الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مقاهى لا تعرف «الكابتشينو»؟!

مقاهى لا تعرف «الكابتشينو»؟!

المقاهى عالم له مفرداته الخاصة وأسراره التى يبوح بها بين الحين والآخر لروداه. إنه حالة من التناغم والاتساق الإنسانى والمكانى بين الأشخاص والمكان، الذى يعتدون الذهاب إليه. عليه قيلت الخطب السياسية الحماسية، وتناثرت بين جوانبه أحاسيس الشعراء، وغزلت على أضوائه أجمل الروايات، منذ أن عرفت مصر المقاهى فى القرن التاسع عشر. على المقاهى كانت تُروَى القصص الشعبية، عنترة والظاهر بيبرس وأبو زيد الهلالى، خصوصًا قهوة بشارع المجربحى بالقلعة، وقد كان لها شاعر ينشد السيرة  ويحصل على أجره من الزبائن. ومن المعروف أن قهوة "الفن" فى شارع عماد الدين، أمام مسرح الريحانى، كان يجلس فيها سيد درويش ونجيب الريحانى وزكى طليمات والسيدة روزاليوسف. وعلى مقهى "اللواء" جلس حافظ إبراهيم والشيخ عبدالعزيز البشرى، وعبدالقادر المازنى ود. محمد حسين هيكل باشا.. وكان للصحفيين قهوة "اللواء" ومن روادها الدكتور محمود عزمى وزوجته الروسية. حكاية المشاريب من مشاريب المقهى شاى ميزة، هو الشاى باللبن، وشاى منه فيه وهو الشاى بلبن صافٍ دون إضافة ماء، وشاى فريسكا وهو الشاى الخفيف سكر زيادة، وشاى جناينى بنعناع، وشاى فتلة وهو شاى باكت، وشاى بوستة وهو الشاى المنفصل عن السكر، وأحيانًا يقال له "سكر بَرّة"، والشاى الكشرى لا يتم غليه فى براد المقهى الشهير، وإنما يوضع فى الكوب مع الماء الساخن. ويختلف الشاى فى مقاهى مرسى مطروح مثلا عن أى محافظة أخرى فى طريقة إعداده، وتشتهر مطروح بالشاى الذى يسمى بـ"الشاى الزردة"، ويُقدم الشاى بعد وجبات الطعام وفى العصارى ويكون دورين، حيث يقدم مرتين، مرة تقيل وسكر خفيف، ودور خفيف بالنعناع. وشاى الزردة يعنى شاى السفارى والرحلات، لذا سُمى بين الناس بهذا الاسم. انتشر الشاى فى مصر متأخرًا فى حوالى العام 1882 أثناء الاحتلال البريطانى، وكان مقتصرًا على البيوت الراقية والأسر الخديوية التى كانت تحكم مصر، وكان معروفًا بـ (الخروب). وفى عام 1905 أصبح الشاى المشروب الأول فى مصر. تعميرة الدماغ المصريون من أكثر الشعوب إدمانًا للشاى، فنحن نأتى فى المرتبة الخامسة على مستوى العالم فى تناول الشاى، فهو "تعميرة الدماغ" لديهم كما يطلقون عليه، لذلك لا يستطيعون أن يُقلعوا عن تناوله. وسَمّاه عبدالناصر فاكهة الفقراء. من المفارقات أن مشروب القرفة سُمي "فانیلیا مكحل وصایة"، وكلمة مكحل تعنى اللبن، والفانیليا هى القرفة، وكلمة وصایة فهى تستعمل عندما یكون الزبون غریبًا لإثبات حُسن النوايا. ومشروب الكاكاو يقال عنه كریما ویوصف السحلب بأنه  بندق، وزجاجة البیبسى واحد نوال نسبة إلى نوال الزغبى التى تظهر كثیرًا فى دعایات البیبسى. والشيشة من الأشياء المهمة فى المقاهى، وتسمى حسب نوع المعسل بها، فهناك معسل سلوم، ومعسل قص وهى شيشة أيضًا، لكنه أقوى من السلوم. ومعسل زغلول  وهو من أقدم وأشهر أنو اع المعسل فى مصر وتصدره بكميات هائلة للدول العربية، وهو بين السلوم والقص، ويشربه سكان الأحياء الشعبية. ومصر من أوائل الدول التى عرفت القهوة، وظهرت القهوة بمصر فى القرن السادس عشر ميلادى، حين لاحظ طلبة الأزهر المصريون أن زملاءهم المغتربين من اليمن يتناولون مشروبًا فى أثناء الليل للمذاكرة، وتذوّقوها وأخذوها عونًا لهم فى السهر على المذاكرة، وبدأ الأمر ينتشر بينهم شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى البيوت والمقاهى. حينها انقسم شيوخ الأزهر بين مؤيد ومعارض، ولم يتقبلها المجتمع المصرى إلا بعد جدال عنيف بين العلماء، حيث شَنّ أحد فقهاء المذهب الشافعى حملة عنيفة ضدها، بعد أن طرح عليه أحد السائلين سؤالًا بشأن جواز شربها. وفى أوائل القرن الثامن عشر، أفتى الشيخ على أحمد السنباطى بتحريم شرب القهوة باعتبارها "مادة مُسْكرة مُخدرة للعقل"، الأمر الذى لاقَى ردود فعل سلبية كثيرة، وأدى إلى مهاجمة رئيس الشرطة لمستهلكى القهوة وحبس بعضهم، كما هاجم الأهالى بعض المقاهى وحطموها واعتدوا على روادها، وأغلقوا أماكن تقديمها وكسروا أوانيها، ومنع استعمالها أو الجهر بشربها. وحاول تجار البن ومنتجو القهوة، إثناء الشيخ عن فتواه، بينما استمر مؤيدوه فى إيذاء كل من يشربها، حتى قتل أحد تجار البن على أيديهم، وهرب الشيخ إلى أحد المساجد مع مؤيديه، الأمر الذى دفع التجار لمحاصرة الشيخ وأعوانه فى المسجد، وأقاموا صوانًا للاعتصام شربوا فيه القهوة دون سكر على روح القتيل نكاية فى الشيخ وفتواه، وعندها جاءت عادة تقديم القهوة السادة فى العزاء. واستمر الوضع متضاربًا فى مصر، حتى أفتى القاضى الحنفى محيى الدين بن إلياس بجواز شربها، وأصبح لدى الأهالى حكمان متضاربان، أحدهما يُحرم شرب القهوة والآخر يُبيحها، حتى فرضت القهوة نفسها كمشروب يساعد على النشاط والسهر، بعد أن تشكلت لجنة من المتخصصين لبيان فوائدها، وأصبح البن يأتى علانية من اليمن إلى مصر، وأطلقوا على محال بيعها بـ"خان البن". ويبلغ حجم استهلاك المصريين من البن نحو 40 ألف طن سنويّا، وفقًا لإحصائيات صادرة من شعبة البن بالغرفة التجارية. وتضاعف استهلاك مصر السنوى خلال السنوات الماضية، نتيجة دخول أنواع جديدة مثل الكابتشينو، والقهوة بالمكسرات، والبندق، لكن مصر لاتزال  أقل استهلاكًا من لبنان ودول الخليج، وتستورد مصر ما يقرب من نحو 100% من احتياجات السوق المحلية من الخارج. لكن للآن مازالت غالبية المقاهى البلدى تقدمها «سادة» أو «بوش» وفى مصر كثير من المقاهى لا تعرف «الكابتشينو».



لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق