الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الربيع» المُر!

الثورات علميًا تنقل المجتمعات وسكانها من الأسوأ للأفضل ويشكل حجم رضا الأغلبية على قيامها أحد أهم معايير تقييمها والحكم عليها. وربما لا نحتاج إلى أى دراسات علمية أو أوراق بحثية أو زيارات ميدانية لإثبات التدهور الذي جرى فى حال الشعوب العربية التى زارها وضرب أراضيها ما سُمى بـ «ثورات الربيع العربى». ولا نحتاج لأى من ذلك لإثبات حجم الرفض الشعبى لها ولنتائجها مهما كانت نية من شاركوا فيها من أبرياء صدقوا دعوات زينت لهم وأنهم فى طريقهم إلى الأفضل.



لا نحتاج من أى جهة لإثبات أثر ما جرى بمنطقتنا العربية على بلادنا.. إذ إن العبرة كما يقولون بالخواتيم، التى هي فى السياسة ومصالح الشعوب أحوال معيشية ومكانة إقليمية ودولية وأرض وطنية مطلوب الحفاظ عليها وكل ذلك مقدر بالأرقام. ففى سوريا مثلا  بلغ حجم الضحايا ما يقرب من نصف مليون قتيل، فضلا عن مئات الألوف من المصابين، إضافة إلى ملايين المشردين والنازحين والمهجرين  الذين تركوا مدنا وقرى وأحياء لتدميرها بالكامل بخلاف ما دمر على المستوى الوطنى من بنى تحتية ومصانع ومؤسسات بحثية وعلمية فى بلد لا يزيد سكانه عن 30 مليون نسمة بما يبرز حجم الخسائر وكارثيتها، وبعد أن كانت سوريا قد أنجزت خطوات مهمة فى التقدم العلمى والاكتفاء الذاتى والتخلص من الديون أصبحت الآن مدينة بعشرات المليارات من الدولارات وتحتاج لأضعافها لإعادة البناء!! بينما الوضع فى ليبيا أسوأ بالطبع، فهى تخضع لعصابات وميليشيات لا نعرف من أين جاءت، ولا كيف جاءت وضاعت معها ملامح الدولة الوطنية وتحولت إلى إقطاعيات صغيرة يهيمن فصيل إرهابى على كل منها، بما لا يمكن معه علميًا وصف ليبيا بالدولة، فضلا عن ضياع ثروات الشعب الليبي الشقيق فى الداخل والخارج. والحال كذلك فى الدولة التى صدق شعبها أو على الأقل بدأوا من عنده الترويج لجنة الديمقراطية وهى العراق، الذى يعاني من أزمات حادة رغم امتلاكه لثاني احتياطى نفطى فى العالم! ولم تكن تونس بعيدة عما يجرى، بل من عندها بدأ سقوط أول قطعة من قطع الدومينو، وبعدها بدأت باقي القطع فى السقوط أو هكذا أريد لها لولا حفظ الله لبلادنا وقد سخر لذلك قواتنا المسلحة.. جيشنا العظيم! الآن.. نقف ونتوقف لنرصد ونحسب الحساب الإجمالي.. ونسأل: هل الخسائر بشرية ومادية فقط؟ هل الخسائر هى ما شاهدناه فقط؟ أم هناك خسائر أخرى غير ملحوظة؟ بالطبع هناك خسائر غير ملحوظة وغير موجودة فى الحساب الختامى.. إذ إن تحريض مذاهب على مذاهب أخرى وتحريض طوائف على طوائف وفى بعض البلاد تحريض قبائل على قبائل وزرع بذور الفتنة وتحميلها بثأرات دامية، ليصبح حل الصراعات صعبًا للغاية خصوصا بتشجيع طموح انفصال هؤلاء أو تمرد هؤلاء على أولئك، وبالتالي نقف على أعتاب تاريخ مختلف ستكون الصراعات الداخلية سمتها الأساسية لنكون أمام تفكيك وتفتيت وتجزئة بلادنا العربية! ولذلك نحتاج إلى جهود جبارة وكبيرة لإبقاء العراق موحدًا وإبقاء سوريا بلا استقطاع أجزاء من أرضها، ولإعادة ليبيا سيرتها الأولى.. ولإبقاء اليمن موحدا دون انفصال الجنوب. وكل ذلك كنا فى غنى عنه لو لم يكن ما سُمى بـ" الربيع العربي"! الآن تراجعت قضايانا التاريخية.. فبدلا من استمرار بذل الجهد لتحرير فلسطين مثلا، باتت كل أحلامنا هي إنقاذ بعض الدول العربية من الضياع والتقسيم! ومن النتائج الخطيرة لما يُسمي بـ "الربيع العربى"، استدعاء أطراف غير عربية للمنطقة، هى أصلا لها مشروعها السياسى، ومنها من تقف فى مشروعها على أسس قومية تتصادم بالضرورة مع المصالح العربية.. مثل تركيا وإيران! ومن النتائج السلبية أيضا، هذا التجرؤ الذى حدث على الأمن القومى العربى من دول الجوار تركيا وإيران واثيوبيا، وطبعا من قبلهم إسرائيل التى لم تعلن القدس عاصمة ولم تضم الجولان إلا بتداعيات هذا الذى جرى! سنحتاج سنوات طويلة لرأب الصدع الذى حدث بين دول شقيقة وبين بعضها كانت هى مصدر الخطر على شقيقاتها أو المفترض أنها شقيقاتها حتى تباعدت تهديدات العدو الأساسى، وبرز العداء العربى - العربي بكل أسف وأسي. كان بإمكاننا أن نتحدث عن الآثار المعروفة لهذا الذى جرى ونعرفه وتعرفونه.. من انهيار القيم وتراجع الأخلاق وانهيار الجيوش فى دول وانهيار الشرطة فى دول أخرى وانهيارهما معا فى بلاد ثالثة.. وما يتطلبه بذل الأموال والجهد لبنائهم من جديد. وباكتمال الصورة، يتضح حجم المؤامرة ويتضح حجم الكارثة التى خُطط لها بعيدًا عن أوطاننا حتى لو كان هناك حاكم أخطأ وآخر أفسد وثالث كان يستحق الرحيل.. وهذا صحيح نظريًا، لكن هؤلاء لم يخططوا لحياة أفضل لشعوبنا ولا لإنقاذنا من القمع والديكتاتوريه والتخلف والنهب.. بل أرادوا تدمير بلادنا وأوطاننا ذاتها بما يمنع أى قيامة لها من الأساس، وليس فقط منعها من التقدم!!

لا يوجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق