السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صحفيون وكتاب اختاروا اسمه

حكايات فنية على «الندوة الثقافية»!

أثناء استخراج التراخيص لإفتتاح مقهى الندوة الثقافية بمنطقة باب اللوق فى وسط القاهرة، اجتمع عدد من الكتّاب دائمى الجلوس فى المقهى وأبرزهم الصحفى محمد تبارك مع صاحبه الحاج محمد حسنين.واتفقوا على تسميتها بالندوة الثقافية. وبالفعل بعد استخراج التصاريح طلب "تبارك" من كل زملائه المترددين على المقهى التبرع بعدد من الكتُب من مكتبته 



أحضر الروّاد كتبًا كثيرة، حتى إنهم صمموا مكتبة صغيرة داخل "الندوة"، حتى اشتهرت المقهى وأصبحت مقرا للعديدين من الفنانين والكتّاب، لكن مع الوقت بدأت عادة  القراءة  فى "الندوة" تقل شيئًا فشيئًا حتى اختفت منها المكتبة تمامًا . تأسس المقهى عام 1958 على يد صاحبه الحاج محمد محمد حسنين، وفى 1967 تولى ابنه "على" الإدارة، ومنذ عام 2004 إلى الآن يتولاها الإبن الآخر "سعيد". وحسب الروايات فإن أصحاب المقهي كانوا يمتلكون مقهي صغيرا في شارع منصور بالقرب من الغرفة التجارية بباب اللوق ثم هدم المقهي وانتقل أصحابه الي المكان الجديد بعمارة البدراوي بميدان باب اللوق وافتتحوا مقهاهم  وما كان يميز هذا المقهى أنه لا يقدم سوى دخان التمباك، وهو نوع فاخر من معسل النارجيلة، مما خلق نوعية خاصة من الزبائن وإن كانوا تخلوا عن تقديمه فى الفترة الأخيرة، كما تخلوا عن بعض تقاليدهم الصارمة كمنع الأكل بالمقهي أو منع تحية السيدات للرجال بالتقبيل أو العكس.  وهو من المقاهى المعدودة التى يقوم أصحابها بالخدمة فيها على الزبائن وتلبية طلباتهم، ما يعطى إحساسًا للرواد بأن صاحب المكان هو الذى يخدمهم ويعطيهم ذلك تقديرًا خاصًا.  ومن الطريف أن أحد عمال المقهي في الستينيات كان اسمه "الجحش"، وهكذا كان يناديه الجميع، فيرد بكلمة لا تتغير وهو يبتسم: عمى.. ثم ترك العمل بالمقهي واشترى عربة يد كان يبيع عليها الفول بجوار قسم السيدة زينب، واشتهر الجحش ووصل صيته إلى النخبة وأولاد الذوات والمثقفين والفنانين، وهو الآن من أشهر محلات الفول فى القاهرة رغم رحيل الجحش فى أوائل التسعينيات.  كان "الندوة الثقافية" قبلة للعديد من المثقفين، فجلس عليه نجيب محفوظ وبهاء طاهر، ويوسف القعيد، وصلاح أبوسيف، وأحمد زكى، ومحمد تبارك، وجمال الغيطانى، والدكتور فاروق أبوزيد عميد كلية الإعلام السابق، والروائى بهاء طاهر، والكاتب وحيد حامد والمخرج يحيى العلمى  والفنان يحيى الفخرانى، وكان من أكثر الفنانين مداومة على "الندوة" ، إضافة للمؤرخ الفنى حسن إمام عمر، وآخرين من نجوم الأدب والفن. وعلى الندوة ألّف  محمد تبارك الكثير من الكتُب، أحدها عن الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وعلي مقاعده أجرى عدد من الحوارات الصحفية مع عظماء هذا الزمن من الفنانين والكتاب بينهم المخرج صلاح أبوسيف ، والأديب العالمى نجيب محفوظ والروائى جمال الغيطانى ، و الفنان أحمد زكى ، الذى جاء يسأل عن الصحفى الشهير وقتها "تبارك" أثناء عرض مسرحيته "هاللو شلبى".. فامتدت صداقتهما بطول السنين . اشتهرمقهى الندوة الثقافية بأشياء كثيرة، منها أنه لا يوجد به تليفزيون كعادة المقاهى، ولا طاولة أيضًا للعب النرد، كما أن المقهى اشتهر بالشيشة التمباك، وكان يُعتبر أفضل مقهى فى مصر يُقدم هذا النوع من الشيشة إلى أن اختفت بعد التغير الحاصل فى عادات التدخين حتى تخلى أبناء المقهى عنها بعد أن قلَّ الطلب عليها ليتم استبدالها بالأصناف المنتشرة حاليا من الشيشة. ونظرًا لاشتهاره بالشيشة التمباك فإن غالبية رواده كانوا يحرصون على شرب الشيشة إلى جوار المشروبات الآخرى، فكان أحمد زكى يحرص على تناول الشاى كشرى تقيل، وكان صلاح أبوسيف يشرب القرفة السادة والأمر نفسه مع السيناريست وحيد حامد. وفى البداية كان بالمقهى نوعية الكراسى القش المسماه "عاشق ومعشوق"، وبعد انتهاء صنعته وتطوّر الأمور تم استبداله بالكراسى الخشب الزان ، كما تغير شكل البنك "المكتب" الذى يجلس عليه المدير وتمت إضافة الرخام إليه. من الأحداث التى عاصرها "الندوة" إنه أثناء بروفات عرض مسرحية "الملك لير" فى نسختها الأولى بالمسرح القومى،  كان يحيى الفخرانى يتعمد الجلوس بمفرده فى المقهى وقت قراءته للنص ، حتى تردد علي المقهى يوميا طيلة أكثر من شهرين ، ووقت القراءة كانت تتبدل ملامحه من الرجل المبتسم، صاحب الضحكة الطفولية المتواضعة إلى شخص آخر من شدة تركيزه حتى يغلب على وجهه الغضب . وعند عرض مسرحية "انتهى الدرس ياغبى" بطولة محمود المليجى وتوفيق الدقن على مسرح الليسيه بباب اللوق، كان أبطال المسرحية روادًا لـ"الندوة الثقافية"، وعرف عن  المليجى إنه كان دمث الأخلاق، متواضع لدرجة كبيرة، فعند دخوله للمقهى لا  يتحدث تقريبا ، وكان صديقه توفيق الدقن  أول ما ينظر إليه عند دخوله إلى المقهى "النصبة" – مكان إعداد المشروبات- سائلًا "العامل": "بتعملوا قهوة كويسة؟!".  وفى أحد الأيام وقفت سيارة أمام باب المقهى وراح صاحبها يبحث عن الشاعر محمد حمزة- الذى كتب لحليم أكثر من 34 أغنية، منها سواح ومداح القمر وزى الهوى- واتجه السائق لحمزة وقال له إن عبدالحليم حافظ يريده فى أمر مهم، فقال حمزة لصاحب المقهى "شكلها فيها غنوة وهنقبض وهعزمك"، وركب حمزة مع السائق ورجع بعد سويعات يقول إن العندليب كان يريد أغنية جديدة قبضت عربونها "يلّا يا سعيد اعمل حسابك عشاك عندى النهاردة". كما كان المخرج يحيى العلمى يصطحب معه دائما صديقه المنتج حسن موافى، فقد كانا نزيلين دائمين على المقهى، بعد تناولهما وجبة المشاوى من محل مجاور للندوة.

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق