الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عالم جديد ؟!

عالم جديد ؟!

كل المؤشرات تقود إلى نتيجة واحدة، مفادها أن العالم بعد "كورونا" لن يكون هو العالم نفسه قبل الجائحة، بما يعنى أن خريطة التحالفات الدولية التقليدية ستتلاشى، ومراكز صناعة القرار السياسى ستنتقل كليّا أو جزئيّا من عاصمة إلى أخرى.



 

فالمعطيات تشى بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تظل كما كانت القطب الأوحد المتحكم فى مسارات السياسة والاقتصاد، وستعيد بلدان القارة العجوز "أوروبا" ترتيب أوراقها وفق مصالح كل دولة على حدة لأنها ستكون الأكثر تضررًا.

 

 أمّا الصين فسوف تسعى نحو لملمة أشلاء القوى التى بعثرتها غطرسة واشنطن لصالحها، وفى المقابل لا يمكن إغفال تطلعات روسيا صوب توسيع دوائر نفوذها السياسى والاقتصادى؛ لتبوء مكانة متقدمة  فى عالم ما بعد "كورونا".

 

هذه التصورات ليست من قبيل ضرب الودع، إنما وفقًا لقراءة يرتكز مضمونها على جملة من الشواهد، يعضدها الصراع المشتعل الآن، بين واشنطن وبكين على قيادة العالم سياسيّا وعسكريّا واقتصاديّا، وبدء كل طرف منهما استعراض قوته، والتوجُّه نحو استقطاب أطراف دولية  لصفه، بما يعيد للأذهان تحالفات القوى العظمى قبل الحرب العالمية الثانية.

 

وهو الأمر الذى ينبئ بتعقيدات المشهد الدولى، فالصين تتصدر قائمة أقوى اقتصاد فى العالم ولديها  علاقات مع العديد من العواصم، وأمريكا تسعى بكل الطرُق للحفاظ على هيمنتها، ولديها نفوذ طاغ، وهناك عواصم يتنامى اقتصادها بصورة لافتة، لكنها تحتفظ بعلاقات متوازنة  مثل مصر والهند.

 

 وأكدت دراسات وأبحاث دولية أنه بحلول عام 2030 ستحتل الصين المركز الأول اقتصاديّا تليها بالترتيب الهند ثم  أمريكا وروسيا ومصر، وأفصح البنك الدولى مؤخرًا عن وثيقة  جرى إعدادها بالتعاون مع مراكز بحثية بريطانية وكندية  بالمعنى نفسه، بما يعنى تراجُع الاقتصاد الأمريكى من المركز الأول إلى الثالث.

 

إذن الاقتصاد هو السبب الحقيقى وراء الصراع، لكنه يختبئ  خلف "كورونا"، القاتل الذى كشف هشاشة النظام العالمى، وأجبر أعتى الإمبراطوريات العسكرية والاقتصادية على الركوع أمام طغيانه.

 

 فالولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها وإمكانياتها وقفت عاجزة، لم تستطع الصمود أمام إجراءات تعطيل الأنشطة الاقتصادية وتوقف حركة الطيران، فلجأت للاقتراض من البنك الدولى، رُغم تعاظم مديونياتها من القروض الأجنبية، منها 1,3 تريليون دولار من الصين، فضلًا عن عدم  قدرتها على الوفاء بالتزاماتها من المساعدات لبعض الحكومات، ما سيؤثر بالتبعية على تراجُع نفوذها فى المشهد المقبل، ويفتت خريطة تحالفاتها.

 

ورُغم نفى منظمة الصحة العالمية، حتى الآن، أن يكون الفيروس تخليقيّا؛ فإن انتشاره كان بمثابة الفرصة الاستثنائية، لتبادُل الاتهامات، فسارعت الإدارة الأمريكية لضرب عدة عصافير بحجر واحد، وفى الوقت نفسه امتطاء موجة الهلع التى تجتاح كل بلدان العالم للتحريض ضد الصين.

 

 تزامنت حدة  التوتر مع العرض العسكرى الصينى أثناء الاحتفال بالعيد الوطنى، وظهور أسلحة متطورة وصواريخ يصل مداها إلى 14 ألف كيلو متر، وغواصات تعمل بأجهزة السونار لكشف مساحات هائلة تحت سطح الماء.

 

الأزمة نزعت أوراق التوت عن أنظمة الحُكم فى الدول الكبرى؛ خصوصًا فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان، تلك الورقة التى ظلت وسيلة لابتزاز البلدان النامية.

 

 حيث دهست تلك الأنظمة  الشعارات فى أول اختبار؛ خصوصًا عندما رفعت إدارة البيت الأبيض شعارًا يتسم بالأنانية مؤداه أن "أمريكا أولًا"، بما يعنى أنها تخلت عن مسئولياتها الإنسانية كدولة عُظمى، ورفضها الاستجابة لمناشدات حكومات بعض البلدان، التى تورطت واشنطن فى تغيير أنظمة الحُكم فيها وعلى رأسها صربيا.

 

شواهد انهيار التحالفات التقليدية بدأت بغضب العواصم الأوروبية من قرار الرئيس الأمريكى "ترامب" المتعلق بإغلاق المجال الجوى مع كل دول القارة العجوز ما عدا بريطانيا، من دون التنسيق مع باريس وبرلين ومدريد  وروما، العواصم التى تعتمد اقتصادياتها على السياحة والرحلات الجوية وقادت التداعيات لخسائر اقتصادية، خلفت مواقف غاضبة.

 

 وفى مقابل انصراف واشنطن عن حلفائها، كانت مبادرات الصين تتسم بالإيجابية عبر تقديم مساعدات تحت غطاء إنسانى، تمثلت فى إرسال الأجهزة والمعدات والطواقم الطبية والخبرات الفنية إلى دول الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى سيعمق الفجوة بين عواصم أوروبا وأمريكا.  

 

فى النهاية يمكن القول، إن تداعيات  الجائحة ستُحد من الإنفاق على التسلح بين الدول الكبرى، لصالح دعم البحوث فى  المجالات العلمية والطبية المتصلة بإسعاد البشرية، وربما يكون هذا هو الشىء الإيجابى الوحيد الذى ستفرزه الأزمة الحالية.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق