الإثنين 30 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حتمية مدنية الدولة

حتمية مدنية الدولة

 ليس لأنها مُصانة بنصوص دستورية لا تقبل تغيير شكل الدولة وبُنياتها وطبيعة مؤسّساتها.. ولا لأن الدستور يعهد للقوات المسلحة بالحفاظ على هذه المدنية وحمايتها.. 



 

ولا لأن هذه المدنية كانت جزءًا أساسيّا من الجمهورية التى أسّسها أبناء القوات المسلحة بالثورة الأم فى البلاد عام 1952 ولا لأن مدنية الدولة الحل الأوحد الذى يضمن دولة تصون حريات وحقوقًا وتحدد واجبات الجميع،سواء بسواء لا فَرق؛ إنما مدنية الدولة مسألة حتمية لكل الأسباب السابقة.

 

 

دول كثيرة وقعت فى فخاخ الدولة الدينية.. وبأى نظرة على كل هذه التجارب نجزم أنها كلها فشلت.. ليس لعيوب فى الدين حاشا لله؛ وإنما هذه هى النتيجة الطبيعية لمن يعتقد أنه يتحدث باسم السماء.

 

ولمَن يعتقد أن السماء ستُظله بظلالها فتُيسر له أسباب التقدم محميّا برعايتها مُتكلًا على عنايتها فتكون نتيجة عدم الأخذ بالأسباب وإدراك انتهاء عصور المعجزات هى الفشل الذريع.

 

وبغير ضرْب أمثلة فما من دولة اعتمدت الدولة الدينية التى يحكمها رجال دين يعتقدون بقداستهم إلّا وثبت زيف كل ما بُنيت عليه.. وإن تقدمت فى مجال فشلت فى الباقى.

 

فإن أنتجت سلاحًا عسكريّا تعثرت اقتصاديّا، وإن ازدهرت اقتصاديّا عانَى شعبها من قَمع لا مثيل له وغابت إرادة الناس وتمت سرقتها.. إذ كيف يعارض الناسُ ممثلى الدين نوابَ الله على الأرض؟!!

 

بينما دولٌ أخرى أسّست حُكمًا عسكريّا.. يبقى فى السُّلطة بقوة السلاح؛ لأنه تسلم السُّلطة ممن بقى فيها بقوة السلاح.. وتتم إعادة إنتاج المَشاهد ويبقى الشعب أسيرَ ما يجرى لا تتحسن أحواله ولا تلبّى مطالبه الأساسية حتى تنفجر الأوضاع فى بلاده من جديد عند أول أزمة تولد انفجارًا كبيرًا داخل المجموعة الحاكمة، وهكذا تعانى دولٌ عديدة فى إفريقيا بكل أسى.

 

دولٌ أخرى أسّست حُكمًا قبليّا لا يعرف النماذج الحديثة لأنظمة الحُكم ولا يعرفون أن هناك فرعًا مُهمّا فى العلوم السياسية اسمه "نظم سياسية" ولا يبالون بأى مطالب اللهم إلا حُكم القبيلة التى يحكم أبناؤها تباعًا.. الدولة والشعب يعملون عندها وليس العكس!!

 

وهناك من أسّس حُكمًا أيديولوجيّا بشعارات جذابة ورائعة.. يتولى فيها الحزب العقائدى السُّلطة.. اسمه الحزب القائد فى أغلب النماذج.. هناك أعلى مراحل الحديث عن الحرية الديمقراطية والعدالة ثم تتوالى التعريفات المدهشة.

 

فالحرية والديمقراطية والعدالة لها فى تعريفات الحزب مفاهيم أخرى غير التى نعرفها.. وباسم هذه المفاهيم والتعريفات تقطع رؤوس ورقاب المخالفين والمعارضين.

 

وأحيانًا يتحول الحُكم الثورى إلى وراثى.. بل يتحول إلى طائفى، وهنا الخطورة تتضاعف؛ إذ تنتقل الحزبية أو الطائفية إلى القوات المسلحة لتكون على المَحك عند أول خلاف كبير.. وتكون عرضة لتنفجر من الداخل مع أول انفجار خارجه.

 

 ولذلك؛ مصر أقدَم دولة فى التاريخ وأعرَق شعوب الكوكب التى عرفت الإدارة والجيوش والحدود وعرفت مختلف العلوم قبل شعوب أخرى بآلاف أو مئات السنين، وانتقلت من عصر إلى عصر ومن معتدٍ إلى آخر ومن غزو إلى غيره ومن مستعمر وطامع إلى مستعمر وطامع جديد، وكل هؤلاء لهم عادات وتقاليد مختلفة.

 

 وكانت النتيجة؛ أن بقى شعبنا أصيلًا متميزًا لم تغيره أى رياح أجنبية وغريبة وافدة.

 

 وكل ذلك ومصر تبحث عن حريتها يحكم قرارَها أجنبىٌّ حتى استردها أبناءُ الجيش العظيم لتزداد القوَى الناعمة فى كل اتجاه ويضاف المسرح والفنون الشعبية وقُرّاء القرآن وغيرها وغيرها وتعود أطماع الأعداء لوقف أى نهضة فى بلادنا.

 

 وفى كل مرّة تكون الكلمة الأخيرة للشعب.. هو من لفَظ الإرهاب وجماعاته.. هو من خرج يحمى ثورة الشعب فى 1952 وجيشها هو من خرج يحمى ثورة الشعب فى 2013.

 

ولذلك؛ فمصرُ أرضٌ جغرافيتها ثابتة يلتف شعبها حول قيادته طوال تاريخه ليحمى أرضَه ويستوعب طوال تاريخه أيضًا الأجنبىَّ والغريبَ وكلَّ من هو غير مصرى بعيدًا عن أى تصنيف أو تعريف أيديولوجى، فى سماحة نادرة لا تجدها عند شعوب أخرى.

 

 شعبٌ قادرٌ طوال تاريخه على حل تناقضاته الداخلية الاستثنائية دون عنف ودون دماء ودون حروب أهلية أو طائفية أو طبقية أو قبلية أو حزبية.

 

شعبٌ جديرٌ بدولة مدنية وهى جديرة به.. يتطلع لدولة حديثة عمادها دولة يحكمها الدستور والقانون ومبدأ الفصل بين السُّلطات.. قضاء مستقل.. حرية صحافة وحرية اعتقاد، تداوُل السُّلطة وحقوق مُصانة.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق