالمية، وظهور الصين كبديل لأمريكا فى المركز الجديد للعولمة، وإن كان هناك تشكك فى أن تكون هناك قوة واحدة مسيطرة، وفى الغالب سيكون هناك عالم متعدد الأقطاب.

 

المشاركون فى الاستطلاع أكدوا أن ما بعد كورونا سيعنى نهاية العولمة بشكلها الحالى، وحدوث تغييرات جوهرية فى شكل العلاقات والتجارة الدولية، واختفاء الرأسمالية بشكلها الحالى، وظهور رأسمالية جديدة أقل توحشًا وأكثر مرونة. 

 

وربما يتقلص دور الشركات العملاقة فى حركة التجارة العابرة للحدود؛ وبخاصة بعدما أظهر الفيروس الجديد أن الانفتاح الكبير قد يجلب معه أمراضًا مميتة فى غضون أيام معدودة.

 

المجلة أشارت إلى أن الأمم المتحدة أيضًا باعتبارها جزءًا من هذا النظام العالمى الذى تأسّس بعد الحرب العالمية الثانية، ستكون أيضًا فى مهب التغيير نتيجة ريح فيروس كورونا التى عصفت بقدرة العديد من المؤسّسات الأممية على إدارة الأزمة، وبدلًا من أن تقود تلك المؤسّسات جهدًا دوليّا شاملًا للتصدى للجائحة، أثبتت فشلا ذريعًا فى القدرة على السيطرة، وباتت هدفًا مكشوفًا لنيران القوى العالمية المتصارعة؛ وبخاصة من جانب الولايات المتحدة.

 

 

 

 وأضافت: ليس أدَل على ذلك من الهجوم الأمريكى المتكرر على منظمة الصحة العالمية، واعتزام مجموعة الدول الصناعية السبع تطبيق خطة وإجراءات اقتصادية لمواجهة أزمة كورونا بعد أن اتفقت أيضًا على إصلاح منظمة الصحة العالمية.

 

وما يقال عن منظمة الصحة يمكن أن ينطبق على مواقف باقى المنظمات الأممية، التى أثبتت فشلا ذريعًا فى إدارة صراعات العالم ونزاعاته الدموية، وبالتالى صارت تلك المنظمات عبئًا على العالم، بدلا من أن تكون أداة لمواجهة الأزمات.

 

حرب بلا دخان

 

وإذا كان الكثير من الدراسات والتقارير قد أشار خلال السنوات الأخيرة إلى أن العالم مقبل على أزمات كبرى نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمى، واحتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والحاجة إلى التخلص من أحادية قيادة العالم، وكانت كل السيناريوهات تقريبًا تتفق على التحذير من اندلاع حرب عالمية ثالثة، إلا أن انفجار أزمة فيروس كورونا حققت النتائج نفسها تقريبًا، لكن دون اللجوء إلى المواجهات العسكرية.

 

وهو ما دفع أحد المفكرين الصينيين إلى وصف جائحة كورونا بأنها “حرب عالمية بلا دخان”، وستتجاوز تداعياتها مجرد إعادة ترتيب أوراق العالم وأوضاعه، بل ستغير مفاهيم الأمن التى استقرت لسنوات طويلة، فالأمن القومى الآن لن تحققه الترسانة العسكرية أو القدرات الاستخباراتية، بل سيتطلب الأمر إضافة أبعاد جديدة لم تكن على أجندة الأولويات، وفى مقدمتها القدرات الصحية وإمكانيات إدارة المرافق الطبية وتوافر سُبل التعامل مع الأزمات غير التقليدية.

 

فضلا عن تحويل الكثير من قطاعات الحياة إلى التعامل المرن مع تلك الأزمات، ومن بينها التعليم والخدمات وغيرهما.. كل ذلك سيضاف إلى العوامل المطلوب مراعاتها عند الحديث عن مفهوم القوة الشاملة للدولة.

 

بل إن أزمة كورونا ستغير من دور الدولة نفسها، والمفاهيم التى استقرت بشأنه على مدى العقود الأخيرة عقب الانتصار الكبير للفلسفة الرأسمالية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.

 

بات الآن الأمر مختلفًا، فدول الغرب المتقدم (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وغيرها) عصفت بها الأزمة، وفشلت المنظومة الرأسمالية فى إدارة الأزمة، بينما فى المقابل نجحت دول أخرى كانت توصف بأنها شمولية مثل (الصين) فى إدارة الأزمة بأسلوب فريد، جعل الكثير من المفكرين الغربيين أنفسهم يراجعون أفكارهم حول المساحة الواجب توفيرها لدور الدولة فى إدارة الشئون العامة.

 

فمثلا ريتشارد هاس- رئيس المجلس الأمريكى للعلاقات الخارجية- يؤكد أن وباء كورونا سيدفع بلدانًا عديدة إلى إيلاء اهتمام أكبر بالشئون الداخلية منه بالشئون الخارجية لبضع سنوات على الأقل.

 

ويرى الفيلسوف الكورى الجنوبى بايونج تشول هان، فى مقالة بصحيفة إلباييس الإسبانية، أن المنتصرين فى الجائحة هى "الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين وهونج كونج أو سنغافورة؛ بسبب عقليتها الاستبدادية المستمدة من الإرث الثقافى للعقيدة الكونفوشيوسية". 

 

ويضيف بايونج، إن الناس فى تلك الدول لا ينزعون كثيرًا إلى التمرد، وهم مطيعون أكثر من نظرائهم الأوروبيين، ويثقون بالدولة، وحياتهم أكثر تنظيمًا.

 

وتنبأ بأن "الصين بات بإمكانها الآن الترويج لدولتها البوليسية الرقمية كنموذج للنجاح فى درء الوباء. وستفاخر أكثر بتفوق نظامها". 

 

ويرى الكاتب والمفكر الأمريكى من أصول يابانية فرانسيس فوكوياما، أن الخط الفاصل فى الاستجابة الفعالة للأزمات لا تضع الأنظمة الاستبدادية فى كفة والديمقراطيات فى كفة أخرى. فالعامل الحاسم فى الأداء ليس هو نوع النظام بقدر ما هو قدرة الدولة على الاستجابة للكوارث، وفوق كل ذلك درجة الثقة بالحكومة.

 

ويتوقع فوكوياما، أن يقوّى هذا الوباء نفوذ الدولة ويعزز الاتجاهات القومية وأن تتبنى حكومات العالم إجراءات استثنائية طويلة المدى لإدارة الأزمة، ما يمنحها سُلطات واسعة جديدة، تجعلها تكره التخلى عنها بعد انتهاء الوباء.

 

نهاية العولمة

 

 إذا كان فوكوياما نفسه قد بشّر قبل سنوات بنهاية التاريخ، والانتصار النهائى للعولمة الأمريكية، إلا أن الأقدار شاءت أن يكون فيروس كورونا مبشرًا بسقوط تلك الفكرة ونهاية العولمة الأمريكية التى استغرق ترسيخها عدة عقود.

 

فإذا بفيروس لا يُرى بالعين المجردة يطيح بها، ويبشر بعصر جديد، فكثير من التحليلات تؤكد أن الاتجاهات العالمية ستنتقل من العولمة التى تتمحور حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول الصين. 

 

لقد فَقدَ الشعب الأمريكى ثقته بالعولمة والتجارة الدولية التى بات يعتبرها سلبية، وفى ظل هذا الوضع، يصبح أمام الولايات المتحدة خياران، الأول أنها إذا أرادت أن تحافظ على تفوقها وريادتها العالمية، عليها الانخراط فى مواجهة جيوسياسية صفرية مع الصين على المستويين السياسى والاقتصادى، والثانى أنه إذا كانت تريد تحسين مستوى حياة الأمريكيين، فيتعين عليها التعاون مع بكين.

 

كما أن إدراك العالم أن الانفتاح المُبالغ به فى الحركة بين القارات، كان أحد أسباب تفشى الفيروس بين أقاليم الأرض، وأن الاعتماد على ما ينتجه الآخرون لم ينقذ غير المنتجين من الأزمة، بل تحولت دول إلى قراصنة لخطف المستلزمات الطبية.

 

 وبالتالى يتصاعد الحديث عن أهمية العودة إلى أفكار الاكتفاء الذاتى، وهو ما يعزز القول بأننا متجهون نحو عالم أقرب وأصغر، لكنه أكثر فقرًا وبُخلا حين تنكفئ الدول إلى شواغلها الداخلية، وتتحول معظم الحكومات حول العالم إلى الداخل والسعى نحو الاكتفاء الذاتى.

 

 وستتزايد المعارضة للهجرة وتتراجع الرغبة فى معالجة المشاكل الإقليمية والعالمية والالتزام بها؛ نظرًا إلى الحاجة  لتكريس الموارد من أجل البناء الداخلى فى كل دولة والتعامل مع العواقب المترتبة على الأزمة الاقتصادية.

 

ويشير العديد من التقارير إلى أن أزمة كورونا لم تثبت فشل العولمة فحسب، بل أثبتت مدى هشاشتها وزيف الكثير من الحجج التى سيقت لتبريرها.

 

 فمع بداية الوباء، سارعت جميع الدول التى روجت للعولمة، واستفادت منها اقتصاديّا واستراتيجيّا، إلى الانغلاق إلى الداخل والحد من السفر وإغلاق حدودها، وتخزين الإمدادات الطبية. 

 

من ناحية ثانية، يرى بعض التقارير المهمة أنه بينما كانت العولمة تخدم أنظمة رأسمالية دولية على حساب الفقراء فى العالم الثالث؛ فإن كورونا قد تخطى تلك الفوارق الطبقية وأوجد ما يمكن تسميته بـ«اشتراكية المرض»، بحيث أصبح الفقير والغنى معرضين بالدرجة نفسها لهذا الوباء الذى أصبح عابرًا للطبقات الاجتماعية بكل درجاتها وتصنيفاتها.

 

وهذا الوضع جعل الجميع متساوين، من حيث العجز، أمام مواجهة هذا الوباء، فضلا عن أن عجز الدول المتقدمة فى تحصين أنفسها من الوباء أو اكتشاف علاج له يفضح أسطورة التفوق الغربى. تفكك قوى

 

إذا كان العالم النامى أو الأقل تقدمًا يقف أمام أسئلة كبيرة تتعلق بمستقبله وعلاقاته بالعالم المتقدم؛ فإن العالم المتقدم نفسه ليس أقل انشغالا بأسئلة المستقبل بعد كورونا.

 

 فالاتحاد الأوروبى نفسه الذى كان دوما يتباهى بقدرته على دعم قدرات أعضائه على مواجهة الأزمات الطارئة، نجده يقف اليوم فى حال لا يُحسد عليها، فالحدود الأوروبية المفتوحة أُغلقت أمام حركة مواطنى القارة العجوز، وكل دولة اتخذت إجراءات ومنهجًا مغايرًا لمواجهة الأزمة، بل بدلا من أن تتكاتف بعض دول الاتحاد لمساعدة جيرانها اتبعت نهجًا براجماتيّا فى التعامل مع التحديات، ولجأ بعضها إلى تعطيل صفقات لتصدير مستلزمات طبية وغذائية مُلحة لجيرانه، بل لجأ البعض إلى سرقة تلك الشحنات!

 

ولن يقتصر تأثير الجائحة فقط على مستقبل العلاقات السياسية بين دول القارة الأوروبية فقط، بل سيمتد إلى التأثير على التركيبة البشرية لأوروبا كلها.

 

فبَعد تصاعُد حملات الهجوم على الهجرة إلى القارة الأوروبية والغرب عمومًا، فربما لن تجد القارة العجوز حلا لتعويض خسائرها البشرية، وارتفاع معدلات كبار السن بين مواطنيها، وانخفاض معدلات الإنجاب، سوى أن تتغاضى قليلا عن ذلك النهج المتشدد بشأن استقبال المهاجرين.

 

فمن المتوقع أن تنخفض معدلات المواليد، المنخفضة للغاية أصلا، فى أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما سيدفع باتجاه فتح الأبواب قليلا أمام هجرة بعض الفئات المطلوبة على نحو عاجل، مثل الأطقم الطبية والعاملين فى مجال الرعاية الصحية، وقد كانت هناك مؤشرات عديدة على هذا النهج مثل فتح واشنطن باب منح التأشيرات للعاملين فى القطاع الطبى.

 

بعض التقديرات كانت تشير إلى أن الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يتخذ أبعادًا أكثر حدة، وصولا إلى المواجهة المباشرة، إلا أن هناك تحليلات أخرى تشير إلى أن الصراع على قيادة العالم فى مرحلة ما بعد كورونا سيتخذ نهجًا مختلفًا.

 

ويشير العديد من التقارير إلى أن صراع القوى الكبرى ستزداد حدته بعد هذا الوباء؛ نظرًا للتفاوت الكبير فى حجم الضرر المتوقع أن يلحق بهذه القوى، وفى مدى قدرة المجتمعات على تحمُّل تبعات هذه الأضرار، وأيضًا بالنظر إلى التفاوت الكبير فى طبيعة نظمها السياسية والاقتصادية.

 

وترى تلك التقارير بأن من يخرج أولا من محنة كورونا سيتمكن من تحقيق نقاط هائلة على سلم السيطرة، وهو ما ستتبدل معه الكثير من التحالفات وظهور تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة. 

 

من ناحية ثانية، جعل كورونا تلك القوى مشغولة بنفسها، إلى حد كبير، كما قلص تطلعاتها وقدراتها الاستعمارية، وبالتالى فمن المتوقع أن تتقلص الأطماع الاستعمارية للقوى الكبرى لصعوبة تحقيقها.

 

كما أنها قد صارت أكثر حاجة إلى التعاون لتحقيق نمو اقتصادى أفضل. كما أن الخيار العسكرى فى حل نزاعاتها، أو تحقيق أطماعها، قد صار أبعد مما كان عليه فى أى وقت مضى.

 

لكن ذلك لا يعنى أن الصراعات ستختفى من العالم، بل ربما تتخذ أشكالا أكثر تقدمًا وأقل تكلفة، فحروب التكنولوجيا ستتصاعد، والحروب بالوكالة قد تكون خيارًا مطروحًا، إضافة إلى اشتعال صراعات الهيمنة على المناطق الأكثر ثراءً من حيث الموارد الطبيعية.

 

ومن المرجح أن تعزز الأزمة الحالية مثل هذه الاتجاهات، وسيحدد التنافس الاستراتيجى نطاق العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، فى شتى المجالات بما فى ذلك العسكرية، والاقتصادية، والمالية، والتكنولوجية، والأيديولوجية.

 

وحتى الأزمة الحالية، كانت فكرة أن العالم مقبل على حرب باردة جديدة، تبدو سابقة لأوانها؛ خصوصًا أن النظامين الماليين للبلدين متشابكان للغاية لدرجة أن الانفصال الحقيقى كان مستبعدًا، وبدا أنه من المستبعد أيضًا أن تحدث حروب بالوكالة بين القوتين العظميين فى بلدان ثالثة، كما حدث فى التنافس بين الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتى، إلا أن التهديدات الجديدة التى يوجهها كلا الجانبين مع تزايد التوترات المتعلقة بـ«كوفيد- 19» يمكن أن تغير كل ذلك.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق