الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اقتصاد «الخليفة».. انهيار.. وفقر!

اقتصاد «الخليفة».. انهيار.. وفقر!

 صرخَة عَاملٌ تُرْكِى بمُؤتمر سياسى، قائلًا: «لا أستطيع الحصول على خُبْز لأطفالى». المتداولة فى فيديو على موقع "اليوتيوب" مثّلت تعبيرًا صادقًا، وتجسيدًا حقيقيًّا لما آلت له الأوضاع الاقتصاديّة فى تركيا، بسبب سياسات رجب طيب إردوغان، رئيس الجمهورية، وصهره ووزير ماليته «بيرات آلبيراق».



 

يُعانى اقتصاد أنقرة من أزمة شديدة، بسبب التُّراجع المُستمرُّ لـ الليرة التركية أمام العملات الأخرى، الأمْرُ الذى ترتب عليه انخفاض الإنتاج الصناعى، وعجز التجارة الخارجية، ومِنْ ثًمَّ ارتفاع مُعدّل التضُّخم، وزيادة الأسعار، واتساع رُقعة الديون، وإفلاس الشركات، وتصاعُد أزمة البطالة.

الليرة إلى القاع

فى أغسطس 2018؛ كان الاقتصاد التُّركى على موعد مع أكبر أزمة له منذ 10 سنوات، بعدما فقدت الليرة التُّركيّة نحو 40 فى المئة من قيمتها، عقب فرض عقوبات أمريكية على «أنقرة»، على خلفية احتجازها القس الأمريكى «آندرو برانسون».

وفرضت الولايات المُتحدة الأمريكية ضرائب إضافية على واردات الصُلب والألومنيوم التُّركيّة؛ فتراجعت قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكى من 4.8، فى يوليو من العام نفسه، إلى 7.24 بأغسطس.

وسُرعان ما توالت تداعيات أزمة أغسطس على الليرة التركية؛ التى سجّلت أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكى خلال الأشهُر التسعة الأخيرة.

 ومع بداية العام الماضى 2019؛ تصاعدت أزمة الليرة مع تراجُع الاستثمار الأجنبى المباشر فى تركيا بنسبة 33 فى المئة، وفقًا لإحصائيات وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية. وسَجَّل الدولار الأمريكى، فى بداية 2019، نحو 5.29 ليرة تركية، وخُتمت تعاملات العام نفسه، بنهاية ديسمبر، عند مستوى 5.95 ليرة، وذلك عقب ارتفاع عجز الميزان النقدى بنسبة 117 فى المئة خلال عام 2018، ليُسجّل 81.7 مليار ليرة.

ومع بداية العام الجديد 2020؛ باعت البنوك الحكومية التركية نحو مليار ونصف المليار دولار؛ لوقف تراجُع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكى، على خلفية التوترات "الإيرانية - الأمريكية"، بحسب وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية.

سياسات فاشلة

يُمكن القول إن العقوبات الأمريكية على تركيا؛ ليست السبب الوحيد على تداعى الاقتصاد التركى، فى هذا التوقيت؛ فـ سياسات «إردوغان» الاقتصادية لعبت دورًا بارزًا وأساسيًّا فى تلك الأزمة؛ خصوصًا بعد دعواته المُتكررة لخفض أسعار الفائدة، رُغم ارتفاع مُعدّل التَّضخُّم. ورُغم مطالبات مؤسّسات اقتصادية عالمية برفع أسعار الفائدة لحماية الليرة من تقلُّبات السوق؛ فإن «إردوغان» أصرَّ على سياسته الاستعلائية؛ فـأقال «مراد تشتين قايا»، محافظ البنك المركزى التركى، فى يوليو الماضى، وعيّن مكانه نائبه «مراد أويسال».

ورُغم أن قرار إقالة «قايا» ليس دستوريًّا؛ فإن الرئيس التركى أصرَّ على اتخاذه، بَعد تفجُّر الخلافات بين الاثنين، لرفض «قايا» الرضوخ لتدخُّلات «إردوغان»، والاستجابة لمطالبه بتخفيض أسعار الفائدة.

وفى النهاية؛ رضخت المؤسّسة الاقتصادية الأكبر فى تركيا لضغوط «إردوغان»، وخفّضت أسعار الفائدة من 24 إلى 19.75%، بنسبة 4.25 فى المئة.  

وواصل «إردوغان» تدخلاته فى سياسة البنك المركزى؛ ففى سبتمبر الماضى، تَقرّر تخفيض الفائدة للمرّة الثانية من 19.75 إلى 16.50 فى المئة، ثم إلى %14، فى أكتوبر، تبعه قرارٌ آخر فى نهاية 2019، يقضى بخفض الفائدة إلى %12، للمرّة الرابعة فى غضون خمسة أشهُر.

كذلك يتحمّل «بيرات آلبيراق»، وزير المالية وصهر إردوغان، نصيبًا كبيرًا من انهيار الاقتصاد التركى، حتى إن محاولاته لوقف هذا التدهور وُصفت بـ «الفاشلة»؛ ففشل فى إقناع الأمريكان بخطته المزعومة لإنقاذ الاقتصاد التركى، الذين انتقدوا إدارته للملف الاقتصادى بهذا الشكل، خلال اجتماع جرَى فى واشنطن، أبريل الماضى.

الركود

ظلال الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة؛ خيّمت على جميع المناحى فى تركيا؛ فأصيبت الأسواق والقطاعات التُّجارية المختلفة بالركود، بسبب ضعف القوة الشرائية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وعمَّ الفقر أرجاء البلاد.

وتضاعفت أسعار السلع والخدمات، بنسبة 347.8 فى المئة، بينما بلغت نسبة التّضخّم 11.84 فى المئة، بنهاية 2019، فيما انخفضت القوة الشرائية بنسبة 3.18 فى المئة؛ فتراجعت تركيا، العام الماضى، لتحتل المرتبة الـ29 من بين 37 دولة أوروبية فى معدلات القوة الشرائية.

وأمام تلك الأزمة؛ لجأت الحكومة التركية إلى زيادة أسعار الوقود عَشر مرّات خلال عام 2019، بينها ثلاث مرّات فى مارس الماضى، وأربع خلال شهر أغسطس. وبلغت نسبة الزيادة على أسعار الكهرباء خلال العامَيْن الماضييْن نحو 75 فى المئة.

وارتفاع أسعار الخدمات؛ أدى إلى امتناع ملايين المواطنين عن سداد الفواتير المُستحقّة؛ فاعترف «فاتح دونماز»، وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركى، خلال ردّه على طلب إحاطة بالبرلمان؛ بأن عدد المُتخلّفين عن سداد فواتير الكهرباء والغاز الطبيعى، بلغ أربعة ملايين مواطن.

ورُغم رفع صافى الحد الأدنى للأجور مع بداية العام الجارى إلى 2325 ليرة «392 دولارًا»؛ فإن هذا الحد أصبح لا يُسمن ولا يُغنى من جوع أمام انهيار الليرة؛ فهذا المُعدّل الذى لا يتجاوز قيمته حاليًا 360 يورو، يُعتبر أقل من نصف متوسط الحد الأدنى للأجور بدول الاتحاد الأوروبى، الذى يقُدّر بنحو 750 يورو؛ لذلك فإن تركيا تحتل المرتبة الرابعة مع بلغاريا فى تصنيف الدول الأقل فى الحد الأدنى للأجور بأوروبا.

حالات انتحار

وتُشير أرقام هيئة الإحصاء التركية، إلى أن معدلات البطالة سجّلت زيادة بنحو مليون و259 ألف عاطل جديد خلال عام 2019، مقارنة بـ 2018، ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى أربعة ملايين و668 ألف عاطل.

فضّل مواطنون أتراك الموت عن العيش فى نار «إردوغان»؛ فدفعهم الجوع والفقر إلى الانتحار. وشهد عام 2019 عددًا من حوادث «الانتحار الجماعى» لأسَر بأكملها.

وبدأت سلسلة الوقائع مع انتحار أربعة أشقاء داخل منزلهم بإسطنبول، أعقبه انتحار أسْرة بكاملها تضمُّ زوجين وطفليهما بأنطاليا جنوب تركيا، ثم أب ونجليه بإسطنبول، وذلك عن طريق تجرُّع مادة «السيانيد» القاتلة.

وبلغ عدد المُنتحرين فى تركيا خلال الفترة الممتدة بين عامَى 2014 و2017، نحو 9 آلاف و479 شخصًا، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركى. وشملت تلك الحالات فئات مهنية مُختلفة من عمال وأطباء ومعلمين، وغيرهم.

خسائر وإفلاس

ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على المؤسّسات التُّجارية العامة والخاصة؛ فضربت حالة الركود الشركات، ولاحقتها الخسائر المتلاحقة؛ فبلغ إجمالى الشركات التى طلبت تسوية إفلاس من المحاكم التجارية 2880 شركة، خلال النصف الأول من 2019، مقابل 846 شركة بـ 2018.

ومن التداعيات الاقتصادية الملحوظة فى 2019؛ تسارُع وتيرة وقائع إفلاس الشركات الخاصة، بسبب تزايد الديون المُتعثّرة، من بينها شركات كبرى فى قطاعات مختلفة؛ لعل أبرزها Temizocak»»، أكبر شركة لتصنيع المجوهرات والمشغولات الذهبية، والشركات الثلاث التابعة لمجموعة «Esse»، التى تمتلك 200 محل تجارى داخل تركيا، عقب تخطى مديونياتها 500 مليون ليرة تركية.

وأُعلن عن إفلاس شركة دستى باشى، عملاق قطاع الإنشاء، وأيضًا شركة أوميت للخدمات التعليمية والنشر، إضافة إلى شركة «باموق قلعة»، إحدى أكبر شركات تسيير الحافلات، بينما انضمّت شركة «Herry» رائدة صناعة الملابس النسائية فى تركيا، إلى صفوف الشركات المُتعثّرة.

وتُعتبر شركة «Aker» العملاقة فى قطاع الإنشاءات، آخر الشركات التى أعلنت المحكمة إفلاسها، فى بداية العام الجارى 2020. وبلغ عدد التُّجار الذين أفلسوا، خلال السنوات الخمس الأخيرة، 516 ألفًا و137 تاجرًا.

وتكبّدت المؤسّسات الاقتصادية الحكومية، خسائر هائلة، قُدّرت بـ 11 مليارًا و93 مليون ليرة، بنهاية عام 2018، مقابل 5.7 مليار فى 2017، و3.8 بـ 2016، وفق التقرير العام لديوان المحاسبة التركى.

وسجّلت هيئة خطوط سكة الحديد أعلى خسائر بقيمة بلغت 2.5 مليار ليرة، تلتها شركة خطوط أنابيب النفط بخسائر 2.4 مليار ليرة، ثم شركة توليد الكهرباء بـ 1.6 مليار ليرة. وتضررت صناعة السيارات، وقطاع العقارات بشدة من جراء تلك الأزمة.

وعصفت الأزمة الاقتصادية بمؤسّسات الإعلام التركى؛ فحققت مؤسّسة الإذاعة والتليفزيون التركية (TRT) خسائر بقيمة 92 مليون ليرة. وأغلقت مؤسّسات إعلامية خاصة لتضررها ماليّا مثل قناة وراديو «أولاى»، وفضائيتَى «هلال»، و«tyt».

هروب المستثمرين

تُشير الأرقام إلى أن عجز الموازنة العامة للدولة التركية بلغ فى العام الماضى نحو 92.9 مليار ليرة، مقابل 72.6 مليار، فى 2018، رُغم ضخ البنك المركزى نحو 40 مليار ليرة لخفض عجز الموازنة.

وقُدّر حجم المخصصات السرّية للرئاسة مليارًا و800 مليون ليرة، مقابل مليار و582 مليون ليرة خصصت للمشتريات الدفاعية والأمنية، الأمْرُ الذى دفع وزارة الخزانة والمالية التركية إلى اقتراض مليارَيْن و345.7 مليون ليرة من خلال طرح سندات بعائد ثابت.

ووفقًا لأرقام هيئة الإحصاء التركية؛ فإن عجز التجارة الخارجية فى تركيا ارتفع قبيل نهاية العام الماضى بنسبة 232.2 فى المئة؛ ليسجل مليارَيْن و234 مليون دولار. ونتجت تلك الزيادة من ارتفاع الواردات بنسبة 9.7 فى المئة، بما يُعادل 17.7 مليار دولار.

وشهد العام الماضى انخفاض مُعدّل الإنتاج الصناعى بنسبة أربعة فى المئة. وكان قطاع التعدين والمحاجر على رأس الصناعات المتضررة، الذى انخفض بنسبة 9.3 فى المئة، يليه قطاع الصناعات التحويلية بـ 4.2 فى المئة.

ولم يَسلم قطاع البنوك من تبعات الأزمة الاقتصادية؛ فتراجعت أرباح هذا القطاع بنسبة 8 فى المئة، فى العام الماضى؛ وبلغت قروض قطاع البنوك 2.6 تريليون ليرة، مقابل 4.36 تريليون حجم الأصول المتداولة، بحسب أرقام هيئة التنظيم والرقابة المصرفية التركية.

وتجاوزت نسبة القروض المُتعثّرة نسبة 5.23 فى المئة، بينها قروض لقطاعات اقتصادية حكومية، على رأسها قطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء، الذى بلغ حجم مديونيته للبنوك نحو 47 مليار دولار.

ولجأت البنوك خلال العام نفسه إلى الحجز على ممتلكات مليون و205 آلاف و253 شخصًا، بسبب تراكم الديون على البطاقات الائتمانية، وعجز أصحابها على الوفاء بها، فيما ارتفعت ملفات الرهن على الممتلكات إلى 21.3 مليون ملف، وفقًا لتقرير صادر عن حزب الشعب الجمهورى.

وأمام تلك الأزمة؛ لجأت بعض البنوك إلى بيع الديون المُتعثّرة بأقل من قيمتها المالية، مثل بنك «جرانتى»، الذى باع ديونًا غير قادر على تحصيلها بقيمة 624.97 مليون ليرة إلى إدارة الأصول المستقبلية، مقابل 37.94 مليون ليرة.

وكشف نهاد يشيل، النائب عن حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، عن وجود ثلاثة ملايين و763 ألف مواطن تركى مَدينين للبنوك، إضافة إلى إصدار نحو 506 آلاف شيك بنكى بقيمة 25.3 مليار ليرة من دون رصيد.

وارتفعت ديون تركيا الخارجية قصيرة المدى، فى سبتمبر الماضى، بنسبة 6 فى المئة، لتبلغ 121.3 مليار دولار، 18.2 بالمئة منها للقطاع العام، و%3.7 نصيب البنك المركزى، مقابل 78 فى المئة حجم مديونية القطاع الخاص.

وكشفت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية عن أن تركيا احتلت المركز الأول متقدمة بفارق كبير عن الدول الأخرى الأعضاء فى المنظمة، من حيث زيادة نسبة الفائدة على ديونها الخارجية، التى تتحملها الدولة.

وأشار استطلاع أجرته وكالة رويترز إلى نمو صفرى فى عام 2019 مع تباطؤ الطلب والاستثمار؛ فقُدّر النمو السنوى بنسبة صفر فى المئة لعام 2019، مع استمرار أزمة العملة التأثير على الأسواق الناشئة الرئيسة.

أدت الأزمة الاقتصادية فى تركيا إلى هروب المستثمرين الأجانب، ولجوء المستثمرين الأتراك فى الداخل لتحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية.

ومثال لذلك، إقدام مستثمرين، من قطر، حليفة إردوغان، على سَحب استثمارات بقيمة 4.6 مليار ليرة من بورصة إسطنبول. وباع مستثمرون سعوديون ممتلكاتهم العقارية فى إسطنبول بسبب رفضهم لسياسة «الخليفة العثمانى». وتراجع عدد الشركات ذات الشراكة السورية فى تركيا بنحو 42.7 فى المئة.

وأكدت شركة «هوندا»، فى بيان لها، اعتزامها إغلاق مصنعها فى تركيا بحلول عام 2021. وعدلت شركة «فولكس فاجن» الألمانية لصناعة السيارات عن قرار سابق بتأسيس مصنع فى تركيا، واستبدالها بدولة سلوفاكيا.

وتراجعت تركيا 15 مرتبة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فى ترتيب قوائم وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الدولية الكبرى «فيتش، استندر آند بور، موديز»، التى يعتمد عليها المستثمرون الأجانب فى توجيه أموالهم؛ لتحتل المرتبة الـ82.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق