أول ساندوتش شاورما
«حرافيش» الإكسلسيور!

شاهين اكتشف عمر الشريف.. وأحمد مظهر حاز لقب «السيف والقلم» فى جلساته
منذ افتتاح "إكسلسيور" فى الخمسينيات، بوسط القاهرة وتحديدا فى تقاطع شارعى طلعت حرب وعدلى وهو كما هو محل ذو واجهة زجاجية بالكامل، ترى من خلالها الشارع والمارّة. غير أنه كان يُعرَف فى البداية على أنه "بار" لتقديم أجود أنواع الخمور والكحوليات، فى عهد مؤسّسَه ومالكه الأول رجل الأعمال اليونانى السكندرى "نستور جناكليس"..
عندما حضر "جناكليس" إلى مصر، استقر فى الإسكندرية، وكان هدفه فى البداية إنشاء مصنع للتبغ، وبعد نجاحه فى هذا المجال، قرر أن يتجه لصناعة النبيذ، فقام بنقل زراعة كروم العنب من اليونان إلى مساحة 30 كيلو مترًا مربعًا اشتراها على طول قناة النوبارية بمحافظة البحيرة. ثم استطاع أن يؤسّسَ مصنعًا لإنتاج الخمور فى الدلتا عام 1928، إلى أن أصبحت معامل تصنيع الكحوليات موجودة فى منطقة الأزبكية بالقاهرة، ومعظمها كانت مِلك ليونانيين، حيث ارتبطت أسماؤهم بالبارات والحانات التى تُقدم الخمور ذات الجودة العالية، حيث عُرِف هذا التوقيت بالعصر الذهبى للثقافة الأوروبية فى مصر. خمور جناكليس تم افتتاح "إكسلسيور" فى وسط البلد، ويُقال إن المكان كان من عبارة عن معرض شركة فورد للسيارات، التى كانت تَعرض سيارات "الكابورليه" كأحد مظاهر الثراء فى ذلك الوقت بعد الحرب العالمية الثانية.. كان المحل يُقدم أجود ما تنتجه مصانع "جناكليس" من خلال جزء ملحق من خلف المحل، فكان بذلك العصب الرئيسى للمكان، أمّا باقى المكان فكان يُقدم المأكولات والمشروبات. أخذت الأمور منعطفًا مختلفًا عندما تعرضت شركات جناكليس للتأميم عام 1965، كما هو الحال مع العديد من الصناعات المؤمّمَة بعد ثورة 1952، وعلى أثر ذلك أصابه الاكتئاب ثم مات إثر حادث سيارة فى العام نفسه، ولم تستطع زوجته اليونانية إدارة أىّ من مشاريعه ومحلاته، ومن هنا تم بيع "محل إكسلسيور" إلى تاجر مصرى. ومع ذلك ظل المكان متألقًا ومميزًا بالأطعمة والمشروبات التى يقدمها حيث كان له السبق فى صُنع وتقديم ساندويتشات الشاورما فى مصر عام 1969 ، و حتى منتصف الثمانينيات حين تغيرت واختلفت نوعية رواد المكان، وهجره الفنانون والمثقفون والأدباء، من أمثال الشعراء نجيب سرور، وأمل دنقل، وأحمد فؤاد نجم، بل إن بعض كُتّاب السيناريو، كانوا يرتادون المكان من أجل الكتابة وتصفية الذهن. أمّا نجيب سرور فكان يبدأ يومه بالذهاب إلى مقهى إكسلسيور، ولا يغادره إلّا نحو التاسعة أو العاشرة ليلًا. كان يتردد عليه أيضًا المخرج "يوسف شاهين"، وكان يذكر دائمًا أن جميع مقابلاته كانت تتم فى مقهى إكسلسيور، فهناك تقابَل مع "ميشيل ديمترى شلهوب" الاسم الأصلى للفنان"عمر الشريف" ليبشره باختياره لعمل أول بطولة فيلم "صراع فى الوادى" أمام النجمة "فاتن حمامة"، لكنه وضع شرطًا وحيدًا وهو إجراء عملية لإزالة الشامة من أنفه.. فما كان من عمر الشريف إلّا أن وافق وأظهر تعاونه وقبوله للشرط..مرّت عدة أيام ولم يتصل عمر، وقتها تعرّف يوسف شاهين فى «إكسلسيور» نفسه إلى صديق قريب من عمر الشريف، ويمضيان معظم وقتهما سويّا، وهو الممثل أحمد رمزى، وحين التقى برمزى سأله عن عمر، فقال بطريقته: "لأ خلاص «مايك» مش هيلعب سينما، غيّر رأيه بسبب الجراحة المطلوبة فى وجهه".. وجرت أحداث آخرى انتهت ببطولة عمر للفيلم. جلسات فكرية وعلى ذكر "شلة الحرافيش" التى كانت تعقد اجتماعاتها فى مقهى إكسلسيور، فلا بُدّ من ذكر الفنان "أحمد مظهر"، أحد الضباط الأحرار الأوائل، وأهم ضلع فى شلة الحرافيش، التى بدأت بثلاثة أفراد فقط، هم: مظهر وصديقاه عماد كمال وأحمد سرور، ثم بعد ذلك انضم إليهم الدكتور أحمد زكى الأستاذ بجامعة الرياض والدكتور زكى نجيب محمود أستاذ الفلسفة، والأديب العالمى نجيب محفوظ، والضابط عادل مدكور والصحفى ثابت أمين، والأديب ثروت أباظة وغيرهم. كانت مجموعة الحرافيش تَعقد جلساتها الثقافية والفكرية، ما ساعد مظهر أن يبدأ بكتابة السيناريوهات، فأطلقت عليه مجموعة الحرافيش "مظهر رب السيف والقلم".. وفى السبعينيات والثمانينيات، كانت الأسر المصرية والأصدقاء، يستمتعون بذهابهم إلى سينمات وسط البلد فى نهاية الأسبوع أو الأعياد والمناسبات، ومنها سينما مترو المواجهة للمقهى؛ خاصة أنها كانت تعرض أفلام الرسوم المتحركة "توم آند جيرى" قبل عرض الفيلم الرئيسى، ثم يخرجون من السينما ليتسامروا قليلًا فى إكسلسيور ويتناولون مشروباتهم الساخنة أو "الجيلاتى". إلى أن أصبح المقهى الآن مكانًا مزدحمًا بكل الفئات والأعمار، حيث يقدم الوجبات السريعة والحلويات، وروّاده من الشباب والشابات العصريين الذين تملؤهم حيوية هذا العصر ولا تتناسب أبدًا وطابع المكان الكلاسيكى الهادئ الذى أُنشئ من أجله، فأصبح كغيره من الأماكن الأخرى التى صار لها المصير نفسه. موقع "الإكسلسيور" فى وسط البلد، سُمح له بأن يشهد العديد والعديد من الأحداث والمواقف التى مرّت بها منطقة وسط البلد منها أحداث حريق القاهرة عام 1952 ومع استمرار الشغب والاشتباكات، قطعت قوات البوليس جميع الطرُق المؤدية إلى مبنى السفارة البريطانية بقصر الدوبارة، وكانت الحرائق قد اجتاحت فى طريقها شوارع وميادين القاهرة، التى استمر اندلاعها للساعة الـ11مساءً، وعندما بدأ الجيش يسيطر على الموقف كانت الخسائر قد طالت 300 محل تجارى، و40 دار سينما، و73 مقهى من ضمنها مقهى "إكسلسيور". وفى عام 1980، تم تصوير عدد من مشاهد فيلم "ضربة شمس" للفنان نور الشريف والفنانة نورا، وإخراج "محمد خان"، داخل مقهى إكسلسيور، ولكن من دون توضيح للخلفية.. يقول مخرج الفيلم: "كنتُ أُصوّر فى كافيتريا الإكسلسيور وكان التصوير ليلًا والإضاءة نهارًا وكل زوايا التصوير تتجنب ظهور الشارع بالخلفية، وبدءًا من ضوء النهار بدأنا تصوير الزاوية المضادة".
تم اضافة تعليقك بنجاح، سوف يظهر بعد المراجعة