الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

غرفة لشيخ فى دار قبطى

سيظل تاريخ التلاحُم الوطنى يُكتب بحروف من نور.. وفى القلب منه الدور الرائع الذى لعبته تلك الأسرة الصعيدية التى لها باعٌ طويلٌ فى السياسة والاقتصاد الوطنى "عائلة عبدالنور"، وقطبها الأبرز "فخرى عبدالنور"، المولود فى الخامس عشر من شهر يونيو عام 1881 بجرجا التابعة- وقتها- لمحافظة أسيوط.



 

 عاش فخرى عبدالنور طفولته وشبابه فى ظل الاحتلال البريطانى، وحصل على الباكوية وكان يُكنى بـ«فخرى بك» ولكن دوره الوطنى البارز لم يتجل إلا مع ثورة 19.

 

لفخرى عبدالنور دور لا يُنسى فى ثورة 19 تخطى المشاركة، حيث قدّم أسمَى درجات المواطنة فى التاريخ المصرى الحديث.. فقبل الثورة بعدة سنوات كانت هناك أزمة طائفية بعد اغتيال بطرس غالى رئيس وزراء مصر على يد إبراهيم الوردانى، فحاول "عبدالنور" ورفاقه التأكيد على اللحمة الوطنية ودرء أى مناوشات سياسية أو اجتماعية.

 

رفيق سعد

 

 انخرط فخرى عبدالنور فى العمل السياسى, وفى 1919 شارك فى اللجنة المركزية للوفد تحت رئاسة محمود باشا سليمان، وكان منوطًا بها الاتصال بالقواعد الشعبية؛ خصوصًا فى الريف، وكان لفخرى دور بارز فى هذا الصدد؛ خصوصًا بالصعيد.

 

ومع تصاعُد الأحداث كثف نشاطه ضمن الوفد؛ خصوصًا بعد نفى سعد زغلول ورفاقه لجزيرة سيشل، وقتها دعا الوفد لمقاطعة البضائع الإنجليزية ليتم اعتقال "فخرى" على إثر ذلك لفترات متقطعة من عام 1921 حتى عام 1923، وتنقل حينها بين أكثر من معتقل.

 

 

 

 

فى مذكراته يروى فخرى عبد النور تفاصيل محاولة سعد زغلول وصحبه مقابلة الحاكم البريطانى للمطالبة بالاستقلال، وبعد رفضها بدأت حركة توكيلات شعبية لزعيم الوفد، ولاحظ الأقباط خلو قائمة التوقيعات منهم، فقام "فخرى" مع ويصا واصف وتوفيق أندراوس بالتوقيع، ثم انضم سينوت حنا وواصف بطرس غالى وجورج خياط ومرقص حنا وسلامة ميخائيل وراغب إسكندر.

 

وعلى إثر إنذار الإنجليز لسعد باشا بعدم عرقلة تحركاتهم أرسل "سعد" برقية لرئيس وزراء بريطانيا يحتج بشدة، فقبض الإنجليز عليه وعلى الزعماء، وتم نفيهم إلى مالطة، وفى اليوم التالى 9مارس 1919هبّت مصر عن بكرة أبيها فى مظاهرات ثورة 19 العارمة وتوقفت الحياة تمامًا، واستشهد الكثيرون، وبرز فى هذه الثورة شعار سعد زغلول «الدين لله والوطن للجميع»، حتى تم الإفراج عن زعماء الثورة.

 

 ووصف "فخرى بك" الاستقبال العظيم لسعد باشا عند عودته من أوروبا وزيارته برفقته مقابر الشهداء من المسلمين والمسيحيين وكذلك زيارته لبابا الأقباط البابا كيرلس الخامس وشيخ الأزهر. ومن المعروف أنه عندما تقدّم "عبدالنور" لخطبة صديقة هانم سوريال، رافقه الإمام الأكبر الشيخ المراغى شيخ الأزهر.

 

وفى المذكرات نفسها شرح "فخرى" بتفاصيل دقيقة العلاقات بين أعضاء الوفد ممن كانوا يسمون بالمعتدلين والذين كانوا يوافقون على أخذ الاستقلال خطوة خطوة دون معاداة الإنجليز، ومن المتشددين بقيادة سعد والنحاس وصاحب المذكرات، حتى انحازت الأغلبية العظمى من الشعب إلى سعد زغلول ورفاقه.

 

وداخل قاعة البرلمان المصرى، سقط "فخرى" متوفَى وهو يقدم استجوابًا كعضو فى مجلس النواب لأحد الوزراء فى ديسمبر 1942.

 

أعمال خيرية

 

لعائلة عبدالنور أدوار مشهودة فى الأعمال الخيرية، منها المساهمة فى بناء المساجد، حتى إنها خصصت بدار عبد النور بجرجا غرفة للشيخ محمد حسنين العدوى- وكيل الجامع الأزهر الأسبق ووالد الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية فى بداية الخمسينيات- سُميت باسم " غرفة الشيخ". 

 

 

 

أمّا أولاد "فخرى" فهم السياسى الشهير أمين فخرى عبدالنور، والمحامى سعد فخرى عبدالنور-  سكرتير عام حزب الوفد وعضو الهيئة العليا بالحزب أيام رئاسة فؤاد سراج الدين وهو الجد الأكبر لوزير التجارة والصناعة الأسبق منير فخرى عبدالنور. 

 

وكان سعد فخرى راوئيّا فى حَكيه، وصاحب ذاكرة قوية حفظ بها حكايات النضال والثورة والأحداث السياسية والاجتماعية التى مرّت بمصر، وكان يمتلك كمية مخطوطات خاصة أرسلت جميعها إلى بيت الأمة "مَقر الوفد".

 

والطريف أن من أسمَى سعد فخرى عبدالنور هو الزعيم سعد زغلول، عندما كان فى زيارة للصعيد واستقر به المقام فى قصر فخرى بك عبدالنور بجرجا، وعند الاستعداد للعودة إلى القاهرة همس "فخرى بك" فى أذن الزعيم معتذرًا عن العودة  معه؛ لأن زوجته تنتظر حالة ولادة اليوم أو غدًا، فقبل الزعيم اعتذاره قائلًا: إذا جاء ولدًا فلتسمه سعدًا، وإذا جاءت بنتًا فلتسمها صفية، وجاء وقت السفر وإعداد الشنط للعودة، وإذا بالزغاريد تملأ القصر، فقد جاء المولود «ولدًا»، فكان سعد فخرى عبدالنور.

 

كان سعد فخرى حريصًا على دعم الوفد والوفديين بالدعم المالى والمطبوعات وشرائط الكاسيت التى تتغنى بأمجاد الوفد وتاريخه وتراثه وزعمائه ومبادئه وثوابته، كان حريصًا عند سفره إلى باريس أن يحمل معه صحيفتى الوفد اليومية وصوت الوفد الأسبوعية ليقدمهما لجلسائه، ومنهم الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك، والجزائرى أحمد بن بيلا. 

 

 

 

أرشيف وطنى

 

يُعتبر أمين فخرى عبدالنور أحد أقطاب الحركة الوفدية، وهو بمثابة أرشيف وطنى متحرك عاصر فى عمره المديد "100 عام" أحداثًا جسامًا، منها ثورات غيرت تاريخ مصر، كان صديقًا للرئيس الفرنسى شيراك، وربطته مودة ببطريرك الأقباط البابا شنودة الثالث. 

 

وُلد أمين فخرى، فى 22 يوليو سنة 1912، كان تلميذًا فى الجيزويت وتعرّف على شقيقة زميله ميشيل أمين غالى وتزوجها سنة 1940، وله ولدان الأكبر هو "فخرى" تيمنًا باسم جده لأبيه.

 

وقد تفرّغ فخرى “الحفيد” للأعمال الحُرة، والثانى هو "منير" الذى تخرّج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

 

وأصبح واحدًا من ألمع السياسيين المصريين على الساحة العربية وقياديّا وفديّا لامعًا وسكرتيرًا عامّا للحزب، فضلًا عن كونه برلمانيّا ورجل أعمال ثم وزيرًا للسياحة والصناعة.

 

وشارك أمين عبدالنور فى مظاهرات كثيرة ضد الإنجليز، حيث تعرّض لبعض الإصابات، فى الثلاثينيات خرج ضد وزارة إسماعيل صدقى بعد إلغاء دستور 23، وشارك فى ثورة الشباب سنة 1935 التى أجبرت الملك فؤاد على إعادة الدستور والحياة البرلمانية، ثم فى مظاهرات جرجا أثناء  انتخابات 1938 فى عهد وزارة محمد محمود، التى شهدت تدخلًا سافرًا من الإدارة، وخلالها أصيب إصابة كبيرة فى الرأس وتم نقله على أثرها إلى القاهرة للعلاج.

 

لعب أمين فخرى عبدالنور دورًا مُهمّا للتقريب بين الكنيسة الكاثوليكية بروما وكنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية مرّتين.

 

الأولى عندما ذهب إلى روما بصحبة الأب عيروط كاهن الجزويت ومؤسّس جمعية الصعيد؛ ليطالب بجسد مار مرقس الرسول الذى يرقد فى كاتدرائية البندقية فى إيطاليا.

 

وقابل بابا روما ونجح فى الحصول على جزء من رفات القديس مار مرقس، وعاد به وسلمه للبابا كيرلس السادس، بابا الإسكندرية فى ذلك الوقت.

 

أمّا المرّة الثانية، فكانت عندما رافق البابا شنودة الثالث ومجموعة كبيرة من المطارنة المصريين إلى الفاتيكان، وكان اللقاء الأول بين كنيستَى روما والإسكندرية بعد الانشقاق الذى حدث فى القرن الخامس الميلادى.

 

وأسفر هذا اللقاء عن تشكيل لجان فنية اجتمعت عدة سنوات متتالية.  

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق