كيف انكشفت «عورة الإسلاميين»؟!
أحمد إمبابى
شهر رمضان هذا العام، عرض واحد من أهم الأعـمال الدرامـية التى جسّدت بعضًا من مَشاهـد المواجهة التى تقوم بـها الـدولـة المصـريـة وأجهـزتهـا فى مواجهة التنظـيمـات الإرهابيـة على أرض سيناء.
مسلسل "الاختيار" الذى جسّد بطولة الأسطورة الشهيد أحمد المنسى بطل الصاعقة المصرية الذى استشهد فى إحدى المواجهات مع التنظيمات الإرهابية بسيناء، كان أقرب الأعمال التى قدمت للمُشاهد المصرى والعربى بعض ما يحدث من بطولات فى الواقع.
حكايات وبطولات ومواجهات أمنية وعسكرية وفكرية فى وجه أهل الشر كانت تروَى فقط فى شكل أخبار تتناقلها وسائل الإعلام. ولكن الحقيقة أكبر وأضخم، وما تحقق من جهد تقوده الدولة المصرية لمواجهة الإرهاب ليس فقط على أراضيها ولكن فى المنطقة يستحق أن تروَى فى عشرات الكتب والسيناريوهات، ولكن الحقيقة التى يمكن أن نؤكدها هى سقوط الإسلاميين وتجار الدين فى العمل السياسى.
شعارات خادعة
هى حقيقة بدأت مع ثورة الثلاثين من يونيو، عندما خرجت الملايين من المصريين ضد حُكم الإخوان الإرهابية، وإعلان سقوط تجربة العمل السياسى للإسلاميين، وكشف خداعهم السياسى، بل واكتشاف الشارع المصرى حقيقة وزيف ادعاءات تلك التنظيمات التى استخدمتها على مَرّ عقود لتحقيق غايتها بالوصول للسُّلطة تحت ستار الدين.
لكن هل كانت البداية بخروج الملايين بمختلف ميادين مصر فى الثلاثين من يونيو 2013 لإنهاء حُكم الإخوان؟ أمْ أنها كانت تعبيرًا عن إرادة شعبية تشكلت بعد ممارسات صادمة للإخوان ومؤيديها من التيارات الإسلامية خلال سنة واحدة فقط، انكشف فيها خداعهم السياسى وتطرُّف و"راديكالية" فكرهم؟
الواقع أن صورة الإسلاميين اختلفت لدى المصريين والرأى العام بعد تجربتهم فى الحُكم وانكشاف خداعهم، والأهم أن المواطن بات أكثر وعيًا بوسائل خداع تلك التنظيمات للحد الذى يمكّنه من التحقق من زيف شعاراتهم ومشروعهم الذى طالما جاهدوا لترويجه بالشارع بأنه البديل الأفضل.
وهذا هو المكسب الأهم فلم يعد لهؤلاء أى فرصة للتواجد فى يالشارع مرة أخرى، فالصورة الآن على مختلف الجوانب تؤكد هذه الحقيقة.. على الصعيد القانونى والدستورى، فهناك حظر لأى تواجُد لجماعات وتنظيمات إسلامية من إخوان وجماعة إسلامية أو جهاد، بل الإجهار بالانتماء لها يضع صاحبه تحت طائلة الانتماء لتنظيم إرهابى.
وعلى الصعيد السياسى، قد تكون هناك أحزاب مشهرة قانونًا معبرة عن تلك التنظيمات لكن لا وجود لها فى الشارع، ذلك أن غالبية قادتها أو كوادرها هاربة للخارج من أحكام قضائية بعد تبنيهم العنف والإرهاب.
وخير برهان على ذلك رفض الشارع لأى تواجُد لتلك الأحزاب وعناصرها بالاستحقاقات الانتخابية التى جرت بعد ثورة 30يونيو، وبدا ذلك واضحًا فى انتخابات البرلمان 2015، وإن كان هناك تمثيل رمزى لحزب النور "السلفى" ببعض النواب لا فعالية لهم.
وحتى على مستوى نوافذ العمل العام الأخرى من نقابات وتجمعات عمالية، فبَعد أن كانت تلك النوافذ ستار هذه التنظيمات للتواجد فى ظل الحظر القانونى، وبعد أن كانت منابر تستقطب من خلالها كوادر وعناصر جديدة انعدم تواجُد الإسلاميين بالنقابات، وهو ما يظهر ويبدو جليّا فى كل انتخابات تجرى بهذه الكيانات.
وعلى الصعيد الشعبى، لم تعد هناك قابلية لأى طرح من تنظيم إسلامى، فى ظل ازدواجية وتناقض شعاراتهم مع ممارستهم للحُكم، حتى تحولت خصومة تلك الجماعات السياسية لعداء للشعب المصرى كله؛ وبخاصة مع تعدد عملياتهم الإرهابية من قتل وتخريب وتدمير.
أهل الشر
"أهل الشر".. لم يكن فقط مجرد مصطلحًا استخدمه الرئيس عبدالفتاح السيسى لوصف حال التنظيمات الإرهابية التى تتبنى القتل والتخريب والتدمير، فى مواجهة مشاريع التنمية التى تنفذها الدولة للبناء والتعمير.. ولكنْ تعبير حقيقى لتنظيمات لا ترى سبيلًا لغايتها فى السُّلطة سوى رفع السلاح والقوة.
والحقيقة أن صورة "الشر" كانت حاضرة مع جماعات الإسلام السياسى فى مصر منذ نشأتها، وإذا كانت البداية مع تنظيم الإخوان الإرهابى باعتباره الجماعة الأم التى خرجت من رحم أفكارها باقى التنظيمات الأخرى جهادية أو سلفية أو أصولية.. نجد أن الإخوان منذ تأسيسها على يد حسن البنا فى مارس 1928، سعت للتواجد بادعاء أنها جماعة "أهل خير"! ودعوة، للادعاء بما يسمى إحياء مجد الخلافة.
لكنْ فى الواقع سرعان ما أقحمت الإخوان نفسَها فى الصراع السياسى القائم وقتها واستخدمت السلاح لاغتيال خصومها، والقاضى الخازندار والوزير النقراشى خير برهان، وعلى مَرّ مراحل تطورها، لم يتغير هذا النهج وإن اختلفت وسائله على حسب كل مرحلة. وبعيدًا عن السرد التاريخى لتلك الوقائع؛ فإن ما يستحق التوقف عنده هو النتيجة التى نحن أمامها الآن، وهى كيف لتنظيمات كانت تقدّم نفسَها فى الشارع على أنهم "أهل خير ودعوة" حتى تحولت الصورة لها فى الشارع على أنهم "أهل الشر"، يتصدون لخطى البناء، ويتبنون فكر التخريب والتدمير، يشككون ويشوهون كل خطوة من شأنها التعمير.
وتستخدم تلك التنظيمات فى سبيل ذلك وسائل عدة، بداية من لجانها الإلكترونية لبث الشائعات والادعاءات، والأخبار التى من شأنها إثارة التشكيك والبَلبَلة لدى الرأى العام.
ماذا حدث؟
صحيح أن التنظيمات الإسلامية منذ ظهور الإخوان فى عشرينيات القرن الماضى مرّت بمراحل انكسار وأزمات كثيرة اصطدمت فيها مع الأنظمة السياسية المتعاقبة، واستطاعت أن تتجاوزها بأساليب مراوغة متعددة، إلّا أن المشهد الحالى قد يكون مختلفًا كثيرًا.
الواقع أن هناك اختلافات كثيرة، تجعل من الوضع الحالى بالنسبة للإسلاميين أكثر صعوبة فى التكيف معه أو استخدام أساليب المراوغة والتحييد المعتادة لتجاوزه كما كانت تفعل تلك التنظيمات.
استغلت التنظيمات الإسلامية ما حدث فى 2011؛ حيث سعت تلك التنظيمات وعلى رأسها الإخوان للقفز على المشهد السياسى، وتصدره .
سنة واحدة تكفى.. من ممارسات إقصائية وخصومات متعددة، وتهديدات للخصوم، وأزمات بلا رؤى أو سياسات تطبيقية للتعامل معها، وتعليق كل إخفاق على أطراف أخرى مثل "الدولة العميقة" أو طرف خارجى.. إلى أن اصطفت القوى المدنية خلف إرادة شعبية واسعة فى ثورة 30يونيو لإنهاء حُكم جماعة الإخوان الإرهابية.
وكانت تلك التنظيمات أكثر وضوحًا فى خصومتها للشعب المصرى، عندما رفضت الانصياع لإرادة المصريين والمشاركة فى خارطة الطريق التى تم الإعلان عنها فى بيان 3يوليو بمشاركة القوى المدنية المختلفة، واختارت المواجهة بالعنف والسلاح مستعينة بفلول القاعدة والجهاديين الذين وطنتهم فى سيناء وقت حُكم الاخوان.
بهذه التطورات.. نحن أمام مرحلة فارقة فى تاريخ الحركة الإسلامية، مرحلة سطرت فيها تلك التنظيمات نهايتها السياسية فى الشارع بسواعدها وممارساتها، فالأمر مختلف عن سابقه من فترات أزمات لتلك التنظيمات لأسباب عدة، أهمها أن هذه المرّة الأولى التى يأتى فيها الحُكم على الإسلاميين وهم فى موضع الحُكم والمسئولية، وبالتالى فقدت تلك التنظيمات أهم دعاية كانت تستخدمها فى كل مواجهة مع الأنظمة السياسية السابقة، وهى أنه يتم معاقبتها والتضييق عليها.
فى حين أن واقع الأمر فشلت تلك الجماعات فى تقديم مشروع سياسى واقعى يتعامل مع أزمات ومشاكل واحتياجات المجتمع المصرى، بل تأكد للشارع زيف وخداع الشعارات التى كانت ترفعها.
سقطت أقنعة الإخوان وغيرها من تلك التنظيمات خصوصًا بعد اختيارها طريق العنف وبشهادات قياداتها بعد ثورة 30يونيو ورفع السلاح وتنفيذ عمليات إرهابية أودت بأرواح عشرات الشهداء ومئات المصابين، فضلًا عن خسائر التخريب والتدمير التى ألحقتها.
الحقيقة أنه لا توجد فرص لعودة هؤلاء للشارع مرة أخرى.. لن يمنحهم المصريون هذه الفرصة أبدًا، كما لن تكون المصالحة أيضًا خيارا مطروحا.
ولعل رد الرئيس عبدالفتاح السيسى على هذا الأمْر فى أكثر من مناسبة بأنه لا يملك هذا القرار ولكن بيد الشعب المصرى، خيرُ تعبير على رفض الشعب المصرى لتواجُد تلك التنظيمات مرة أخرى.
والأهم من ذلك هو وعى المواطن المصرى الذى اكتشف زيف شعارات تلك التنظيمات والجماعات وأهدافها، وهذا هو المكسب الأكبر الذى يقف حائلًا أمام أى محاولات لتلك التنظيمات للتسلل، كما هى عادتها، مرّة أخرى بستار الدين والدفاع عن الشريعة.
وهنا يأتى "الاختيار" ما بين طريق الدفاع عن العِرض والحفاظ على الوطن، أو طريق الخيانة.
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة